تتحدث رواية “نار الدار”، عن عائلتين من المهاجرين الباكستانيين في بريطانيا: عائلة “عادل باشا”: “عصمت”- الابنة الكبرى، والتوأم “برويز” و”أنيقة”، وعائلة “كارامات لون”، وزير الداخلية وابنه “ريمون”.
صدرت الرواية بالعربية عام 2018، عن دار التنوير بترجمة الحارث النبهان، للكاتبة كاملة شمسي- البريطانية من أصل باكستاني، والمولودة في كراتشي عام 1973، والحائزة على جائزة المرأة للأعمال الأدبية.
في هذه القراءة الانطباعية، يمكن استعراض أحداث الرواية وتطوراتها الدرامية، لرؤية جانب صغير من تعامل الحكومات الأوروبية مع الجماعات الجهادية؛ في البدء، انضم عادل باشا إلى الجماعات الجهادية، وذهب للقتال في الشيشان، ثم اعتقل بعد أحداث سبتمبر/ أيلول 2001، وسجن في غوانتانامو. تلاشت أخباره، وظل حضوره باهتا في قلوب أبنائه، كنموذج للأب الذي لم يوجد أصلا، وكانوا يتحاشون الحديث عنه.
على النقيض من ذلك، كان هناك “أبو ريمون” الذي اعتنق الليبرالية حد الإلحاد. ترشح للانتخابات عن دائرة معظم سكانها من المسلمين، فدعموه حتى فاز. ثم حين وصل إلى البرلمان، تنكر لهم. وعقب أحداث سبتمبر/ أيلول 2001، كان يريد صياغة تعريف جديد للدين الإسلامي يلائم الحملة الدولية لـ”القضاء على الإرهاب” الذي تم اختصاره بالإسلام.
تشاء الصدف أن يصل “أبو ريمون” إلى منصب وزير الداخلية. يحدث اللقاء الأول بين “عصمت” (الابنة الكبرى لعادل باشا) و”ريمون” في مقهى؛ وهو ما سيرتب للقاء الأهم بين “ريمون” و”أنيقة” (الأخت الصغرى لعصمت) في منزل صديقة مشتركة للعائلة. أرسلت “عصمت” هدية للسيدة الصديقة، وتكفل “ريمون” بإيصالها بدلا من وضعها في صندوق البريد. وهناك يلتقي “أنيقة”، ذات الـ19 سنة، المراهقة التي تضج حياة وحيوية. يقع في شباك أنوثتها فيقيم معها علاقة غرامية وجنسية.
من هنا تبدأ أحداث الرواية تنحو باتجاه التعقيد، حيث يستقبل “برويز” (الشقيق التوأم لأنيقة) زائراً يدعى “فاروق”، وهو أحد المنتمين للتيار الجهادي الراديكالي. يستقبله في محل الخضار الذي يعمل فيه، ويبدأ الزائر بتقديم نفسه، ثم يحدثه عن أبيه بحديث يقترب من الأسطورية.
هكذا استطاع “فاروق” التأثير شيئا فشيئاً على “برويز”، الذي كان يعيش أساساً، حالة اغتراب وجودي؛ فصورة أبيه ظلت ضبابية في لاوعيه، ولم تتضح الصورة إلا عندما حدثه “فاروق” بأن أباه كان “مجاهداً ومناضلا عظيماً” يسعى لتحقيق حريته ويواجه أعتى طغاة الأرض.
هكذا يسافر “برويز” إلى سوريا- الرقة، للعمل في الجهاز الإعلامي لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وفي ما اعتقد أنه استكمالاً لمسيرة والده.
يتجلى أبرز مظهر من مظاهر صراع الهويات: من بلد أصلي لا يعنيه أحد من أبنائه ولا يهتم بوجودهم، ومن “غرب” يعاني ازدواجية في معايير التعامل مع رعاياه.
“عصمت”، الأخت الكبرى التي لم يرضها قرار أخيها، قررت قطع كل قنوات التواصل معه. أما توأمه “أنيقة”، فلم تيأس من محاولة التأثير على “ريمون” للتأثير بدوره على والده، مستغلة كون أبيه وزيرا للداخلية، من أجل إعادة أخيها بدون محاكمة، خصوصاً وأنه قد فقدَ جواز سفره البريطاني. يتحدث “ريمون” مع أبيه بالفعل؛ ولكن “مصلحة الدولة” جعلت وزير الداخلية لا يطلق وعوداً.
عندما يقرر “برويز” العودة إلى بريطانيا، يهرب أولاً إلى إسطنبول، ويتواصل مع “أنيقة” حتى ترتب له موعداً في السفارة، ومن هناك يتم ترحيله إلى بريطانيا، بحسب السيناريو المعد مسبقا بينها وبين “ريمون”. ولكن لم يكن من السهل ترك “تنظيم الدولة” والهرب. فقد طاردوه حتى وسط المدينة، وقرب السفارة البريطانية اغتالته أياديهم؛ إذ يعتبر الهارب من التنظيم “منافقاً” يستحق عقوبة الإعدام.
“ريمون”، وتحت تأثير “أنيقة” التي كان قد طلب منها الزواج رسمياً، لم يستطع النجاة من ديكتاتورية أبيه الليبرالي، و”العدو اللدود للإسلام”، الذي وصل الي منصبه بفضل مناصبته العداء لكل ما هو إسلامي.
يقرر الأب سجن ابنه في الدور السفلي من البيت. ولكن “ريمون” يدبر خطة للخروج، بقصد قضاء الإجازة في الريف البريطاني، فيهرب إلى باكستان.
عندما اغتال المتطرفون “برويز”، لم تفلح كل المحاولات بإعادة جثمانه إلى بريطانيا باعتباره مواطناً بريطانياً؛ إذ إن وزير الداخلية استصدر قانوناً يتيح له سحب وإسقاط الجنسية عن الحاصلين عليها، إذا كانت جنسيتهم الثانية تعمل على تقويض الأمن القومي لبريطانيا.
وعليه، فقد بذلت الأختان –عصمت وأنيقة- مساعي حثيثة لإعادة الجثمان إلى باكستان، وهناك وضعت الجثة أمام عدسات المصورين قرب السفارة البريطانية، دون أن يحسم أمر دفنها أحد؛ لا السلطات الباكستانية ولا السفارة البريطانية.
هنا يتجلى أبرز مظهر من مظاهر صراع الهويات: من بلد أصلي لا يعنيه أحد من أبنائه ولا يهتم بوجودهم، ومن “غرب” يعاني ازدواجية في معايير التعامل مع رعاياه.
بقيت الجثة أمام عدسات المصورين، وكان العالم يتابع الجثة لحظة بلحظة إلى أن بدأت بإصدار رائحة. تتمكن الأخت التوأم “أنيقة” من السفر إلى باكستان، وهناك، وعلى الهواء مباشرة، رأى العالم فتاة بريطانية – باكستانية، بلباس أبيض، تشق الجموع لمعانقة الجثمان.
تبدأ “أنيقة” بالتصريح للإعلاميين منتقدة سياسة وتصرفات الحكومة البريطانية، ويصل “ريمون” إلى كراتشي، بعد أن استطاع الفرار واضعاً أباه في مأزق حرج. هناك يقف وجها لوجه أمام “أنيقة” ويحتضنها أمام عدسات الكاميرات. انتصر الحب لقضيتهما. غير أن إنسانية الغرب المزعومة لم تسمح لأحد رعاياها بالعودة للدفن في أراضيها.