ثلاثيّات 2022

أثرها المعتبر وتداعياتها المستقبلية
د. أحمد سنان
January 31, 2023

ثلاثيّات 2022

أثرها المعتبر وتداعياتها المستقبلية
د. أحمد سنان
January 31, 2023

حفلَ العام المنصرم بالكثير جدًّا من الأحداث التي غيّرت في مجرى السياسة الدولية أو وجّهت كثيرًا من العمليات في غير وجهتها الأولى.

سنحاول هنا إبراز أهم ثلاثة أحداث عالمية وثلاثة أحداث وطنية، نراها من وجهة نظرنا قد طغت على بقية أحداث 2022.

أوّلًا- على المستوى الوطني:

شهدت الساحة الوطنية ثلاثة أحداث لها أثرها المعتبر وتداعياتها المستقبلية التي لا بُدّ أن نشهدها. يتمثّل الحدث الأول بتجريد الرئيس هادي من سلطاته، والإتيان بـ"مجلس للقيادة الرئاسية" من تصميم المطبخ السعودي بإدارة محمد آل جابر. وتدلّ كل الشواهد على أنّ سيناريو الإطاحة بهادي لم تكن بإرادة يمنية خالصة، ولو أنّ ذهاب هادي كان ضرورة تمليها طبيعة التناقض في المشهد اليمنيّ وتصادم القوى المتنافرة فيه. لكن الحلّ الذي شهد على ميلاده بعض الهواة من اليمنيين لم يغير جوهر الصراع على ضفة الشرعية، وبالتالي لم يكبل أيدي الحوثيين في المناطق التي يسيطرون عليها، بل على العكس من ذلك، فقد وفّر لهم مبررات إضافية.

تمثّلت الثلاثية العالمية في الحرب الأوكرانية، وما رافقها من تبعات وأزمات غذائية واقتصادية، وكأس العالم في قطر، في حين اندفعت النساء إلى الشوارع الإيرانية للتعبير عن الغضب والإدانة لهذه التصرفات بعد مقتل مهسا، على اعتبار سلوك الناس شأنًا شخصيًّا لا يتعدى فيه دورُ رجال الدين حدودَ الوعظ والإرشاد.

وخلال تسعة أشهر من مسيرة مجلس القيادة، لم تبرز أيّ مؤشرات على تحسن الأوضاع العامة ولا تصويب أداء المؤسسات التي تقع تحت تصرفه، بل تفاقمت التناقضات حدًّا ينذر بمزيد من الصراعات.

ثانيًا- الثلاثية العالمية:

حرب أوكرانيا

كانت بداية العام 2022، بإشعال الحرب في أوكرانيا. اندلعت الحرب في 24 فبراير/ شباط 2022، خلال أحد عشر شهرًا حصدت الكثير من الأنفس، ودمّرَت ما شاء لها أن تُدمّر من منشآت البنية التحتية والاستراتيجية، وقضت على الموارد الأوكرانية كليًّا. وتكبّدت روسيا كذلك خسائر ليست قليلة.

والأهم من ذلك؛ أنّ هذه الحرب قد صرفت الانتباه عن الكثير من المشكلات الدولية والإقليمية التي كانت تعدّ من القضايا الملِحّة، ومنها الحرب في اليمن والوضع السوري والليبي وقضايا حقوق الإنسان، حتى إنّ الولايات المتحدة والناتو قد تناسوا، ولو مؤقتًا، الوضع الأفغانيّ.

لم تتوقف تأثيرات الحرب الأوكرانية على الأوضاع الإقليمية فحسب، بل جاوزتها نحو الهدف الأساسي الذي أشعلت من أجله، والذي يتلخّص في الحيلولة دون ظهور منافس على موقع القيادة العالمية الذي تمثّله أمريكا منذ نهاية الحرب الباردة.

على أنّ القضية لا تتوقف هنا. فالزعامة العالمية قائمة بالأساس على الاقتصاد والطاقة وقدرة المجمع الصناعي العسكري وأسواق المال.

يحتاج المجمع الصناعي العسكري إلى الحروب والمزيد من الحروب كي يحافظ على شبابه وحيويته. ولكنه يحتاج كذلك إلى موارد كبيرة من الطاقة والموادّ الخام، ولكن ليس وَفقًا لقانون العرض والطلب، بل وَفقًا لقانون الغلبة الاستعماري. فالثورة الصناعية لم يكن لها أن تتحقّق بدون مستعمرات توفّر لها المواد الخام وموارد الطاقة المجانية تقريبا، وبدون ضمان الطرق التجارية الآمنة والأسواق والأيدي العاملة الرخيصة التي تتوفر عليها المستعمرات.

بالتأكيد، فقد تكبّد الطرفان خسائر مالية وبشرية وعسكرية كبيرة خلال 11 شهرًا. وليس من مقارنة طبعًا لجملة الخسائر لدى الطرفين؛ فقد تعرّضت العديد من المدن الأوكرانية لدمار واسع ونزح مواطنوها خارج بلدهم، ولا يرى الغرب أيّ فرصة تلوح في الأفق لأيّ بوادر على قرب نهاية الحرب، كما بلغ أثر الحرب تقريبًا كلَّ الاقتصاد العالمي، خاصة في مجال الغذاء والأسمدة والكيماويات.

اغتيال شيرين أبو عاقلة، ومقتل مهسا أميني

أدّى مقتل الشابّة الكرديّة، مهسا أميني، في سبتمبر/ أيلول 2022، عند احتجازها من قبل شرطة "الأخلاق" في طهران، إلى نشوب احتجاجات في جميع مدن البلاد.

لم تتوقع السلطات الإيرانية أن يؤدّي مقتل الشابّة الكرديّة، مهسا أميني، في سبتمبر/ أيلول من هذا العام، أثناء احتجازها من قبل شرطة "الأخلاق" في طهران، إلى غضب الإيرانيين ونشوب احتجاجات في جميع مدن البلاد خلال أيام فقط من انتشار خبر وفاة أميني. لقد ذهبت مهسا ضحيةَ خصلة من شعرها رأت فيها "شرطة الأخلاق" الإيرانية هدمًا لأركان الدِّين، كما هو حال "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" السعوديّة المنحلة عمليًّا. لقد اندفعت النساء إلى الشوارع الإيرانية للتعبير عن الغضب والإدانة لهذه التصرفات، على اعتبار سلوك الناس شأنًا شخصيًّا لا يتعدّى فيه دورُ رجال الدين حدودَ الوعظ والإرشاد. في هذه الموجة الاحتجاجية، اعتُقل الكثيرون، وراح آخرون ضحايا للرصاص والإعدامات.

بالمقابل، لم يكن هناك أيّ تفاعل عندما قام الجنود الإسرائيليّون باغتيال شيرين أبو عاقلة في 11 مايو/ أيار 2022، بل ذهبَت الولايات المتحدة للقول أنّها لم تتمكّن من تحديد هُوية الرصاصة التي قتلت شيرين، أو مع مقتل جورج فلويد، المواطن الأمريكي "من ذوي البشرة السمراء".

كأس العالم في قطر

بعد حصولها على حقّ تنظيم بطولة كأس العالم 2022، نجحت قطر في تحدّي كلَّ المعوقات، ونظّمت كأسًا لائقةً بها كدولة "صغيرة غنية" تُجيد إدارة مواردها وتوظيفها. عن حقّ، يعتبر هذا الإنجاز مكسبًا للعرب، على الرغم من أنّ جوارها العرب قد وقفوا على موقفًا معارضًا، بل ومناهضًا لاستضافة قطر لكأس العالم. بل إنّ الدول الست المقاطعة لقطر أثناء الأزمة الخليجية، قد جعلت من تخلِّي قطر عن استضافة كأس العالم شرطًا من الشروط الـ(13) لإنهاء الأزمة.

ومهما يكن من النتائج الآنية أو المستقبلية التي جنتها قطر من تنظيم كأس العالم، بعد إنفاق 220 مليار دولار، فإنّ حدثًا جميلًا قد اختتمت به قطر عامها المنصرم.

افتتح السعوديّون مشوارهم بفرح صغير بفوزهم على الأرجنتين، ثم ودّعوا المونديال، وقد صاموا عن تحقيق أيّ منجز جديد غير التغنّي بفوزهم الذي كان بمثابة ضربة على رأس الأرجنتين بعثتهم من غفوتهم ليحقّقوا بعدها الفوز بالكأس، ويختتم ميسي مشواره "ختامًا مسكًا".

بينما أخفقت المنتخبات العربية وغادرت مفروسة من خيبتها، امتطى منتخب المغرب وحيدًا عنان الكرة العربية والأفريقية وصعد لدور 16، ثم إلى ربع النهائي. بهذا يكون حقّق إنجازًا رائعًا للعرب وأفريقيا لا يقل قيمة عن الإنجاز القطري بحساب القدرة والإرادة.

عاد الغرب بعد نهاية كأس العالم، للحديث مجدّدًا عن "التجاوزات" التي رافقت حصول قطر على حقّ الاستضافة جنبًا إلى جنب مع الحديث عن قضايا الحقوق والحريات، وعلى الأخص "حقوق المثليّين"، في تعدٍّ سافر على منظومة القِيَم الشرقية. وحضرت وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيزر، وهي ترتدي شارة المثليين في مباراة ألمانيا واليابان، وقالت وزيرة الرياضة الفرنسية، أميلي أوديا كاستيرا، ملمِّحة إلى إمكانية أن يرفع قائد المنتخب الفرنسي شارة المثليين حال الفوز بكأس العالم: "أعرف ما يفكر به، أعرف قيمه، قيم جيدة، لدي ثقة، أنا أعرف أنهم سيعبرون عن أشياء مهمّة، عندما يحين الوقت، وفي التوقيت الذي يختارونه". وهذا يؤكّد المدى الذي يمكن أن تذهب إليه بعض القوى في صراعها على الهيمنة.

الملفت للنظر أنّ هذه الحملة الجديدة ضدَّ قطر، تأتي في ظلّ متغيرات جديدة تجعل من قطر قوة ضغط أكبر، قياسًا على ما كان سائدًا قبل حرب أوكرانيا، وهكذا فإنّ الضغط الغربي على قطر في بعض الملفات سيدفعها للضغط على المعاكس في مجال الطاقة، الأمر الذي سيجعلها تقف في نفس الخندق للطرف الآخر، لكن السؤال الذي سيظلّ قائمًا هو: إلى أيّ مدى يمكن أن تصمد قطر في موقفها؟ وهل سيُسفِر هذا الموقف عن تغيير جذريّ في سياستها الخارجية، أم سرعان ما تعود لحالتها المعتادة.

•••
د. أحمد سنان

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English