النثر في اليمن من وجهة نظر روسية

كلهم يطهون في نفس القِدْر
د. إحسان شاهر
November 21, 2023

النثر في اليمن من وجهة نظر روسية

كلهم يطهون في نفس القِدْر
د. إحسان شاهر
November 21, 2023
.

بقلم: إم. إن. سوفوروف(*)

ترجمة وعرض: د. إحسان شاهر(**)

يقول المؤلف إنه عشية ظهور الأدب الحديث في اليمن؛ أي في بداية الثلث الثاني من القرن العشرين، لم تكن البلاد دولة موحدة سياسيًّا. كان شمال اليمن تحت حكم الإمام يحيى، الذي استطاع بحلول أوائل الثلاثينيات توحيد كامل أراضي شمال اليمن تحت حكمه.

وإلى الجنوب من شمال عدن، كانت مستعمرة عدن البريطانية، المدينة الأكثر تطورًا في شبه الجزيرة العربية، وكانت "المناطق الواقعة بين شمال اليمن وعدن، وكذلك إلى الشرق منها، مأهولة بالقبائل التي كانت تخضع رسميًّا للعديد من الحكام المحليين والسلاطين والأمراء، ووقّع معظمهم معاهدات الدفاع والحماية مع البريطانيين" (إم. إن. سوفوروف، تطور الرواية اليمنية في القرن العشرين، ص 360).

وقد شكّلت هذه الكيانات ما يسمى بمحمية عدن الغربية (بموجب المرسوم الملكي الذي صدر في 18 مارس 1937، والذي قضى بتقسيم محمية عدن إلى غربية وشرقية)، بينما كانت المحمية الشرقية تقع على حدود حضرموت والمهرة؛ وشكلت عدن والمحميات ما يسمى بجنوب اليمن.

يربط المؤلف ظهور النماذج الأولى للأدب الجديد في اليمن، بعملية إحياء الثقافة العربية، التي بدأت في عدن في عشرينيات القرن العشرين، حيث تلقى العديد من أبناء العائلات التجارية العربية تعليمًا على النمط الغربي في المدارس الثانوية التي افتتحتها الإدارة الاستعمارية، وكانوا على دراية جيدة بأفكار النهضة العربية. وقد "اعتبر هؤلاء الأشخاص أن مهمتهم الأساسية هي تعليم السكان العرب؛ فقد أنشَؤُوا أندية ثقافية وتعليمية، وافتتحوا مدارس خاصة، وسعوا إلى إصلاح نظام التعليم العام، ووزّعوا الصحف والكتب المنشورة في بلدان عربية أخرى" (المصدر السابق، ص 361).

يُرجع المؤلف ولادة الأعمال الأدبية الحديثة، وبخاصة النثر، إلى عام 1940، وهو العام الذي بدأ فيه محمد علي لقمان بإصدار أول صحيفة عربية مستقلة في اليمن «فتاة الجزيرة»، التي نشرت فيها العديد من القصص الأخلاقية لعدد من المتنورين العدنيين، والذين يسمون بجيل فتاة الجزيرة.

وارتبط الرافد الآخر لتطور النثر بازدياد عدد الإصدارات الدورية في عدن منذ أواخر الأربعينيات، والتي كانت تنشر قصص كتّاب النثر اليمنيين المبتدئين، الذين اكتسبوا أيضًا خبرة صحفية من خلال العمل في هذه الإصدارات. وظهر شعراء جدد، لا يسترشدون بالتقاليد العربية الكلاسيكية، وإنما بجماليات الرومانسية المستعارة من الغرب، والتي كانت قد لاقت انتشارًا في الشعر المصري. 

وفي إطار تنامي الوعي الوطني، ظهرت دعوات إلى خلق أدب وطني، يعكس خصوصيات البلاد، والاستجابة الأولى لتلك الدعوات كانت من قبل القاصّ العدني محمد سعيد مسواط، الذي كتب في أوائل الخمسينيات جملة من القصص بلون محلي. 

وبعد قيام ثورة سبتمبر 1962 في شمال اليمن، وبعد نيل الجنوب لاستقلاله في عام 1967، حدثت العديد من التطورات التقدمية في مجال التعليم، وتقلص عدد الأمّيين، وازداد عدد البعثات الطلابية إلى الخارج.

تأثر بعض المؤلفين في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بالماركسية، وحاولوا تصوير ما قبل الثورة من زاوية الصراع الطبقي، "وتحولت أعمالهم إلى نوع من القصص التثقيفية - الثورية" (المصدر نفسه، 363).

ومع أوائل السبعينيات تطور الاتجاه الواقعي، وظهرت موضة الحداثة في أدب البلدين، تحت تأثير بعض الدول العربية، وتزامن ذلك مع التشاؤم الاجتماعي الذي خيم على اليمن - شماله وجنوبه. وحدثت تغيرات "سواء في بنية القصة أو نظام الصور أو في رؤية المؤلف للعالم بشكل عام. وتصبح قصص العديد من المؤلفين انعكاسًا للوعي المؤلم للشخص الذي فقدَ الإيمان بعقلانية العالم من حوله". (المصدر نفسه).

بعد أحداث 13 يناير في جنوب اليمن، في عام 1986، وقيام الوحدة اليمنية في عام 1990، بدأ البعض ينتقد الحياة في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، مثل سعيد العولقي في رواية «السمار الثلاثة»، وعبدالله باوزير في قصة «يا طالع الفضاء»، وحبيب سروري في رواية «الملكة المغدورة».

وبعد فترة وجيزة من توحيد البلاد، "تبين أنّ النظام الحاكم الجديد، الذي حدده العديد من الباحثين على أنه حكم القلة العسكرية القبلية، غير قادر على فعل أي شيء من أجل تنمية البلاد" (المصدر نفسه، 364)، وانعكست تلك القناعات في المجموعة القصصية «محاولة اغتيال حلم» لعبد الله باوزير، وفي روايتي حبيب سروري: «دملان»، و«طائر الخراب».

ويشير المؤلف إلى الدور الذي لعبه مركز عبادي ونادي القصة «إل مقه» في نشر أعمال المؤلفين اليمنيين، وتحفيز العملية الأدبية في البلاد، فظهر العديد من المبتدئين الجدد، وبينهم بعض الشخصيات النسائية. "لقد توسع نطاق الأساليب والوسائل الفنية المستخدمة بشكل كبير. كما ظهر أسلوب جديد في الكتابة «ما بعد الحداثة»، يتميز بمزيج غريب من التلوين الوطني والوثائقي والهجاء الاجتماعي والمحاكاة الساخرة والخيال. وقد وجد هذا الأسلوب أوضح تعبير له في أعمال وجدي الأهدل، صاحب النصوص القصصية الذكية والعديد من الروايات الاجتماعية الساخرة، بما في ذلك الرواية الساخرة «قوارب جبلية»، التي لاقت شهرة واسعة" (المصدر نفسه، الصفحة نفسها).

يرى المؤلف أنه بالرغم من ارتباط النثر الفني اليمني بالمشاكل الثقافية الوطنية والاجتماعية والسياسية للبلاد، لم يلعب دورًا مهمًّا، ويُرجع ذلك إلى تفشي الأمية بين الناس، حيث يشكّل الأميون في اليمن، حوالي نصف سكان البلاد.

عدا ذلك، لم تتشكّل في اليمن حتى يومنا هذا، بيئة قراءة مهمة "حتى في تلك الطبقة من المجتمع اليمني، والتي يمكن أن يطلق عليها، حسب المهنة، اسم المثقفين (المعلمين والمسؤولين، وما إلى ذلك)" (المصدر نفسه، الصفحة نفسها).

نُقّاد الأدب اليمني هم نفس الأشخاص الذين يكتبون هذا الأدب، فالحاصل هو أنهم ينتقدون أنفسهم ككتّاب وكنقّاد. وتفسير هذه المفارقة هو أنّ دائرة الأشخاص المرتبطين بالأدب في اليمن ضيقة للغاية، كلهم «يطهون في نفس القِدْر».

ويشير المؤلف إلى أنّ الجزء الأكبر من الأعمال الأدبية في اليمن، هو من إنتاج الأدباء الشباب، وهذا يفسر تدني جودته، "من النادر أن تجد فيها أعمالًا تدعي أنها تتمتع بمستوى فلسفي في فهم الواقع وتعكس تجربة الحياة الغنية للمؤلف. والسبب الآخر للمستوى المنخفض، العام للأدب، الذي يصل إلى القارئ، يكمن في آليات صناعة النشر ذاتها. ونظرًا لأنّ نشر الروايات في اليمن لا يحقق أيّ ربح تقريبًا، وبالتالي لا يتوقع الناشر جني الأموال من نجاح عمل معين، فإنّ اختيار العمل للنشر غالبًا ما يتم تحديده من خلال عوامل مثل قدرة المؤلف على الدفع، وسلطته العامة، والوصول إلى الموارد الإدارية والاتصالات الشخصية" (المصدر نفسه، ص 365).

ومن اللافت للانتباه انتقاد المؤلف للنقد الأدبي اليمني، الذي بدلًا من أن يسهم في تطور الأدب الوطني، نشأت فيه حالة مفارقة. المسألة تكمن في عدم وجود نقد أدبي متطور، وعادة ما يكون نقاد الأدب اليمني هم نفس الأشخاص الذين يكتبون هذا الأدب، فالحاصل هو أنهم ينتقدون أنفسهم ككتّاب وكنقّاد. وتفسير هذه المفارقة هو أنّ "دائرة الأشخاص المرتبطين بالأدب في اليمن ضيقة للغاية، كلهم «يطهون في نفس القِدْر»، لدرجة أنّ الجميع يخافون ببساطة من الإساءة إلى زميلهم بحكم موضوعي على أعماله، وتلقيهم ردًّا على ذلك حكمًا موضوعيًّا بنفس القدر على أعماله. ومما يعزّز أيضًا هذه الممارسة من التضامن والتكافل، حقيقة أنّ كل مؤلف لمجموعة قصصية أو رواية منشورة، يسعى جاهدًا للحصول على تقريظ إيجابي من أحد زملائه الكتّاب على شكل مقدمة للنشر. ومن الطبيعي أن يمتدح الزميل الذي وافق على كتابة مثل هذه المقدمة المؤلف؛ وإذا لم يكن هناك شيء جيد في العمل، فإنّه على الأقل سيقول شيئًا عن «جمال اللغة» أو عن بعض المزايا الأخرى، التي يصعب تقييمها بشكل موضوعي. إنّ انتقاد مثل هذا العمل بعد نشره، يعني الخلاف ليس فقط مع مؤلفه، الذي قد تكون مراجعته فيما بعد مفيدة للناقد نفسه، ولكن أيضًا مع مؤلف المقدمة، الذي قد تكون مراجعته مفيدة أيضًا. ونتيجة لذلك، لا يمكن لهؤلاء النقاد المؤلفين إلّا أن يشتكوا من تدني مستوى الأدب والنقد الأدبي اليمني، دون تسمية أسماء وأعمال محددة" (المصدر نفسه، ص 365-366).

وفي ختام المقالة، يؤكد المؤلف على أن الكُتّاب اليمنيين ركّزوا على المشاكل السياسية والاجتماعية والثقافية، وسبل التغلب عليها، وأغفلوا المشاكل ذات الطبيعة الفلسفية، إلا أن بعض الأعمال اقتربت من الفهم الفلسفي، مثل قصة محمد عبدالولي «يموتون غرباء»، ورواية زيد دماج «الرهينة»، ورواية سعيد عولقي «السمار الثلاثة».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) نشر في «فيستنيك، جامعة سانت بطرسبرغ، 2009، الحلقة 9، العدد 3»

(**) ما داخل الأقواس هو المترجم من النص الأصلي، وما هو خارجه عرض وتلخيص المترجم. 

•••
د. إحسان شاهر

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English