الصبَّان وحكيم العيون

شخصيتان رائدتان في التطبيب والتحقيق وصناعة الكتاب
هشام السقاف
October 25, 2023

الصبَّان وحكيم العيون

شخصيتان رائدتان في التطبيب والتحقيق وصناعة الكتاب
هشام السقاف
October 25, 2023

(1)

مثَّل الراحل الدكتور علي محسن السقاف، الطبيب الاختصاصي في طب العيون، حالةً نادرة جدًّا في زماننا، فهو في ميدانه استشاريٌّ عالمي، وهو في هوايته وشغفه بالتاريخ وبالأدب، وفي بحوثه وتحقيقه المخطوطات، ومِن ثَمّ إنفاقه على طباعتها ونشرها- يعدّ مركزًا وفنارًا ثقافيًّا قائمًا بذاته، يتجاوز في هذا المجال بعض المؤسسات والمراكز والجهات المنوطة بها تلك الأعمال والمهام في عالمنا العربي. 

فقد أصدر -حسب علمي- ثمانية مجلدات ضخمة، في أربعة منها دوّن تراثًا أدبيًّا وتاريخيًّا وشفويًّا لحضرموت، كمذكرات جَدِّه (القاضي/ علوي بن عبدالله بن حسين السقاف)، ومذكرات والده (محسن بن علوي السقاف)، وكتابه الكبير في مجلدين (الاستزادة من أخبار السادة)، وأصدر أيضًا (العج والثج في مآدب الحج)، و(الزاد لبلد خير العباد؛ عن تاريخ المدينة المنورة).

ثم آخر إصداراته البديعة والنفيسة، تحقيق مخطوط العلامة عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف، الموسوم بـ"النجم المضيء في نقد عبقرية الرضي (ومفتاح الثقافة)".

للدكتور علي، صدرت أيضًا خمسة كتب علمية في مجال تخصص طب العيون.

وهو يحمل: 

- شهادة الزمالة الملكية للجراحين بإدنبرة - أيرلندا. 

- زمالة كلية الجراحين الملكية بلندن - إنجلترا. 

- الزمالة الملكية للجراحين بجلاسكو - إسكتلندا. 

- دبلوم طب العيون، من جامعة لندن. 

- شهادة إتمام التدريب في تخصص العيون من جامعة لندن. 

أنشأ الدكتور علي محسن (مركز السقاف لطب وجراحة العيون)، في مدينة جدة عام 1991.

وأشرف على (مستوصف عيديد الخيري) بمدينة تريم حضرموت، الذي أسّسه والده (رحمه الله) عام 1999.

عرف الدكتور علي بالتواضع الجم، وأنه كان خدومًا وعطوفًا على بسطاء الناس والمحتاجين والفقراء، وكان يُجري الفحوصات والعمليات الجراحية لهم بالمجان، ويوفر لهم كذلك الأدوية مجانًا أيضًا.

ويا ليتني أعرف كيف كان يوزع أوقاته بين خدماته العلاجية في المستشفيات وبين شغفه الكبير بالأدب وتحقيق المخطوطات النادرة، وهذا عمل واجتهاد عظيمين يتطلبان تفرّغًا وتركيزًا عاليين. 

رحم الله الدكتور علي محسن القاضي السقاف، الذي توفاه الله عز وجل يوم 8 من سبتمبر 2018، في السعودية، وقد ترك سمعة حسنة وقدوة مثالية. كما ترك للأجيال مراجع هامة في تدوين التراث الشفاهي لمجتمع حضرموت، وفي مجال التاريخ والأدب عمومًا. 

(2)

علي محمد الصبّان، من الشخصيات والكفاءات الوطنية النادرة، واسعة الثقافة والرؤى والطموح، ذات مبادرات خلّاقة ونشاطات إنسانية متعددة. ظهرت في ستينيات القرن الماضي، وغُمِرت مع ما غمرته سياسات ونهج سلطة ما بعد الاستقلال وما بعد يونيو 69، وما وأدته من حماس الطلائع المدنية المثقفة، غير المسيّسة، الطامحة لبناء مجتمع معاصر ينافس العالم من حوله.

أنشأ علي الصبان في عدن المزدهرة حينذاك مكتبًا مرموقًا للمحاسبة القانونية -كعملٍ رئيس- خدم فيه عديدون من خبراء الاقتصاد والمحاسبة الذين تبوَّؤا فيما بعد مناصب عليا في الحكومة، كما أسس -خدمةً للعلم والثقافة- مؤسسة الصبان للتوزيع والنشر، تولّت طباعة مجموعة ثرية من أعمال كبار الأدباء، كـباكثير وباوزير وبن عبيد الله السقاف وغيرهم، كما تولت توزيع الكتب وأشهر المطبوعات والمجلات العربية التي تصدر في مصر والكويت ولبنان وغيرها عبر مكتبة (الحياة)، كما أصدرت المؤسسة أول بطاقات بريدية سياحية بمناظر من حضرموت.

المرحوم علي الصبان كان أيضًا رائد فكرة تأسيس الشركة الأهلية للسينما بسيئون عام 67، كشركة مساهمة بلغ عدد المساهمين فيها (102) من أهالي المنطقة، تمّ تأميمها بعد عام واحد فقط من استكمال بناء دار السينما الذي جهّزته، وما زال الدار حتى اليوم مؤمّمًا -رغم توقّفه- بيد الحكومة التي لا تريد تسليمه لأصحابه ولا تعويضهم عن سنين التأميم وممتلكاتهم.

كما شارك أخاه الأكبر، الأديب والمؤرخ عبدالقادر الصبان في إنشاء أول مطبعة بسيئون في مطلع الستينيات، قامت هي أيضًا بطباعة بعض دواوين الشعراء، رغم أنها كانت مجهزة لطباعة المستندات والمطبوعات الخفيفة فقط.

المرحوم أبو حسين، من مواليد سيئون عام 1935، واستقرّ بمدينة عدن، وفارق الحياة مبكرًا في جيبوتي عام 1974، مخلّفًا حسين (القيادي التربوي في مكتب وزارة التربية والتعليم بوادي حضرموت) وثلاث بنات، وبصمات كبيرة لا تُمْحـى في المجتمع والحياة الثقافية.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English