صدمة انتشار كورونا في اليمن

بعد الآمال الكبيرة بالنجاة.. هل تقترب الكارثة؟
محمد راجح
May 12, 2020

صدمة انتشار كورونا في اليمن

بعد الآمال الكبيرة بالنجاة.. هل تقترب الكارثة؟
محمد راجح
May 12, 2020
|

   لا يصدِّق الأربعيني محمد إبراهيم، من سكان صنعاء، ما يتابعه من أخبارٍ وأنباءَ عن انتشار فيروس كورونا في اليمن، بعد تأكيد عشرات الإصابات بالفيروس في عدن وحضرموت وتعز ولحج وصنعاء.

   ظنَّ إبراهيم، وغيره كثيرون في اليمن، بأن البلاد قد تجاوزت الأزمة، ولن يكون هناك انتشارُ لفيروس كورونا، في ظلِّ حصارٍ مفروضٍ على المنافذ البرية والجوية والبحرية منذ بداية الحرب، وإجراءاتٍ احترازيةٍ مبكرةٍ قامت بها مختلفُ السلطات المنقسمة في المحافظات؛ يقول إبراهيم لـ"خيوط" إن الصدمة لا تفارقه منذ الإعلان في عدن عن خمس حالاتٍ مؤكدةٍ في 30 أبريل/ نيسان 2020، واستمرار الإعلان عن إصابات حالات جديدة، إضافة إلى الوضع المقلق في صنعاء، وذلك بعد أن تم استنفادُ الإجراءات الاحترازية الوقائية، سواءً على المستوى الرسمي أو المجتمعي، حسب حديث هذا المواطن.

   في السياق نفسه، يقول المواطن عمار السعيدي (38 سنة) لـ"خيوط" إن مشهد تشييع جثمان الحالة التي تأكد وفاتها بفيروس كورونا في تعز، أصابه بالرعب؛ حيث يربط هذا المشهد بحالة "التوهان" للناس في صنعاء والاكتظاظ في الشوارع وازدحام الأسواق، في تجسيدٍ واضحٍ لحالة اللامبالاة بمخاطر هذا الفيروس وعدم اتباع إجراءات التباعد الاجتماعي للوقاية.

   ما قاله عمار يمثل رسالةَ انتقادٍ واضحةً، ليس لحالة عدم اللامبالاة لدى الناس، بل للأسباب التي جعلتهم بهذه الحالة، والمتمثلة بموقف السلطات الصحية الرسمية في صنعاء، التي تتعامل مع الموضوع وكأن الوضع ما يزال "في السليم"؛ رغم أن الواقع عكس ذلك، حسب عديد الشواهد التي تشير إلى اكتظاظ المستشفيات المخصصة للتعامل مع هذا الفيروس بالحالات المشتبهة والمصابة، ووجود وفياتٌ، كحالة المواطن الصومالي الذي أعلنت وفاته رسمياً في 6 مايو/ أيار 2020، وإصابة حالة أخرى الجمعة 8 مايو/ أيار.

   بالمقابل، تستمر عملية الكشف عن الحالات المصابة بفيروس كورونا في اليمن بشكلٍ يوميٍّ، بعد تأخرٍ وصمتٍ رسميين في الكشف عن ظهور الوباء في البلاد التي تعاني حرباً وصراعاً طاحناً وانقساماً وتعدُّدَ سلطات؛ الأمر الذي يُعقّد من إجراءات المكافحة ويجعل اليمنيين عرضةً لفيروسٍ قاتلٍ يُضاف إلى وابلٍ من الفيروسات التي يكْتوون بنارها، كالحمى الفيروسية و"المكرفس" و"حمى الضنك" و"الكوليرا". كما تعصف بالبلاد تأثيرات مباشرة للحرب كتردّي الأوضاع المعيشية وفقدان الأمن الغذائي، وشحة الدخل، وتوقف المرتبات، وتدهور العملة الوطنية.

مع تفشي الوضع الكارثي في عدن واختلاط أعراض الأوبئة الخمسة، وارتفاع أعداد حالات الوفاة والإصابات، رفعت السلطاتُ المحلية الرايةَ البيضاء وسلّمت الأمرَ إلى منظمة أطباء بلا حدود التي باشرتْ عملها برسالةٍ وجّهتْها لسكان عدن بأن يلزموا منازلهم في حال إصابتهم بالأعراض الثلاثة: السعال والحمى وضيق التنفس

مستوىً كارثيٌّ في عدن

   يعيش اليمنيون، في مختلف المحافظات اليمنية، في حالة قلقٍ وهم يتابعون أخبار الفيروس، الذي أرعب العالم، يتسلل إلى بلادهم عبر حضرموت بدايةً، ومن ثم انفجارٌ مفاجئٌ في عدن وإعلانٌ عن حالاتٍ مؤكدةٍ في تعز وصنعاء؛ بينما تسود حالة الترقب من الوصول إلى المستوى الكارثي، خصوصاً في عدن التي تم تسليمُها رسمياً إلى منظمة أطباء بلا حدود، بعد عجز السلطات الحكومية عن مواجهة الانفجار والانتشار لحالات الإصابة بأعراضٍ احتارت الأجهزةُ الصحيةُ في توصيفها، على إثر اجتماع خمسة أوبئة متشابهة الأعراض، تجتاح المدينة التي تعاني من صراعٍ سياسيٍّ واقتصاديٍّ كبيرٍ بين الحكومة المعترف بها دولياً، والمجلس الانتقالي الجنوبي، وسط تردٍّ معيشيٍّ كبير.

   في ذات الخصوص، كتب الصحفي فتحي بن لزرق، على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، منشوراً مفزعاً بعنوان "من ينقذنا"، دعمه بفيديو قال إن هدفه ليس إرعابَ أحدٍ، ولكنها طرقةُ ناقوسٍ أخيرةٌ قبل "وداعٍ أبديٍّ لا قدّر الله"، حسب ما ورد في منشوره.

   حسب بن لزرق، فإن عدد حالات الوفاة ليوم واحد (الخميس 7 مايو/ أيار 2020) بلغت 72 حالة وفاة، حسب تأكيد نسبه لمسؤول محليٌّ في مصلحة الأحوال المدنية، في تصريحاتٍ صحفيةٍ عن استخراج طلبات دفن لحوالي 65 حالة وفاة، شخّص الأطباءُ أعراضَها بـ"ضيق التنفس".

   واطّلعت "خيوط" على عددٍ من الحالات المأساوية التي لم تجدْ أي رعايةٍ طبيةٍ، بعد أن توجهتْ إلى مستشفى مخصص لاستقبال حالات كورونا، ومراكزَ طبيةٍ أخرى، بسبب اكتظاظها بالمرضى والحالات المصابة والمشتبهة، والتي عجز الكادرُ الطبي المحدود عن التعامل معها.

   وتتبّعت "خيوط" حالة أسرةٍ في عدن، أصيبت بفيروس كورونا بصورةٍ مأساويةٍ، وتم البحث حول إصابتها وكيف تمّتْ بالشكل الذي أدى إلى إصابة جميع أفراد الأسرة، التي فقدتْ ثلاثة أشخاصٍ، أحدهم مَنْ جَلَب الفيروسَ إلى بيته وأسرته.

   وأفادت مصادر مطلعة أن أحد أفراد الأسرة كان يعمل في شاحنةٍ لنقل البضائع من السعودية إلى عدن، عبر منفذ الوديعة. وبعد وصوله إلى منزل أسرته، في أبريل/ نيسان 2020، أصيب الأب بأعراض الحمى والسعال وضيق التنفس، والتي أدت إلى وفاته فيما بعد، ثم توفي فرد آخر من الأسرة بنفس الأعراض، قبل أن يتوفى الابن العامل على الشاحنة، بعد إصابته بنفس الأعراض.

   ومع تفشي الوضع الكارثي في عدن، واختلاط أعراض الأوبئة الخمسة، المتمثلة بفيروس كورونا والحمى الأفريقية، المعروفة هناك باسم "المكرفس"، وحمى الضنك والسل والملاريا، ومع ارتفاع أعداد حالات الوفاة والإصابات، رفعت السلطات المحلية الرايةَ البيضاء، وسلّمت الأمرَ إلى منظمة أطباء بلا حدود، التي باشرت عملها برسالة وجّهتها لسكان عدن بأن يلزموا منازلهم في حال إصابتهم بالأعراض الثلاثة: السعال والحمى وضيق التنفس، والتواصل على أرقامٍ تم تحديدُها في حال اشتدّت الحالاتُ، بهدف إرسال فرقٍ صحيةٍ إلى منازلهم لفحصهم والقيام بالإجراءات الصحية اللازمة لهم؛ إذ لم تعد المرافق الصحية قادرةً على استيعاب المزيد من المرضى المصابين بأعراض الفيروسات.

"الكويت" يبث القلقَ في الحارات المجاورة

   في صنعاء، تُنفّذ سلطات أنصار الله (الحوثيين) إجراءاتٍ وقائيةً لمواجهة انتشار الفيروس تشير بشكلٍ جليٍّ إلى أن الوضع يختلف عن الموقف المعلن من فيروس كورونا؛ إذ قامت مؤخراً، بإغلاق عددٍ من الأحياء والشوارع، ابتداءً من شارع هائل، التابع لمديرية معين شمال غرب صنعاء (إغلاق مؤقت)، وشارع جمال في مديرية التحرير وسط صنعاء، ثم بإجراءٍ احترازيٍّ قالت السلطات إنه تجريبي شمِلَ إغلاقاً مؤقتاً لأحياء: الزراعة الجنوبي بمديرية التحرير، و"المذهب" و"الحميدي" بصنعاء القديمة، وحي "كلية الطيران" بمديرية معين، و"القمة" بمديرية آزال، و"الروني" بمديرية الثورة، و"المجد الشمالي" في الصافية، و"الرحاب الشرقي" بمديرية السبعين، و"عذبان" بمديرية الوحدة، و"المتاريب الغربي" بمديرية شعوب، و"غول القاضي الشرقي" بمديرية بني الحارث.

   ومع تحويل السلطات في صنعاء لمستشفى الكويت العام إلى مركزٍ رئيسيٍّ لاستقبال حالات الاشتباه والإصابة بفيروس كورونا، أبدى بعضُ سكان الحارات القريبة من المستشفى تخوُّفَهم الشديدَ من هذا الأمر الذي يتعلق بفيروسٍ قاتلٍ، لا يرحم أحداً، وسريعِ الانتشار، في ظلِّ صمتٍ رسميٍّ وعدمِ اهتمامٍ في تنبيه المواطنين من سكان هذه المنطقة بما عليهم القيامُ به من إجراءاتٍ احترازيةٍ وقائية.

الحركة طبيعية في السوق الواقع أمام مستشفى الكويت - صنعاء

   وزارت "خيوط" بعضَ هذه الحارات واستطلعتْ الوضعَ في السوق الواقع أمام المستشفى، والذي يكتظ بالمتسوقين، في مشهدٍ يبعث على الحيرة حول كيف يتم تركُ هؤلاء الناس يتجمعون بهذا الشكل على بعد أمتارٍ من مكانٍ يحوي عدداً من الحالات المصابة والمشتبهة، وفق تأكيداتٍ رسميةٍ، وعدم اتخاذ إجراءاتٍ وقائيةٍ لنقل هذا السوق إلى مكان آخر، مع إلزام العاملين ومُلاّك المحالّ التجارية والبسطات والمتسوقين، ليس في هذا السوق فحسب، بل في كافة الأسواق التي تشهد حركةً تسوق واسعةً كالمعتاد في موسم رمضان، باتباع إجراءات التباعد الوقائية الضرورية.

   يقول أحد سكان حارةٍ قريبةٍ من مستشفى الكويت لـ"خيوط" إن العائلات في هذه المنطقة في حالة قلقٍ شديدٍ؛ إذ لم يُنبِّههم أحدٌ للبقاء في منازلهم وتحديد ممرات تحركٍ آمنةٍ في حال خروجهم لتلبية احتياجاتهم الغذائية والاستهلاكية، بغض النظر عن حجم الحالات المشتبهة والمصابة ومستوى وطرق الانتشار. في حين قال مواطن آخر إن الوضع في هذه المنطقة يتطلب تبديد خوف وقلق الناس، لأن كثيراً من السكان هنا لا يتخذون حذرهم بالتخفيف من حركتهم المعتادة.

أدى اكتشاف حالة الشحر وحالات عدن الخمس إلى دق ناقوس الخطر وتزايد المخاوف من انتشار الفايروس، لاسيما والقطاع الصحي في اليمن يفتقر إلى التجهيزات والمعدات الطبية، فضلاً عن تدمير أجزاءَ كبيرةٍ من بنيته التحتية نتيجة الحرب

قطاعٌ مدمَّرٌ.. وحضرموت تبدد الآمال

   برغم الآمال التي كانت تطمح إلى بقاء اليمن خاليةً من فيروس كورونا، إلا أنها تبددت بعد أن ظهرت أولى حالات الإصابة بفايروس كورونا في 10 أبريل/نيسان 2020، في مدينة الشحر بمحافظة حضرموت جنوب شرق اليمن، ثم تبعها الإعلان عن حالاتٍ جديدةٍ وصلت أكثر من 30 حالة.

   وأدى اكتشاف هذه الحالات إلى دق ناقوس الخطر وتزايد المخاوف من انتشار الفيروس، لاسيما والقطاع الصحي في اليمن يفتقر إلى التجهيزات والمعدات الطبية، فضلاً عن تدمير أجزاءَ كبيرةٍ من بنيته التحتية نتيجة الحرب والصراع؛ الأمر الذي يتطلب حشد الدعم الدولي لليمن، خاصةً وأنه يواجه أزمةً إنسانيةً مستفحلةً تُعد هي الأسوأ على المستوى العالمي، ويعاني من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتراجع النشاط الاقتصادي.

   ولا يزال القطاع الصحي غيرَ مؤهلٍ للاستجابة السريعة والمبكرة لانتشار الأوبئة والأمراض المعدية؛ حيث كانت محافظات الجوف ومأرب والضالع، وفق تقريرٍ حديثٍ صادرٍ عن قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية والاستراتيجية التابع لوزارة التخطيط والتعاون الدولي، بالتعاون مع "اليونيسف"، حصلت "خيوط" على نسخة منه، تعاني من مستوياتٍ مرتفعةٍ من سوء التغذية، وتثير القلق حول عدم توفر خدمات الأمراض المعدية في المرافق الصحية بنسبةٍ تفوق 60%. وبوجهٍ عامٍّ، كان 43% فقط من المرافق الصحية العاملة في المحافظات الثلاث، يتوفر لديها خدماتٌ مكتملةٌ لمعالجة الأمراض المعدية، بينما 40% من المرافق العاملة تُوفرها جزئياً، و17% لا توفر تلك الخدمات كلياً.

  وتشير هذه الأرقام إلى أنه من الصعب جداً تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي والعزل الذاتي في المرافق الصحية المكتظة أصلاً، خاصةً وأن الصراع الدائر في اليمن خلّف قرابة 20 مليون نسمة، نصفهم من الأطفال، ممن هم بحاجة للحصول على مساعدات الرعاية الصحية الأولية.

   ويشير التقرير إلى أن 7 ملايين شخص، من أصل 30 مليون نسمة هم عدد السكان التقديري لليمن، بحاجة إلى خدمات الرعاية الصحية، وأن 14 مليوناً منهم بحاجةٍ "ماسة" لهذه الخدمات، إضافةً إلى ثلثي المديريات، 203 مديريات من أصل 333 مديرية تعد ضمن الأشد احتياجاً للخدمات الصحية، بسبب ضعف إمكانية الوصول للخدمات الصحية. وتتوزع هذه المديريات على 22 محافظة، ويتفاوت مستوى شدة الاحتياج من محافظة إلى أخرى.

15.9مليونشخص،أي 53% منالسكان،يعانونمنانعدامالأمنالغذائيالشديد) المرحلةالثالثةومافوقمنالتصنيفالمرحليالمتكامل(،وذلكرغموجودالمساعدات الغذائيةالإنسانية.

   كما أن جاهزية المرافق الصحية لمواجهة فيروس كورونا في اليمن ستكون بالغة الصعوبة؛ إذ يُلفت التقرير إلى أن النظام الصحي يعمل حالياً بنسبة 50% من قدرته الفعلية، حيث إن 50% فقط من المرافق الصحية تعمل بشكلٍ كاملٍ، بينما يعمل 38% منها جزئياً، وحوالي 15% توقف تماماً، بسبب الأضرار التي خلّفتها الحرب والصراعات، أو نقصٍ في الكادر –فجزءٌ من هذا الكادر، وخاصةً عالي التأهيل، هاجر إلى الخارج بسبب الأوضاع الداخلية- أو نقصٍ في الأدوية والمواد الطبية.

   وذكر التقرير أن أغلب المستشفيات في اليمن لا تمتلك أنظمةَ تخلُّصٍ من النفايات الصحية، وبالتالي يجب تحديد الموقع النهائي للتخلص من النفايات، مع ضمان النقل الآمن إلى هذه المواقع.

ومع تدني مستوى تغطية السكان بالخدمات الصحية في سياق الأزمات الإنسانية في اليمن، يقف النظام الصحي عاجزاً أمام تلبية الاحتياجات اللازمة لمواجهة الإصابات المحتملة بفيروس كورونا.

   وحسب التقرير، هناك 10 عاملين صحيين في المتوسط لكل 10 آلاف شخصٍ في اليمن؛ بينما ينبغي توفر 22 عاملاً صحياً على الأقل في أوقات الأزمات الإنسانية، وفقاً لمعايير منظمة الصحة العالمية، أي أن 3 محافظات فقط، من 22 محافظةً، يتوفر فيها هذا المعيار.

   كما أن نسبة الأطباء المتخصصين 5%، والأطباء العموم 5% من العاملين الصحيين، وهذا يدل على صعوبة توفير الكادر الطبي المتخصص أثناء الأزمات وتفشي الأوبئة لرعاية الحالات المصابة وإيقاف انتشار الجائحة، إضافة إلى أن هناك أقل من خمسة أَسِرَّةٍ لكل 10 آلاف شخص في المتوسط في اليمن، وهو مستوىً دون المعايير الدولية ومعايير منظمة الصحة العالمية المحددة بـ10 أسِرّةٍ على الأقل لكل 10 آلاف شخص. ويعتبر مؤشر عدد الأسرّة لكل 10 آلاف شخصٍ من أهم المؤشرات التي تظهر ضعف أو قدرة النظام الصحي على تلبية الاحتياجات اللازمة لمواجهة الإصابات المحتملة بفيروس كورونا.

  ويحتاج النظام الصحي، أثناء تفشي الأوبئة، إلى تخصيص مواردَ إضافيةٍ لرعاية الحالات المصابة وإيقاف انتشار الوباء. وكثيراً ما يؤدي ذلك إلى ازدحام في المرافق الصحية الروتينية للأم والطفل وغيرها، لأنه يتم إعطاء الأولوية لرعاية مرضى الأوبئة. وبشكلٍ عامٍّ، في اليمن لا يزال النظام الصحي دون المستوى المطلوب، وقد تعرّضَ لصدماتٍ قويةٍ، بالتوازي مع ضغوط الطلب على المرافق الصحية.

العوامل المساعدة على انتشار الفيروس

   فرضيةُ تفشي الفيروس في اليمن -في ظل تدني الإمكانيات- يمكن أن يوصف بالكارثي، خاصة وأن هناك العديد من العوامل المحفزة لهذه الفرضية، يَذكُر منها تقريرُ قطاع الدراسات ارتفاع معدلات انعدام الأمن الغذائي، وهو من القضايا المزْمِنة في اليمن التي تفاقمت بصورةٍ غيرِ مسبوقةٍ خلال السنوات القليلة الماضية؛ حيث أشارت نتائج تحليل التصنيف المرحلي المتكامل  (IPC)للفترة من ديسمبر/كانون الأول 2018 إلى يناير/كانون الثاني  2019، إلى أن 15.9 مليون شخص، أي  53% من السكان، يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد) المرحلة الثالثة وما فوق من التصنيف المرحلي المتكامل(، وذلك رغم وجود المساعدات الغذائية الإنسانية.

   وما يثير القلق أنه، ولأول مرةٍ، وصل 63500 شخصٍ المرحلةَ الخامسة (الكارثة) من التصنيف المرحلي المتكامل؛ مما يعكس المعاناة العالية جداً لانعدام الأمن الغذائي بين بعض الفئات السكانية التي باتت تقاسي الجوعَ وغيرَ قادرةٍ على تلبية احتياجاتها الغذائية؛ بينما ترتفع نسبة السكان، الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد، إلى 67%  في حالة عدم وجود المساعدات الغذائية، أي 20.1 مليون شخص.

   ووصلت الأوضاع الإنسانية في اليمن إلى نقطةٍ حرجةٍ، متأثرةً بتداعيات الحرب والصراع؛ حيث تشير التقديرات إلى أن أكثر من 80% من اليمنيين يعيشون تحت خط الفقر.

   وتشير هذه المعطيات إلى أن أي إجراءات للحد من تفشي فيروس كورونا في اليمن، مثل العزل المنزلي، قد تكون عرضةً للفشل بالنسبة للفئات الأشد فقراً والأكثر تضرراً من تبعات الحرب، وقد ينتج عنها، في حال استمرارها لفتراتٍ طويلةٍ، مزيدٌ من الانتشار الحاد للفقر بين السكان.

   ولا تزال حالة التغذية في اليمن مثيرةً للقلق؛ حيث تشير التقديرات، الواردة في التقرير الذي سبق الإشارة إليه، إلى أن عدد من يحتاجون لعلاج سوء التغذية الحاد، يبلغ 3.2 مليون شخص، منهم مليونا طفلٍ دون سن الخامسة، و1.14 مليون امرأةٍ من النساء الحوامل والمرضعات.

   وهناك خمس محافظاتٍ تسُودُ فيها معدلاتٌ لسوء التغذية الحاد، تتجاوز النسبة المحددة لعتبة الطوارئ لمنظمة الصحة العالمية، التي تبلغ 15%، وهي الحديدة ولحج وتعز وعدن وحضرموت. ويتعرض الأطفال المصابون بسوء التغذية لضررٍ لا يمكن إصلاحه على نموهم وقدراتهم المعرفية؛ في حين أن الأسر العالقة في دورات الأمراض المتكررة والنمو المتعثر هي الأسر الأكثر ضعفاً.

   وفي 2019، توقعَ شركاءُ العمل الإنساني في التغذية، ارتفاعَ معدل سوء التغذية الحاد بين الأطفال دون سن الخامسة بشكلٍ طفيفٍ، لتصل إلى ما يزيد قليلاً عن مليونيْ طفل، بما في ذلك ما يقرب من 360000 حالة إصابةٍ بسوء التغذية الحاد الوخيم. وتعاني النساء والفتيات الصغيرات والفتيان الصغار بشكل أكبر؛ إذ يُقدَّر أن معدل الوفيات بين الأطفال دون سن الخامسة، المصابين بسوء التغذية الحاد الوخيم، هو أعلى 12 مرةً من أقرانهم الذين يحصلون على تغذيةٍ جيدة. وبالنسبة لأولئك المصابين بسوء التغذية الحاد المعتدل، فإن المعدل أعلى 4 مرات.

   ويساهم سوءُ التغذية في انخفاض مستويات المناعة، ويجعل الشخص منخفضَ المناعة أكثرَ عرضةً للإصابة بأمراضٍ معديةٍ حادةٍ، بما في ذلك فيروس كورونا، مع احتماليةٍ أكبر بالتعرض للموت.

   وكانت اليمن من أوائل الدول التي شرعتْ في تشكيل لجانٍ وطنيةٍ عليا، لاتخاذ العديد من الإجراءات الاحترازية لمكافحة "كوفيد19 "، منذ مارس/ أذار 2020، وبدأتها منذ منتصف الشهر نفسه، أي قبل عدم ثبوت حالات إصابةٍ أو اشتباهٍ لفيروس كورونا في اليمن.

وتمثلت أبرز هذه الإجراءات في إيقاف الرحلات الجوية المحدودة من وإلى اليمن، وإغلاق المنافذ البحرية والجوية والبرية، وتعليق التعليم الأساسي والجامعي، وتجهيز المنافذ الحدودية ببعض وسائل الفحص ومراكز العزل، لاتخاذ الإجراءات الطبية للواصلين، إضافة إلى إخضاع جميع المسافرين الواصلين للحجر الصحي المنزلي لمدة 14 يوماً لكافة القادمين من الدول الموبوءة بالفيروس، أو الذين سبق لهم زيارة هذه الدول خلال الـ14 يوماً الأخيرة، وتعزيز الإمكانات الطبية المحدودة جداً (من حيث المعدات ومن حيث تأهيل الكادر) من خلال بعض الدعم المقدم من قبل منظمة الصحة العالمية، وإغلاق العديد من أماكن التجمعات مثل صالات الأفراح، صالات الألعاب الرياضية، المنتزهات، مع التأكد من الاشتراطات الصحية لبعض الأنشطة التجارية مثل المطاعم والفنادق والمخابز؛ لكن رغم ذلك، لم تحُد هذه الإجراءات الوقائية من تسلل الفيروس إلى اليمن واقتراب حدوث الكارثة في بعض المدن.

________________________________________________

الصورة ل : تسلم أطباء بلا حدود إدارة الملف الصحي في عدن

•••
محمد راجح

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English