(الحُريّة).. كينونة الإنسان

تؤنسن المتوحِّش، وتهذّب الطباع!
محمد علي اللوزي
February 27, 2023

(الحُريّة).. كينونة الإنسان

تؤنسن المتوحِّش، وتهذّب الطباع!
محمد علي اللوزي
February 27, 2023

الحريةُ فضاءٌ للإبداع، تطلّعٌ للحياة، رؤيةٌ للمعنى الجميل، فتح زمن قادم، امتلاك للتاريخ، زهو يجيء إلى الإنسان، وسفر لا يكلُّ إلى الجمال، وتعبير عن تفرّد الذات في عالمها، وتداخلها، واتحادها.

الحريةُ كينونةُ الإنسان، جوهر معناه، انطلاقته إلى فضاء الدهشة، اختياره في أن يكون كما يكون، احترام للعقل، وانطلاق به إلى السماء، تفتحٌ مع الرؤى والإبداع، امتياز خصّ به الله الإنسان. الحرية هي ما نقولُه صدقًا وفنًّا وروعة، وكثيرٌ من الاشتهاء. وهي الضمير الحقيقي للتعايش الخلّاق، وتكوين قدرات، واحترام قدرات، وترتيب المعنى النقي للبشري في إشراقة قلبه، وتقوى ذاته. والحرية توق إلى القادم، وانصهار في المستقبل حدّ امتلاكه، وهي الزهرة هناك وحيدة إلا من طل ورشات مطر، وهي الجدول ينساب إلى منتهاه، والفصول تتوالد من ذاتها، وتترجم نفسها وتكوينها.

الحريةُ الشمسُ التي تشرق في كل وجه، وهي الهواء لكلنا، والسحابة للجميع، والأرض انبساط لكل بني البشر. وهي -أي الحرية- ما يفعل فينا رغبة التشكل الأنيق، وتقديمه للـ(هم) لنعرف الـ(نحن). هي بهذا المعنى، تعارف وتعاون وتعامل، يفضي إلى حرية. من الحرية تنبت حريات، وتطل معانٍ متجددة، ويشعر الآخر بالآخر وهو يحتفي بالحب ويبتهج للرقي الإنسانيّ. الحرية ما يمضي إلينا بدون احتكار ومصادرة وإقصاء وعبث بالوجود والتواجد. هي ضدّ المهيمن الاستعلائيّ المنفّر، ضدّ القيد، وضدّ الاسترقاق واستلاب البشر أحلامَهم. جغرافيا الحرية من انطلاق وفتوحات وتعقل عالم ومواقف لا تقبل النكوص أو الارتهان أو الإملاء. هي إذن، مسافةُ فرح لا تحد، وانتفاع بين بني البشر، وإخاء وعدالة ومساواة. هذه الحرية عنوان لا يقبل التأجيل منذ ولادة الإنسان حرًّا. لذلك تغدو نضالًا وإرادة وعملًا وتطلعًا وبناءً، ما أن نحوز عليها حتى نريدها هناك، وحين نمتلكها نحن، نتوق إلى البعيد منها ونستحضره، لننفقه نحن في هذا الكوكب الأرضيّ.

وحدها الحرية من يطرق باب الجمال، ويحوز عليه، ويؤنسن المتوحّش ويهذّب الطباع. الحرية تَحضُّرٌ لا يقدر عليه من لا يدرك المعنى العظيم للإلهي في الإنسان. بهذا المعنى هي المقدس عبادةً وهي القصيدة حبًّا، وهي التتابع الجميل ليكون متواجدًا على الدوام.

الحرية منطلق الوجود ومنتهاه. حين لا حرية، تغدو الأشياء تافهة، مسطحة لا معنى لها، ويصير الكوني غارقًا في دياجير الامتلاك والنزوع إلى العنف وإلى استعباد البشر، ويعتلي الإنسان ما ليس مكانه، ويكون من نصف إله، ومن وحشة وظلمة وألم. وليس سوى الحرية تجعلنا ندرك (نحن) ونعرف مستوى الفرح، ومعنى الله في الضمير، في الكون، في آيات الدهشة، في البحر والبر والجو. الحرية قُوتُ الآدمية لتكون كبيرة بقيمها، وزادُها الذي ترحل به نحو الفسيح المبهج الجميل القادر على التخلق من ذات الفرد الذي يحترم مجتمعه.

الحرية ما نهوى ونسير فيه، وهي نضال البشر عبر التاريخ من أجل النقاء، وليكون العالم حقيقيًّا خاليًّا من الخداع والنفاق وزيف القيم الانتهازية التي يصنعها الطغاة. الحرية ولادة جديدة ومتجددة على الدوام. وهي الإنسان في التاريخ، والتاريخ في صيرورته إبداعًا، والإبداع في تطوره إنسانيًّا، لذلك لا تحفل بالقهري، وتُدِينه، ترفضه وتقاومه، وتنظر إليه على أنّه متوحش. وبين الحرية ونحن ممكناتُ الوعي بها، والإيمان بأنّها الأقدر على أن تفعل ما هو إنجاز إنساني يستحق أن يكون إضافة في التاريخ؛ لذلك هي على الدوام بناءٌ لا يحد، ولا يكلّ، ولا يعترف بالتوقف.

الحرية ليست للمزاد ولا لتجارة العبيد، ولا للاستغلال والأنانية، لذلك لكي نفقه معناها، لا بُدّ من ارتيادها، واستحضارها موقفًا قويًّا إيمانيًّا، لا يتنازل عن الإنسانيّ، ولا يقبل بالتأجيل والتسويف والمصادرة للحقوق. هي بهذا المعنى تمثالٌ شامخ وقصور ملوك يأوي إليها من اعتنق الحرية إرادةً وبناءً وتطلعًا وفرحًا، ورفض كل معاني الخيانة والمتاجرة واستبعاد الآخرين تحت أي مبرر. لذلك الحرية هي الماء لكلِّ الناس، وهي الأرض والسماء والنور والمساء للجميع، دونما استثناء. منها وحدها تغدو البشرية صانعة مستقبلها، وتعايشها، وتفنُّنها في الجميل والنمنمة وما هو متواضع سخي...

الحرية، الحرية، كونوا منها وفيها وبها، ليكون الحب تقاسيم غناء، وتراتيل فرح، وتموج كون، ونغم قلب.

الحرية، الحرية، كم نهواكِ ونريدكِ، ونمقت من يقف في وجهك؛ لأنّكِ نحن أسوياء.

•••
محمد علي اللوزي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English