عيدٌ لا يمرّ على النازحين بمأرب

طقوس وعادات متوارثة مهدّدة بالتلاشي
إسحاق الحميري
April 13, 2024

عيدٌ لا يمرّ على النازحين بمأرب

طقوس وعادات متوارثة مهدّدة بالتلاشي
إسحاق الحميري
April 13, 2024
الصورة لـ: بدرالدين الشهاري

تحافظ مأرب على خصوصيتها وتميُّزها في العادات والتقاليد، وتفرُّدها بطقوس خاصة بالمناسبات المجتمعية والأعياد الدينية، كما يلاحظ ذلك في عيد الفطر، في ظلّ إصرار أهالي وسكان المحافظة الواقعة شرق صنعاء على إحيائها والحفاظ على ما تبقى منها من الاندثار.

لا يتوقف هذا التميز وخصوصية مجتمع بطابع قبَلي عند هذا الجانب في الطقوس والتقاليد الاجتماعية والمناسبات الدينية والعيدية، بل يطال جانبًا آخر مهمًّا، يتمثل في التعايش المتفرد مع النازحين الذين انخرطوا وتكيفوا وتعايشوا مع هذه الخصوصية في الطقوس والعادات، إذ تحتضن مأرب مئات الآلاف من النازحين بسبب الحرب والصراع في اليمن. 

يؤكّد كثيرٌ من النازحين في مأرب، كما ترصد "خيوط"، عدم وجود اختلاف كبير بين هذه العادات والتقاليد والطقوس، سواء الرمضانية أو العيدية، وبين ما هو سائد في المناطق التي نزحوا منها، سوى في البعد عن مناطقهم وأهاليهم وأقاربهم، إضافة إلى صعوبة وتردّي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، التي تطال تبعاتها جميع المواطنين اليمنيين.

يشرح منصور سالم، من سكان مأرب لـ"خيوط"، أنّ جميع المناطق اليمنية تشترك في كثير من العادات والتقاليد التي يتم اتباعها أيضًا في مأرب، مع تفرّدها بطقوس خاصة، تميّزها عن المناطق والمحافظات الأخرى.

ويشير إلى أنّ من بعض العادات التي يتبعها أهالي وسكان مأرب استعدادًا للعيد: شراء الملابس للأطفال بشكل خاص، والمكسرات والحلويات العيدية، وتعزيل البيوت (ترتيبها وتنظيفها). إضافة إلى القيام بالزيارات العائلية يوم العيد بين الأهل والأقارب وتبادل التهاني والتبريكات، وكذا الخروج إلى المنتزهات والحدائق العامة.

من جانبها، تكثف الباحثة الاجتماعية، الدكتورة ريم بحيبح، من أهالي مأرب، في حديثها لـ"خيوط"، أهم التقاليد المتبعة في العيد بمحافظة مأرب، بقولها: "ابتداء من صباح يوم العيد، يخرج الرجال لصلاة العيد، بينما تعد النساء في المنازل طعام الفطور، ثم يجتمع أهالي المنطقة، خصوصًا الريفية، في منزل الشيخ أو كبير القرية، إذ تأتي كل أسرة بما لديها من طعام صباح يوم العيد، وتشترك الأسر وتجتمع على مائدة واحدة قبل أن يتم بعد ذلك تبادل سلام العيد".

في مأرب، على سبيل المثال، هناك تقاليد خاصة يتبعها المجتمع لاستقبال العيد، كالحرص على تزيين المنازل مع حلول كل عيد، وإعادة تجديدها ظاهرة مميزة، في حين لا يزال أهالي بعض المناطق الريفية الجبلية يوقدون النيران في المرتفعات الجبلية لمناطقهم في آخر ليلة من شهر رمضان احتفالًا بقدوم العيد.

في مأرب ليس هناك ما يسمى (العَسب) أو العيدية، لكن بمقابل ذلك هناك تقليد آخر؛ يزور الرجال والأولاد نساء العائلة، في طقوس أسرية واجتماعية خاصة بصلة الأرحام، في حين يطلق الأطفال المفرقعات والألعاب النارية طوال أيام العيد احتفاء بهذه المناسبة السعيدة. وتؤكّد بحيبح أنّ هناك تأثيرًا ملحوظًا للوضع الاقتصادي والمعيشي وارتفاع الأسعار على فرحة العيد وممارسة تقاليده وطقوسه، في ظلّ عدم قدرة بعض الأسر على شراء الملابس الجديدة للأطفال وتوفير "جعالة العيد".

المنظومة الثقافية 

لا يخفى على أحد ما يمثّله شهر رمضان بصفته محطة دينية عظيمة، تختلط فيها العادات والممارسات الاجتماعية التي تناقلتها الأجيال كتقاليد متبعة، مع الطقوس الدينية والعبادات.

يتطرق الشاعر مسعد عكيزان، من أهالي مأرب، في حديثه لـ"خيوط"، إلى أبرز تلك الطقوس المتعارف عليها في المجتمعات المحلية بمحافظة مأرب، منها: الإفطار الجماعي في المساجد خلال شهر رمضان، والسمر في المساء، وغير ذلك من الطقوس التي اندثر بعضها نتيجة دخول وسائط التقنية الحديثة، كالفضائيات والإنترنت التي أثّرت كثيرًا على مجتمعاتنا المحلية، فعلى سبيل المثال، كانت تعقد مجالس لسماع القصص والحكايات الشعبية من بعض كبار السن الذين يجيدون هذا الفن، الذي تحاول بعض مناطق مأرب الحفاظ عليه كتقليد اجتماعي من الاندثار، حيث يُلاحظ اختفاء هذه العادة في كثير من مناطق مأرب.

وعن التقاليد والعادات في رمضان والاستعداد لاستقبال العيد في محافظة مأرب، يشير عكيزان إلى بعض العادات المتعارف عليها، التي ما يزال معظمها قائمًا حتى اليوم؛ مثل تبادل الزيارات بين الأقارب والجيران، في حين يلفت إلى تقليد متبع في مأرب، مثل إهداء أطباق الإفطار من مختلف الوجبات الخاصة في مأرب؛ طلبًا للأجر كما ينتهج ذلك كثيرٌ من المواطنين من سكان المحافظة.

لا يرى عكيزان وجود اختلاف كبير في المنظومة الثقافية السائدة في مختلف محافظات اليمن، خصوصًا في المناسبات الاجتماعية والدينية كالأعياد، لكن هناك بالمقابل بعض الاختلافات البسيطة التي تميز الخصوصية الثقافية للمجتمعات اليمنية بعضها عن بعض.

في مأرب، على سبيل المثال، هناك تقاليد خاصة يتبعها المجتمع لاستقبال العيد، كالحرص على تزيين المنازل مع حلول كل عيد، وإعادة تجديدها ظاهرة مميزة، في حين لا يزال أهالي بعض المناطق الريفية الجبلية يوقدون النيران في المرتفعات الجبلية لمناطقهم في آخر ليلة من شهر رمضان احتفالًا بقدوم العيد.

عن تأثير الأزمات المعيشية والاقتصادية وغلاء الأسعار، على الطقوس الرمضانية والعيدية، يؤكّد عكيزان تأثير ذلك بشكل كبير على الكثير من التقاليد والطقوس الخاصة بمثل هذه المناسبات؛ فمثًلا كان الناس في مأرب يذبحون الذبائح طوال شهر رمضان، لكن بسبب غلاء الأسعار لم يعد بإمكانهم القيام بذلك.

ينعكس ذلك أيضًا على مظاهر العيد، وعدم قدرة الكثير من المواطنين على شراء ملابس العيد لأطفالهم، وأيضًا عدم توفير "جعالة العيد"، والاكتفاء بالكعك وبعض الحلويات التي تصنعها النساء في المنازل.

معاناة النازحين

في السياق، تقول أمّ عدي، نازحة في مأرب من محافظة تعز، لـ"خيوط"، إنّ هناك اختلافًا بين طقوس العيد ورمضان في مأرب عن تعز، مرجعةً هذا الاختلاف إلى الوضع الاقتصادي والمعيشي، والسبب الأهم النزوح، الذي دفع الكثير نحو اهتمامات وأولويات معيشية، والتخلي عن كثير من العادات والتقاليد والطقوس المتبعة في الأعياد الدينية، مثل تعزيل المنازل، والزيارات والمعايدات بين الأهل والأقارب، إذ لا عيد للنازحين الذين يقاسون مرارة البعد عن أهاليهم ومناطقهم، ومعاناة النزوح والأوضاع الاقتصادية والمعيشية.

مؤكّدة أنّ النزوح تسبّبَ في فقدانهم طقوسَهم وعاداتهم في المناسبات العيدية والدينية، كالاستعداد للعيد بتجهيز الحلويات والكعك والمعجنات، وليس هناك تبادل للزيارات والمعايدات المعتادة بين الأهل والأقارب.

حتى تقليد شراء ملابس العيد للأطفال، تلاشى هو الآخر بالنظر إلى الصعوبة البالغة في شرائها وتوفيرها؛ بسبب الغلاء وارتفاع أسعارها إلى مستويات قياسية تفوق قدرات النازحين على رسم الفرحة في وجوه الأطفال في العيد، كما يصل الأمر كذلك إلى الخروج أيام العيد إلى الحدائق والمتنزهات، حيث تقول أمّ وائل نازحة في مأرب: "لم نعُد نستطيع بسبب هذه الظروف الصعبة أن نعطي أطفالنا حتى هذه الفرحة".

•••
إسحاق الحميري

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English