متحف با راس لتوثيق التراث

جمع المقتنيات على مدى 15 سنة بجهود ذاتية بسيطة
عبدالله با صريح
March 14, 2023

متحف با راس لتوثيق التراث

جمع المقتنيات على مدى 15 سنة بجهود ذاتية بسيطة
عبدالله با صريح
March 14, 2023

في مساحةٍ جغرافيةٍ صغيرة، في محافظة حضرموت، وبالتحديد في مديرية دوعن، تقع قرية الدهماء، التي تبعد عن مدينة المكلا مسافة تقدّر زمنيًّا بأربع ساعات بالسيارة. يسكن سالم با راس، الذي يعمل معلمًا في مدرسة (مدرم) بالدهماء منذ سنة 1995. شغف با راس بتاريخ وتراث المنطقة والحفاظ عليه وصونه، قاده إلى إنشاء متحفٍ خاص به.

إنشاء المتحف

يتحدّث با راس لـ"خيوط"، عن فكرة إنشاء المتحف، وعن التحديات التي واجهته منذ بداية الشروع في جمع وشراء المقتنيات والتحف التراثية إلى أن أصبح المتحف واقعًا قائمًا: "فكرة إنشاء المتحف جاءت من حبِّي واهتمامي وشغفي بالتراث وكلّ ما يتعلّق به، علاوة على شعوري بالمسؤولية تجاه الماضي الذي يصنع حاضرنا ومستقبلنا، إذ بدأتُ المتحف ببعض المقتنيات الشعبية: أدوات زراعية، وبعض المتحجرات التي تصف حيوانات من ملايين السنين، تم إحضارها من نفس جبال المنطقة، سنة 1996".

يتابع با راس حديثه عن بدايات متحفه: "ذات مرة أوقفت سيارة لبعض السواح، وبدأت أتكلم معهم بإنجليزية شبه مقبولة، شارحًا لهم محتويات المتحف، عقبها قاموا بزيارته، وسعدوا جدًّا بما رأوه، ملتقطين بعض الصور له، فيما قام أحد أكبر ساكني القرية بشحن بندقية (أبو فتيلة) بالبارود، مطلقًا النار في الجو، لتعم السعادة وجوه الحاضرين".

"جمعت عديدًا من المقتنيات التراثية من سنة 1995 وحتى سنة 2021، منها ما حصلت عليه بعد مشقة طويلة؛ نظرًا لأهميته التاريخية، إلى أن تكدّست المقتنيات في منزلي، عندها راودني الخوف من فقدان أو ضياع أو تلف هذا الإرث أو بعضٍ منه، ومن هنا جاءت فكرة إنشاء متحف صغير يضمّ هذه المقتنيات، لتكون متاحة أمام الزوّار ومحبِّي التراث".

أهم المقتنيات في المتحف

ويسرد سالم في حديثه أهمَّ المقتنيات الأثرية في المتحف، قائلًا: "يضمّ المتحف بعض الأسلحة القديمة جدًّا والنادرة مثل بندقية (البو فتيلة)، وبندقية (الهطفة)، إضافة لبعض أدوات الإنارة مثل (الأتاريك) والفوانيس، إلى جانب (البيكم) -يحتوي على مسجل وراديو- والذي أعتبره من أهم المقتنيات لديّ حيث يحمل في شنطة دبلوماسية، إضافة إلى (الرعشة) وهي عبارة عن عمل يدوي جميل يتم تطريزه بفصوص بشكلٍ هندسيّ جميل للغاية، ومن ضمن مقتنيات المتحف ساعة (سيكو 5) حائطية ماركة قديمة، وساعة خشبية قديمة جدًّا، وصندوق خشبي مزين ومزخرف يسمى (سيسم) وهو صناعة خارجية.

إلى جانب المقتنيات المذكورة يحتفظ با راس بالعديد من العملات القديمة التي تعبر عن مراحل تاريخية مختلفة للمنطقة وعملات من العالم ظهرت في فترات زمنية متعاقبة.

كما تتضمّن محتويات المتحف بعض الفناجين الصيني ودِلَال القهوة، وصحن مزين بزخارف هندسية بديعة، وصحون تسمى الغضار، والصحفة وهي طاسة محفورة من الخشب، وسكاكين قديمة من ماركة (أبو شوكة) كما يقال عنها في اللغة الدارجة.

علاوة على وجود ملابس العريس قديمًا، وهي عبارة عن: عمامة مطرزة تطريزًا يدويًّا، شال وشيذر، الخراطة؛ وتستخدم لجمع معونات (الرفد) للعريس في يوم العرس، و(المسبت) وهو عبارة عن حزام جلدي يوضع في الخصر، يتزين به العريس ويقوم بتعبئته بالرصاص، ويعدّ ذلك نوعًا من الزينة والاعتزاز والفخر بقوته. 

كما يوجد في المتحف مقتنيات لبس العروسة الخارجي، وأبرزها: قطعة قماش شفافة تُوضع على الجزء الأعلى من جسم العروس، لا تختلف كثيرًا عمّا تضعه العروس الهندية في مناسبة زواجهم، تسمى هذه القطعة (الصوان)، إضافة إلى وجود قطعة أخرى تسمى النقبة (العطفة)، وهي ما يغطي الرأس دون الوجه، وفيها بعض التطريز اليدوي المتقن، وأخيرًا البرقع وهو ما يغطي الوجه.

تنوّع العملات التاريخية المعروضة

إلى جانب المقتنيات المذكورة، يحتفظ با راس بالعديد من العملات القديمة التي تعبر عن مراحل تاريخية مختلفة للمنطقة، وعملات من العالم ظهرت في فترات زمنية متعاقبة، إذ يقول: "أحتفظ بالعديد من العملات القديمة، وأضعها في إحدى زوايا المتحف". ويبدأ با راس في تعداد الأنواع الموجودة لديه، قائلًا: "يوجد في المتحف عملة القسطنطينية ذات الحجم الدائري الكبير، مكتوب عليها تاريخ (1255 هجرية)، وعملة الإمام يحيى بن محمد، مكتوب عليها (أمير المؤمنين المتوكل على الله)، وفي الوجه الثاني مكتوب (لا إله إلا الله)، صادرة سنة 1341 هجرية. وهناك أيضًا القرش الفرنسي، وهو قرش نمساوي لماريا تريزا من الفضة، وزنه قرابة 28 جرام، صادر سنة 1780 ميلادية. وعملة المكلا زمن النقيب صلاح الكسادي سنة 1276 هجرية. وربع عانة هندية للملكة فيكتوريا صادر سنة 1891 ميلادية، والعانة الهندية توازي عانتين للإمبراطور جورج السادس سنة 1944 ميلادية.

كما يتضمّن ركن العملات ميدالية للملكة إليزابيث من الفضة، وعملة من شرق أفريقيا تسمى الشلن، والسنتات المثقوبة لبريطانيا العظمى صادرة سنة 1934 ميلادية، ويتضمن المتحف أيضًا البُقْشَة بأنواعها المختلفة، مثل: نصف البقشة للجمهورية العربية اليمنية صادرة سنة 1963 ميلادية، إلى جانب جميع عملات جمهورية اليمن الديمقراطية، إضافة إلى عملة الجزائر الذهبية على شكل خلية نحل، تقدر بقيمة عشرة دنانير صادرة سنة 1981 ميلادية، كما يوجد في المتحف أول عملة معدنية للإمارات العربية المتحدة (الدرهم) صادرة سنة 1973 ميلادية، إلى جانب العديد من العملات لبلدان وممالك مختلفة. 

إصرار وحبّ 

"لم تكن مهمة جمع المقتنيات والحفاظ عليها ومن ثَمّ تنظيمها وعرضها في متحف مهمة سهلة، كما قد يتبادر إلى الأذهان؛ تطلب الأمر تكاليف مادية كبيرة بالنظر إلى بساطة دخلي والتزاماتي الأسرية، حيث شكّل الجانب الماديّ عقبة حقيقيّة في كلّ مراحل وخطوات جمع وشراء المقتنيات". يقول با راس، مضيفًا: "أثقلت التنقلات بين القرى والمدن كاهلي، خاصة أنّي لا أمتلك وسيلة نقل، وبسبب ضعف الحال هذا اضطررت إلى تخصيص غرفة من بيتي الشعبي المتواضع لاحتواء هذه المقتنيات".

وينهي با راس حديثه لـ"خيوط"، بالقول: "ما تشاهدونه اليوم في هذه الغرفة الصغيرة ليس حصيلةُ جهدِ عامٍ أو خمسة أعوام، وإنّما حصيلة جهد استمرّ قرابة خمسة عشرة سنة، لم يكن الطريق سهلًا إطلاقًا، لكن العزيمة وحبّي لهذا الإرث الشعبي العظيم كانا دافعًا قويًّا لخروج هذا المتحف للنور".

•••
عبدالله با صريح

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English