حضرموت في قلب العاصفة

هي جوهر كل صراع في اليمن
ناصر بامندود
March 3, 2024

حضرموت في قلب العاصفة

هي جوهر كل صراع في اليمن
ناصر بامندود
March 3, 2024
.

تمثل محافظة حضرموت أهمية كبرى لليمن، ولها وضع حساس للغاية، فهي تشكّل 36% من مساحة البلاد، وتقدر مساحتها بحوالي (193,032) كيلومترًا مربعًا، موزعة على ثلاثين مديرية.

تطل حضرموت على البحر العربي، بشريطٍ ساحلي يقدر بنحو (350) كيلومترًا، وتحدها المملكة العربية السعودية شمالًا، وتتشارك حضرموت معها منفذَ الوديعة الحيوي، إضافة إلى أهميتها الاقتصادية؛ ففيها يوجد حقل المسيلة النفطي، أهم الحقول النفطية في اليمن، علاوة على ثرواتها المعدنية الأخرى؛ كالذهب والرمال السوداء والثروة السمكية الهائلة.

لكن المحافظة تعيش منذ فترة على وقع حراك سياسي واسع، بدأ بالتزامن مع انطلاق الحراك الجنوبي 2007، حيث شهد هذا الحراك السياسي توسعًا مطّردًا منذ العام 2011، مع ظهور مكونات سياسية، مثل "العصبة الحضرمية"، ومن ثم انطلاق "الهبة الشعبية الحضرمية" في أواخر العام 2013.

رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة حضرموت، صلاح بن مدشل، يُرجع، في تصريح لـ"خيوط"، سببَ الصراع السياسي الدائم في المحافظة، إلى كون حضرموت واقعة في قلب أي صراع سياسي في اليمن، حيث يركز الفرقاء السياسيون في اليمن صراعهم بدرجة رئيسة عليها، وعلى هذا فإن حضرموت بالنظر إلى ما لها من مكانة وحساسية خاصة وغير عادية، سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، يصبح بإمكان من يستطيع السيطرة عليها، التحكم في قلب الخارطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في اليمن، لافتًا إلى أن هذه الصراعات ليست وليدة اللحظة، فحضرموت منذُ زمن بعيد، وهي جوهر كل صراع داخل اليمن.

بعد حرب العام 2015، توسعت الكيانات السياسية الناطقة باسمها، مثل: "مؤتمر حضرموت الجامع"، و"مرجعية قبائل حضرموت"، وكتلة "حلف قبائل حضرموت من أجل حضرموت والجنوب"، و"مجلس حضرموت الوطني"، في حين تم الإعلان مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي 2024، من سيئون، عن تأسيس المجلس الموحد للمحافظات الشرقية.

من جانبه، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة حضرموت مراد باعلوي، في حديثه لـ"خيوط"، أنّ الضرورة تقتضي إدراك الظروف التي تشكّلت فيها هذه الكيانات، والمرحلة التي تطلبت تشكيلها، وهي ظروف يعرفها أهل حضرموت جيدًا، ويعرفها كذلك أصحاب القرار الذين أقصوا وهمشوا حضرموت.

لذلك جاءت هذه الكيانات، ابتداءً من حلف قبائل حضرموت والعصبة الحضرمية ومؤتمر حضرموت الجامع، الذين ساهموا جميعًا في وضع منطلقات ورؤى سياسية واضحة، وفق باعلوي، إذ أصبحت "القضية الحضرمية" واستحقاقاتها معلنة، مرورًا بالكيانات التي تشكلت فيما بعد، والتي في معظمها تخدم أجندات ومشاريع معروفة لدى الجميع، وانتهاء بمجلس حضرموت الوطني، الذي أتى ليكون الحامل السياسي لتطلعات الحضارم. 

إذا لم يُبنَ مجلس حضرموت الوطني على أسس صحيحة فلن يكون له قبولٌ وحاضنة في الداخل، وإن غياب التنوع الحقيقي لطبقات المجتمع الحضرمي والمستقلين في هيئاته سيضعف عمله بشكل كبير، وسيجره إلى أحضان التبعية الحزبية والقبَلية.

كما يُعتقد أن جمود مؤتمر حضرموت الجامع وعدم القيام بمسؤولياته تجاه المواطن في حضرموت، كان سببًا رئيسًا لظهور كيانات أخرى تتبنّى بشكل أو بآخر هموم المواطن، ولكنها في الواقع ما هي إلا أداة من أدوات الفواعل الرئيسة في الأزمة اليمنية.

بالمقابل، هناك من يؤكّد أنّ التخبط الحاصل في حضرموت لا يخفى على منظار الفلك السياسي، وقد تكون أزمة الانتماء جزءًا لا يتجزأ من هذا التخبط، بحسب الناشطة السياسية يسرى البطاطي، التي تحدثت لـ"خيوط"، فعادة ما تحدث ارتباكات الانتماء في ظل عدم وجود هوية ناضجة عاكسة حقيقة الحضارم، صانعة مستقبلهم السياسي، الأمر الذي ساهم كثيرًا في تعدد الكيانات السياسية في حضرموت، خصوصًا في ظل هذه الأوضاع التي تعيشها البلاد.

مجلس حضرموت الوطني

مجلس حضرموت الوطني، ليس آخر الكيانات السياسية التي تكونت في المحافظة، ففي يناير/ كانون الثاني الماضي 2024، تم الإعلان عن تشكيل المجلس الموحد للمحافظات الشرقية، الذي يحسب على "حزب الإصلاح"، ليصدّر شخصيات تنتمي إليه، المشهد وللتغطية التي حظي بها من وسائل الإعلام المنتمية إليه.

لكن مجلس حضرموت الوطني هو الذي أثر الكثير من الجدل وصار حديث الشارع الحضرمي منذُ بداية مشاورته في يونيو/ حزيران 2023 إلى إشهاره، بمباركة سعودية وبعد غيابٍ عن الأنظار دام حوالي خمسة أشهر تقريبًا، حيث أُعلن من الرياض في 28 من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي 2023، عن تشكيل هيئة رئاسة مجلس حضرموت الوطني، وتكونت الهيئة من (23) عضوًا، يمثلون أطياف المجتمع الحضرمي، حسب وصف الإعلان. 

ضمت الهيئة شخصيات سياسية وأكاديمية وقبَلية ومن السلطة المحلية، مثل المهندس أمين بارزيق، وكيل محافظة حضرموت للشؤون الفنية، واحتوت القائمة على امرأتين، وهما: الدكتورة نشوى السومحي، وفاطمة بلعجم. 

لكن سرعان ما أعلن الشيخ عمرو بن حبريش، وكيل أول محافظة حضرموت، رئيس حلف قبائل حضرموت، انسحابه من هيئة رئاسة مجلس حضرموت الوطني، معلنًا في تغريدةٍ له على منصة "إكس": "طالعنا الإعلان عنه في مواقع التواصل الاجتماعي". الأمر الذي وضع تساؤلًا هامًّا: هل تم التنسيق والتواصل مع كافة الشخصيات المكونة لهيئة رئاسة مجلس حضرموت الوطني، أمّ تم اختيارها دون موافقتها؟! ويقال أيضًا، إنّ الدكتور المهندس عمر الحيقي، اعتذر عن قبول عضويته في مجلس حضرموت الوطني.

يعتقد ابن مدشل أن المجلس لن يلقى أي نجاح ملموس، مفسرًا ذلك بالنظر إلى كونه لم يُصنع بإرادة محلية حضرمية، وصُنع من قوى خارج حضرموت، في حين ثمّة أسماء موجودة فيه لا يوجد توافق شعبي كبير عليها، إذ يعدّ إحدى مخرجات الوضع الحالي التي لا تمثل أي جدوى حقيقية. 

بدوره يوضح باعلوي أنّ مشروع مجلس حضرموت الوطني إذا لم يبنَ على أسس صحيحة فلن يكون له قبولٌ وحاضنة في الداخل، وأن غياب التنوع الحقيقي لطبقات المجتمع الحضرمي والمستقلين في التمثيل سيضعف بشكل كبير عمل المجلس وسيجره إلى أحضان التبعية الحزبية والقبَلية، بينما قد نرى من الأهمية بمكان قيام رأس هرم السلطة في المحافظة أيًّا كان اسمه، بالإشراف المباشر على هذا المجلس كونه سيمارس عمله من داخل حضرموت، وأنّ نجاح المجلس مرهونٌ بتكامل وتناغم العمل بينه وبين السلطة المحلية في حضرموت.

تجارب سابقة فاشلة

مجلس حضرموت الوطني، المكون السياسي الأخير الذي أنشئ في حضرموت، ليس الأول من نوعه الذي تكون بصبغةٍ حضرمية ومن أجل انتزاع حقوق حضرموت وجعلها بمكانةٍ مميزة، بعيدًا عن هينمة المركز، حسب ما يقول ممثلوه. 

قبل حوالي 10 سنوات، في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2013، قامت "الهبة الحضرمية الأولى" عقب اغتيال الشيخ سعد بن حبريش، مؤسس حلف قبائل حضرموت، في نقطةٍ عسكرية بسيئون، ودعت هذه الهبة إلى الكثير من المطالب الحضرمية، كما حظيت بدعم شعبي كبير، لكن لم يستفِد منها إلا عدة أشخاص على رأسهم الشيخ "عمرو بن حبريش"، بحسب ما يقول المواطن أحمد سعيد، وهو ناشط اجتماعي لـ"خيوط"، في حين يرى الدكتور ابن مدشل أن سبب فشل الهبة الشعبية الحضرمية يعود إلى انحراف مسارها عن الأهداف التي قامت من أجلها. 

بعدها بثلاث سنوات في العام 2016، تأسس مؤتمر حضرموت الجامع بعضوية أكثر من 300 شخصية من مختلف الأطياف في حضرموت، وحظي بدعم من السلطة المحلية، وعلى رأسها محافظ حضرموت الأسبق أحمد سعيد بن بريك، وكانت من أهدافه المعلنة ضمان مستقبل تسوده العدالة الاجتماعية والرخاء الاقتصادي، ولكنه لم يحقق الأمنيات المرجوة منه، وتراجع تأثيره السياسي كثيرًا، واستقال أو انسحب أو تراجع منه شخصيات عديدة، وذلك وفقًا لمجريات الأحداث. 

أدوات بيد الخارج 

في أواخر العام 2021، ومطلع العام 2022، انطلقت "الهبة الشعبية الحضرمية الثانية"، بقيادة الشيخ حسن الجابري، والشيخ صلاح بن حريز، ورفعت شعار "يا عز يا عزاء"، حاملة مطالب حقوقية عديدة لمحافظة حضرموت.

بَيْدَ أنّها هي أيضًا سرعان ما خيّبت الآمال، وتراجع الدعم الشعبي في حضرموت لها، بحسب حديث أحمد سعيد، حيث يقول: "كنت ممّن يذهبون إلى الاجتماعات التي يدعو لها شيوخ هذه الهبة في منطقة العيون، وكنت أصفق بحرارة لخطاباتهم الرنانة، ولكن مع الأيام خابت كل الآمال التي ظنّنها فيهم"، فيما يؤكد مواطنون وناشطون اجتماعيون ومراقبون سياسيون أنّ فشل هذه الهبة سببه خروجها عن الأهداف التي وُجدت من أجلها.

وفق سعيد، فإن كل هذه الكيانات السياسية الموجودة في حضرموت، لم تخدم المحافظة وأهلها في شيء حقيقي، مشيرًا إلى أنّ الأدوات تتركز بيد الدول المجاورة لتنفيذ أجندتها وتتضارب مصالحهم فوق مصالح هذه الدول، وأن الشعارات البراقة لا تمثل الأهداف الحقيقية، ويرى أنّ المال السياسي هو السبب في إنشائها واستقطاب أعضائها، ويضيف أنهم لا يملكون من الأمر شيئًا، وأنهم مثل بيادق الشطرنج بيد الآخرين". 

في حين يرى المواطن أبو زيدان، في حديثه لـ"خيوط"، أنّ "المال السياسي" يستطيع في أي منطقة قلب الموازين، وإيجاد اختلالات من شأنها رسم تصور الجهة أو الكيان أو الدولة التي ترفد لاعبيها المحليين، ويعد ركيزة دائمة لكل كيان يحاول أن يُنشأ.

كما يعتبر الناشط الاجتماعي، راشد باصريح، في حديث لـ"خيوط"، أن مستقبل حضرموت واليمن بشكلٍ عام، يحدده التدخل الإقليمي والدولي في اليمن، ويعود أيضًا إلى أي مدى سيستمر الفصل السابع فعّالًا في اليمن، بينما هناك من يعتقد أن مستقبل حضرموت قائم على مدى مقدار التوافق بين المكونات السياسية في التأثير على القرار السياسي في اليمن، وتركيزها على التنمية وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

•••
ناصر بامندود

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English