توسع ظاهرة عمالة الأطفال في اليمن

يخوضون معترك الإعالة المبكرة لأسرهم
جميل الجعـدبي
December 9, 2020

توسع ظاهرة عمالة الأطفال في اليمن

يخوضون معترك الإعالة المبكرة لأسرهم
جميل الجعـدبي
December 9, 2020
محمد الصلوي

  تحت أشعة الشمس الحارقة نهارًا، ولسعات البرد القارس ليلًا، يبيع الطفل خالد (7 سنوات) ورفيقيه سمير وفهد، بضع مناديل ورقية، ومثلها قوارير مياه معدنية، لمساعدة أسرتيهما بتوفير قيمة الحدّ الأدنى من السلع الغذائية الأساسية وأدوية المرضى.

    بين عوادم السيارات وغبار تقاطعات الشوارع العامة وعلى أرصفتها، يقضي ثلاثتهم أكثر من 15 ساعة في بيع بضائعهم محمولة على أكتافهم، فيما يشبه الأعمال الشّاقة، قياسًا بسنوات أعمارهم وهشاشة أجسادهم.

    هكذا تتناثر تداعيات الحرب والصراع الدائر في اليمن، منذ ما يزيد عن خمس سنوات والأزمات المتداخلة وتفاقم الأوضاع المعيشية، وتوقّف صرف مرتبات الموظفين، وارتفاع أسعار السّلع الغذائية في معظم محافظات اليمن، إذ تسببت في دفع الآلاف من طور الطفولة الآمِن إلى معترك الإعالة المبكّرة قبل أوانهم.

    فقدان أرباب الأسر لمصادر دخلهم، وارتفاع معدلات الأمراض المُعدية، وانعدام الأمن الغذائي، بالإضافة إلى محدودية وتردّي خدمات الصّحة والتعليم والمياه والصّرف الصحي؛ عوامل عديدة جعلت اليمن من أصعب الأماكن التي يمكن للطفل أو الأم العيش فيها.

    وتحت وطأة الحرب والأزمة ذاتها، مضافًا إليهما جائحة فيروس كورونا كوفيد-19، عمد الميكانيكي مروان الحبيشي (35 سنة) على استبدال عُمّال في ورشته لصيانة عجلات السيارات وتغيير زيوت محرّكاتها، بعددٍ من أقاربه، بينهم أحد أطفاله (10 سنوات)، يقول مروان لـ"خيوط" إنّه فعل ذلك إثر تراجع دخل ورشته إلى أدنى مستوى لها منذ افتتاحها قبل 10 سنوات.

    يعتقد مروان أنّ في مزاولة طفله حسان لبعض الأعمال في الورشة، خارج اليوم المدرسي، تدريب حرفي وتوفير لأجر عامل من خارج الأسرة، مستبعدًا وقوع أيّة مخاطر محتملة على صحته وحياته ومستقبله، في ظلّ إشراف ورعاية والده.

في الوقت الذي تسببت الحرب في تحديث البيانات، تظهر نتائج مسح رسمية بعمالة الأطفال في اليمن، صادرة قبل الحرب، أنّ 1.6 مليون أو 21% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عامًا في عداد الفئات العاملة

    الأخصائي التربوي في محافظة الحديدة، محمد شنيني، يرى من جانبه أنّ عمالة الأطفال واحدة من أبرز تداعيات الحرب وآثارها على الطفولة في اليمن، وفي حديثه لـ"خيوط"، يرى شنيني أنّ فقدان معظم الأسر اليمنية لمصدر دخلها "اضطرّها للدفع بالأطفال إلى سوق العمل".

     يقول هذا الأخصائي التربوي، إن الطفل ينمو وتتباعد المسافات بين إمكانيات الأخذ بيده لاستعادة المسلوب من طفولته كلّما تقدّم عمره، حتّى يبلغ مرحلة انعدام الحلّ، ليجد نفسه شابًا وربّ أسرة تسحقها الأميّة والفقر.

اضطراب الحلقة الأضعف

    خلال سنوات الحرب الأخيرة، انتشرت بصورة لافتة عمالة الأطفال في اليمن، وباعتبارهم الحلقة الأضعف في الاضطرابات تصدّر الأطفال قائمة ضحايا الحرب والأزمات وجائحة كوفيد-19، معرّضين لأنواع شتّى من العنف والاستغلال وانتهاك ومصادرة الحقوق.

    لا وقت لدى سامي (12 سنة) لممارسة اللعب مع أصدقائه، فمنذ توقّف صرف مرتّب والده التعاقدي قبل سنوات، يكافح سامي بضراوة من أجل البقاء والمساهمة في سدّ رمق أفراد أسرته المكونة من 7 أشخاص.

    يعمل سامي بمعدّل 10 ساعات يوميًّا، في حقول زراعية بمديرية همدان محافظة صنعاء (20 كيلو مترًا شمال غرب العاصمة صنعاء)، في جني محصول البطاطس، وذلك بحفر الرمال المحيطة بجذور الشجرة ونزع ثمرة المحصول من عمق الحقل الزراعي، بأجر يومي "صندوق بطاطس"، ليبيعه فيما بعد في أسواق الخضروات والفواكه.

   يُكرّر سامي ذلك عدّة أيّام، ويعمل في جني محاصيل وخضروات أخرى، مثل الجزر والبطاطس- بحسب الموسم- ليجمع بذات الطريقة قيمة ما تيسّر من السلع الغذائية الأساسية، وقيمة فواتير الأدوية لوالدته التي تعاني من عدّة أمراض، متأثّرة هي الأخرى بمآلات الحرب ومخاوف قصف الطيران بالقرب من مسكنهم.

    معاناة الطفولة في اليمن طالت الإناث أيضًا، فعند بوابة مطعم للمأكولات الشعبية وسط صنعاء، تجلس مريم (9 سنوات) مرتدية زيّها المدرسي لبيع الخبز المنتج منزليًّا، لمساعدة والدتها في إعالة الأسرة بعد وفاة والدها متأثرًا بأمراض في القلب.

    تتوجه أمّ مريم إلى بوابة المطعم ظهر كلّ يوم، لتنتظر هناك طفلتها عائدةً من المدرسة لتكمل مهمّة الأم في بيع الخبز، في حين تعود الأم حاملة حقيبة مريم المدرسية إلى المنزل، لإنتاج خبز جديد، ونقله مرّة ثانية إلى مريم، في دورة إجهاد يومية لا تبقي للأم وطفلتها سبيلًا للاسترخاء وتذوّق طعم الرّاحة.

    وتشير منظمة العمل الدولية إلى أنّ 1.4 مليون طفل يعملون في اليمن محرومون من أبسط حقوقهم، وأنّ نحو 34.3 % من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 5 و17 عامًا يعملون باليمن، مع توسع الظاهرة خلال فترة الحرب بنسب قد تتجاوز أربعة أضعاف عما كانت عليه قبل الحرب.

    وصادقت اليمن عام 1991، على اتفاقية حقوق الطفل، لتلحق بركب 192 دولة وقّعت الاتفاقية الدولية للحفاظ على حقوق الطفل في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1989، ليعدّ هذا اليوم في وثائق الأمم المتحدة تذكيرًا مهمًا من أجل حفظ حقوق الطفل وحماية طفولته من العنف والضّرر، أو القيام بأعمال لا تتوافق مع عمره.

    وتظهر بيانات مسح رسمية بعمالة الأطفال في اليمن، صادرة قبل الحرب، أنّ 1.6 مليون أو 21% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عامًا هم عاملون، وتظهر تفاصيل الأرقام أنّ انتشار العمل مرتفع في صفوف الأطفال الأصغر سنًّا بما نسبته 11% للأطفال بين 5 و11 عامًا، و28.5% للأطفال بين 12و14 عامًا، ونسبة 39.1% للأطفال بين سن 15 و17 عامًا.

لا تقف انتهاكات الطفولة ومظاهر مصادرة حقوقها في اليمن، عند حدّ إخراجهم مبكّرًا إلى سوق العمالة وتحويلهم إلى أولياء أمور، وسلب طفولتهم، فقد تعرّض الأطفال للقتل والإعاقات بسبب الحرب، وتعرضوا لهجمات أثناء لعبهم في الهواء الطلق مع أصدقائهم، وفي طريقهم إلى المدرسة أو العودة منها

    المسح الذي نفّذه الجهاز المركزي للإحصاء في اليمن، بالتعاون مع البرنامج الدولي للقضاء على عمل الأطفال التابع لمنظمة العمل الدولية، والصندوق الاجتماعي للتنمية، وصندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة "يونيسف"، أظهر أن 50.7% من الأطفال العمّال يؤدّون عملًا خطرًا، وأنّ الغالبية الساحقة 95.6% تعمل في مهن خطرة.

    لكن لا توجد إحصائيات رسمية حديثة بعدد الأطفال العاملين في اليمن، حسب مختصين في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، تحدّثوا إلى "خيوط" مشترطين التحفظ على هويّاتهم، فقد أوقفت الحرب -حسب هؤلاء- معظم أنشطة الوزارة، بما فيها مشاريع المسح لعمالة الأطفال.

    ويتّهم هؤلاء الحكومة المعترف بها دوليًّا بإيقاف صرف مرتبات موظفي الدولة بنقل البنك المركزي إلى عدن، وانعكاس ذلك سلبيًّا على احتياجات وحقوق الطفولة، مشيرين إلى "عمليات قصف استهدفت حدائق وألعاب الأطفال".

انتهاكات بلا حدود 

    لا تقف انتهاكات الطفولة ومظاهر مصادرة حقوقها في اليمن، عند حدّ إخراجهم مبكّرًا إلى سوق العمالة وتحويلهم إلى أولياء أمور، وسلب طفولتهم، فقد تعرّض الأطفال للقتل والإعاقات بسبب الحرب، وتعرضوا لهجمات أثناء لعبهم في الهواء الطلق مع أصدقائهم، وفي طريقهم إلى المدرسة أو العودة منها، وأثناء نومهم داخل منازلهم مع أسرهم.

    في هذا السياق يكشف تقرير حقوقي حديث حصلت "خيوط" على نسخة منه، عن مقتل 3468 طفلًا، وإصابة 3804 أطفال آخرين، قال التقرير إنهم ضحايا القصف الجوي لطيران التحالف العربي "السعودية والإمارات".

    التقرير الصادر عن المركز اليمني لحقوق الإنسان أشار إلى آثار أخرى للغارات على الأطفال، مثل حرمانهم من حق التعليم والرعاية الصحية، عبر استهداف المنشآت التعليمية والصحية، والأضرار التي طالت الأطفال جراء استمرار الحصار ومنع دخول الدواء والغذاء والوقود.

    ويتصدر الأطفال قائمة ضحايا الحرب الدائرة في اليمن، إذ لا حصر لمعاناتهم، فالطفولة تبدو مسلوبة، والحقوق مصادرة، والمعاناة مزدوجة، والصورة كارثية تختزلها السيدة ليز غراندي، منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن بقولها: "إذا لم تنتهِ الحرب فورًا، فإننا نقترب من وضع لا رجعة فيه، ونخاطر بفقدان جيل كامل من أطفال اليمن الصّغار".

    الباحث الاجتماعي عبدالكريم غانم يؤكد بدوره، أنّ معظم الأسر لم يعد بمقدورها توفير الاحتياجات الأساسية لأفرادها، لا سيما بعد أن تخلّت الدولة عن دفع رواتب معظم الموظفين، وبالتالي فإن الأطفال كفئة ضعيفة تعدّ الأكثر عرضة للتهميش، وهي في العادة من يتحمّل العبء الأكبر.

    وفي حديثه لـ"خيوط"، تعليقًا على هذه المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية وتأثيرها على مستقبل الطفولة في اليمن، يعتقد هذا الباحث الاجتماعي، أنّ الحروب والنزاعات بشكل عام تؤدّي إلى تدمير الأوضاع الهشّة لحقوق الطفل، مشيرًا إلى أن الحرب تسببت في تدمير بيئة العمل المعتادة، التي كانت تحتاج إلى قدرات وخبرات ومهارات معيّنة، وفتحت بيئة مختلفة للعمل، بما في ذلك العمل الهامشي الذي يصعب على الكبار تقبّله؛ فهم أقلّ قدرة من الأطفال على التكيّف مع بيئة العمل قليلة العائد المادي والمحفوفة بالمخاطر، التي اقتضتها الحرب.

   حسب غانم، فإنّ موجات النزوح الواسعة للسكان من مناطقهم الأصلية وضعت الكبار بعيدًا عن مصادر دخلهم المعتادة، ورمت بملايين الأطفال بعيدًا عن مدارسهم، وجعلت التعليم في مقدمة القطاعات التي تراجع الاهتمام بها.


•••
جميل الجعـدبي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English