التعليم المعطوب في شبوة

حين تفشل الأبجدية وتكبر مكاسب الحرب
الخضر عبدالله
May 31, 2024

التعليم المعطوب في شبوة

حين تفشل الأبجدية وتكبر مكاسب الحرب
الخضر عبدالله
May 31, 2024
.

الإرث الثقيل للحرب في محافظة شبوة، مثل بقية المحافظات، طال كل مناحي الحياة ومنها العملية التعليمية الضعيفة والهشة وأنتج الكثير من التبعات التي اتخذت أشكالًا وصورًا مختلفة كلها تسير بقطار التعليم المعطوب إلى الهاوية.

أزمة كادر

صالح وريك، ولي أمر طالب في إحدى مدارس بيحان للبنين، تحدّث لـ"خيوط"، عن وجه من أوجه الأزمة الطاحنة التي تعاني منها مدارس المحافظة بمختلف مراحلها التعليمية، قائلًا: "أثناء زيارة مدرسة ابني للوقوف على مستوى تحصيله، ومعرفة سلوكه وانضباطه العام، فوجئت بحجم ترحيب المعلمين بي، في إدارة المدرسة؛ ظنًّا منهم أنّي قادم للتقديم على وظيفة معلم في المدرسة؛ كون المدرسة تعاني من عجز كبير في الكادر التعليمي؛ ولذلك فالحاجة ماسّة لوجود معلمين لتغطية الفراغ".

تعاني المدارس الحكومية في مديرية بيحان عمومًا، والمدارس الحكومية في بقية المحافظة، من نقص كبير في أعداد المعلمين والمعلمات، نتيجة ترك كثيرٍ منهم لمهنة التعليم، بحثًا عن أعمال أخرى تدرّ عليهم ما يعينهم على تلبية متطلبات الحياة.

العديد من الطلاب المقتدرين في مدن محافظة شبوة، اضطروا إلى الانتقال من المدارس الحكومية، إلى أخرى أهلية تضمن لهم تعليمًا ولو في حده الأدنى، خاصة بعد استقطاب الأولى لمتطوعين لا يملكون التأهيل ولا الخبرة الكافية لأداء رسالتهم على الوجه الصحيح.

وضع مشلول 

تبعث البيئة التعليمية بشبوة على الإحباط والخيبة، بسبب الوضع المزري للمدارس نتيجة الكثافة الطلابية في الفصول، التي تعيق المعلم عن أداء عمله، والطالب عن الفهم والإدراك، والافتقار للمبنى المدرسي، وافتراش الطلاب العراء، علاوة على العجز الكبير في المعلمين والكتب والأثاث المدرسية.

الجدير بالذكر أن أعداد الطلاب في الفصل الدراسي الواحد، يقدر بين 50 إلى 60 طالبًا وطالبة، في معظم الصفوف.

وريك تابع قائلًا: "العديد من الطلاب المقتدرين في مدن محافظة شبوة، اضطروا إلى الانتقال من المدارس الحكومية، إلى أخرى أهلية تضمن لهم تعليمًا ولو في حده الأدنى، خاصة بعد استقطاب الأولى لمتطوعين لا يملكون التأهيل ولا الخبرة الكافية لأداء رسالتهم على الوجه الصحيح". 

تحت الطربال يدرسون الطلاب في إحدى المدارس - شبوة

تدنٍّ خطير

وبحسب شهادات طلّاب وتربويين لـ"خيوط"، أصبح وضع التعليم في المحافظة، وتحديدًا في المناطق البعيدة عن عاصمة المحافظة (عتق)، في حالة يرثى لها، تزامن هذا التدهور مع تدني رواتب المعلمين وتراجع قيمة العملة المحلية أمام سعر صرف العملات الأخرى إلى مستويات غير مسبوقة، وما ارتبط بذلك من ارتفاع للأسعار، ما دفع غالبية المعلمين إلى ترك وظائفهم، والانخراط في سوق العمل الحر لعل وعسى يتمكّنون من الوفاء بحثًا عن مصدر معيشة لإعالة أسرهم.

صالح جميح، مدير المعهد العالي لتأهيل وتدريب المعلمين، يتحدث لـ"خيوط"، عن أسباب انحدار العملية التعليمية في شبوة، بالقول: "يشهد التعليم في شبوة، تدنّيًا خطيرًا، وحال الوضع العام في البلاد دون إيجاد معالجات ناجعة لإيقاف عجلة التراجع، لكني أستطيع بحكم موقعي في عمادة المعهد العالي لتدريب وتأهيل المعلمين بالمحافظة، ومن خلال احتكاكي بالمعلمين في الميدان، أن أوجز أسباب هذا التراجع في: غياب الكادر التعليمي، وإحلال بدلاء غير أكْفَاء، علاوة على توقف رفد الميدان بدماء جديدة مؤهلة، وعدم إيفاء العاملين في الميدان حقوقهم، خاصة المعلمين القدامى".

جميح يؤكّد أنّ تسوية مرتبات المعلمين بما يوازي قيمة العملة قبل 2015، وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب، وتفعيل قانون الخدمة المدنية في حق من يتغيب عن وظيفته، والاهتمام ببناء مدارس جديدة خاصة للفتيات، كفيلٌ بإعادة ترميم هذا الخراب الذي حل بالتعليم. 

من جانبه، يقول صالح معيص، مدير إدارة التربية والتعليم في مديرية عرماء في شبوة، لـ"خيوط": "خلال السنوات الأخيرة، واجهنا صعوبات وتحديات عديدة؛ بسبب الكثافة السكانية، وعجز الدولة العام، ما انعكس على تقديم أبسط متطلبات التعليم؛ من انعدام الكتب المدرسية والطباشير وأقلام سبورات ومياه للحمامات".

الفتاة ضحية

وتابع معيص: "الفتيات متضررٌ أكبر، فبالإضافة إلى الوضع التعليمي السيئ للفتيات في عموم المحافظة، أدّى تصاعد النزاع الراهن في البلاد إلى تراجع كبير في أعداد الفتيات الملتحقات بالتعليم، حيث يفضّل الكثير من الأهالي -خاصة في ظلّ ضعف الحال- تحمّل نفقات تعليم الذكور، وتنحية الفتيات لأداء المهام المنزلية. وعليه، تزايدت أعداد الفتيات اللاتي لا يحصلن على التعليم بمحافظة شبوة خلال السنوات الأخيرة، وتنامت ظاهرة التسرب من المدارس في العديد من مديريات المحافظة".

الباحثة التربوية في شبوة، بلقيس (اسم مستعار)، تحدثت لـ"خيوط"، قائلة: "في كل أزمة، تذهب الفتاة ضحية؛ فالفتيات ضحايا العادات والتقاليد، وضحايا الحرب والوضع الاقتصادي المتردي للأُسَر، علاوة على انتشار ظاهرة الزواج المبكر، وتسخيرهن لتدبير شؤون المعيشة، كجلب المياه والحطب والزراعة ورعي الأغنام، ورعاية الأطفال".

وأكّدت بلقيس أنّ مِن بين الإشكاليات التي ضاعفت التسرب المدرسي للفتيات، هو ارتفاع مستوى الأمية لدى الوالدين، وشحّة وجود مدارس خاصة بالبنات، وتشير إلى أنّ تسرب الفتيات من التعليم أوجدَ بيئة شبه خالية من الكادر النسائي، الذي من المفترض أن يقوم بخدمة النساء في المرافق الصحية والتعليمية ونحوها، مبيّنة أنّ استقدام طبيبات ومعلمات من مناطق خارج شبوة للعمل في الحقل التربوي والصحي، يؤكد غياب الكادر المحلي، وهو الأمر الذي يعود إلى مشكلة عدم مواصلة الفتيات تعليمَهن.

فصل دراسي للطلاب في إحدى المدارس- شبوة

 الريف المهمَّش

يزداد الوضع سوءًا في أرياف محافظة شبوة، وهو ما أكّده علي جازع، موجِّه تربويّ في المحافظة، الذي تحدّث لـ"خيوط" عن التحديات التي تواجه المجتمعات الريفية، فيما يخص التعليم هناك، قائلًا: "الجزء الأكبر في المحافظة أرياف، هذه الجغرافيا الواسعة تعاني من شحة في أعداد المدارس، ما يدفع الطلاب إلى قطع مسافات كبيرة؛ بعضهم مشيًا على الأقدام، وبعضهم الآخر يستقل وسائل مواصلات. بالإضافة إلى أنّ مشكلة النقص الكبير في أعداد المعلمين تتجلَّى أكثر في الأرياف؛ إذ يتّجه المعلمون من أبناء هذه المناطق إلى ممارسة حياة الزراعة، بينما لا يجد المعلمون القادمون من المدن ما يُعِينُهم على البقاء في الريف، خاصة في ظل انقطاع صرف المرتبات عدة شهور، إضافة إلى إهمال الأرياف تمامًا من صرف الكتب المدرسية لمدارسه". 

تعاني مدارس شبوة من نقص المعلمين؛ نتيجة التوسع السكاني الكبير في المحافظة، حيث بلغ عدد مدارسها حوالي (650) مَدرسة، وعدد طلابها تقريبًا (150) ألفَ طالبٍ وطالبة، والقوة العاملة من المعلمين تسعة آلاف معلم ومعلمة وإداري على مستوى المحافظة كلها، وبسبب توقف التوظيف منذ 2011، حدث نقص حادّ في عدد المعلمين والمعلمات.

على صعيد متصل يتحدث، مدير إدارة التربية ببيحان، علي الصالحي، عن عدم قبولهم، بصفتهم جهات معنية، بوضع التعليم في المحافظة، لكنه يرى أنّ جهودًا تُبذَل في سبيل حلحلة الوضع القائم، حيث يقول لـ"خيوط": "لسنا راضِين عن وضع العملية التعليمية في الوقت الراهن، لكنّنا نعمل على تطويرها، بتكاتف الجميع؛ من سلطة محلية ومديري مناطق تعليمية، ومديري مدارس وأولياء أمور وطلاب. ونأمل على إثر هذه الجهود، أن يتحسّن الوضع، ما دامت النوايا الصادقة، والعزائم القوية، قد توافرت".

الصالحي أشار إلى وجود حوالي (298) من المعلِّمين الأساسيّين، والبقية هم من المعلمين البدلاء الذين يتم التعاقد معهم لتسيير العملية التعليمية في بيحان شبوة. وأكّد أنّ نظام التعاقد هذا، أربكَ سير العملية التعليمية في مدارس المديرية، رغم أنّه ظاهريًّا يبدو حلًّا مؤقتًا.

انعدام الكِتاب

ويوضح الصالحي أنّ مدارس المديرية، خاصة الصفوف من الخامس إلى الثانوية، قد لا تجد فيها نسخة واحدة من الكتاب المدرسي في المدارس، ما يضطر معظم المعلمين إلى شراء نسخ للمنهج على حسابهم الخاص، فيما يجلس الطلاب في مدارس عدة على الأرض، هذا إلى جانب الافتقار الكلي إلى الوسائل التعليمية والمختبرات، في الوقت الذي ترتبط فيه المناهج ارتباطًا وثيقًا بالجانب العملي".

من جانبه، يقول مدير التعليم العام في محافظة شبوة، سالم حنش، لـ"خيوط"، إنّ معظم مديريات محافظة شبوة عانت وتعاني من نقص المعلمين؛ نتيجة التوسع السكاني الكبير في المحافظة، حيث بلغ عدد مدارسها حوالي (650) مدرسة، وعدد طلابها تقريبًا (150) ألفَ طالبٍ وطالبة، والقوة العاملة من المعلمين تسعة آلاف معلم ومعلمة وإداري على مستوى المحافظة كلها، وبسبب توقف التوظيف منذ 2011، حدث نقصٌ حادّ في عدد المعلمين والمعلمات؛ ولذلك من أجل تخفيف معاناة التعليم بالمحافظة، قامت السلطة المحلية بدعم المؤسسة التعليمية باعتماد معلمين متعاقدين، لسدّ العجز.

•••
الخضر عبدالله

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English