أَتْمَتَة التعليم تصطدم بمناهج ونظام تقليدي

عن نماذج الامتحانات الحديثة والتصحيح الإلكتروني
نجيب الكمالي
December 31, 2022

أَتْمَتَة التعليم تصطدم بمناهج ونظام تقليدي

عن نماذج الامتحانات الحديثة والتصحيح الإلكتروني
نجيب الكمالي
December 31, 2022

يدرك خبراء التربية والتعليم مدى أهمية الاختبارات الحديثة ونظم التصحيح الإلكتروني في الدول المتقدمة التي تمتلك منظومات تربوية وتعليمية حديثة، وأنّ إجراءً كهذا لا يتناسب بالمطلق مع بيئة الدول التي تمتلك منظومات تعليمية هشّة ومناهج دراسية تقليدية. 

وأدّت الحرب والصراع في اليمن منذ ثماني سنوات، إلى إلحاق أضرارٍ بالغة في مختلف القطاعات الخدمية في البلاد، كالتعليم، مع تفكك وتشظٍّ وانحدار متواصل للمنظومة التربوية والتعليمية في البلاد.

ورغم كل الظروف المضطربة التي تعصف بالمنظومة التربوية والتعليمية، عمدت وزارة التربية والتعليم في حكومة صنعاء التابعة لأنصار الله (الحوثيين)، إلى البدء في تجربة نظام الاختبارات الحديثة والتصحيح الإلكتروني، حيث باشرت قبل عامين البَدءَ في خطوات عملية لتنفيذ التجربة الحديثة، والتي تعتمد "أَتْمَتَة" الاختبارات والتصحيح الإلكتروني.

إذ أقدمت الجهات التعليمية المختصة في صنعاء على التعاقد مع شركة برمجيات خاصة، أوكل إليها تنفيذ النظام الإلكتروني والإشراف عليه. 

في السياق، يؤكّد صالح الوادعي، مدير إدارة الامتحانات في وزارة التربية والتعليم بصنعاء، لـ"خيوط"، أنّ عملية الأتمتة معترف بها عالميًّا، وهي تعتمد على نماذج اختيارية وَفقَ أنماط موضوعية تعمل على قياس قدرات الطلاب على الفهم وليس الحفظ كما هو الحال في الاختبارات المقالية.

وحول الخطوات التمهيدية التي اتخذتها الوزارة قبل البدء بتطبيق التجربة الجديدة، يشير الوادعي إلى القيام بتنفيذ اختبارات تجريبية بعد الاختبارات النصفية، اعتمدت على عينات عشوائية في مدارسِ عددٍ من المحافظات، شملت كافة الأقسام العلمية والأدبية، لافتًا إلى اعتمادهم لعدة معايير إلى جانب المعيار العلمي للطالب، حيث يتم اعتماد المعدلات بشكل تراكمي، بَدءًا من الصف التاسع الأساسي وحتى الصف الثالث الثانوي، ولا يتم تصعيد أي طالب ما لم يكن مستواه العلمي متفوقًا بامتياز خلال الصفوف الدراسية الأربعة. 

هناك مشكلة أخرى تتمثّل في إجابة الطالب على الأسئلة بشكل مثالي، وإذا أخطَأ في التظليل، فستنخفض درجته، حيث لا يستطيع أن يفعل شيئًا حيال ذلك، إضافة إلى احتمالية أن يخطئ جهاز الكمبيوتر، فقد لا يلاحظ التظليل إذا لم يكن غامقًا، والشيء الأصعب أنّه إذا خرج قليلٌ من التظليل عن الدائرة المرسومة، فسيتم إلغاء إجابة الطالب، وهذا ما يقع فيه كثيرٌ من الطلاب.

ويلفت الوادعي إلى أن قوائم أوائل الثانوية العامة تم إعدادها بعناية فائقة لا تعتمد على المستوى العلمي للطالب فحسب، وإنما تتعداه إلى جوانب مختلفة، تتعلّق بتصنيف المدارس التي درسوا فيها ومدى تأهيلها.

اشتراطات القياس

تتطلّب أيُّ عمليةِ تحديثٍ أن يدرك القائمون على العملية التعليمية حجم الفجوة القائمة بين تطبيق النظام الجديد في عملية الامتحانات والتصحيح الإلكتروني وبين واقع المناهج الدراسية التقليدية والتي لا تواكب هذه العملية. 

يرى عدنان القاضي، أستاذ الإرشاد النفسي بجامعة تعز، في حديثه لـ"خيوط"، أنّ الاختبارات الحديثة تعتمد على الفهم والاستيعاب أكثر من الحفظ والتلقين.

فضلًا عن كونها تقيس عمليات عقلية (ذهنية) عالية في الفهم والتمييز بين المعلومات والقدرة على الاستنتاج والتفكير العلمي والاستدلال والاستقراء المنطقي، إذ تحتاج إلى تركيز ودقة في المذاكرة وعند الإجابة على الأسئلة من قبل الطالب. 

ويضيف القاضي أنّ آلية وضع هذه الأسئلة لها معايير خاصة، تعتمد على جدول المواصفات السليمة للاختبار السليم الذي لا بُدّ أن يتضمّن معيار الشمولية لكل وحدات المقرر وجميع مفرداته بحيث كل وحدة وموضوع لها تمثيلها النسبي بالتساوي مع جميع وحدات المادة العلمية ومفرداتها، والتي يجب أن تتضمن قياس كل المهارات لدى الطالب.

وبالرغم من ميزة وأهمية هذا النوع من الاختبارات، فإنّ لها عيوبًا تتمثّل في سهولة الغش، وإغفالها الدور الإنشائي والتعبيريّ، إضافة إلى الخط والإملاء. 

من جانبه، يستعرض قائد غيلان، وهو أكاديميّ في جامعة صنعاء، في حديث لـ"خيوط"، مجموعة عوامل واشتراطات يجب أن تتحقّق في اختبارات الثانوية العامة أو الجامعات، تناسب ظروف وقدرات الطالب والمعلِّم والمَدْرسة أو الجامعة، كالصدق، الثبات، الموضوعية، دقة القياس، الشمول، التمييز، الدافعية والواقعية.

بحسب غيلان، فإنّ هذه الاختبارات التي لجأت إليها بعض الجامعات واختبارات الثانوية العامة جيدة، وتحقّق الهدف منها.

تعامل صعب

يؤكّد طلاب وطالبات في التعليم الأساسي والثانوي، على صعوبة الطريقة الحديثة في الامتحانات، وعدم قدرة كثيرٍ منهم على استيعابها والتعامل معها.

تشير فرح محمد، وهي طالبة خاضت امتحانات الثانوية العامة الأخيرة في صنعاء، وحازت على معدل عالٍ يقدّر بنحو 88%، في حديثها لـ"خيوط"، إلى كثيرٍ من الصعوبات التي واجهتهم أثناء عملية الاختبارات، ولعلّ أبرزها النوع الذي يسمى "الاختيار من متعدد".

إضافة إلى عدم وضوح الطباعة بشكلٍ مثاليّ، وتحديدًا الأرقام، كما في اختبار الرياضيات، وَفقَ حديثِ فرح؛ الأمر الذي يُصعّب على الطالب تحديد الإجابة الصحيحة من الخاطئة.

فضلًا عن التداخل في الأسئلة، كما تقول هذه الطالبة، فمثلًا تجد سؤالًا في الفيزياء يدخل في اختبار الكيمياء، في حين هناك أسئلة مكررة، كأن تجد سؤالًا والسؤال الذي يليه نفسه تمامًا في كل شيء، حيث تجيب على السؤالين، ولكن لا تعرف المغزى من التكرار. 

كما أنّ هناك مشكلة أخرى تتمثّل في إجابة الطالب عن الأسئلة بشكلٍ مثالي، وإذا أخطَأ في التظليل فتنخفض درجته حيث لا يستطيع أن يفعل شيئًا حيال ذلك، إضافة إلى احتمالية أن يُخطئ جهاز الكمبيوتر، فقد لا يلاحظ التظليل إذا لم يكن غامقًا، والشيء الأصعب أنّه إذا خرج قليلٌ من التظليل عن الدائرة المرسومة، فسيتم إلغاء إجابة الطالب، وهذا ما يقع فيه كثيرٌ من الطلاب. 

بدوره، يوضح بجاش عبدالرحمن، وهو موجه مركزي في التربية والتعليم، لـ"خيوط"، أنّ نظام الاختبارات الحديثة يخلو من معايير المنهجية؛ لأنّه قائمٌ من طرف واحد، هو الواضع لهذه الاختبارات، بعيدًا عن المُعلِّم والمُتعلِّم.

وفي حين تنمي مهارات التفكير العليا، هي بالمقابل -وَفقَ عبدالرحمن- تُمثّل صدمةً للمتعلمين؛ كونهم لم يتدرّبوا عليها مسبقًا، فالتقويم الاختباري هو قياس ما تم تحقيقه من أهداف، لكن تلك الأهداف بعيدة كل البعد عن التقويم النهائي الإلكتروني.

كما أنّ الكتاب المدرسي وموضوعاته لم تُبنَ على تلك الاختبارات الحديثة ذات التصحيح الإلكتروني، فالمُعِدّون لها نظروا لها نظرة مادية بحتة، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في بناء الكتاب المدرسي حتى يكون موافقًا لمرحلة التقويم النهائي.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English