أزمة غاز خانقة في الحديدة

خيارات بديلة للمواجهة، ومحاولات حثيثة للتكيف
ياسمين الصلوي
February 27, 2022

أزمة غاز خانقة في الحديدة

خيارات بديلة للمواجهة، ومحاولات حثيثة للتكيف
ياسمين الصلوي
February 27, 2022

يعيش اليمنيون أزمات متلاحقة مُنذ اندلاع الحرب في مارس/آذار 2015، وتحديدًا المواطنين في محافظة الحديدة على وجه التحديد، المدينة التي لاقت نصيبًا وافرًا من الأزمات، وفي مقدمتها أزمة غاز الطهو التي تعاني منها المحافظة منذ أكثر من شهر ونصف.

تستخدم أم محمد (اسم مستعار) أعواد التبغ الذي يستخدم أوراقه جيرانها في التدخين، كوقود لطهي الطعام بديلًا عن الفحم والحطب اللذين تعجز عن شرائهما؛ نظرًا للظروف المادية الصعبة ونظرًا لكونها تعيش في وسط الحديدة، إذ تتكون أسرتها من خمسة أبناء، وزوج يعاني من السكر منذ بداية الحرب، إثر فقدانه مصدر رزقه الوحيد.

تبدو أزمة غاز الطهو المنزلي واضحة الملامح في مدينة الحديدة، إذ تصطف حزم الحطب على أرصفة الشوارع الرئيسية والأسواق شاهدة على هذا العجز.

عشرات الأطفال والنساء الذين يجوبون الحارات وأماكن تكدس القمامة للبحث عن مخلفات كرتونية أو بلاستيكية، لاستخدامه كوقود عوضًا عن الغاز.

يحرص "إسماعيل" على الذهاب إلى الفرن الذي يعمل به باكرًا، إذ عليه أن يبيع الفحم المشتعل الذي يتسابق على شرائه المواطنون منذ أشهر. يتحدث إسماعيل لـ"خيوط"، قائلًا: "يتسابق الكثير على شراء الفحم المشتعل كوقود، ويساربون لوقتٍ طويل عليه، كلٌّ حسب احتياجه". 

ويضيف إسماعيل: "أن الذين يأتون لشراء الفحم أغلبهم فقراء يعيشون على وجبتين فقط في اليوم"، ويرجع إسماعيل السبب في إقبال المواطنين على شراء الفحم المشتعل لعدم قدرتهم على شراء الغاز من السوق السوداء، وتواطؤ عقال الحارات في بيع حصص الناس الرسمية من الغاز لأصحاب المطاعم والكافيهات.

غلاء يسبقه أزمة

على صعيد متصل، تشهد أسواق الحطب مع كل أزمة في غاز الطهو المنزلي، ارتفاع في أسعاره، لكن الأمر يختلف هذه المرة كما تقول (أم نبيل) التي تسكن في مديرية (الحالي) مركز مدينة الحديدة: "السنة الماضية كنت أبوك (أذهب) أشتري حطبًا بمئة ريال يسدني (يكفيني) للغداء، أما الآن فبالمئة الريال يهبوا لي (يعطونني) ثلاث أعواد فقط"، وتضيف: "الفحم غالٍ والحطب غالٍ والغاز معدوم، وزوجي يوم يشتغل وأسبوع لا، الأزمات تحاصرنا من كل جانب"، تنهي (أم نبيل) حديثها.

اضطررت لاستخدام أخشاب سقيفة فناء المنزل الشعبي كوقود لطهي الطعام، بسبب عجزي عن شراء الحطب والفحم الخشبي، الذي بات هو الآخر خارج حدود استطاعتي بسبب أزمة الغاز الخانقة في الحديدة.


غلاء الحطب لا يؤرق أرباب الأسر فقط، بل تمتد المعاناة لملاك المخابز والأفران، حيث تضاعف سعر الحطب على ما كان عليه من قبل، وهذا ما يشير إليه الخباز (إسماعيل) بقوله: "كان سعر الناقلة "شاحنة" الحطب قبل الأزمة الحالية يتراوح ما بين 100 إلى 150 ألف ريال، أما اليوم فارتفع سعرها من 200 إلى 250 ألف ريال، على حسب نوع الحطب من مرمرية إلى علب (سدر) إلى مانجو وغيره".

ارتفاع أسعار الحطب بشكل ملحوظ دفع ملاك المخابز إلى رفع سعر الخبز، أمر يؤكده إسماعيل: "بعض المخابز اضطرت لرفع سعر الروتي (أحد أنواع الخبز) إلى خمسة وعشرين ريالًا، والبعض قلص حجمه مع الحفاظ على السعر بعشرين ريالًا".

فكيف لمواطن يعيش بأجر يومي أن ينجو من أزمة الغاز بشراء أسطوانة تزيد قيمتها عن ستة عشر ألف ريال؟ علمًا أن هذا سعرها في السوق السوداء.

حل مؤقت

انعدام غاز الطهو في محافظة الحديدة لم يثنِ الصديقات فاطمة ومريم وجارتهن أم نبيل من القيام ببعض المهام المنزلية والوجبات بعد تجميع الأخشاب المتهالكة من أفنية منازلهن ومنازل الجيران.

تقول أم نبيل لـ"خيوط": "كانت مهمة تحضير الفطور مهمة شاقة، نظرًا لاستخدامنا التنور الطيني، لكن أحد الجيران دلنا على "طباخة أسمنتية" تعمل بالطاقة الشمسية، وجدناها حلًا يساعدنا على إنجاز الفطور بوقت وجهد أقل".

لا يهم من الذي ابتكر هذه "الطباخة" المهم أن المواطنين في الحديدة وجدوها حلًّا مؤقتًا في حال انعدام الغاز ، حتى أصبحت صناعتها مصدر دخل للكثير بسبب الإقبال عليها لمواجهة أزمة الغاز.

يعمل برهان الشرعبي في صناعة هذه "الطباخات" الآلات منذ 2017، بعد أن شاهد رجل يأتي إلى السوق الذي يعمل به لبيعها يقول الشرعبي لـ"خيوط": "بدأت أسأل الرجل عن كيفية صناعتها، وشرح لي الطريقة، الإقبال على شرائها مع كل أزمة غاز شجعني على صناعتها وبيعها".

كل ما يحتاجه برهان لصناعتها، وعاء معدني مربع وعلبتين صغيرة الحجم دائرية الشكل، وخمسة كيلو من مادة الأسمنت، إضافة الى قصاصات حديدية طولية الشكل ومروحة صغيرة (تستخدم في أجهزة الكمبيوتر المكتبي)، يؤكد الشرعبي أنه قام بتجهيز أكثر من 100 "طباخة" خلال الأزمة الحالية.

خيارات ومعاناة

تحدثت مواطنة (طلبت عدم ذكر اسمها) لـ"خيوط" قائلة: "اضطررت لاستخدام أخشاب سقيفة فناء منزلي الشعبي التي كانت تقينا أشعة الشمس الحارقة كوقود لطهي الطعام، بسبب عجزي عن شراء الحطب والفحم الخشبي، الذي بات هو الآخر خارج حدود استطاعتي بسبب أزمة الغاز الخانقة في الحديدة".

خيارات صعبة أمام المواطنين في الحديدة لتجاوز أزمة الغاز المتكررة منذ اندلاع الحرب، يكرر السكان مقولتهم التي اعتادوا ترديدها مع كل أزمة "الله يفرجها من عنده".

"نشتي غاز"

من رحم المعاناة يولد الإبداع، مقولة أكدتها أعمال فنية جسدت معاناة المواطنين في اليمن جراء أزمة الغاز المنزلي إذ تداول ناشطون في الأيام الماضية مشهدًا تمثيليًّا يحاكي الأزمة، تناولَ قصة فتاة جامعية تركت محاضراتها من أجل البحث عن أسطوانة غاز منزلي.

بالتوازي مع تداول أغنية "نشتي غاز" في مواقع التواصل الاجتماعي التي حصلت على نسبة مشاهدة عالية، حيث تناولت الأغنية معاناة المواطنين في الحصول على الغاز، وصورت مدى الإزعاج والقلق الذي تولده هذه الأزمة في الأحياء والحارات عند جمع الأسطوانات، كما تناولت تدهور حال المواطنين الذين يعتمدون على الغاز في مصدر دخلهم. 

إضافة إلى أعمال درامية وغنائية شتى أخذت الطابع الكوميدي وجدها الشباب في اليمن متنفسًا للتعبير عن معاناتهم وما يتكبده المواطن من ويلات الحرب التي لا حصر لها.


•••
ياسمين الصلوي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English