كلاسيكية الكتب!

السؤال الذي يمثّل مصدرَ قلقٍ للقارئين
عبير اليوسفي
August 2, 2022

كلاسيكية الكتب!

السؤال الذي يمثّل مصدرَ قلقٍ للقارئين
عبير اليوسفي
August 2, 2022

قد تقع على معزوفة موسيقية لبيتهوفن أو موزارت أو تشوبان، فتجدها مكتملة لا ينقصها شيء، رغم مرور مئات السنوات إلا أنّها ما زالت تحافظ على جماليتها المطلقة، وتبني من خلالها ذائقتك الموسيقية حول ما تفضّله. 

كما للموسيقى، للكتب أيضًا أعمالُها الكلاسيكية القديمة، والتي نجد جماليتها عند قراءتها، وندرك مدى الأهمية التي يحتويها مضمون الكتاب. قد تمثّل فينا الكتب الكلاسيكية حجر الأساس الذي نبني من خلاله ذائقتنا الأدبية، وفترة نضج واستيعاب العمل الأدبي بعد قراءات سابقة لم تدرك جيدًا. 

ثمة تساؤل ما زال يطرح لدى فئة الأدباء حول لماذا نقرأ الكلاسيكيات؟ ولماذا تُعطى لها الأهمية؟ 

يمثّل السؤال مصدرَ قلقٍ لعددٍ من القارئين حول السبب الذي يدفعنا لقراءة أعمال كلاسيكية أو قديمة، واختلفوا حول إيجاد تعريف لمعنى الكلاسيكي. فهو من ناحية يعد كل ما هو قديم ويعاد إحياؤه عند القُراء، ومن ناحية أخرى أصبحت الأعمال الشهيرة التي يتم تداولها وذكرها بشكل مستمر ودائم، تقع تحت مسمى كلاسيكي. في كتاب "لماذا نقرأ الكلاسيكيات"، للكاتب إيتالو كالفينو، يرى من وجهة نظره أنّ قراءتها أفضل من عدم قراءتها، مستشهدًا بسقراط الفيلسوف الذي كان يتمرن على عزف الناي أثناء استخلاص السمّ من الشوكران، فسئل: "فيمَ سينفعك العزف وأنت هالك لا محالة؟"، فأجاب: "يكفيني عزف هذا اللحن قبل مماتي". وفي تعريفه للكتاب الكلاسيكي وجدته يعرفه بأنّه "الكتاب الكلاسيكي هو الذي يعلن القارئ أنه يعيد قراءته ولا يقول أبدًا إنه يقرؤه". ويذكر أيضًا أنّ الكتاب الكلاسيكي يجعلنا نحدد أنفسنا بالمقارنة معه، وربما معارضته".

كنّا في المدرسة، أول ما نتعلمه في مناهج اللغة العربية والأدب، هي كلاسيكيات القصائد الشعرية والمعلقات لامرئ القيس والمتنبي وأبي نواس وغيرهم، وجميعنا كنّا أو ما زلنا، نحفظ أبياتًا من تلك القصائد التي كان يتعسر علينا تفكيك معانيها بسهولة وفهمها. لكن يبقى السؤال الذي يدور: ما الذي يجعل الكتب القديمة تُعطى تلك الأهمية ويصبح لها قيمة مهمة يتوجب علينا قراءتها وتعلمها؟ 

يقول ابن خلدون في مقدمته عن علم الأدب: "إنّ أصول هذا الفنّ وأركانه أربعةُ دواوين، وهي: أدب الكتاب لابن قتيبة، وكتاب الكامل للمبرّد، وكتاب البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب النوادر لأبي علي القالي البغدادي. وما سوى هذه الأربعة فتبع لها وفروع عنها".

السبب الآخر لإعطائها الأهمية، هو الدور الذي تمثّله الأعمال القديمة فهي كمؤرخ تاريخي لحقبة زمنية قديمة جدًّا نتطلع لمعرفتها ومعرفة المجتمع الذي يطرحه الكاتب؛ فابن خلدون في مؤلفاته -كمثال- صور لنا المجتمع في عصره، وسجّل أهم الأحداث التي كان شاهدًا عليها من انتشار الطاعون الذي أفقده أباه وأمه إلى سقوط دمشق بيد تيمور لنك

قد نصادف رواية أو كتاب قديم اشتهر من الكتب الثرية باللغة والمحتوى، فنسمع في الأدب العربي مثلًا بكتاب حي بن يقظان أو ألف ليلة وليلة وطوق الحمامة ورسالة الغفران ومقامات الحريري والهمداني وإخوان الصفا والبخلاء، وغيرها من الأعمال التي ندرك أنها قيّمة ومهمة جدًّا ونجزم بذلك، ولكننا لم نتناول قراءتها بالتفصيل، رغم أننا نعلم مضمونها. وقد نخوض في حديث طويل عن محتواها دون أن نقرأ الكتاب. فشهرتها الواسعة أعطتنا صلاحية الحديث عنها دون أن نلِمّ بمضمونها بشكل واسع. لكن ما جعلها مهمة ومخلدة دون أن يطويها النسيان هو إعادة إحياء ذكرها في الكتب المختلفة وفي الحوارات والمناقشات. فالكاتب يبقى حيًّا بذكره والاستشهاد بأعماله. وكذلك الكتب، فاستمرارية قراءتها أبقتها على قيد الحياة، وأُعطيت الأهمية الكبيرة مما يجعلنا نعلم أنه يجب كـ"قارئ" ضمّها لما نقرؤه. أقربها وأقدمها مثالًا حكايات ألف ليلة وليلة، الذي يحيا اليوم بيننا، وكأنه كُتب بالأمس وهو من بطون الكتب الروائية، الذي يعاد قراءتُه دومًا، حاضرًا في كل زمان بقصصه التي تحكيها بطلته شهرزاد وتلهم بها المؤلفين من الشرق والغرب لحياكة عمل فني على ملامحها.

تلك الأهمية تعود لسببين برأيي؛ الأول لما تحتويه من جمال لغوي، ولما تضمّه من أساليب كتابية مبدعة وأقتبس هنا ما قاله الكاتب المغربي عبدالفتاح كليطو عن أهمية الكتب القديمة للكاتب الناشئ؛ إنها "مؤلفات أساسية لا غنى عنها ولا يجوز للأديب المبتدئ أن يتجاهلها، إذ باطلاعه عليها يطور، بطبيعة الحال، معرفتَه باللغة العربية وبالأدب، وبفنّ الكتابة، ويصبح من حيث المبدأ أديبًا مكتملًا وقادرًا على تأليف نصوص جيدة أو لا بأس بها".

قد نقف الآن معارضين لما قد كتب قديمًا أو معارضين في وجه شاعر أو ناقد أو كاتب. والكثير من المؤلفات الحديثة تناولت تحليل وتفسير وانتقاد القديم، لكن بالتأكيد نقف جميعنا على رأي واحد، وهو اللغة التي قد يراها البعض معقدة، يصعب المواصلة أو الكتابة بها وتفسير معناها، خصوصًا مع تقدم الزمن الذي يبهت لنا فصاحة اللغة ومصطلحاتها.

السبب الآخر لإعطائها الأهمية، هو الدور الذي تمثّله الأعمال القديمة، فهي كمؤرخ تاريخي لحقبة زمنية قديمة جدًّا نتطلع لمعرفتها ومعرفة المجتمع الذي يطرحه الكاتب، فابن خلدون في مؤلفاته -كمثال- صوّر لنا المجتمع في عصره، وسجّل أهم الأحداث التي كان شاهدًا عليها؛ من انتشار الطاعون الذي أفقده أباه وأمه إلى سقوط دمشق بيد تيمور لنك وسقوط الأندلس وانتهاء ألقها.

لذا أجد أنّ كلاسيكيات الكتب تعد واجهة زمنية للفترة التي كتبت فيها، فتقرأ الماضي في الحاضر وكيفية تطور المجتمعات واختلافها. فمن كلاسيكيات الأدب العربي إلى الأدب العالمي، يمكنك الاطلاع والتعرف على الفترات الزمنية المختلفة التي مثّلتها تلك الأعمال. والتعرف على المجتمعات الأخرى عن طريق التعرف على أشهر أعمال أدبائها الكلاسيكية، وهنا يعود الفضل للترجمة التي قامت بدورها في نقل كلاسيكيات الأدب من لغة لأخرى وتعريف القارئ العربي بها.

أخيرًا، يضع الكاتب إيتالو في كتابه المذكور، تعريفًا أخيرًا للكتب الكلاسيكية: "الكتب الكلاسيكية هي التي تستمر في عملها كموسيقى خلفيّة (في ذهنك) مهما اشتدت نوازل الدهر".

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English