قراءة في كتاب «بهجة الزمن» (1-3)

لماذا قال كتاب المؤيد: "إمام بعد إمام، ودولة أظلم من سنان"
وضاح بن عبدالباري طاهر
June 17, 2020

قراءة في كتاب «بهجة الزمن» (1-3)

لماذا قال كتاب المؤيد: "إمام بعد إمام، ودولة أظلم من سنان"
وضاح بن عبدالباري طاهر
June 17, 2020

لا شيء أحسنَ للمرء من أن يكون قارئاً؛ فهذه فضيلة ومزيةلا يعادلها، أو يَفْضُل عليها إلا أن تكون مقروءاً. أنت بالقراءة تبحر في عوالم يصورهاويحكيها وينسجها الآخرون؛ كلٌّ بحسب مواهبه التي اختصه الله بها، ومنحه إياها. أماأن تكون مقروءاً، فهو أن تسمح للآخرين أن يبصروا منك ما لا تبصره من نفسك. إنها رؤيةالذات من زاوية لا يتسنى لك أن تراها إلا من خلال الآخرين، وقد صح في الخبر بأن المؤمنمرآة أخيه.

استمتعت بقراءة كتاب «الأوضاع السياسية في اليمن في النصفالثاني من القرن الحادي عشر الهجري/ السابع عشر الميلادي» مع تحقيق مخطوطة «بهجة الزمنفي تاريخ اليمن» للمؤرخ يحيي بن الحسين بن القاسم بن محمد، والذي قامت به الدكتورةالكريمة أمة الغفور الأمير بإشراف الدكتور سيد مصطفى سالم.

لقد كان البحث شاقاً، ولم تكن الدراسة والتحقيق بالأمرالسهل، ولا العمل فيهما بالشيء الهيّن؛ يعرف هذا من قرأ الدراسة، والشروحات والتعليقاتالتي أثرت بها الباحثة مخطوطة الكتاب.

لقد تطلب هذا الأمر من الباحثة بضع سنين؛ لتنال بها درجتيالماجستير والدكتوراه، عاشتها مع مخطوطة هي النسخة الوحيدة (المسودة الأولى)، مع مااتصفت به من رداءة الخط، وكثرة الشطب، وصعوبة القراءة، وهي، بالإضافة إلى ذلك، ملأىبالكثير من المعلومات المتناثرة والمتنوعة تاريخاً، وثقافة، وسياسة، وأعلاماً، وشخصيات،وبلداناً، وأدباً، وشعراً، ومصطلحات إدارية، ومالية، وعسكرية، وزراعية، وبحرية؛ ماجعلها تعود إلى الكثير من المصادر والمراجعة المتنوعة الأغراض والمواضيع؛ لتضيء صفحاتالكتاب، وتزيل غموضه.

صاحب التاريخ المذكور- كما يصفه العلامة الكبير الشوكانيفي «البدر الطالع»- من أكابر علماء آل القاسم، لكنه -ولسوء الحظ- لم يجد من يُترجمله ترجمةً تفي بحقه، أو يذكر تاريخ مولده أو وفاته، ثم وجد له بعد ذلك ترجمة جيدة في«طبقات الزيدية» للمؤرخ إبراهيم بن القاسم بن المؤيد غفل فيها عن تاريخ وفاته، وممنترجم له -من المتأخرين- ترجمة حافلة، المؤرخ محمد بن محمد زبارة في «نشر العرف»، وقدذكر أن ولادته في سنة 1035، ووفاته بعد 1100هـ، وله ترجمة وذكر كثير في «هجر العلم»للمؤرخ إسماعيل الأكوع، وترجمة في «مصادر الفكر الإسلامي في اليمن» للباحث الأستاذعبدالله الحبشي.

أخذ يحيى بن الحسين على العلامة أحمد بن علي الشامي، والحسينبن محمد التهامي، والعلامة أحمد بن صالح العنسي في الأصلين والحديث، وأجاز له العلامةأحمد بن سعد الدين المسوري، والحسين بن يحيى حابس الصعدي، وله إجازة عامة في الأمهاتالست من الشيخ عبد الرحيم بن شاه اللاهوري الهندي الحنفي.

تميز العلامة المؤرخ يحيى بن الحسين بالاعتدال والموضوعية،والعزوف عن تولي أي مناصب سياسية، أو الدخول في صراعات السلطة المريرة؛ ولما مات أخوهالأمير محمد بن الحسين عرض عليه الإمام المتوكل ما كان بنظر أخيه من البلاد إليه، فاعتذرعن ذلك، وآثر الفراغ للعلم والتأليف.

أثرى يحيى بن الحسين المكتبة اليمنية بالعديد من المؤلفاتفي فنون شتى استقصاها المؤرخ عبدالله الحبشي في كتابه «مصادر الفكر الإسلامي في اليمن»،فبلغت 125 مؤلفاً، نعد منها:

«أنباء الزمن في تاريخ اليمن»، و«المستطاب في طبقات علماءالزيدية الأطياب»، و«النكت المفيدة على الرسالة القشيرية»- تصوُّف، و«الاقتباس»، وشرحه«الالتماس» في خمسة فنون: النحو، والصرف، والبلاغة، وأصول الفقه، وأصول الدين، و«المصباحالمنير في شرح مجموع الفقه الكبير»، و«المعتبر شرح المختصر»- في فقه الحنفية، و«المعلمبإيضاح صحيح مسلم»- حققه الأخ الدكتور عبدالرحمن العيزري، ونال به درجة الدكتوراه،و«التحفة السنية شرح العقيدة النسفية»، و«الإيضاح لما خفى من الاتفاق على تعظيم صحابةالمصطفى»، و«الزهر في أعيان العصر»، و«مختصر في ذكر مشكلات من أقوال ابن عربي».

لم تشر المصادر التي وقفت عليها أخذ العلامة يحيى بن الحسينعن والده الحسين، ولا يستبعد أخذه عنه؛ فقد توفى والده وله من العمر خمسة عشر عاماً،وقد بدا تأثره بوالده جلياً؛ انعكس ذلك في اعتداله، وانفتاحه، وقد كان والده أحد أركانالدولة القاسمية، ومن محققي الزيدية الذين وسعوا من دائرة معارفهم وأخذهم؛ فأخذ علىالعلامة محمد بن عبدالله الهتار في الحديث بالحمى بقرب زبيد، وعلى العلامة عبدالواحدبن المنعم النزيلي، وفي تعز على الشيخ الحافظ محمد بن العزيز المفتي، وهو ممن لا يرونالتكفير والتفسيق بالإلزام، وكان يرى -مع غيره من محققي الزيدية- أن الخلاف بين المعتزلةوالأشعرية خلاف لفظي، وأن المعنى متفق عليه، وله رسالة في نهي من أنكر على الشافعيةالتأمين في الصلاة.

 لم يكن التاريخ السياسي في اليمن مختلفاً عنتواريخ غيره، ولم يكن بأحسن حالاً ممن سبقوه من أيوبيين ومماليك وعثمانيين، مع ظهورالفارق في مستوى الأثر والإنجاز، وتطور أساليب إدارة الحكم، وهو، وإن بدا في دعواهمثالياً، لكن ستظل الفجوة كبيرة بين الدعوى والواقع، وبين النص والتاريخ

لم تكن قراءة الجانب السياسي في «بهجة الزمن» بالمبهجة؛فقد رانَ عليها غيوم الصراع على السلطة، والاقتتال على منصب الإمامة، واسودّت صحائفهابالصراعات بين الأقارب، والحروب على المدن، والمظالم الجائرة على الناس، وبالأخص في"اليمن الأسفل".

لم يكن التاريخ السياسي في اليمن مختلفاً عن تواريخ غيره،ولم يكن بأحسن حالاً ممن سبقوه من أيوبيين ومماليك وعثمانيين، مع ظهور الفارق في مستوىالأثر والإنجاز، وتطور أساليب إدارة الحكم، وهو، وإن بدا في دعواه مثالياً، لكن ستظلالفجوة كبيرة بين الدعوى والواقع، وبين النص والتاريخ.

فهذا الإمام المؤيد محمد بن القاسم، وإن تميز حكمه بالعدلوالرفق، ينكر عليه العلامة أحمد بن سعد الدين المسوري –وهو كاتبه، وأحد أعيان دولته-لما حسَّنَ له الناظر على أوقاف صنعاء أن يزيد من أجرتها على ما كانت عليه، فقال عبارتهالمشهورة: "إمام بعد إمام، ودولة أظلم من سنان"؛ فترك المؤيد ما كان عزمعليه.

 

ولقد ظل أهل العدين وقوفاً بباب المتوكل سنتين، ولم يتمإنصاف الناس من شكوى المطالب التي زادت في "اليمن الأسفل"، وهي: «مطلبة التبنلمن شرم أو لم يشرم»، و«مطلبة الصلاة لمن صلى أو لم يصلِّ»، و«مطلبة الرياح»، و«مطلبةالبارود والرصاص»، و«مطلبة سفرة الوالي»، و«مطلبة دار الضرب»، و«مطلبة ضيفة العيدين»،و«المعونة».

علّق المؤرخ يحيى بن الحسين بعد أن ساق هذا المطالب،بالآية الكريمة: "﴿إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم﴾". ثم عقب ذلكبقوله: "ولم يكن في اليمن الأعلى من هذه المطالب إلا مطلبة ضيفة العيدين، والمعونة.وإن كان اليمن الأسفل كثير الخيرات والمحصولات، بالنظر إلى اليمن الأعلى، لكن كان الواجبالرفق والعدل، ولا نزيد على الطين بلة".

وزادت القِبالات (=ضرائب الأسواق) في عهد المؤيد بن المتوكل،وهو المعروف بورعه، ولين جانبه، وعدله وتواضعه، وسعيه في إزالة كثير من المظالم التيكانت قبله، على ما كان في دولة الأتراك زيادة كبيرة، وقد بلغت المطالب (=الجبايات)المضروبة على وصاب في عهده سبعين مطلبة.

لنضرب الذكر صفحاً عن «ساسَ»، و«يسوس»، و«سائس»، و«مسوس»؛فقد استعاذ منها الشيخ الإمام محمد عبده -رحمه الله-، وهو الذي طالما ردد في أحاديثه:أن السياسة ما دخلت في عمل إلا أفسدته؛ لذا فالإعراض عن أحاديثها أولى، وسيظل التاريخالثقافي لليمن هو التاريخ الذي ينبغي الاعتزاز به، والتعويل عليه.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English