"التابو" في الرواية اليمنيّة

الحكاية في مواجهة قمع السُّلطة والمجتمع!
عمران الحمادي
December 31, 2022

"التابو" في الرواية اليمنيّة

الحكاية في مواجهة قمع السُّلطة والمجتمع!
عمران الحمادي
December 31, 2022

في العام 2012م، أصدر الروائي اليمنيّ علي المقري روايته الثالثة "حرمة" بعد روايتي "طعم أسود... رائحة سوداء"، و"اليهودي الحالي"، وكادت الرواية تتسبّب بمقتل مؤلفها إثر تعرّضه لحملات تكفيرية واسعة من قبل متطرفين قرَؤُوا النصّ السردي من زاوية ضيقة جدًّا، وَفقَ تصريح المقري -في لقاءٍ سابق نشرته "منصة خيوط"- وقد تزامن كُلّ ذلك الهجوم مع انتقاداتٍ واسعة جاءت من بعض الكتّاب والمثقّفين المحلّيّين الذين يمكن أن يُطلق عليهم بالمحافظين، مبررين فعلهم بأنّ كاتب الرواية أسرف كثيرًا باستخدام "الجنس" عبر شخوص الرواية، حدّ تعبيرهم. 

تلك الحملات التحريضيّة بشتى أنواعها، تجاوزت حدة (الاستبشاع)، ووصلت إلى حدّ إصدار فتوى رسمية بإباحة دم الكاتب، إضافةً إلى تأجيجِ المجتمع ضدّه، قام به أئمة المساجد، الذين كانوا قد شنّوا حملة سابقة عليه، إثر إصداره كتاب "الخمر والنبيذ في الإسلام"، ولكنّ ذلك لم يقف حجرة عثرةً أمام الكاتب الذي عاد وأصدر في 2014 رواية "بخور عدني"، ورواية "بلاد القائد" 2019، وحقّق بهما انتشارًا مهمًّا للسرد اليمني، وله ككاتب مرموق.

يُحسب لرواج روية "حرمة"، ليس فقط تلك الضجة التي قام بها طلبة كلية الآداب في محافظة الضالع اليمنية، بعد أن أقرّتها عمادة كلية التربية كمتطلب للدرس جامعي، فخرجوا متظاهرين في استجابة لرأي المُتطرفين الذين كفّروا الكاتب، وإنّما أيضًا الترجمات العديدة التي شملتها بعد هذه الضجّة، فصارت مقروءة أكثر من ذي قبل.

لا تزال طرائق إسكات وإلجام الأقلام مستمرّة حتى اليوم من قبل أجهزة السلطة، خصوصًا لتلك الأقلام الجريئة والأكثر صدقًا، بذريعة أنّ ما يكتب بواسطتهم يندرج تحت الممنوع و"الخادش" للذوق العام، في بلاد تعيش أزمة حرب ضدّ الجميع، وحربٍ من نوع آخر ضد صانعِي الكلمة.

الغريب في الأمر، تأييدُ بعض المثقفين لمثل إجراءات كهذه، إذ لا يزال بعضهم يقول بأنّه يجِدُ تحرجًا من قراءة رواية مثل "حرمة"، أو حتى وضعها في مكتبة منزله، منطلقًا من ذات المحددات الرسمية للسلطة.

لم تكن "حُرمة" النصَّ الوحيد التي تناولت "الجنس" باعتباره قضية مسكوتًا عنها، فقد سبقتها رواية "قوارب جبلية"، للقاصّ والروائي وجدي الأهدل، الذي اضطرّ مطلع الألفية إلى مغادرة صنعاء إلى دمشق، بعد حملة واسعة نفّذتها جماعات متطرفة، واصفةً الرواية بأنّها فاضحة.

 قوارب الأهدل نصٌّ إبداعيّ آخر كانت بدايةً لروائي كبير ربط بين طريقة أكل اليمني وبين طريقته في الجنس، كاشفًا التشابه بينهما، معطيًا صورة أقرب إلى الوضوح ضمن فنٍّ روائي لا يزال الكثير من كتاب السرد يتجنّبون الخوض فيه بدعوى أنّ القارئ اليمني محافظ جدًّا، وأنّ ذلك يسهم في تدمير قيم المجتمع. 

رواية "أرض المؤامرات السعيدة"، لوجدي الأهدل أيضًا، والصادرة عام 2018، تتناول "الجنس" بمعظم صفحاتها. فالصحفي مطهر فاضل، بطل الرواية، الذي أُوكل إليه مهمة كشف واقعة اغتصاب في أحد أودية تهامة، تحوّل من صحفي إلى مغتصب قاصرات.

في عام 2017م، أصدر الروائي عبدالله عباس الإرياني، روايتَه "حانوت شوذب"، التي جاءت بحمولة كشفت عن إحدى قضايا "التابو" التي تدافع عنها باستماتة الأنظمةُ الحاكمة في سعيها لتأطير المجتمع ونمذجته بالكبت، ولكنّه بإصرار حادٍّ فشلَ أمام الكثير من الأدباء والكتّاب خلال مراحل زمنية متعاقبة، في رفضٍ واضح تبنّته أعمال سرديّة ما زالت تأتي بين فينة وأخرى، هذه الاستمراريّة تؤكّدها. 

لا تزال شريحة واسعة من القراء اليمنيّين، التي أرهقتها التحولات الكثيرة، مستمرّة في مهاجمة من يكتب بأيّ قضية من قضايا التابو (الدين، والجنس، والسياسة)، منطلقين من اتهامهم للكتاب بأنّهم يتّجهون نحو متلقٍّ خارجيّ من أجل الوصول إلى الشهرة الواسعة، بصورة تتناقض مع الكثير من القصص المأساوية في المجتمع، فكيف يبحث كاتبٌ عن النجوميّة أو عن جائزة في بلدٍ كلّ ما فيه يُصدّر الخطر والخوف، إلّا أنّ هذه النظرة الضيّقة تتلاشى أمام حالة من الثورة على القمع والقيود المختلقة، متمثّلةً في كتابات مستمرة، حتى وإن توارت بعضها إلّا أنّها باقية حتى اللحظة. 

يتبادر إلى أذهان الكثير السؤال الأهم، وهو: ما الذي يجعل الكتُّاب يتّخذون من الجنس قاعدة لرواياتهم ونصوصهم السردية؛ قد تتكثف الإجابة في اعتبار ذلك ثورة ضد كل القمع الذي تفرضه السلطات الدينيّة. الظاهرة التي يقول علماء الاجتماع، إنّها ستستمرّ وستتجدّد طالما أنّ سلطة الممنوع هي الحاكمة.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English