طريق الجوف يبتلع المسافرين

بقايا حنين في ملامح ممزوجة بالتعب
وفاء سليم
March 7, 2024

طريق الجوف يبتلع المسافرين

بقايا حنين في ملامح ممزوجة بالتعب
وفاء سليم
March 7, 2024
.

يقف المغترب اليمني بين نارَي الغربة والبعد عن الأهل ووحشة الانتقال لمكان آخر لا يعلم عنه شيئًا، وبين المتقطعين بزيٍّ عسكري، أو بملابس شعبية من أبناء جلدته، حيث تعدّدت التشكيلات العسكرية على امتداد مختلف الطرق في اليمن بصورة لم يعُد معها أحدٌ قادرًا على التمييز بين مهامها وتبعيتها .

يأتي ذلك امتدادًا لمعاناة اليمني الذي يقاسي ضنك الحياة، وضيق العيش داخل بلده، فلا يجد سبيلًا إلا قرار السفر والبحث عن فرص عمل جديدة تبقيه على قيد الحياة وتمكّنه من إعالة أسرته؛ عله يجد مبتغاه أملًا في تحقيق حياة كريمة له ولعائلته، فيلجأ إلى شراء "فيزا" عمل لدولة الجوار، المملكة العربية السعودية، حيث يغادر بلاده حاملًا معه طموحه، وأحلام عائلته، وبقايا حنين تظهر في ملامحه ممزوجةً بالكثير من التعب.

حالما يتجاوز صحراء الجوف شمالي شرق العاصمة صنعاء، في طريق عودته، تستقبله تجمعات وتشكيلات مسلحة على هيئة قوات عسكرية تتركز في النقاط والمنافذ البرية اليمنية، تقوم بعرقلة المسافرين ساعات طويلة، بحثًا عن أدوية، أو عسل، أو دخان مثلًا، حيث يمر المسافرون بنقطتي تفتيش أخرى داخل المنفذ ذاته؛ إذ يتم تفتيش الحقائب والعبث بها مرة أخرى في نقطة السلاح، ثم في نقطة (المشترك) بحثًا عن السلع نفسها، وبالرغم من أن غالبية هذه السلع مجمركة، فإنه يتم إجبار حامليها من المغتربين، على دفع مبالغ مالية طائلة مقابل المرور بها.

الشاب محمد يسلم، المسافر عن طريق الجوف يقول لـ"خيوط": "إن ما يتم فرضه وتحصيله بطرق مجحفة، على بعض الأغراض الشخصية التي نحملها معنا، جبايات دون وجه حق"، وهي لا تقل عن 50 ريالًا سعوديًّا؛ أي ما يقارب 21 ألف ريال يمني، وإلا يتم مصادرتها بطرق غير قانونية. 

هذه القيود غير القانونية لا تتناسب مع الوضع الراهن في البلاد، وغير ملائمة لما يمر به المواطن اليمني، الذي ضاقت به الأرض، حيث يعتبر ذلك استغلالًا صريحًا لحاجته وعوزه، وخارج صلاحيات واختصاصات الجهات التي تقوم بمثل هذه الإجراءات.

 إضافة إلى ذلك، لا يتم السماح لأي مسافر بدخول الحدود اليمنية إلا وقد دفع ما طُلب منه، استغلالًا لحاجته ومن دون مراعاة لظروفه، حينها يتجاوز غالبية حرس الحدود صفتَهم حماةً للأرض ومهامهم التي تتركز في حماية حدودها والتصدي لأي عمليات إرهابية تخريبية تؤثر على أمن المنطقة، إلى ما يشبه قطاع طرق.

هكذا أصبحت طريق الجوف كابوسًا للمسافرين والمتنقلين من اليمنيين داخل محافظات ومناطق بلادهم التي تعاني الأمرَّين جراء الصراع الدائر، وتسبُّبه في قطع الطرقات، واستحداث طرق بديلة وعرة غير آمنة تملؤها النقاط العسكرية والجبائية التي ضاعفت من معاناة اليمنيين في مختلف نواحي الحياة الاجتماعية والمعيشية والاقتصادية.

حوادث سيارات وانفجار الغام في طريق الجوف

مصالح شخصية ومحاباة 

كما تعدّ مشكلة الطرقات من أكبر الأزمات المستعصية على الحل، نتيجة التعنت الذي تبديه بعض أطراف الصراع، إذ كانت "خيوط" قد رصدت ما شهدته السنوات العشر الأخيرة، من اضطرابات ومن ثَمّ حرب أهلية ضروس، واستخدام قطع الطريق أداة حرب، إن لم تكن أداة عقاب جماعي بحق المدنيين، بالنظر إلى تضرر الناس والتجارة بشكل فادح من إغلاقهما، كما تضاعفت أجور السفر وأسعار السلع، مع تضاعف المسافة ومِن ثَمّ معاناة الناس.

نتيجة ذلك لم تتوقف الحملات الشعبية والمنظمة على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تكثّفت مؤخرًا، آخرها الحملة الواسعة التي لا تزال متواصلة منذ مطلع فبراير/ شباط، حيث ظهرت بعض المؤشرات الإيجابية، منها مبادرة محافظ محافظة مأرب (شرقي اليمن) التابع للحكومة المعترف بها دوليًّا بفتح طريق (مأرب – نهم – صنعاء)، في حين ينتظر الجميع مبادرة مماثلة من سلطة صنعاء، ليس في طريق مأرب، بل طرق أخرى رئيسية مغلقة، خصوصًا طريق تعز التي ترزح تحت حصارٍ تسبّب بمضاعفة معاناة سكان المدينة.

يقول عبدالرحيم الصنعاني -اسم مستعار- لـ"خيوط": "أحيانًا أشعر أنّ الرحمة انتُزِعت من قلوب من يعملون في المنفذ اليمني من جنود وعساكر، لقد رأيت قصصًا كثيرة يظهر فيها التعامل مع المسافرين بطريقة سادية تجعلني أضحك أحيانًا من ردّ فعل المسافرين، وأحيانًا أخرى تجعلني أشعر بالضعف وقلة الحيلة".

يعمل عبدالرحيم سائقًا خاصًّا على الحدود اليمنية السعودية، ويرى يوميًّا عشرات القصص المؤلمة، التي تعكس مدى لا مبالاة النقاط العسكرية، وتسلط المنفذ اليمني، وسوء استغلال أوضاع المغتربين.

بدوره يشير الصنعاني إلى أنّ الجندي الذي يصادر حاجات الناس، هو من يبيعها بعد ذلك أو يتم تجميع ما تم مصادرته وتهريبه، حيث إنّ الجنود الذي يصادرون تلك المنتجات لا يعملون على إتلافها مثلًا، ولم يستغلوها لمصلحتهم الشخصية، فغالبية من يقومون بذلك هم أقرباء قادة عسكريين، ويتم التغاضي عنهم محاباة لهم.

لا يقتصر استغلال المسافرين الذين يحملون منتجات شخصية، بل يصل إلى حدّ منع المسافرين من ختم التأشيرات إن لم يقوموا بدفع عشرة ريالات سعودية مقابل كل ختم، حسب شهود عيان في المنفذ اليمني، إذ يشكو المسافرون منذ أعوام التجاوزات المستمرة لمصالح شخصية، من دون وجود زاجر للمستفيدين، الذين أسهم استغلالهم هذا في إنتاج العنصرية المقيتة بين أبناء الشعب الواحد.

تمتد طريق الجوف للعابرين من صنعاء أو من بعض المحافظات شمال اليمن، مرورًا بصحراء الرويك، وصولًا إلى العبر، ومن ثم مفرق العبر إلى منفذ الوديعة الحدودي مع المملكة العربية السعودية، التابع لمحافظة حضرموت (شرق اليمن).

تعطل باصات نقل المسافرين في صحراء الجوف

غربة الطريق إلى الغربة 

ظل صالح علي يتنقل من محافظة لأخرى بحثًا عن مهنة أو عمل يجعله محافظًا على أسرته من الانهيار، بسبب تردي الوضع الاقتصادي وكثرة الضغوط النفسية نتيجة العجز وقلة الحيلة التي خلقت بينه وبين زوجته فجوة كبيرة كادت أن تؤدي إلى الطلاق، وعن تجربته قال لـ"خيوط": "لم يعُد العمل في اليمن قادرًا على فتح بيت وإعالة أسرة وتوفير احتياجاتها المعيشية والتعليمية والصحية، والأهم توفير الاحتياجات الضرورية لكل إنسان من مسكن ومأكل بسبب ارتفاع الأسعار وانخفاض العائد المادي، لقد عملت بمجالات شتى، ولم يكن راتبي يوفر أبسط احتياجاتنا الأساسية".

استدان صالح مبلغًا من المال من بعض أصدقائه، واعتزم السفر إلى المملكة العربية السعودية للعمل هناك، كما أشار إليه أحدهم بأن يأخذ بعضًا من علب الدخان لبيعها هناك، تعويضًا لخسارته في تكاليف السفر الباهظة، خاصة أنّ المسافر اليمني إلى المملكة العربية السعودية يضطر للسفر عبر الصحراء، وكل ذلك أدّى إلى ارتفاع قيمة التذاكر، مما ضاعف العبء.

تم مصادرة ما بحوزة صالح من أغراض خاصة، مثل بعض الأدوية للاستخدام الشخصي، أو علب السجائر دون وجه حق، لأنّه لا يمتلك 50 ريالًا، لدفعها لجنديٍّ من حرس الحدود للمرة الثالثة. وهذا يتنافى مع القانون اليمني، الذي لا تنص أي مادة من موادّه على منع المسافرين من أخذ بعض المنتجات معهم، خاصة أنها منتجات محلية مجمركة ذات طابع شخصي وبكميات غير تجارية، مسموح بها. يُذكر إلى ذلك، أنّ غالبية المسافرين ليسوا من ممتهني التجارة، بل هم عمّال أُجبروا على فعل ذلك للتخفيف من حمل السفر.

إذ إنّ هذه القيود غير القانونية لا تتماشى مع الوضع الراهن في البلاد، وغير ملائمة لما يمر به المواطن اليمني، الذي ضاقت به الأرض، حيث يعتبر ذلك استغلالًا صريحًا لحاجته وعوزه، وخارج صلاحيات واختصاصات الجهات التي تقوم بمثل هذه الإجراءات.

يؤكّد المتحدث الرسمي لمصلحة الجمارك السعودية، عيسى العيسى، في تصريح لـ"خيوط"، أنّ الجمارك ستسمح للمسافرين القادمين من خارج المملكة بإدخال هداياهم بحد أعلى يبلغ 3 آلاف ريال، وكذا على سبيل المثال 400 سيجارة -20 علبة- للشخص الواحد، ولن تفرض رسومًا جمركية عليها.

تنص تعليمات الجمارك السعودية -التي أكدت على جميع منافذها الجمركية- على ألّا تتجاوز الكمية المسموح بها للاستخدام الشخصي، 200 سيجارة، و500 غرام لأنواع التبغ الأخرى. وتضمنت التعليمات أيضًا أنه في حال وردت كميات أكبر من المسموح بها للاستخدام الشخصي، يتم حجزها، فيما يتم تسليم صاحب الشأن إيصالًا بالحجز يوضَّح فيه ضرورة مراجعة الجمرك المعنيّ خلال مدة لا تتجاوز (15) يومًا، وأشارت إلى أنّ هذه الإجراءات والضوابط لا تشمل المستوردين المسجلين لدى الهيئة العامة للغذاء والدواء، ومن تقل أعمارهم عن 18 عامًا، ولا ينطبق على ما يتم ضبطه أثناء محاولة إدخاله إلى المملكة بطريقة غير مشروعة .

تضيف الجمارك السعودية في هذا الشأن، أنّ على جميع المسافرين ضرورة الالتزام بالتعليمات الجديدة، وذلك بالتقيد بالحد المسموح به للاستخدام الشخصي من التبغ ومنتجاته عند قدومهم إلى المملكة عبر جميع منافذها الجمركية.

كما أشار العيسى إلى أنه يتم رصد كافة حالات التحايل من الراغبين في إدخال كميات تجارية على أنها هدايا ومستلزمات شخصية، ويتم أخذ تعهد على المخالفين بعدم تكرار مخالفاتهم مع فرض الرسوم الجمركية على السلع التي بحوزتهم إذا كانت بكميات تجارية أو يقوم بجلبها بشكل متكرر.

•••
وفاء سليم

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English