(1359هـ- 4/4/ 1438هـ) (1939م- 2/1/2017م).
أحمد قاسم دماج، من أهم الشخصيات الوطنية في اليمن الكبير، ذو ثقافة عميقة عكست نفسها على سلوكه الإنساني عموماً. عُرف شاعراً ومناضلاً ومربيَ أجيال، ورغم ما تعرض له وقاساه في مسيرة حياته، إلا أن كل ذلك لم ينل من صفاء روحه، ونقاء سريرته.
عاش الأستاذ أحمد قاسم دماج زاهداً بالدنيا عن قناعة ويُسر حال، وعلى الرغم من أنه فضّل الاعتزال في منزله خلال العشرين سنة الأخيرة من حياته، إلا أنه لم ينقطع عن متابعة الشأن العام، وظل منزله مفتوحاً لكل الشعراء والكتاب والصحفيين، دون أن يبخل أو يتذمر من نقل خلاصة تجربته إليهم. كما عُرفت عنه مواقفه المؤيدة للوحدة اليمنية، ورؤاه المستقبلية الثاقبة للوضع السياسي والثقافي لليمن، وفقاً لمعطيات الراهن آنذاك.
ولد أحمد قاسم دماج في قرية "ذي المحاسن" بمحافظة إب عام 1939، ولم يلبث حتى أخذه الإمام أحمد رهينة لضمان ولاء قبيلته لنظامه، وذلك بعد أن غادر عمه المناضل مطيع دماج إلى عدن. وبعد الإفراج عنه، "أخضعه عمه الثائر مطيع دماج، لبرنامج تعليمي صارم، ليتمكن الشاب الطليق من اللحاق بمجايليه من الشباب المناهض للنظام المستبد."
محطات في حياته النضالية والأدبية
توفي الشاعر والمناضل أحمد قاسم دماج يوم الاثنين 2 يناير/ كانون الأول 2017، ودفن في صنعاء. عرف من أبنائه (مروان) الذي عين وزيراً للثقافة في الحكومة المعترف بها دولياً(1)..
ويذكر المؤرخ إبراهيم المقحفي، أحمد قاسم دماج بقوله: "شاعر، له إسهام في حركة النضال الوطني. تولى رئاسة اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين لأكثر من دورة انتخابية".
وقد أنصفه الباحث قادري أحمد حيدر عندما كتب عنه بحثاً طويلاً نشره على حلقتين في جريدة (الثوري) بعنوان: "أحمد قاسم دماج.. المثقف النبيل والسياسي الإنسان"، نقتطع منه هذه السطور:
"إنه إنسان عميق الثقافة، واسع الاطلاع، تميز طيلة هذه الرحلة من الإبداع والكفاح بصرامة الموقف وجديته المتلازمة مع وضوح في الرؤية، ورحابة في أفقه الإنساني، شديد البساطة والتواضع، مع نظافة اليد، وطهارة العقل والقلب، كان وما يزال حريصاً على أن يضع دوماً مسافة بينه وبين البناء الفوقي الأيديولوجي والسياسي للأنظمة بما لا يعزله عن الواقع وعن التعاطي النقدي مع الثقافة السائدة بما يؤصل ويؤسس لثقافة إبداعية ديمقراطية منشودة" (2).
وذكره الدكتور عبد الولي الشميري فقال: "أحمد بن قاسم بن عبدالله دماج، ولد في قرية (ذي المحاسن)، وتوفي في مدينة صنعاء. ناقد، شاعر، درس على يد الأستاذ مطيع دماج، وأكبّ على مطالعة الكتب. عمل أميناً عاماً لمجلس الوزراء، ثم سكرتيراً لمحافظة إب، ثم مستشاراً في رئاسة الوزراء للشئون الثقافية، ثم مستشاراً لوزير الثقافة، ثم مستشاراً لرئيس الوزراء، كان إلى جانب ذلك رئيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين وأحد مؤسسيه، له مجموعات شعرية مخطوطة، وشعره يتميز ببراعة الأسلوب، ورشاقة الصورة، ومنه قوله من قصيدة "وميض":
يمضي مع اللحظات برق ساهر
والليل لا يمضي
يسد الأفق معتكراً بوحشته
التي تنال ومض الروح
تختزل ُالقصائدَ في أنين خافت وبلاهة
تنضو عن الأشياء مدلول البقاء
ودهشة الميلاد
والشفق الذي لا ينتهي بتراكم الأحزان
في صدر من البلور
يمعن في فيافي العشق
يعبر وحشة اللحظات
غابات الظلام
ويستريح على صبابتها التي لا تنثني
بحواجز الظلم العجاف
ولا بسور الرعب والقتل
المخيم كالأفاعي في الجهات
السبع
وجه الروح البنفسج.
إلى أن قال:
يمضي مع الحسرات برق ساهر
وأنا أفتش فيه عن معنى المتاهات
التي ابتلعت خطاي وعن غموض الاندثار
من يأتي
من حيث البدايات انتهت
وهل يكون لراحل معنى إذا انهمر
الضياع، وسد وجهة الأفق جيش الاغتراب؟
يا برق من أي المغارات التظت
عيناك من حنق
ومن أي التواريخ الجميلة تنثني زهواً
ومن الليالي وحشة الصمت المخيم
كالعناكب حول أطراف المدينة
لا أنت يضنيك الرحيل
ويرقد الحاوي على أشواك خيبته
ولا ترتاح عيناك للسواد.
ثم قال:
والبحر في الأعماق يخزن موجه
الأَلَقِيّ حين تعربد الظلم العجاف
وحين ينهمر السكون على المقابر
البحر لا تغتاله الرشقات
لا تلقي الضفاف عليه أغلالاً
ولا يلقى بزرقته
انبجاس السرمدية في اصطخاب
لا يكبله الرمال ولا تصادر فيه
أسرار التدفق والخلود
البحر يبقى دائماً بحراً
ويبقى الطحلب الهمجي بأصناف
الزواحف بؤرة للانحلال
الهوامش:
([1])موسوعة أعلام اليمن ومؤلفيه، الجزء الثاني، ص595- 597، ط1، 1439هـ/ 2018م، مؤسسةالإبداع للثقافة والفنون، صنعاء.
([2]) موسوعة الألقاب اليمنية (خ-س)، إبراهيم المقحفي، ط1، 1431هـ/ 2010م، مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ص241.