الشاعرة التي خلّدتها أغنية

"فانوسة" أول امرأة تقيم صالونًا أدبيًّا في عدن
عبير اليوسفي
October 29, 2022

الشاعرة التي خلّدتها أغنية

"فانوسة" أول امرأة تقيم صالونًا أدبيًّا في عدن
عبير اليوسفي
October 29, 2022

بين القصيدة والأغنية يقف الشاعر بإبداعه الذي يكسي اللحن كلماته، ليخلق لنا أغنية تحمل هويته في معانيها. ومن عدن التي غذّتنا دومًا بأغانيها الطربية، برزت في ستينيات القرن الماضي أغنية تميزت بشاعرية شاعرتها التي كانت في تلك الفترة تمثّل أيقونة المرأة الأديبة، والتي اشتهرت كأول امرأة يمنية تقيم صالونًا أدبيًّا في منزلها يرتاده الشعراء والموسيقيون.

صفية محمد علي الفانوس، أو "فانوسة" كما لقبت، شاعرة ولدت في دار سعد -عدن- وغيّبها الزمان لأسبابٍ لم تعرف، لكن بعد البحث وجدت أنّها قد غادرت اليمن إلى مصر في أوائل السبعينيات وأصبحت سيدة أعمال ناجحة.

من المؤسف عدم الوصول إليها أو إلى إنتاجها الأدبي، ومن المحزن أنّ امرأة مثل فانوسة لم يتم التعريف بها، بشكل لائق كشاعرة يمنية. ولم أجد لها ذكرًا مفصلًا عدا مقتطفات من كتب سير عدنية ذُكرت فيها. 

يستذكر الموسيقار اللحجي سعودي أحمد صالح، في كتابه "حياتي وفنّي" بداية تعرفه على فانوسة، بقوله:

"في أحد أيام 1964، عرض عليّ الشاعر محمود السلامي أغنية، وقال إنّ شاعرة عدنية تطلب تلحينها واسمها الحقيقي "صفية محمد علي"، ولقبها "فانوسة"، وقد تعرّفت عليها بعد تلحين القصيدة، وقد كانت جارة للأستاذ محمود السلامي، تمتلك فيلّا أمام منزله في منطقة دار سعد. حيث استضافتنا في فيلّتها للاستماع للحن، فإذا بي أمام أديبة رائعة الجمال على قدر كبير من الثقافة، وكانت معجبة باللون اللَّحْجِيّ، وخاصة "الدان" بتجلياته الشعبية، حيث كانت تقول الشعر في هذا اللون المميز عندها. 

أغنية "من جمالك، من دلالك" كلمات الشاعر لطفي أمان، شرع بامدهف في تلحينها في السيارة وهو مع فانوسة حينما شعر أنّها تصف حالة الحب والهيام التي يعيشها، ولشدة إعجابه فقد لحن الكوبليه الأول والثاني، وما أن وصلا إلى البيت حتى فوجئ بها تغلق عليه الباب وترفض أن تفتحه إلى أن يفرغ من تلحينها. وقد استذكر بامدهف ضاحكًا: "لحنت نصف الأغنية وأنا حر، والنصف الآخر وأنا مسجون".

في نهاية عام 1964، استمع المغني عبدالكريم توفيق إلى الأغنية، فطلب أن يغنّيها لتصبح "تحدّى الحب يا ويله"، وهي الأغنية اليتيمة التي تصل إلينا من قصائد كثيرة للشاعرة.

وممّن كتب عنها الشاعر اللحجي صالح نصيب، والذي كان أحد رواد صالونها الأدبي وكتب فيها أغنية "أخاف منك عليك"، والتي غنّاها الفنّان فيصل علوي، وتقول بعض كلماتها:

أخاف والخوف منك 

 أخـاف منّـك عليـك

أخاف يغريـك حسنك

 وتحسب أنك مليك

على ذوات الحسن

 ربّات الخصال

أو أنت معبــود

 عشــــاق الجمال

وتحسب أنّ الكــل

 لا شيء لديـك

فنّ ممزوج بالحب

تزوجت الشاعرة فانوسة مرتين كما ذُكر، أحدهما طه (مستر حمود)، والآخر الفنان والملحن سالم بامدهف، بحسب ما ذُكر في كتاب الصحفي جميل محسن "عبقرية الفنّ والموسيقى"، الذي نجد فيه تفاصيلَ عنها في الفترة التي ربطتها مع الفنّان. فقد عشق بامدهف فانوسة كما عشق عدن، وأحبّ شاعريتها التي تميّزت بها، وقد كانت امرأة على قدر من الجمال والذكاء والنباهة. وارتبط معها في قصة حب انتهت بالزواج. 

اجتمع في حبّهما الشاعر والفنان، ونتج عن ذلك ما تغنّى به بامدهف من أغانٍ في فترة زواجهما، حملت كلٌّ منها قصة ربطتهما معًا. ففي ليلة زفافهما وبينما كانت فانوسة تعد العشاء، وُلِد لحن أغنية "نجوى الليل" للشاعر لطفي جعفر أمان، والتي كانت بحوزته منذ فترة طويلة ولم يجد لها اللحن المناسب، إلا في ليلة زفافه. كان الفنّان يدندن باللحن بحضور محمد سالم باسندوة وعبدالله الأصنج والذي كتب مقال "شبهت لك الليلة بليالي هارون الرشيد"، وشخصيات أخرى، فأخذ يردّد مطلع الأغنية وسط ذهول الحاضرين من جمالية اللحن والأداء، وأخذوا يردّدون بعده، وصفية معهم. وقد ذكر أنّها كانت تمتلك صوتًا جميلًا، وثمة تسجيلات مشتركة مع بامدهف، ولكنّها تسجيلات خاصة.

أما قصة الأغنية الأخرى، فهي أغنية "من جمالك، من دلالك" كلمات الشاعر لطفي أمان، فقد شرع بامدهف في تلحينها في السيارة وهو مع فانوسة، حينما شعر أنّها تصف حالة الحب والهيام التي يعيشها، ولشدة إعجابه فقد لحن الكوبليه (المقطع) الأول والثاني، وما أن وصلا إلى البيت حتى فوجئ بها تغلق عليه الباب وترفض أن تفتحه إلى أن يفرغ من تلحينها. وقد استذكر بامدهف ضاحكًا: "لحّنت نصف الأغنية وأنا حر، والنصف الآخر وأنا مسجون".

وللحب أوقاته السعيدة، التي يكدرها خصام المحبين، مرّ حبهما بخصام وقع بينهما، فذهبت صفية إلى الشاطئ مع صديقتها وأختها كما اعتادت كل خميس وتركته في المنزل وحده، لكن ظل باله مشغولًا بها، فقرر الذهاب إليها في شاطئ "فقم" حيث تتواجد هناك، وبينما هو في طريقه أذيعت له أغنيته "لوحدي كنت أنا ساهر" من كلمات أحمد شريف الرفاعي، وأثناء وصوله للشاطئ في مصادفة عجيبة كانت الأغنية في مقطعها الأخير تقول: "بنيت لك في القلب بنيان، يا ريت اللي كان ما كان، توريني الأسى ألوان، تخليني عليك زعلان"، ووجدها تستمع لذات الأغنية وما أن التقيا حتى احتضنا بعضهما في مشهد شاعري. 

رغم الحب الذي عاشاه سويًّا والذي تملك قلبهما، لم يدم زواجها منه، فكما هو مذكور في سيرته أن بامدهف هاجر تاركًا عدن إلى الإمارات، ومتزوجًا بأخرى. 

أيقونة شبه منسية

لم نكد نعرف الشاعرة صفية إلا من أغنيتها الوحيدة، وصورة قديمة عُرفت فيها وهي شابة، والأخيرة التي نشرت على مواقع التواصل قبل سنوات قليلة، وليس ثمة ما يُعرف عنها اليوم غير أنّها تقيم بين الإمارات ومصر وبريطانيا، وأنّها تمتلك مطعمًا وبنسيون، ولم تزل أياديها البيضاء تمتد لكثيرين ممّن عرفت في ذلك الزمن.

قلة الاهتمام بها وبما قدّمته للأدب والغناء في المرحلة التي شهدتها عدن، جعلها شبه منسية، تعيش فقط في ذاكرة من عرفوها، لكنها تبقى واحدة من جواهر عدن الأدبية، وصاحبة الصالون الأدبي الأول فيها، وتستحق أن يُحتفى بها كـأيقونة رائدة.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English