ضحية "قنبلة عنقودية" في صعدة

إعاقة مبكرة لطفلين كانا يرعيان الأغنام
نجم الدين قاسم
February 21, 2022

ضحية "قنبلة عنقودية" في صعدة

إعاقة مبكرة لطفلين كانا يرعيان الأغنام
نجم الدين قاسم
February 21, 2022

كان الربيع والعشب والخُضرة التي تكسو المنحدر تغري الطفل رعد أحمد (9 سنوات) بالركض خلف الأغنام، واللهو رفقة ابن عمه (عبدالعزيز) الذي يكبره بسنتين؛ يخرجان معًا بداية النهار يَسُوْقان الأغنام نحو المرعى، الذي لم يعودا إليه منذ اليوم الذي اصطبغ فيه قميص رعد بدمه. 

حدث ذلك، في الساعة العاشرة صباح يوم السبت 30 مارس/آذار 2019؛ كان يومًا روتينيًّا عاديًّا إلا من خطوة واحدة يخطوها رعد _دون أنْ يَعي_ فوق جسمٍ معدني مُلقًى بإهمال تحت ذُؤَابةٍ من الحشائش الجبلية. حين أراد أن يتبين ماهيته، كان الوقت قد فات؛ اندلعتْ كتلةٌ من اللهب، ودوَّى المنحدر بانفجارٍ قويّ سيظل رعد يتذكره طويلًا.

 كان الانفجارُ ناجمًا عن بقايا لم تنفجر من قنبلة عنقودية، تفرقتْ أجزاؤُها في منحدرٍ مُعشِب (مرعى) بمديرية صحار بمحافظة صعدة (شمال اليمن)، سَبَّبَ الانفجارُ جروحًا خطيرة للطفلين، إلا أن رعد _الذي داس على الجسم المتفجر_ كان أكثر الطفلين ضررًا، جراء ما أصابه من تمزقات في ساقه اليسرى أفقدته القدرة على تحريكها أو التحكم بها. 

منذ الواقعة، صار رعد مجبرًا على السفر بداية كل شهر، قَصْدَ إجراءِ جلسات للعلاج الطبيعي في "مركز الأطراف" بصنعاء، وهو المركز الوحيد في اليمن، المخصص لهذا النوع من العلاج الذي تستدعيه حالة رعد، على أمل أن ينجح ذلك في تنشيط أعصابه الخاملة وتحفيزها على الاستجابة. 

ليس رعد وإبراهيم، سوى ضحيتين من مئات الأطفال الضحايا، الذين تعرضوا لإعاقات دائمة من مخلفات الحرب، الدائرة في اليمن منذ سبع سنوات، جراء تفخيخ أطراف الصراع للمناطق الآهلة والبلدات القريبة من مناطق المواجهات بعشرات الآلاف من الألغام والعبوات الناسفة والقنابل العنقودية والمخلفات المتفجرة، التي صارت تحصد مزيدًا من الضحايا بشكل متصاعد.

الدكتورة شيخة الحسني، رئيسة قسم النساء والأطفال بقسم العلاج الطبيعي بمركز الأطراف، تقول في تصريح لـ"خيوط": إن الحالات مثل رعد، تكون في العادة صعبة، وتحتاج إلى عملية جراحية خارج اليمن لإعادة ترميم الأجزاء المتضررة في عصب الساق، ولأن ذلك غير متاح حاليًّا، ليس أمام رعد سوى الاستمرار في جلسات العلاج الطبيعي، رغم أن احتمالية فعاليتها ضئيلة، قد لا تتعدى 20%، ليس إلا. 

نتيجة للحالة التي صار إليها رعد، وإعاقته المبكرة، لم يعد في مقدوره الذهاب إلى المدرسة؛ فالأمر بالنسبة إليه لم يعد سهلًا الآن، خصوصًا مع كونه مضطرًا إلى إجراء جلسات العلاج الطبيعي بشكل دوري في صنعاء، مع ذلك، ما يزال يراوده كثيرٌ من التفاؤل في أن يتعافى في يومٍ ما ويستطيع من جديد أن يعدو ويركض مثل الأطفال، ويذهب إلى المدرسة مشيًا على قدميه "آمُل أيضًا ألّا يتكرر ما حدث لي مع طفل آخر، أحلم دائمًا أن تكون أرض اليمن خالية من مخلفات الحرب"، رعد لـ"خيوط". 

تتكرر المأساة ذاتها، وبالأسباب والأدوات ذاتها أيضًا، مع أديب إبراهيم (8 سنوات)؛ طفل آخر من مديرية ذو باب (غرب محافظة تعز)، يعيش أديب إعاقةً مبكرة، جراء شظايا أصابت إحدى ساقيه إثر انفجار لغم أرضي، جعلته قعيدًا دون أن يبلغ العاشرة، أما أخته الكبرى ووالده، فقد قَضَيَا في لحظة الانفجار ذاتها، بينما كان ثلاثتهم يرعون ماشيتهم في تخوم إحدى الحقول التي كانت مفخخةً بالألغام. 

ليس رعد وإبراهيم، سوى ضحيتين من مئات الأطفال الضحايا، الذين تعرضوا لإعاقات دائمة من مخلفات الحرب، الدائرة في اليمن منذ سبع سنوات، جراء تفخيخ أطراف الصراع للمناطق الآهلة والبلدات القريبة من مناطق المواجهات بعشرات الآلاف من الألغام والعبوات الناسفة والقنابل العنقودية والمخلفات المتفجرة، التي صارت تحصد مزيدًا من الضحايا بشكل متصاعد. 

يقول علي الأعوج، مدير عام مركز الأطراف والعلاج الطبيعي بصنعاء لـ"خيوط"، إنه منذ عام 2015، قَدَّم مركزُ الأطراف خدماته لأكثر من 68 ألف شخص، كانت النسبة الأكبر منهم من الأطفال، حيث وصل عددهم _حتى منتصف 2021_ إلى 24 ألف طفل، كانت إصابات معظمهم بشظايا متفجرات، أو مخلفات القنابل العنقودية. 

وتشير إحصائية للمركز التنفيذي للتعامل مع الألغام، (يعمل في مناطق سيطرة الحوثيين) اطلعت عليها "خيوط"، إلى أنه منذ سنة 2015 حتى 2021، ألقت طائرات التحالف 3179 قنبلة عنقودية على مناطق متفرقة من الجمهورية اليمنية، تركَّز معظمها في محافظات: صعدة، وحجة، وأمانة العاصمة (صنعاء)، والحديدة، والجوف، وعمران، والمحويت، وذمار، وتعز.

علي صفرة، مدير عام المركز، يقول في تصريحٍ لـ"خيوط"، إنه حتى عام 2021، انتزع المركز 55,636 من الألغام والقنابل العنقودية ومخلفات حربية أخرى، مفصلة كالتالي: (874 لغمًا مضادًّا للأفراد، و2920 لغمًا مضادًّا للدبابات، 1304 قنابل عنقودية، و11 صاروخ طيران في مناطق حيوية، 164 فيوز قنابل، و39 قنابل طيران، و240 شَرَكًا خداعيًّا، ونحو 50,084 قطعة من القذائف المنوعة ومخلفات الحروب).

على الجانب الآخر، حيث مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا، يعمل مشروع مسام لنزع الألغام منذ يوليو/تموز 2018، في نزع مخلفات الحرب. يذكر أسامة القصيبي، مدير عام المشروع لـ"خيوط": إنه منذ انطلاق المشروع حتى مطلع فبراير 2022، تم نزع 321 ألف لغم وذخيرة وعبوة ناسفة غير منفجرة من المناطق التي تسيطر عليها القوات الحكومية.


•••
نجم الدين قاسم

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English