ملاذ أموال الحرب

كورونا لا يوقف انتشار "المولات" في اليمن
محمد راجح
May 29, 2020

ملاذ أموال الحرب

كورونا لا يوقف انتشار "المولات" في اليمن
محمد راجح
May 29, 2020
الصورة لـ: أحمد باشا

في الوقت الذي تسببتْ فيه الحربُ الدائرة في اليمن، منذ ما يزيد على خمس سنواتٍ، بأكبر أزمةٍ إنسانيةٍ في العالم، مع انهيار الاقتصاد والعملة الوطنية وتردّي الخدمات العامة والوضع المعيشي، إلا أن البعض في الأطراف المتحاربة، في الحكومة المعترف بها دولياً، وأنصار الله (الحوثيين)، و”التحالف”، استغل هذا الوضع للدفع برؤوس أموالٍ واستثماراتٍ بدأتْ بالتسلل، في هذه الظروف الحرجة، إلى عديد القطاعات التجارية، كما يلاحظ في انتشار “المولات” (المراكز التجارية) في أغلب المدن اليمنية الرئيسية.

  وبرزت المراكز التجارية كملاذٍ آمنٍ لرؤوس الأموال والاستثمارات، التي لم تتوقف عملية تدفقها لهذا النوع من الأعمال التجارية، في ظل أزمةٍ استثماريةٍ تعيشها البلد بشكلٍ عامّ، فاقمها تبعاتُ مكافحة فيروس كورونا الذي ألحق أضراراً واسعةً في المعيشة ومختلف الأعمال في اليمن.

  كانت هذه “المولات” من الاستثمارات القليلة التي ظهرت في صنعاء (شمال)، وانتشرت بشكلٍ واسعٍ، إضافة إلى عدن (جنوب) التي استقبلت، العامين الماضيين، عشرات المغتربين القادمين من دول الخليج، خصوصاً السعودية والإمارات، والتي أعلنتْها الحكومة المعترف بها دولياً مدينةً موبوءةً “بالحُمّيات” وفيروس كورونا؛ إذ شهدت ازدهارَ مثلِ هذه المشاريع التجارية، وما تزال أعمال بناء تسير على قدمٍ وساقٍ، قالت مصادرُ متطابقة لـ”خيوط” أنها “مولاتٌ” تجاريةٌ لأشخاصٍ وجهاتٍ غير معروفة.

  وتعاني عدن من توسع ظاهرة البسط على الأراضي والبناء العشوائي في أغلب مناطقها، خصوصاً المناطق الشمالية، الممتدة من دار سعد والعَرِيش وصَبِر، إلى ما بعد الحُوطة في محافظة لحج المجاورة.

  ويقول لـ”خيوط” مسؤولٌ في الهيئة العامة للأراضي والتخطيط الحضري، طلب عدم ذكر اسمه، إن هناك ما يشبه “المافيا” تقوم بأعمال النهب والبسط على الأراضي العامة والخاصة، والأراضي الخاصة “بالأوقاف”، بصورةٍ منظمةٍ، تتبع جهاتٍ وقوىً عسكريةً تابعةً للمجلس الانتقالي الجنوبي في عدن، منذ ثلاث سنواتٍ، وتعمل على ضخ أموالٍ غيرِ معروفٍ مصدرُها في البناء العشوائي للمنازل و”الفلل” والمراكز التجارية، في أغلب مناطق المدينة التي اتخذتْها الحكومةُ المعترف بها دولياً عاصمةً موقتة.

كونت الحربُ طبقةً ثريةً، ليس فقط تجاريةً واستثماريةً، بل واستهلاكيةً أيضاً تجتذبها مثل هذه “المولات” للتسوق، خصوصاً في مثل هذه الأيام المناسباتية

نشاطٌ واسع

  وقبل حلول عيد الفطر، حيث تنتعش أسواق الملابس على وجه الخصوص، تزايد التنافس بين المراكز التجارية الكبيرة على استقطاب المتسوّقين، والاستئثار بأكبر قدرٍ ممكنٍ مما تبقى من أموالٍ لدى المواطنين والأسر لتلبية متطلباتهم الضرورية للعيد، من ملابسَ وحلوياتٍ ومختلف الأغراض والاحتياجات التي اعتادوا توفيرها في مثل هذه المناسبات السعيدة.

  ويرى الباحث الاقتصادي، جمال النواري، أن المراكز التجارية أحد الملاذات الآمنة لرؤوس الأموال، حتى الغامضة منها التي تظهر فجأة في الأزمات والحروب. واليمن من الدول التي كوّنت فيها الحربُ طبقةً ثريةً، ليس فقط تجاريةً واستثماريةً، بل واستهلاكيةً أيضاً، تجتذبها مثل هذه “المولات” للتسوق، خصوصاً في مثل هذه الأيام، حسب حديث النواري لـ”خيوط”.

  وازدهرت في اليمن، منذ بداية الحرب، السوقُ السوداءُ في الوقود والعملة والكهرباء ومجالاتٍ أخرى؛ في حين يرجح مراقبون أن المراكز التجارية والمطاعم من أهم القطاعات التي تجتذب جزءاً من أموال تجارة الحرب، باعتبارها قطاعاً مجدياً للاستثمار، كما يؤكد الباحث الاقتصادي مجدي عامر، مع تكوّن طبقةٍ ثريةٍ استهلاكيةٍ تبحث عن الترفيه، وسط غالبيةٍ سكانيةٍ طحنتْها الحرب، ونال منها الجوع والفقر والبطالة، ولا تجد ما تقتاته في هذه الظروف الحرجة التي تمر بها اليمن.

  ويبدي عامر استغرابه مما يشاهَد في الأسواق اليمنية التي لم تتأثر بالإجراءات الاحترازية لمكافحة فيروس كورونا المتبعة في كافة المدن؛ حيث تشهد انتشاراً واسعاً لبعض الأعمال، مثل المراكز، وتجدها مكتظةً بصورةٍ غير طبيعيةٍ، كما يلاحَظ ذلك في صنعاء.

  واستقبلت المدن المستقرة، والتي لم تطُلْها الحرب في اليمن، مثل صنعاء وإب (شمال)، وحضرموت (شرق)، أعداداً كبيرةً من النازحين من مختلف المناطق المضطربة، والتي طالتها نيران الحرب الدائرة في اليمن منذ ما يزيد على خمس سنوات، سواءً من المحافظات داخل البلد أو من المناطق الحدودية مع السعودية، مثل صعدة وحَرَض ومِيدِي، والمناطق القريبة من مناطق جيزان ونجران وعسير في السعودية، وأغلب هؤلاء الذين نزحوا أسرٌ مقتدرةٌ وتجارٌ وأصحابُ أعمالٍ، وأيضا من الفئات الاجتماعية المختلفة. لكن من استطاعوا النزوح، خصوصاً إلى صنعاء، فإن نسبةً كبيرةً منهم يمتلكون قدراتٍ ماليةً مناسبة.

استثمارات معروفة

  تشهد هذه المراكز تنافساً حادّاً فيما بينها خلال الفترة الحالية، والتي تسري فيها الحركة التجارية مع اقتراب العيد، وذلك بهدف جذب المتسوقين من كافة الشرائح؛ على الرغم من الشكاوى المتعلقة بارتفاع الأسعار في هذه المراكز، بصورةٍ مضاعَفةٍ عن المحال التجارية خارج المراكز والبسطات المنتشرة على الأرصفة.

  في جولةٍ ميدانيةٍ على الأسواق، تبدو الحركة التجارية محدودةً نوعا ما، مقارنةً بالسنوات الماضية؛ على الرغم من وجود ازدحامٍ كبيرٍ في الشوارع المعروفة، خصوصاً التجارية منها، مثل شارع هائل، وشارع جمال بالتحرير، وذلك لأسبابٍ، منها تردي الأوضاع المعيشية نتيجة الحرب والصراع الدائر في البلاد منذ ما يزيد على خمس سنوات، إضافةً إلى حرص البعض تجنب الازدحام في الأسواق للوقاية من فيروس كورونا.

  ويؤكد تجارُ ملابس وأصحاب محلات أن حركة تداول الملابس وكسوة العيد تزيد بشكلٍ تدريجيٍّ بحسب المعتاد عليه سنوياً، وتبدأ بالانتعاش في آخر خمسة أيامٍ قبل العيد.

  وشكا عددٌ من المواطنين من ارتفاع أسعار الملابس خلال تلك الفترة، بعكس الوضعية التي كانت عليها بداية الشهر الفضيل.

  المواطن أمين النقيب، يؤكد أنه فوجئ، عندما توجه إلى السوق لشراء كسوة العيد لأولاده الثلاثة، بارتفاع الأسعار بشكلٍ مبالغٍ فيه، خصوصاً في المحلات والمراكز التجارية؛ وهو ما جعل الأسر، وخصوصاً محدودة الدخل، تفكر باللجوء للعديد من الخيارات، من أهمها الاعتماد على الأسواق الشعبية والحراج، لتوفير كسوة العيد لها ولأطفالها.

  ويشير النقيب إلى أن طقم الملابس الولّادي، المكون من بنطلون وقميص أو فانيلة، والذي كان يباع بداية رمضان وقبله بحوالي خمسة آلاف ريال، ارتفع سعره إلى ما يقارب العشرة آلاف ريال قبل حلول العيد، وبعض الأصناف تزيد على 15 ألف ريال.

  ويؤكد سمير الحَمّادي، تاجر، أن بيئة الأعمال والاستثمار في اليمن تعاني من أزماتٍ عديدةٍ، نتيجة للوضع الراهن في البلد، وهناك محدوديةٌ كبيرةٌ في أنشطة الأعمال وانخفاضٌ كبيرٌ لرؤوس الأموال والاستثمارات المتدفقة إلى البلاد.

جزءٌ من هذه الاستثمارات كوّنها رجالُ أعمالٍ ومغتربون عائدون من بعض دول الاغتراب في الخليج، نتيجة تعرُّضهم لمضايقاتٍ أدت إلى خروجهم، واستقرارهم في اليمن

  ووجد القطاع التجاري والاستثماري، في هذه الأعمال، فرصةً سانحةً للاستثمار وإقامة شراكاتٍ متعددةٍ مع قطاعاتٍ داخليةٍ وخارجيةٍ، باعتبارها، وفق الحَمّادي، فرصاً استثماريةً واعدةً ومناسِبةً، في ظل الأوضاع الراهنة. لكن هذا التاجر يشكو مما أسماه الجبايات الباهظة التي تفرضها السلطات عليهم باستمرار، ويعتبرها أحدَ الأسباب التي كان لها دورٌ في ارتفاع أسعار السلع، رغم مراعاة القطاع التجاري للوضع الراهن، بتحديد أقل نسبٍ سعريةٍ لا تعكس، حسب قوله، التكاليفَ والنفقاتِ التي يتم دفعها.

  وحسب الحَمّادي، فإن اتساع وانتشار مثل هذه المشاريع الصغيرة له تأثيرٌ في خلق حراكٍ ونشاطٍ تجاريٍّ واستثماريٍّ يفيد الاقتصاد الوطني، وكذا لمساعدة الناس على مواجهة الأزمات الطارئة والتكيف معها، من ناحيةِ قدرتها على استقطاب واستيعاب عددٍ كبيرٍ من الأيدي العاملة.

  في السياق، ينفي وليد العودي، مشرفٌ في أحد “المولات” في صنعاء، أن تكون هذه المراكز التجارية عبارةً عن مشاريعَ غامضةٍ، في ظل الأوضاع الراهنة التي تعيشها اليمن. وحسب حديثه لـ”خيوط”، فإن كثيراً منها استثماراتٌ تخص تجاراً معروفين، ولها باعٌ طويلٌ في السوق اليمنية، إضافة إلى استثماراتٍ وأعمالٍ خاصةٍ برجال أعمالٍ ومغتربين عائدين من بعض دول الاغتراب في الخارج، نتيجة تعرضهم لمضايقاتٍ أدت إلى خروجهم، واستقرارهم في اليمن.

  ويرى العودي أن هناك اتجاهاً عند أغلب المواطنين لتلبية احتياجاتهم من كسوة العيد من المراكز التجارية الكبيرة، لتوفيرها كافة المتطلبات من مختلف الأنواع والأصناف والإحجام، ولكافة الأعمار وبأسعارٍ مناسبةٍ، وبعرضٍ خاصٍّ سهلٍ ومميزٍ يساعد المتسوق على شراء احتياجاته بشكلٍ مُيَسّر- حسب تعبيره.

•••
محمد راجح

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English