مرآة في الكحل.. زبد في النرجس

عن ضرورة القطيعة مع ثقافة الاستبداد وقيمها القمعية
محمد العديني
October 20, 2020

مرآة في الكحل.. زبد في النرجس

عن ضرورة القطيعة مع ثقافة الاستبداد وقيمها القمعية
محمد العديني
October 20, 2020

ألا تمثل المؤسسة الثقافية جزءًا من واقع تساهم في صنعه وتتحمل مسؤوليته؟ ألم يكن هناك شعراء وأدباء ومفكرون عرب ساهموا في صناعة الوهم والاستبداد والتخلف؟ ماذا عن مثقفي السلطة وسدنتها وبقية الآلهة الفاشلة على حد تعبير إدوارد سعيد؟

    لقد ظلت علاقة المثقف العربي بالسلطة محكومة بعقدة النقص، علاقة تابع بمتبوع وعبد بسيده. في هذا الموقع الدوني المستلب كان يخضع لما يملى عليه من أوامر وتوجيهات فوقية، ويقوم بتدبيج وتنقيح وتلفيق وترقيع خطابه وتخريجاته المفبركة، لتأسيس وتسويق ثقافة السلطة وحمايتها، ولم تفلح تلك الثقافة في شيء كما أفلحت في مراكمة أوهامها وحرف مسار قوى المجتمع المنتجة وتغييب وعيه والحيلولة دون تمكينه. لقد عملت على زرع بؤر صراع وتوتر وانقسامات ثقافية واجتماعية دائمة، وانحازت إلى مراكز القوى التقليدية المتخلفة وحرصت على استيعابها وربطها بمصالحها الخاصة، حتى تضمن ولاءها واستمرار إنتاج وإعادة إنتاج التخلف، وتركت الغالبية المطلقة من المجتمع تغرق في حروب يومية شاملة تبدأ من رغيف الخبز ولا تنتهي بدكتاتورية التعليم ونخبويته وتدجين الثقافة.

    لا بد أن نقيم قطيعة معرفية وأخلاقية مع ثقافة الاستبداد وأنظمتها وقيمها القمعية، ونعمل على تأسيس ثقافة وأخلاق ديمقراطية (حقيقية)؛ ينبغي أن نخرج من التيه وحالة العجز واللامبالاة وكافة الممارسات العدمية القاتلة ونتخلص من عقد النقص والاضطهاد. لا بد من مواجهة ذواتنا بشجاعة وحكمة.

    ينبغي أن نعترف أننا كائنات مقموعة مستلبة، وأن القمع جزء من حياتنا اليومية، وتكويننا النفسي والديني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والفكري والتربوي، وأن بقاءنا جميعًا على هذه الحالة – مقموعين وقامعين- على حد سواء، إدانة لوجودنا الإنساني وانتهاكًا لكرامتنا الإنسانية.

    أن نقيم قطيعة معرفية -مطلقًا– معناه أن نكون قادرين على التمييز والاختيار بين الحق والباطل، النافع والضار، الحي والميت، الجميل والقبيح... إلخ.

    وعندئذٍ لا مناص لنا من الاتفاق على منظومة قيم إنسانية مشتركة تضمن وتوفر إمكانيات وفرص التعايش والحوار السلمي والتنمية الإنسانية المطردة، وتحد من الفراغ العدمي لتعدد المفاهيم ونسبويتها، وصراع تأويلاتها المفرطة والمتطرفة.

    والسؤال الذي سيترتب على ذلك حتمًا هو: انطلاقًا من أي مرجعية يمكننا القيام بذلك؟ مبدئيًّا وبدهيًّا سنعمد إلى مرجعية الواقع، ولكن هناك أكثر من واقع وأكثر من قراءة له، سيستغرقنا سؤال الهوية وانفتاحه أو دورانه على ثنائية الذات والآخر، وما ينتج عنه من قراءات وأطروحات ومواقف: شوفينية أو تغريبية، تلفيقية أو توفيقية، تراثية أو معاصرة، سلفية أو حداثوية.

     وعن قصد ووعي أو سواهما سنجد أنفسنا منساقين أو مجبرين على القبول ضمنيًّا أو صراحة بالتعاطي الطوباوي والميتافيزيقي للواقع. 

     وهكذا ستتجلى لنا أو نكون في مواجهة أكبر معضلة إبستمولوجية (معرفية) تاريخية عرفها واقعنا أو تاريخنا العربي الإسلامي والمتمثلة بالنص وقراءته، النص الديني تحديدًا وقراءته. 

    الأمر الذي ربما يصيبنا بالإحباط السيزيفي، حين نرى ظلالنا النحيلة ترتطم بخطوات "أنكيدو".*

    أن نقيم في النص أو نغادره ليس حلًّا؛ لأننا حين نقيم فيه نقتله، وحين نغادره نقتل أنفسنا، بوصفنا نصًّا آخر.

    أي شهيد سيجلب لنا الضوء دون أن نحترق بناره؟!

    وأي نص يتسع لمرآة لا يهشمها الحنين؟!

 للغريب شظايا مرآة في الكحل 

 وحكايا من زبد في النرجس. 

.....................................

  • "أنكيدو" البطل السومري في ملحمة جلجامش، الذي مات وهو يلعن المدينة التي أفقدته جمال وحشيته الطبيعية.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English