شبح يهدد باختفاء قاع البون بعمران

الزحف العمراني يقلص مساحة أحد أهم قيعان اليمن
إبراهيم الضلعي
June 13, 2021

شبح يهدد باختفاء قاع البون بعمران

الزحف العمراني يقلص مساحة أحد أهم قيعان اليمن
إبراهيم الضلعي
June 13, 2021
قاع البون- عمران © خيوط

يرتبط الحديث عن الزراعة والأراضي الخصبة في اليمن بقيعانها الشهيرة، التي يعد "قاع البون" في محافظة عمران (شمال العاصمة صنعاء) أحد أهم هذه القيعان، حيث يمتد من جنوب مدينة عمران إلى منطقة شوابة في الشمال، بمساحة شاسعة تقدر بعشرات الكيلو مترات.

ويمتاز قاع البون الزراعي بتربته الخصبة ومناخه المناسب، والتي تزرع فيها مختلف أنواع الحبوب والخضروات وتزود الأسواق اليمنية بخير ما تجود به الأرض.

وبالرغم من المميزات الكبيرة التي يتمتع بها القاع وأهميته في دعم الاقتصاد الوطني، إلا أنه يتعرض لمشكلة كبيرة بمثابة "عدوان سافر" يجعله مرشحًا للاختفاء في السنوات القادمة، إذا لم يتم حل المشكلة وتفاديها قبل حلول الكارثة.

ويتعرض قاع البون لزحف عمراني مكثف مع انتشار عمليات البناء وامتدادها إلى وسط الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة بطريقة مخيفة؛ مما انعكس على الإنتاج الذي تراجع بشكل ملحوظ عندما طمع ملاك الأراضي في بيعها وتخصيصها في بناء المساكن بتلك المنطقة، رغم التوجيهات الرسمية بمنع ذلك النشاط وإيقاف البيع.

ويعد البون قاعًا فسيحًا، يمتد من جنوب مدينة عمران إلى منطقة شوابة في الشمال، بمساحة تقدر بنحو (50 كم)، ويرتفع عن مستوى سطح البحر حوالي (2100 متر) تقريبًا، ويضم -إضافة إلى الجبال التي تشرف عليه- مواقع أثرية عديدة.

الخطر يتوسع

انتشرت في الآونة الأخيرة المباني السكنية وسط القاع الخصب، حيث يأتي القادمون من خارج المنطقة لشراء الأراضي الصالحة للزراعة بالقاع بغرض بناء مساكن ليتم البناء وسط الأرض.

وتسبب ذلك في تقليص المساحة الزراعية بشكل كبير، في ظل استمرار الزحف العمراني على القاع من كل اتجاه يدعمه الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه ملاك الأراضي؛ حيث يضطرون لبيع مساحات من مزارعهم، معللين ذلك بالظروف الاقتصادية الصعبة، وأيضًا عدم دعم الدولة لهم لزراعة أراضيهم.

ويشكو عدد من أبناء المنطقة من ملاك الأراضي لـ"خيوط"، من مشكلات عديدة تواجههم، يتعلق جزء كبير منها في ضعف العائد المالي من زراعة الخضار ومحصول الحبوب التي يحصدونها من أراضيهم الزراعية، والذي لا يغطي تكاليف الزراعة ونفقاتهم المعيشية، جراء ارتفاع أسعار الوقود وصعوبة الحصول عليه.

مدير مكتب الزراعة بمحافظة عمران؛ بشير البشيري، إن مكتب الزراعة، وبالتعاون مع الوجهاء من أبناء المنطقة والمزارعين، قد وقّعوا على ما أسماه مرقومًا زراعيًّا قبليًّا بعدم بيع الأراضي في القاع لغرض البناء

معللين بذلك توجه البعض منهم لبيع الأراضي الزراعية بالقاع للقادمين من خارج المنطقة، بحثًا عن أرضٍ للسكن وليس للزراعة.

ويصر البعض على الشراء في الأراضي الخصبة بقاع البون، رغم التحذيرات الرسمية؛ نظرًا لقربه من مدينة عمران، التي ينزح لها القادمون من الأرياف للعمل كحال كل المدن، إذ يؤكد المواطن حمزة علي، من سكان مدينة عمران، لـ"خيوط"، أنه اضطر للشراء في القاع بسبب ارتفاع أسعار الأراضي القريبة من مكان عمله خارج مدينة عمران، إضافة إلى ارتفاع الإيجارات للمنازل، رغبة منه في سكن قريب يجمعه بأسرته وأطفاله، بعيدًا عن جشع المؤجرين.

وفي الوقت الذي يرى فيه حمزة أهمية اتخاذ قرار بمنع البيع في قاع البون، يطالب بإيجاد بدائل لتخفيض أسعار الأراضي في المناطق الأخرى في مدينة عمران أو إيجاد حلول عاجلة لارتفاع إيجار المساكن في المدينة مع الهجرة المستمرة من الأرياف إلى المدن وانعدام الخدمات ومصادر الدخل في المناطق الريفية.

تحركات رسمية وتجاوب متصاعد

لم تقف الجهات المعنية موقف المتفرج مما يحدث في القاع، إذ قام مكتب الزراعة بمحافظة عمران بالتعاون مع جهات حكومية أخرى بمنع بيع الأراضي في القاع لغرض البناء فيها، وقد أقدم مكتب الزراعة ومكاتب البلدية والأشغال على إزالة عدد من أساسات منازل تم استحداثها من قبل مواطنين بالجرافات، متعهدين بالاستمرار بمكافحة هذه الظاهرة التي تهدد قاع البون الخصيب.

ويقول بشير البشيري، مدير مكتب الزراعة بمحافظة عمران في حديثه لـ"خيوط"، إن مكتب الزراعة وبالتعاون مع الوجهاء من أبناء المنطقة والمزارعين قد وقّعوا على ما أسماه مرقومًا زراعيًّا قبليًّا بعدم بيع الأراضي في القاع لغرض البناء.

ويؤكد البشيري أن خطواتهم القادمة ستكون أكثر حزمًا في مكافحة هذا الزحف العمراني لدعم الزراعة في قاع البون والحفاظ على الأراضي الصالحة للزراعة.

وأبدى عدد من المزارعين استعدادهم للتعاون مع الجهات العامة للحفاظ على الأراضي الصالحة للزراعة بالقاع، مطالبين فقط بتوفير الدعم اللازم لهم لزراعتها والعمل على الحفاظ على خصوبتها.

يضيف مدير مكتب الزراعة، بالمحافظة أن مستوى التعاون مع الجهود الرسمية مبشر للغاية ويمثل ما نسبته 70%، غير أن ذلك يحتاج إلى متابعة مستمرة من الجهات المعنية، حسب تعبيره، فالمواطن كلما هدأت الدولة ذهب للبيع متناسيًا كل ما سبق.

أما عن مشاكل المواطنين فقد أفاد مكتب الزراعة بالمحافظة، أن الدولة تعمل على تشجيع الزراعة التعاقدية، حيث تمول جهات حكومية المزارعين بكل ما يتطلب الأمر للزراعة والإنتاج، ثم تقوم بشراء المنتج من المزارع بسعر أعلى من السوق تشجيعًا للمزارع ودعمًا للوصول إلى الاكتفاء الذاتي.

أهداف غير معلنة

يبدو أن الأهداف الظاهرة من البناء في القاع هي توفير مساكن للعيش، لكنّ مواطنين وجهات معنية ذهبوا بعيدًا في تحديد أهداف أخرى؛ إذ يفيد عدد من المزارعين أن القادمين لشراء الأراضي في القاع هدفهم محاربة الزراعة، وليس السكن، وأن جهات غير معروفة تقف خلفهم.

حول هذه الاتهامات، يقول مدير الزراعة بعمران، إن هناك عددًا من المستثمرين يشترون قطعًا زراعية كبيرة وسط القاع، تقدر مساحتها بمئات "اللِّبَن" (وحدة مساحة الأراضي المتبعة في كثير من المناطق اليمنية، حيث تقدر اللبنة الواحدة بحوالي 44.44 مترًا مربعًا)، بغرض إنشاء مدن سكنية حسب تعبيره، مضيفًا أن مثل هذه التصرفات والتوجهات تدل على نوايا وأهداف غير معلنة.

وبعيدًا عن كل التكهنات والتوقعات والاتهامات، فإن الحفاظ على قاع البون من الزحف العمراني، يظل مسؤولية كبيرة على عاتق الجميع، فالقاع الذي يزرع مختلف أنواع الحبوب والخضروات، ويتميز بتربته الخصبة، ومناخه المناسب يعتبر كنزًا ثمينًا يجب الاهتمام به ودعم المزارعين، للاستمرار بتزويد الأسواق اليمنية بمختلف أصناف الحبوب والخضروات.


•••
إبراهيم الضلعي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English