جنون الأسعار يعصف بمائدة رمضان

خنق أسواق صنعاء، والمستهلكون يكتفون بالاحتياجات الضرورية
April 1, 2022

جنون الأسعار يعصف بمائدة رمضان

خنق أسواق صنعاء، والمستهلكون يكتفون بالاحتياجات الضرورية
April 1, 2022

جميل الجعـدبي

إسماعيل الأغبري

تقول الخمسينية أم سامي الخولاني، التي كانت تتجول في سوق حيّ القاع المركزي وسطَ العاصمة اليمنية صنعاء، إنها اشترت صفيحة تمر متوسطة الحجم بسعر 9 آلاف ريال، مشيرةً إلى أن سعرها العام الماضي 7500 ريال، ما يعني حصول زيادة في سعر هذه السلعة بنحو 1500 ريال، وبنسبة 20%.

"المصيبة في أسعار الأرز والسكر والدقيق والزيوت، يظهر أننا سوف نصوم رمضان النهار والليل!"، تلمّح أمّ سامي، إلى ارتفاع كبير في أسعار سلع غذائية أساسية، يفوق قدرات الأسر اليمنية مع قدوم شهر رمضان.

تضيف لـ"خيوط"، أنها لاحظت ارتفاع السّكر والأرز إلى أكثر من 30 ألفًا للكيس الواحد "50 كيلوغرامًا"، في حين يرصد عاملون في سوق القاع ارتفاعًا في أسعار علب الزيت (4 لترات) من 4 آلاف في رمضان 2021 إلى 6500 ريال رمضان هذا العام، بزيادة قدرها 2500 ريال.

وبالمثل ارتفع سعر سمن البنت من 9 آلاف ريال رمضان 2021، إلى 12 ألف ريال رمضان 2022، وسمن القمرية من 9500 ريال، إلى 13 ألف ريال.

يؤكد مسؤولون في القطاع التجاري الخاص أن ما فرضته الحرب والصراع الدائر في البلاد منذ ثمانية أعوام وأزمات الوقود والعملة المحلية المتدهورة، ضاعفت الأعباء على القطاع الخاص مع ارتفاع تكاليف الشحن التجاري بشكل كبير، إضافة إلى مشاكل النقل والجبايات المفروضة من قبل جميع السلطات في البلاد، ما يجعل القطاع التجاري يتكبد خسائر فادحة.

مع قدوم شهر رمضان، يُقبل الأهالي على تسوق المواد الغذائية بكثافة، وفي بلد يعيش انهيارًا اقتصاديًّا، ترتفع أسعار المواد الغذائية بشكلٍ متسارع، حيث شهدت أسواق العاصمة صنعاء منذ مطلع الشهر الماضي، ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار جميع السلع الأساسية الغذائية والاستهلاكية.

أسعار خيالية وانخفاض القدرة الشرائية

يشكو مواطنون في العاصمة اليمنية صنعاء، من الارتفاع غير المسبوق للخضروات والفواكه والتمور، ففوضى الأسعار وتباينها من محل إلى آخر فاق قدرة المواطن البسيط وتوقعاته، في ظل عجز السلطات عن ضبط الأسواق التي تشهد فوضى في أسعار مختلف السلع، في ظل أزمات اقتصادية متلاحقة ضاعفت أعباء الاستيراد بشكل كبير في بلد يعتمد بشكل رئيسي على استيراد أغلب احتياجاته من الخارج.

عبدالحفيظ الحكيمي (42 سنة)، موظف في إحدى الدوائر الحكومية ورب أسرة مكونة من (7) أفراد، يقول لـ"خيوط"، إنه مع اقتراب شهر رمضان ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل خيالي، فنصف كيس الدقيق (25 كيلوغرامًا) الذي اشتراه -وفق حديثه- من متجر قريب، قبل شهر فقط بنحو (8000) ريال، تفاجأ بارتفاعه قبل حوالي 10 أيام إلى (10,000) ريال، إضافة إلى الأرز الذي قفز من 17 ألفًا إلى 20 ألفًا للكمية البالغة 25 كيلوغرامًا.

يشعر الحكيمي بالذهول كرب أسرة محدودة الدخل مع انقطاع الرواتب في كل جولة تسوق، إذ إن رمضان يأتي بأسعار جديدة تخنق المواطن، أما هذا العام فليس كسابقيه، فـ"الكثير من الأصناف لن تكون موجودة على مائدة رمضان".

من 850 ريالًا في رمضان العام الماضي 2021، إلى 1150 ريالًا ارتفع سعر مجموع مكونات وجبة (المهلّبية) في رمضان هذا العام، بزيادة قدرها 300 ريالًا، ونسبة زيادة 35%، كمتغير لافت في سعر واحدة من أشهر الوجبات الغذائية الخفيفة على المائدة الرمضانية في اليمن.

وبالمثل، ارتفع سعر سلعة مكرونة (روزانا) من 6000 ريال للكرتون (ما يعادل 10 دولارات أمريكية) عام 2021، إلى 9000 ريال رمضان هذا العام، بزيادة قدرها 3000 ريال، ونسبة زيادة 50%، في حين وُجد في سوق آخر أنّ السعر لنفس السلعة/ الحجم ارتفع من 6250 ريالًا رمضان 2012، إلى 8850 ريالًا رمضان 2022، بزيادة قدرها 2600 ريال.

الزيادات السعرية في قيمة السلع الغذائية الرمضانية الأساسية أظهرت عدم ثبوت السعر وتفاوته من سوق لآخر في إطار مدينة صنعاء، ومن مركز بيع لآخر، في إطار الحي السكني الواحد، وينبئ بفقدان الكثير من الأسر لروحانية رمضان المعتادة في ظل جحيم الأسعار.

من سوق "علي محسن" المركزي (غربي صنعاء) يتحدث المواطن محمد سنهوب (34 سنة) -ويعيل 6 أبناء– لـ"خيوط"، عن أن هذا الارتفاع القياسي في الأسعار يجعله مجبرًا على الاكتفاء باقتناء السلع الضرورية، فالأسعار ارتفعت كثيرًا خلال الأسابيع القليلة الماضية، وكل يوم في ارتفاع جديد، خصوصًا مع قدوم شهر رمضان.

وتشهد أسعار الخضروات ارتفاعًا كبيرًا منذ مطلع الأسبوع الماضي، حيث وصل سعر الكيلوغرام من البطاطس إلى 500 ريال من 350 ريال، فيما قفز الطماطم إلى 700 ريال من 400 ريال للكيلوغرام الواحد، وزاد البصل من 250 إلى 400 ريال.

يوضح مهدي شذان، والذي يعمل في تسويق الخضروات، في حديثه لـ"خيوط"، أن هناك نسبة زيادة في أسعار بعض أصناف الخضروات تتراوح بين 20 و35%، في حين تضاعفت بالنسبة للبعض الآخر 100%، والذي يرجعه إلى أزمة الوقود التي تضرب جميع المحافظات اليمنية بشكل كبير منذ مطلع العام، وأثّرت على المزارعين والإنتاج الزراعي بشكل عام.

ويشير متعاملون في أسواق صنعاء إلى أن بعض الخضروات زادت بنحو ثلاثة أضعاف، فمثلًا ارتفع سعر السلة الواحدة من "البسباس" (الفلفل الأخضر الحارّ) من (1000) قبل أسبوع فقط إلى (3000) ريال.

صعوبات وإجراءات

يؤكد مسؤولون في القطاع التجاري الخاص أنّ ما فرضته الحرب والصراع الدائر في البلاد منذ ثمانية أعوام، وأزمات الوقود والعملة المحلية المتدهورة، ضاعفت الأعباء على القطاع الخاص مع ارتفاع تكاليف الشحن التجاري بشكل كبير، إضافة إلى مشاكل النقل والجبايات المفروضة من قبل جميع السلطات في البلاد، ما يجعل القطاع التجاري الخاص يتكبد خسائر فادحة، خصوصًا أنه يتجنب فرض هامش ربح يؤثر على عملية تداول السلع في الأسواق بالنظر إلى تردي الأوضاع المعيشية لليمنيين.

حتى يوم السبت الأخير من شهر شعبان 26 مارس/ آذار 2021، كان سعر سلعة الزبادي (الحجم الصغير) في متجر بسوق باب اليمن بلغ 1700 ريال للكرتون، بزيادة قدرها 300 ريال، ونسبة زيادة 17%، عن سعر رمضان 2021 والبالغة 1400 ريال.

وزارة التجارة والصناعة في صنعاء العاصمة اليمنية الخاضعة لسيطرة أنصار الله (الحوثيين)، تؤكد من جانبها أنها ألزمت الشركات التجارية بقوائم سعرية محددة، إلى جانب إجراءات إشهار أسعار السلع الغذائية.

عبدالله الضاعني، مدير عام حماية المستهلك في وزارة التجارة والصناعة في صنعاء، يقول لـ"خيوط"، إنه تم إيقاف (50) شركة استيراد، وجملة، وتصنيع، بسبب إقدامها على رفع الأسعار بشكل غير مبرر، لافتًا إلى تنفيذ حملة منذ أسبوع، لمراقبة الأسعار في الأسواق وإنشاء معارض استهلاكية كحل لمواجهة رفع الأسعار.

ويشير إلى عدم تأثير الحرب في أوكرانيا على اليمن سوى بنسبة محدودة، حيث إن نسبة استيراد اليمن من روسيا مثلًا لا تزيد عن 5%، بينما يتم استيراد الزيوت من دول شرق آسيا، إضافة إلى الإنتاج المحلي.

وفيما قالت وزارة الصناعة والتجارة في صنعاء، إنها وجهت مستوردي القمح والدقيق للبيع المباشر بأسعار معقولة، يُشير عاملون في تجارة المواد الغذائية إلى ارتفاع سعر كيس الدقيق الأبيض الـ50 كجم من 12 ألف ريال رمضان 2021، إلى 23 ألف ريال هذا العام، بزيادة قدرها 11 ألف ريال.

وفي حديثه إلى "خيوط"، يرصد علي نهشل، تاجر مواد غذائية، زيادة في سعر كيس القمح المطحون من 11 ألف ريال في رمضان العام 2021، إلى 19 ألف ريال رمضان 2022، وذلك بزيادة قدرها 8 آلاف ريال للكيس الواحد (50 كجم)، وبنسبة زيادة 91%.

وعن السلع ذات الاستهلاك الرمضاني، يتذكر نهشل بيع قارورة عصير (فيمتو) في متجره بسعر 1000 ريال قبيل شهر رمضان العام الماضي، في حين بلغ سعرها هذا العام 1500 ريال، بزيادة قدرها 500 ريال.

سلع مرتبطة برمضان

حتى يوم السبت الأخير من شهر شعبان 26 مارس/ آذار 2021، كان سعر سلعة الزبادي (الحجم الصغير) في متجر بسوق باب اليمن بلغ 1700 ريال للكرتون، بزيادة قدرها 300 ريال، ونسبة زيادة 17%، عن سعر رمضان 2021، والبالغة 1400 ريال.

من جانبه، يفيد على الريمي، العامل في بيع المواد الغذائية، بسوق حي شميلة، في حديثه لـ"خيوط"، بأن سعر الزبادي في متجره ارتفع من 1300 ريال رمضان 2021، إلى 1650 ريالًا رمضان 2022، بزيادة قدرها 350 ريالًا، وبفارق زيادة قدرها 50 ريالًا عن السعر، في سوق باب اليمن.

يدخل منتج الزبادي بأحجامه وأنواعه المختلفة في مكونات وجبات غذائية عديدة، مثل "الشّفوت" (خبز الذرة يشبّع بلبن الزبادي)، كوجبة غذائية لا تغيب عن المائدة الرمضانية في صنعاء ومعظم محافظات الجمهورية.

كما أنه يستخدم كوجبة غذائية مستقلة، ويعرف بوجبة محدودي الدخل لبقاء سعره لسنوات ماضية في متناول الجميع، ما يعني أنّ رصد زيادة في سعر هذه السلعة بمقدار (50) ريالًا يعد مؤشرًا مقلقًا لشريحة واسعة من المجتمع اليمني.

ويذكر متسوقون أن بعض المولات التجارية تقوم بعمل عروض لبعض السلع كمجموعة متكاملة أو سلة غذائية، لكنها تستغل حاجة المستهلكين لهذه السلع من خلال تضمين بعض الأشياء الكمالية، أو أنها تخفض في أسعار المواد التي أوشكت على انتهاء تاريخ صلاحيتها.

عدنان الصنوي، رئيس قسم الاقتصاد في كلية الزارعة بجامعة صنعاء، يؤكد لـ"خيوط"، أن ارتفاع أسعار السلع الغذائية قبل حلول شهر رمضان، يعود لزيادة الإقبال والطلب على الشراء في هذه الفترة مقابل نقص المعروض.

ويتطرق الصنوي إلى تغير العادات الغذائية لليمنيين، حيث يترقب التجار هذا الاستهلاك المتزايد ويعدّونه موسمًا لمزيد من الأرباح؛ لأن اليمن تتبع سياسة اقتصاد السوق الحر، فالحكومة لا يمكن أن تقوم بفرض سعر موحد على سلعة معينة، لكن يمكن لها إحكام قبضتها على السوق وتحديد أسعار السلع الأساسية وضبطها من خلال قانون حماية المستهلك، ومحاسبة التجار بشكل دوري، وتحديد هامش ربح محدد يضمن ربح التاجر واستقرار الأسواق، وهو ما يحدث بالفعل في العديد من الدول لضمان حقوق المستهلك وتقديم منتجات وخدمات بأسعار معقولة وثابتة، وهو ما لا يعتبر تدخلًا في آليات السوق الحر، ولكن مجرد أداة تنظيمية حتى لا تنفلت الأمور.

وينصح الصنوي بضرورة تغيير طبيعة الاستهلاك في رمضان، خصوصًا من قبل بعض الأسر الثرية، وهي عادات سيئة تتمثل في الشراء الزائد عن الحاجة دون منفعة، فيما يتحمل مستهلكون أعباء مالية فوق طاقتهم، وتجعلهم يخرجون من رمضان بديون هائلة، والدخول في نفق آخر، وهو مواجهة مصاريف العيد، ليس فقط عيد رمضان، بل أيضًا عيد الأضحى الذي يأتي بعد شهرين من رمضان.

وفي تحليل جديد للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) توقعت وكالات الأمم المتحدة تفاقم الوضع الإنساني في اليمن خلال الفترة من يونيو/ حزيران إلى ديسمبر/ كانون الأول 2022.

وقالت: "من المحتمل أن يصل عدد الأشخاص غير القادرين على تلبية الحد الأدنى من احتياجاتهم الغذائية في اليمن إلى رقم قياسي يبلغ 19 مليون شخص". وتوقعت أن يسقط 1.6 مليون شخص إضافي في البلاد في مستويات طارئة من الجوع، ليرتفع المجموع إلى 7.3 مليون شخص بحلول نهاية العام.

وزارة الصناعة والتجارة في حكومة الإنقاذ الوطني بصنعاء، استبقت زيادة الطلب الاعتيادية قبيل شهر رمضان على المواد الغذائية الأساسية، فسارعت لطمأنة المواطنين بـ"توفر المخزون الغذائي لمادتي القمح والدقيق بكميات قالت إنها تكفي لأشهر طويلة".

ودونما تحديد واضح لأسعار المادتين، دشّنت الوزارة صباح الأربعاء 23 مارس/ آذار 2022، عملية البيع المباشر لمادتي القمح والدقيق عبر عدد من مراكز البيع في العاصمة صنعاء والمحافظات.

ويقول مستهلكون وعاملون في تجارة المواد الغذائية لـ"خيوط"، إنّ أسعار القمح ارتفعت إلى 20 ألف ريال بعد إعلان عملية التدشين هذه.

الحرب في أوكرانيا وجحيم الأسعار في صنعاء

وعن مبررات هذه الارتفاعات، قالت وزارة الصناعة والتجارة في صنعاء إنها "تتفهم بعض الارتفاعات السعرية جراء الأزمة الروسية الأوكرانية"، معلنة في هذا السياق موافقتها على "تحريك مؤقت لأسعار مادتي القمح والدقيق وفق نسب محددة"، حسب تعبيرها.

وألقت بالمسؤولية على من وصفتهم بالتجار الجشعين قائلة: "بعض التجار الجشعين قاموا برفع أسعار سلع أخرى لا علاقة لها بما يجري في صراع شرقي أوروبا".

ويوم الثلاثاء 22 مارس/ آذار 2022، أعلن مكتب الصناعة والتجارة بصنعاء، إغلاق 12 شركة إنتاج واستيراد مواد غذائية، بسبب "رفعها لأسعار منتجاتها بدون مبرر".

إلى ذلك، كشف مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي تصاعدًا في أسعار القمح في اليمن بنسبة وصلت إلى 35% منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، مشيرًا إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بأكثر من الضعف في معظم أنحاء اليمن خلال العام الماضي، ما جعل ١٧,٤ مليون شخص بحاجة مساعدة فورية، وتوقع المركز في تقرير حديث له تصاعد الرقم إلى ١٩ مليون شخص منذ بداية يونيو وحتى نهاية العام .

مستويات طارئة من الجوع

يلاحظ الأديب والكاتب الصحفي، محمد القعود، أنّ الأسعار ارتفعت قبيل رمضان بصورة جنونية دونما مراعاة للظروف الصعبة التي يعيشها المواطن والوطن.

متّهِمًا في تعليق له على (فيسبوك) التجار وشركاتهم بالتحول إلى "وحوشٍ ضارية وأسماك قرش وضباعٍ تنهش في جسم وجسد وقلب المواطن، وذلك من خلال رفع الأسعار المستمر في المواد الغذائية".

* تحرير خيوط

•••

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English