زاد.. يد النور في الممر المظلم

مغامرة بلا ملامح للهروب من الجوع
هناء عبدربه
December 11, 2021

زاد.. يد النور في الممر المظلم

مغامرة بلا ملامح للهروب من الجوع
هناء عبدربه
December 11, 2021

"اسمي سهام، أم لأربعة أطفال، أجبرتني ظروف الحرب على النزوح من بلادي"، مرت سهام بمحافظات كثيرة سعيًا للاستقرار ولمّ شمل عائلتها، بعدما عاشوا أوضاعًا لم تكن بالحسبان، فهي كما تقول لـ"خيوط"، "إن الحرب جعلت من كل شيء كارثيًّا صعب التخطي".

استقرت أخيرًا هي وأسرتها في محافظة شبوة (جنوب شرقي اليمن)، في العام 2018، قادمة من محافظة إب وسط البلاد، مع ثلاثة أطفال من زوج سابق، في حين يعمل زوجها الحالي في مدينة عتق في شبوة ولديها طفل منه، وهو "عامل بالأجر اليومي"، تعتمد أسرته الصغيرة على مبلغ زهيد، في الوقت نفسه يعيل بقية أفراد أسرته من إخوان وأخوات.

بعد نشوب الحرب الدائرة في اليمن منذ العام 2015، كان زوج سهام -وفق حديثها- يتردد عليهم كل حين وآخر، يقطع مسافة طويلة خلال رحلته، يمر بعدة محافظات تزيد عن 490 كيلومترًا، حتى يصل لمحافظة إب، بعد شق الأنفس.

تضيف: "ذات مرة أتى لزيارتنا في إجازة العيد، لكن إجازته طالت لأشهر بعد منعه عدة مرات من العودة إلى شبوة (الخاضعة لسلطة تابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا) حيث يعمل، وذلك من قبل سلطة جماعة أنصار الله (الحوثيين) (التي تسيطر على محافظة إب)، بذريعة "الالتحاق بداعش" كما تطلق الجماعة ذلك المسمى على المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا".

تضيف سهام، أن زوجها كرر المحاولات لأشهر طويلة في العبور وتخطي النقاط الأمنية التي كانت في كل مرة تعيده من حيث أتى قبل خروجه من إب، لكن محاولته الأخيرة أودعته السجن لشهرين. تقول: "عشنا خلالها وضعًا مأساويًّا بعد تراكمات جلوسه لفترات طويلة بيننا بلا عمل ثم احتجازه "زادت الطين بلة"، وكانت أسوأ أزمة تمر علينا على الإطلاق".

بسبب انحسار نسب المساعدات الإنسانية للمنظمات الدولية، واستجابة للشعور بالمسؤولية تجاه الناس في ظل الوضع الاقتصادي المتردي الذي تعاني منه اليمن منذ ما يقارب سبعة أعوام، جاء تشكيل فريق في شبوة مكوّنًا من شباب بين مرحلتي الثانوية والجامعية معني بتقديم المساعدات للمتضررين من الحرب أو فئة المهمشين والأسر الأشد فقرًا.

بعد محاولات كثيرة مع محتجزيه لإطلاق سراحه، اضطرت سهام لبيع ذهبها وتوفير مبلغ كبير دفعته للجهة التي تحتجز زوجها لكي يخلوا سبيله ويجد مع عائلته طريقًا آخر للعيش.

مصدر الرعب

على الرغم من معاناة عائلة سهام بسبب منع معيلهم من السفر مرات عديدة، إلا أنها بعد عودته من السجن قررت المخاطرة، والسفر معه حيث كان يعمل، مع طفلها الوحيد منه تاركة خلفها ثلاثة أطفال عند أسرة زوجها السابق التي طالبت بأحفادها كما ينص العرف، وخوض مغامرة ليس لها ملامح سوى الهروب من الجوع.

لا شك أن النقاط الأمنية أصبحت مصدر رعب للمسافرين، تحديدًا سهام التي رأت ما تعرض له زوجها من اعتقال لفترة طويلة، إلا أنها أصرت على السفر معه، مما ساعد الزوج على العبور، كما توضح سهام: "سمحت لنا النقاط الأمنية بالعبور لأنها اعتبرتنا عائلة، فهي لا تؤمن بسفر الرجل لوحده أو تتعامل مع البعض حسب المزاج كما حدث لزوجي".

بعد رحلة شاقة استمرت أربعًا وعشرين ساعة، وصلت سهام مع زوجها وأولادها إلى شبوة، لتواجه مصيرًا وحياة مجهولة اقتضى الأمر العمل على بنائها من جديد، لكن هذه المرة بصعوبات أكبر وتحديات جسيمة.

تقول هذه المرأة: "بعد وصولنا لجأنا لبيت صديق زوجي لأشهر، لكن "الحي فوق الحي عالة"، كما يقول المثل، حتى وجدنا بيتًا صغيرًا لا يوجد فيه شيء صالح للمعيشة، ومع ذلك عشنا فيه بلا أثاث، وكون الأعمال صارت بالنادر لم يكن الحال جيدًا".

لا تتوقف معاناة هذه الأسرة عند حدود السفر من محافظة إب للبحث عن لقمة العيش، بل يضاف إليها النزوح والهروب من التعسف والظلم، إذ لم يكن هناك منظمات دولية تدعم النازحين، ولا جهات حكومية توفر لهم المساحة الآمنة.

"مضى الحال بصعوبة حتى طرق باب بيتي شبان قدموا لي خزان ماء كبيرًا بعدما استقرينا في هذا البيت بفترة وجيزة، وقد كنت استقي الماء في جالون الزيت من المسجد المجاور، وكانت مشقتي الكبيرة بعد النزوح"، كما تقول.

حلت مشكلة سهام الكبرى بتوفير خزان مياه لمنزلها، ثم دعمت بالسلال الغذائية والمساعدات المالية بين حين وآخر، حسب حديثها. تقول سهام: "يعمل زوجي الآن ليس كالسابق ولكنه مع المساعدات التي أتلقاها من مبادرة زاد، وهم شبان صغار يقدمون لي يد العون دون مقابل، أصبح الحال أفضل عن السابق".

ظروف صعبة ومبادرات

في ظل الظروف والأزمات الاقتصادية الصعبة التي تشهدها اليمن منذ اندلاع الحرب، وغياب دور المنظمات الدولية والسلطات العامة الرسمية، نشأت أدوار ثانوية كان لها تأثير كبير في ملء الفراغ الذي تسبب به غياب الجهات المسؤولة تجاه الشعب، وذلك من خلال المبادرات الشبابية التي تقوم في الغالب عبر مبادرات شخصية مدعومة من المجتمع المحلي لمواجهة موجة النزوح والفقر الذي تعاني منه أغلب العائلات اليمنية نتيجة لاستمرار المعارك بالتوازي مع انهيار العملة المحلية والتدهور الاقتصادي الذي يشهد تراجعًا مستمرًّا، مخلفًا ضحايا أكثر من الذين لقوا حتفهم من بندقية.

مبادرة "زاد المؤمن" هي إحدى الاستجابات الناشئة من المجتمع، التي عنيت بتقديم المساعدات للأسر الأشد فقرًا، في محافظة شبوة، وهي من المبادرات التي تقوم بجهود شخصية بالكامل وتتلقى الدعم أيضًا من المجتمع المحلي للمحافظة.

بسبب انحسار نسب المساعدات الإنسانية للمنظمات الدولية، واستجابة للشعور بالمسؤولية تجاه الناس في ظل الوضع الاقتصادي المتردي الذي تعاني منه اليمن منذ ما يقارب سبعة أعوام، جاء تشكيل فريق في شبوة مكونًا من شباب بين مرحلتي الثانوية والجامعية، معني بتقديم المساعدات للمتضررين من الحرب أو فئة المهمشين والأسر الأشد فقرًا.

بدأ الفريق في 2017، بعدد صغير من المتطوعين وبدعم أساسي ووحيد من فاعلي الخير في شبوة، كبر مع الوقت ليصبح عدده 16 متطوعًا، مستغلًّا مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لحملات الفريق وعرض أعماله وتحفيز أكبر قدر من فاعلي الخير لدعم مشاريعه وحملاته الإغاثية.

يقول محمد صلاح رئيس مبادرة "زاد المؤمن" لـ"خيوط"، إن الفريق بدأ عمله عبر تطبيق "واتساب" لتنفيذ حملات توعوية عبر الإنترنت تستهدف أشخاصًا من خارج اليمن وداخله، إذ كانت هذه هي نقطة الانطلاق بعد أن توسع الفريق وبنى له سمعة وثقة في أوساط المجتمع.

وفق رئيس المبادرة "زاد المؤمن"، فقد تجاوز عدد المشتركين بالخدمة ما يقارب 6 آلاف مشترك عبر تطبيق "واتساب"، وهو ما يعتبره تتويجًا للجهود التي بذلها فريق المبادرة، وروح المسؤولية التي تحلى بها.

يؤكد صلاح أن المبادرة تكبر من فترة لأخرى، وهو ما سمح للفريق بتنفيذ أكثر من حملة أو مبادرة في وقت واحد، مع طموح كبير في التوسع على مستوى المحافظة التي يقتصر عملها ونشاطها حاليًّا في مدينة عتق عاصمة محافظة شبوة.

تحدي الدعم

تواجه المبادرة صعوبات وتحديدات عديدة؛ أهمها قلة الدعم، الذي يعد العائق الأكبر في طريق استمرار مشاريعها وبرامجها، ويحد من إقدامها على مشاريع كبيرة تسعى لتنفيذها.

ويعتمد فريق "زاد المؤمن"، على فاعلي الخير الذين يقدمون مساهماتهم عبر الأسهم، بعدما يتم الإعلان عن نية الفريق لتقديم مساعدة معينة مثل تقديم ملابس تحمي من البرد للأسر المحتاجة.

بعد تحديد التكلفة الخاصة بالحملة أو المبادرة التي يعتزم الفريق تنفيذها، تحدد الميزانية، ويتم توزيع الأسهم على الأفراد والمساهمين والداعمين، سهم يستطيع الفرد المساهمة فيه، ثم الإعلان عن حجم أو المبلغ المحدد للمبادرة، وقيمة السهم الواحد، إذ يدفع البعض -بحسب حديث رئيس المبادرة محمد صلاح- أكثر من سهم، وهناك تجاوب كبير يتمنى -كما يقول- أن يستمر.

بخصوص عملية اختيار المستفيدين، يوضح صلاح، أن كل أعضاء المبادرة هم من أبناء المنطقة، ويعرفون تمامًا الأسر الأشد احتياجًا والأسر القادمة من النزوح، ويتم الاعتماد على بيانات الفريق وبحثه المستمر، إذ يتم التدقيق في بيانات الأسر المستهدفة بعد معرفة احتياجاتها.

ويشير إلى أن خدمات المبادرة متنوعة، ما بين الدعم المالي، وتقديم أثاث لمنازل النازحين من ويلات الحرب من محافظات أخرى، إضافة إلى تقديم سلال غذائية وتوزيع المياه على الأحياء الفقيرة التي لا تصلها مياه المشاريع التي تقدمها المؤسسات الحكومية.

*أُنجزت هذه المادة في إطار برنامج تدريب يضم صحافيين من سوريا وغزة واليمن، من تنظيم "أوان" وبدعم من منظمة "دعم الإعلام الدولي" (International Media Support).


•••
هناء عبدربه

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English