إلى الذين يجلدون الذات والآخر!

عبدالرحمن بجاش
October 4, 2020

إلى الذين يجلدون الذات والآخر!

عبدالرحمن بجاش
October 4, 2020

خيوط الفجر

    البعض وفي لحظة يتحول إلى حكيم، ويبدأ بتوزيع النصائح يمينًا وشِمالًا، ولا مانع من أن يقول: افعلوا كذا وإلا... هذا البعض يتحول إلى محلل ومفكر وثائر وصاحب نظرية، والويل لكم إن لم…

    المصيبة أن هناك من يفتح أذنيه، فتراه يوزع ما كتبه ذلك العبقري الكبير! وأيضًا الويل لكم إن لم تعتبروا ما كتبه القلم الجهبذ سيِّد زمانه والمكان!

    أن تتحول إلى منظِّر وتبدأ بتقطيع ما هو أكبر منك، فهي المصيبة، كأن تقول: ثورة سبتمبر 62 انتهت، والكل خان، والكل باع، والسلام عليكم ورحمته تعالى وبركاته، وتذهب لتنام إحساسًا بأنك أدّيت ما عليك، والباقي على الشيطان الرجيم!

    الثورة، أي ثورة، ليست فعلًا مؤقتًا، وليست "أسبرين" يمني ينتهي مفعوله بعد لحظات. الثورة فعل دائم ومستمر، وتراه في كل منشط من مناشط الحياة.

   الشعلة عندما يندفع لهبها نحو السماء، لا يمكن لك أن تعيد النار إلى القمقم، لا يمكن.

   صحيح أن المثبطات كانت كثيرة وغزيرة من بعد لحظة من نجاح الثورة، لكن لهيب الشعلة كان قد انتشر إلى النفوس التواقة إلى الانعتاق، ولا يمكن العودة إلى ما كان عليه الحال.

    سبع سنوات عجاف أكلت الأخضر واليابس، بفلوس السعودية وتبعية أولئك المدعين بأنهم من أشعلوا الشعلة، بينما كانوا إما "مشرشفين" أو مختفين في بيوتهم، بينما كان الأبطال يصنعون المجد.

    ثمّة أخطاء فادحة ارتكبها الثوار، خذ الإعدامات العشوائية نموذجًا، خذ تحوّل بعضهم وهم من كانوا يعانون عقدهم الشخصية، إلى أئمة، خذ ما حصل لعوائل بيت حميد الدين من نساء وأطفال.

    على أيّ شجاع أن يعترف بالأخطاء، لتكبر الثورة كفعل، فسيل الله الذي يروي الأرض والزرع، في طريقه أيضًا ليأخذ معه كثيراً من البشر! ومحاولات الله! هل نكفر بنعمة الله ونلعن الغيث والسيل؟ علينا أن نرى أين أخطأنا.

    كل الثورات في الكون التهمت بعض أبنائها، ثم صحّحت المسيرة وتصحيح ما اعوج، بعد تقييم الفعل كله. هنا بيت القصيد لما أنا بصدده، فأنت بحاجة لتقييم كل المراحل ما قبل سبتمبر وما بعده، لتصل إلى التحليل الصحيح ولتتبين موقع قدميك. لكن أن تنسف كل الفعل، فليس من العقل في شيء.

    على الذي يجلدونا ليل نهار، مدّعين أنهم أكثر من يفهم ويدرك وينظر، أقول: الثورة لم تنتهِ ولن تنتهي. كيف؟ سأقول: الثورة أخرجت الخيل من إصطبله، صحيح أنه جمح ولم يروضه أحد، لكنه يظل خيلًا أصيلًا ونبيلًا. الثورة يا سادة، كبرت أجنحتها فطارت من عشها إلى نفوس الناس، وطريقة تفكيرهم، والوعي بحقوقهم.

   الثورة أصبحت مدرسة، ودفتر وقلم، ولن تظل شعارًا تلوكه الألسن المنافقة من النخب التي رأت فيها فرصة للإثراء، فباعت واشترت، الثورة لم تنتهِ من الأقلام، وصفحات الجرائد والكتب. الثورة اتصال بالكون من حولنا، تواصلٌ بالعالم من أقصاه إلى أقصاه. العالم الذي يعرف أن هذه البلاد اسمها الجمهورية اليمنية. ومن يقولون بأنهم وتحت نفس العلم يعيدونا إلى زمنهم، أقول: لن تستطيعوا إلا في حالة واحدة: أن تغلقوا البلاد بالضبة والمفتاح من جديد. وهذا لن يتأتى، فالطير كبر، ولم يعد في العش، بل تراه يضرب بجناحيه زرقة السماء التي لا تحدها حدود.

على الأحزاب، وعلى الأشخاص من ينتمون إلى الثورة، أن يعيدوا القراءة من جديد، ويعاودوا الانطلاق. أما البكاء فلا ينتج عنه سوى الدموع، والدموع لا تصنع مستقبلًا كما هو جلد الذات والاستعراض المتعالي

    لن أبالغ وأقول: ناموا وكل شيء سيكون تمام التمام، تمام يا فندم. لا، فالعمل من غرف نوم الأطفال هو من سيستمر بالثورة إلى نهايات المدى، فيكفي أن تقول لأطفالك كل صباح: تحيا الجمهورية اليمنية، ولا تعُد لتنام، بل اشرح لهم كيف وصلنا إلى جمهورية اليمن الموحد كله، ولا تترك أسماع أطفالك تصيخ للمرجفين ومن يريدون صياغة وعي الأجيال الجديدة بما يريدون، بل اعمل على أن يفتحوا آذانهم لكل ما يتعلق بالمستقبل، والثورة دائمًا فعل مستقبلي، ورَبِّهم على أن الثورة فتحت الباب لكل يمني أن يحكم، ولا يمكن أن يكون بديلها البطون ولا الأحقية الإلهية، وعلّمهم أن الثورة قام بها الأبطال من كل تنوع اليمنيين دون استثناء، إلا من باعوا، وارتموا في أحضان من اشتروا بالرخيص، ثم عادوا ليبيعوا من جديد.

    كتبتُ أكثر من مرة مطالبا بتقييم ما مضى، نستشرف الأفق. لم ينصت أحد، بل برز من يظن أنه يبرئ نفسه عندما يكتب ويتباكى على ثورة سبتمبر62، الآن مطلوب إعادة القراءة، وكتابة الكتاب من جديد بما يلائم لغة اللحظة.

    على الأحزاب، وعلى الأشخاص من ينتمون إلى الثورة، أن يعيدوا القراءة من جديد، ويعاودوا الانطلاق. أما البكاء فلا ينتج عنه سوى الدموع، والدموع لا تصنع مستقبلًا كما هو جلد الذات والاستعراض المتعالي؛ "أنا أفهم وأنتم لا". يكتب وهو يجلس على كرسي وثير، فيما أبناء سبتمبر العظيم 62، لا يجدون لقمة تسد أفواه أولادهم.

    الثورة في أعماق البسطاء، أصحاب المصلحة الحقيقية، أما الذين يعيشون في أبراج عاجية وينظّرون ويترزقون، فلا علاقة لهم بها إلا بقدر ما يكسبون.

   أما النخب فالحديث عنها ذو شجون، ولن أزيد.

   أقول للمرة الألف: أعيدوا القراءة، وقيّموا ما مر.

    لمن أوجه الخطاب؟ هكذا سيسأل أي كان، أقول: لمن ينتمون لثورة سبتمبر 62، من مثقفين وقادة رأي وأعضاء كبار في الأحزاب، ومشائخ مثل الأغبري، يكوّنون جميعًا الكتلة المدنية، التي اختفى النداء بها وسط ضجيج آلة الحرب.


•••
عبدالرحمن بجاش

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English