ازدهار التعليم الخاص في (دَمْت)

على أنقاض التعليم الحكوميّ المجانيّ
محسن فضل
October 8, 2022

ازدهار التعليم الخاص في (دَمْت)

على أنقاض التعليم الحكوميّ المجانيّ
محسن فضل
October 8, 2022

تشهد مدينة دَمْت (شمال محافظة الضالع)، ازدهارًا ملحوظًا في مجال التعليم الأهلي (الخاص) على خلاف مدن ومديريات المحافظة الأخرى، وتتوزع على مساحة مدينة دمت الصغيرة تسعُ مدارس أهلية خاصة حتى كتابة هذا التقرير، اثنتان منها تم افتتاحهما مع مطلع العام الدراسي الجاري. 

خلال الأربع السنوات الماضية، ومع بداية كل عام دراسيّ جديد، يتم مشاهدة لافتات إعلانية معلقة على شوارع المدينة، تحمل في طياتها (بشرى سارة) عن افتتاح مدرسة أهلية جديدة، في صورة توحي بتدهور التعليم الحكومي وإحلال هذا النوع المكلف من التدريس بديلًا عنه. 

في هذا التقرير، سنتناول الأبعاد والنتائج التي جعلت التعليم الأهلي يزدهر بدرجة قوية في هذه المدينة على حساب تراجع مستوى التعليم الحكومي. 

تدهور التعليم الحكومي

لا شكّ أنّ ازدهار التعليم الأهلي في دمت، يعود في أساسه إلى تدهور التعليم المدعوم حكوميًّا، فمنذ اندلاع الحرب في مارس/ آذار 2015، أصبحت معظم المدارس الحكومية في مديرية دمت بلا كادر تعليمي، بسبب مغادرة نسبة كبيرة من المُعلِّمين إلى مناطقهم، في الوقت الذي كان يغطي مدارس دمت الحكومية كادرٌ تربويّ ينتمي معظمهم إلى المديريات الجنوبية في المحافظة، ما شكّل أولى خطوات تدهور العملية التعليمية في مختلف مدارس المديرية المحسوبة على قطاع التعليم الحكومي.

الثقة بالمُخرجات

تقول المُدَرّسة آزال الجبلي، إنّ ظاهرة الحضور القويّ للتعليم الخاص في مدينة دمت، يعود إلى ضعف غياب الدعم الحكومي للقطاع التعليمي، لا سيما فيما يتعلق بتوفير الأثاث والكتب المدرسية، والكادر التعليمي، والعملية التعليمية بشكل عام. 

وأضافت: "إنّ مستوى الوضع الاقتصاديّ الميسور للكثير من الأسر في مديرية دمت، والتي تعتمد منذ عشرات السنين، على زراعة القات والاغتراب كمصدر رئيسيّ للدخل، جعلها لا تثق بالدولة وخدماتها، لهذا فإنّ لدى هذه الأسر الكفاءة والقدرة على منح أبنائهم مستوى تعليمي أفضل، سواءً كان ذلك التعليم الأساسي أو حتى التعليم الجامعي". 

هناك من يُرجع ظاهرة ازدهار التعليم الخاص في مدينة دَمْت، إلى تخلّي الدولة عن دعم قطاع التعليم الحكومي، وانقطاع رواتب المعلمين، وكذلك تفشي ظاهرة استبدال المعلمِين الأساسيين بكوادر غير مؤهلة مقابل راتب زهيد.

وأوضحت المُدَرّسة الجبلي أنّ "أحد الأسباب الأساسية في ازدهار التعليم الأهلي بمدينة دمت، يتمثل في الإقبال الكبير للطلاب من المناطق المجاورة والتي تتبع إداريًّا مديرية الرضمة في محافظة إب، ففي هذه المناطق مرتبات المعلمين متوقفة، ما تسبّب في جعل المدارس خاوية، والعملية التعليمية شبه معطّلة، الأمر الذي حَتّم على أولياء الأمور دفع أبنائهم للالتحاق بمدارس دمت الأهلية؛ خشيةً من ضياع مستقبل أبنائهم، وأصبح هؤلاء الطلاب يشكّلون نسبة كبيرة من قوام الطلاب الملتحقين في المدارس الخاصة بدمت". 

وأشارت في ختام حديثها، إلى أنّ "أولياء أمور الطلاب يثقون بمخرجات المدارس الخاصة، لكونها تخضع لمعايير منضبطة تصب في مصلحة الطالب الملتحق، بعكس المدارس الحكومية التي أصبحت تخضع للسلطة الحاكمة التي تستغلها في نشر الأفكار الخاصة بها، واستخدام الطلاب في المظاهرات والوقفات الاحتجاجية التي تتبناها السلطة، بالإضافة إلى كون الرسوم الخاصة بالمدارس الأهلية مناسبة كثيرًا للطالب الملتحق، إذا ما قورنت بالرسوم المرتفعة في المدارس الأهلية بالمحافظات الأخرى، وفي المقدمة عدن وصنعاء".

رابط تعليمي قوي

من جانبه، يرى الكاتب الشاب ونيس المنتصر، أنّ "السبب في ازدهار التعليم الأهلي بمدينة دمت، هو تميّز العملية التعليمية في المدارس الخاصة بكفاءة عالية، بَدْءًا من الأساليب والوسائل التعليمية الحديثة، وصولًا إلى الخدمات التي تتوفر للطلاب الملتحقين، من أنشطة ومهارات متنوعة، وهذا ما يفتقر له الطالب في المدارس الحكومية". 

وأضاف المنتصر: "المدارس الخاصة تسعى في الغالب للتجديد في الطابع التعليمي، وذلك لإبراز مهارات الإبداع، نتيجة قدراتها وإمكانيتها المادية المعتمدة في الأساس على رسوم الطلاب السنوية، كما أنّ هذه المدارس يبدو فيها اهتمامُ الإداريين والمعلمِين بالعملية التعليمية ملحوظًا وملموسًا على الواقع". 

وأشار إلى أنّ "ما يميّز المدارس الأهلية الخاصة، ويجعلها محط ثقة أولياء الأمور، هو أنها تُوفّر العديد من الخدمات المتنوعة، منها: وسائل النقل، ومراكز الأنشطة الترفيهية والتفاعلية، وعدد طلاب مناسب في كل فصل دراسي، وتوفر الأثاث والكتب المدرسية، بالإضافة إلى كونها عاملَ ربطٍ تعليميّ قويّ بين ولي الأمر والطالب، حيث تحرص المدارس الخاصة على أن يظل ولي الأمر في اطّلاع مستمر على مستوى ابنه الدراسي، وهذا ما يجعل ولي الأمر يحرص على أن يتوجه ابنه نحو مباني وفصول المدارس الخاصة، بغض النظر عن تكلفة الرسوم الدراسية السنوية". 

سلبيات ظاهرة

وفي السياق ذاته، يرى الناشط الاجتماعي، محمد الشمسي، ظاهرةَ ازدهار التعليم الخاص في مدينة دمت، من منظور مختلف، ويعزو ذلك إلى تخلّي الدولة عن دعم قطاع التعليم الحكومي، وانقطاع رواتب المعلمين، وكذلك تفشي ظاهرة استبدال المعلّمين الأساسيين بكوادر غير مؤهلة مقابل راتب زهيد. 

وأضاف: "إنّ من ضمن الأسباب التي ساعدت في انتشار ظاهرة التعليم الخاص بشكل واسع في مدينة دمت، تتمثل في عدم الرقابة على العملية التعليمية بشكل عام، والإهمال المتعمد من قبل سلطة الأمر الواقع في المدينة، التي أصبح دورها يقتصر على منح التراخيص لإنشاء المدارس الخاصة، بهدف الاستفادة من الضرائب المفروضة على التعليم الخاص، وجني مبالغ طائلة في هذا الجانب".

وأشار إلى أنه "في الوقت الذي يرى فيه البعض أنّ التعليم الخاص يمتلك إيجابيات كثيرة، إلا أنّه في ذات الوقت يحتوي أيضًا على سلبيات ظاهرة؛ أبرزها أنّ التعليم الخاص لن يستفيد منه سوى الأسر المقتدرة على تدريس أبنائها فقط، فيما أبناء الأسر الفقيرة والمسحوقة سيظلون ضحايا تدهور التعليم الحكومي، وهؤلاء الأخيرين يشكّلون النسبة الأكبر بحكم نسبة الفقر الكاسحة في الوطن، وهذا بلا شك سيُسهم في اتساع نسبة الجهل والأمية في المجتمع". 

وفي النهاية، لا يختلف اثنان في أنّ التعليم في اليمن بشكل عام، وبمختلف مستوياته، يمرّ في أسوأ حالاته، ويعيش حالة انتكاسة تتزايد يومًا بعد آخر، حيث تظل الحرب المستمرة منذ أكثر من سبعة أعوام، هي المقصلة الحادّة التي تعدم العملية التعليمة بشكل يومي، حتى لن يكون بمقدورنا في هذا المجتمع أن نمضي مع التعليم أو يمضي بنا نحو أفق المعرفة والبناء والتقدم.

•••
محسن فضل

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English