تعز مدينة محاصرة

قطاعات التنمية غير المستغَلّة
أ. د. محمد علي قحطان
September 29, 2023

تعز مدينة محاصرة

قطاعات التنمية غير المستغَلّة
أ. د. محمد علي قحطان
September 29, 2023
الصورة لـ: حمزة مصطفى

بالرغم من أن محافظة تعز غنية بالموارد الاقتصادية، فإنها تعاني من انهيار واسع لأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية. ويبرز هذا الانهيار بالمظاهر التالية:

- الحصار الخانق الذي يضربه الحوثيون على المدينة بشكل خاص، والمحافظة بشكل عام، من 2015. 

- ارتفاع كبير في نسب البطالة والفقر.

- هجرة شباب المحافظة لمحافظات أخرى وللخارج بحثًا عن فرص للعمل. 

- انخراط شباب المحافظة في صفوف حركات الإسلام السياسي؛ الأمر الذي أدّى إلى اعتبار المحافظة من أكثر المحافظات اضطرابًا في الأمن والاستقرار وتفشي مظاهر التسلح والعنف والتطرف. 

- عمالة الأطفال؛ حيث يُشاهَد الأطفال منتشرين في الشوارع والأسواق والمحلات التجارية والورش ومختلف المهن الحرّة، يعملون بأجور وعوائد منخفضة.

- التسول؛ حيث انتشر بصورة كثيفة وواسعة. 

- الانحرافات الاجتماعية؛ كالغش والسرقة والنهب والاحتيال، وغيرها. 

- التسرب من صفوف التعليم بكل مراحله. 

- انتشار الأوبئة والأمراض بصورة واسعة.

ولمواجهة كل ذلك، يمكن العودة لاستغلال الموارد والمقومات الاقتصادية المتاحة في المحافظة، وهي كثيرة ومتعددة، نناقشها فيما يلي:

أولًا- في المجال الزراعي والأنشطة المرتبطة بها:

بحسب مكتب الزراعة في المحافظة ومصادر معلومات إحصائية أخرى كالجهاز المركزي للإحصاء، تقدر المساحة الصالحة للزراعة بنحو 1234كم2، المستغلة منها تقدر بنحو 50% فقط. كما يشار إلى أنّ هناك مساحات خضراء واسعة تنتشر على أطراف وديان المحافظة. بما يؤكّد أنّ المساحات الصالحة للزراعة تتجاوز ضعف المساحة المقدرة بنحو 1234كم2، وذلك في حالة استصلاح الأراضي الخضراء غير المستغلة وضمّها إلى الأراضي الزراعية؛ وبالتالي توفير فرص إضافية للتنمية الزراعية والأنشطة المرتبطة بها، ومواجهة الفقر والبطالة في المحافظة، والإسهام الفعّال في الأمن الغذائي لسكانها، ومواجهة التحديات الاقتصادية الأخرى.

كما يمكن عند توسيع النشاط الزراعي والاهتمام به، توفيرُ فرص أخرى هامة، مثل: تنمية الثروة الحيوانية بتنوعاتها المختلفة (الأبقار، الماعز، الضأن، الجِمال). أيضًا توفير فرص أخرى للنشاط الاقتصادي، من أهمّها: تربية النحل، وإنتاج العسل، وتحقيق فائض يمكن تسويقه لأسواق البلدان المجاورة.

إلا أنّ الأنشطة الزراعية والأخرى المرتبطة بها، تواجه العديد من التحديات يتوجب مواجهتها، من أهمّها:

- الحصار المفروض على المحافظة منذ أكثر من ثماني سنوات، وتقسيمها إلى أجزاء ثلاثة، كلٌّ منها تسيطر عليه قوات وميليشيات مسلحة بأجندات مختلفة بفعل الحرب القائمة منذ عام 2015. 

- اندثار الحواجز والسدود المائية المتاحة وشح المياه بسبب استنزاف المياه الجوفية وشح الأمطار والسيول الجارفة للمزروعات والتربة.

- هجرة شباب المحافظة من قراهم لمدن المحافظات اليمنية المختلفة ولدول الإقليم وغيرها من دول العالم بحثًا عن فرص للعمل.

ثانيًا- في مجال الثروة السمكية:

تعتبر محافظة تعز غنية بالثروة السمكية بامتدادات بحرية طويلة وواسعة؛ إذ إنّ الشريط الساحلي للمحافظة يمتد لمسافة حوالي 138كم من الخوخة وحتى باب المندب، وعلى طول هذا الشريط يُشاهَد الكثير من مناطق الإنزال السمكي، ومن شأن ذلك، في حالة تحسين ظروف حياة الصيادين ومدّهم بوسائل الاصطياد الحديثة، أن يوفر الكثير من فرص الاستثمار والعمل في مجال الأنشطة البحرية المصاحبة للاصطياد، ومواجهة نسبة كبيرة من البطالة والفقر، وكذا تعزيز الأمن الغذائي لسكان المحافظة. 

شكّلت تعز مكانًا لنشأة الصناعات التحويلية وتطورها في اليمن، رغم كل التحديات التي واجهت المحافظة، بفعل عوامل عدة، أهمها المركزية السياسية والإدارية وعدم توزيع السلطة والثروة والتي تم تكريسها منذ ما بعد ثورة سبتمبر 1962.

ثالثًا- في مجال التنمية السياحية:

تعتبر محافظة تعز غنية بالمقومات السياحية، تنتشر في جميع مديرياتها الإدارية؛ ففي دراسة للمقومات السياحية بالمحافظة نفذتها قبل الحرب القائمة، بيّنت بقائمة أسماء 102 من هذه المعالم شملت مختلف أنواع المعالم السياحية: التاريخية والدينية والرياضية والمناظر الطبيعية بديعة التشكيل والجمال، وكذا الشواطئ الترفيهية عالية الجودة بخصائها السياحية الجاذبة للسياحة الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى تميز المحافظة بمناخ متنوع ومريح في مختلف فصول السنة تبعًا لتنوع تضاريسها (جبال وسهول وشواطئ بحرية)، كما تتميز المحافظة بتوفر بيئة اجتماعية مناسبة لممارسة كافة أنواع الأنشطة السياحية. 

رابعًا- في مجال الصناعة والتجارة:

تعتبر تعز مركزًا للنشاط الصناعي والتجاري، كونها شكّلت مكانًا لنشأة الصناعات التحويلية وتطورها في اليمن رغم كل التحديات التي واجهت المحافظة بفعل عوامل عدة، أهمها: المركزية السياسية والإدارية، وعدم توزيع السلطة والثروة والتي تم تكريسها منذ ما بعد ثورة سبتمبر 1962. ونظرًا لعامل استيطان الصناعات التحويلية اليمنية في تعز، فقد ظلت محتفظة بمقومات التنمية الصناعية والتجارية. وفي حالة حصولها على إدارة ذاتية، بالإضافة إلى ما تتميز به المحافظة من تنوع في الموارد الطبيعية والمقومات الاقتصادية، فإن المحافظة تعتبر واعدة لجذب المزيد من الاستثمارات الصناعية المحلية والأجنبية؛ وبالتالي فإنها مؤهلة للنهوض بالتنمية الصناعية والتجارية، خصوصًا أنّ المحافظة تطلّ على منطقة واعدة بمشروع جسر يربط قارتَي آسيا وأفريقيا (جسر باب المندب - جيبوتي)، وإنشاء مشروع المدينة الصناعية الحرة في طرف الجسر بمنطقة باب المندب.

خامسًا- في مجال الثروات المعدنية:

تؤكّد الدراسات الجيولوجية وجود العديد من الخامات المعدنية والصخور الصناعية في محافظة تعز لم تستغل حتى وقتنا الحاضر. كما يوجد مصنع لإنتاج الأسمنت في منطقة البرح متوقف عن العمل بسبب وقوعه في منطقة مواجهات عسكرية، كما يشاهد في المحافظة أحجار للتشييد والبناء بأشكال زاهية وتنتشر مناجم استخراج الأحجار بصورة واسعة، أهمها: أحجار الجير، وصخور الرخام، والصخور الجرانيتية. وصار معلومًا للباحثين الجيولوجيين من أبناء المحافظة، وخصوصًا أكاديميّي جامعة تعز من ذوي الاختصاص بالدراسات الجيولوجية، وجود خامات معدنية لم تستغل بعد، من أهمها: خامات النحاس والنيكل، خامات الرصاص والزنك، خامات المولبيدنيوم، خامات الحديد والتيتانيوم، معادن الزيولايت الطبيعي والرمل السليكي. وكل ذلك يؤكّد بأن المحافظة تكتنز الكثير من الخامات المعدنية والصخور الصناعية. وفي حالة ازدهار النشاط الصناعي، كما أشرنا في الفقرة السابقة، وبالأخص عند تنفيذ مشروع المدينة الصناعية الحرة، سيكون لهذه الخامات أهمية كبيرة للنهوض بالقطاع الصناعي في المحافظة.

الشريط الساحلي للمحافظة يتميز بتوافر ظروف مناسبة لمشروعات توليد الطاقة البديلة والمتجددة من مختلف مصادرها الشمسية، والرياح، وكذلك من حركة المد والجزر التي تتميز بها منطقة باب المندب؛ كونها منطقة التقاء مياه البحر الأحمر مع مياه البحر العربي الممتد لمياه خليج عدن والمحيط الهندي.

سادسًا- في مجال المنافذ الدولية:

يوجد للمحافظة حاليًّا مطاران دوليان؛ أحدهما مطار قديم تحت سيطرة الحوثيين ومتوقف عن العمل يقع بالجهة الشمالية الشرقية للمحافظة، والآخر حديث يقع في المنطقة الغربية للمحافظة بالقرب من ميناء المخا، ويتم تجهيزه وإعداده للعمل. كما يوجد بالمحافظة ميناء المخا، وهو من أقدم الموانئ البحرية الدولية على مستوى منطقة الجزيرة والخليج، ولكنه يعاني من بعض المشاكل والتحديات المعيقة لعمله. علمًا أنّ هذا الميناء يتميز على كافة الموانئ اليمنية بقربه من خط التجارة البحري العالمي (خط باب المندب)، وكذا يعتبر أقرب موانئ اليمن للمضيق. إذ إنّ المسافة الفاصلة بين الميناء والخط البحري الدولي فقط 6كم. وفي حالة تأهيله للعمل الملاحي والنقل البحري، سيلعب دورًا مهمًّا لخدمة اقتصاد المحافظة والاقتصاد الوطني، ويمكنه في الظروف الحالية أن يكون إضافة نوعية للموانئ اليمنية. وجميعها تكتسب أهمية بالغة للتجارة الدولية، لاعتبار أنّ الكثير من الموانئ الدولية الهامّة متشاطئة معها، بالإضافة إلى كونها تشكّل أهمية بالغة لخطوط السير البحرية الدولية الواصلة بين ثلاث قارات: آسيا، وأفريقيا، وأوروبا، وتلعب دورًا هامًّا ومميزًا للنقل البحري الدولي. ويمكن لميناء ومطار المخا في حالة العناية بهما معًا وتنشيط حركة النقل الجوي والبحري عبرهما، أن يلعبا دورًا مهمًّا لفك الحصار عن تعز، بالإضافة إلى ما يمكن أن يتركاه من آثار إيجابية لتنشيط عجلة الاستثمار فيها، وتأمين تدفقات نقدية كبيرة لصالح اقتصاد المحافظة، واليمن ككل.

سابعًا- في مجال الطاقة:

يوجد في محافظة تعز العديد من مقومات توليد الطاقة الكهربائية؛ فهناك المحطة الكهرومائية، التي كانت تسهم بتغطية نسبة عالية من مخزون الطاقة الكهربائية التي كان يتم تجميعها في المحطة المركزية في ذمار ليعاد توزيعها لمحافظات الجمهورية قبل الحرب القائمة، وقد توقفت عن العمل بسبب الحرب منذ العام 2015، ولم يعَد تشغيلها حتى الآن. كما أن الشريط الساحلي للمحافظة يتميز بتوافر ظروف مناسبة لمشروعات توليد الطاقة البديلة والمتجددة من مختلف مصادرها الشمسية، والرياح، وكذلك من حركة المد والجزر التي تتميز بها منطقة باب المندب كونها منطقة التقاء مياه البحر الأحمر مع مياه البحر العربي الممتد لمياه خليج عدن والمحيط الهندي. وحاليًّا يتم إنشاء مشروع لتوليد الطاقة الشمسية في المخا.

وباعتبار أنّ الطاقة المتجددة، بكل أنواعها، متاح استغلالها في الشريط الساحلي للمحافظة، ففي حالة أن تجد قدرًا مناسبًا من الاهتمام، يمكن لمحافظة تعز أن تغطى بشبكة دائمة من الطاقة الكهربائية، والتي من شأنها أن تلعب دورًا مهمًّا في مواجهة مشكلة الكهرباء في المحافظة وغيرها من المحافظات المجاورة كلحج والضالع وإب والحديدة، ومن شأن ذلك توفير بيئة جاذبة للاستثمار، والإسهام في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

ختامًا، يمكن القول بأن محافظة تعز تعاني بشدة من تدهور الأوضاع المعيشية والإنسانية، وفي نفس الوقت تعتبر غنية بمواردها الاقتصادية، التي لو تم استغلالها لتمكن سكان المحافظة من مواجهة التدهور الاقتصادي والاجتماعي، وكذا مواجهة انهيار الوضع المعيشي والإنساني الذي يعصف بحياة الناس، ويهدد حياتهم بالجوع والفناء مع استمرار الحرب والحصار، ويتطلب ذلك -من وجهة نظري- في الظروف الحالية، العمل بما يلي:

1- تصحيح اختلالات الوضع العسكري والأمني في المحافظة. 

2- تحديث وتطوير قيادة السلطة المحلية، من خلال إعادة بنائها، وكذا إعادة بناء وحداتها الإدارية والاقتصادية، وتمكينها من العمل بقواعد الإدارة الذاتية. 

3- التسريع باستكمال تعبيد وصيانة طريق (المخا - الكدحة - مدينة تعز)، وتأهيلها لحركة نقل نشطة لكافة وسائل النقل البري مع أهمية تفعيل ميناء المخا ومطارها وجعلهما متاحين للنقل الخارجي من المحافظة وإليها بصورة تمكّن سكان المحافظة والاستثمارات المحلية من فك عزلتهم والتخفيف من الحصار المفروض على تعز منذ أكثر من ثماني سنوات. 

4- إيلاء شبكات الخدمات العامة قدرًا أوسع من الاهتمام، بحيث تعاد للمحافظة شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، وكذا تحسين خدمات التعليم والصحة، ومواجهة ما يعيق عمل مؤسسات الدولة في المحافظة. كما ينبغي إخراج الجيش والشرطة من مؤسسات التعليم، ومنها: معاهد التعليم والتدريب المهني -كالمعهد التقني بالحصب، ومعهد العلوم الإدارية- التي تسيطر عليها وحدات من الجيش والشرطة وترفض الخروج منها. 

5) إعطاء الأولوية في مجال التنمية الاقتصادية، لتنمية أنشطة القطاع الزراعي والأنشطة المرتبطة بهذا القطاع، من خلال العمل بأسلوب التخطيط بالمشاركة.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English