جيل الشعر لا الشعراء

الأدب الشاب منقوصاً من حمولته المعرفية!
د. حاتم الصكر
April 4, 2023

جيل الشعر لا الشعراء

الأدب الشاب منقوصاً من حمولته المعرفية!
د. حاتم الصكر
April 4, 2023

لم تعُد مسألة الأجيال ذات أهمية محورية في الكتابة الأدبية العربية، ولا في التلقي والقراءة، منذ زمن تبلورت المفاهيم وتغيّرت الانتماءات. تحوّلت الأجيال إلى تجمعات نوعية غير معلنة، تلتئم حول قضية أو ظاهرة ما، فتختلف القناعات والتواصلات، ويتجاوز الكاتب رؤى جيله العمريّ؛ لأنّ الاصطفافات مع أو ضد، رفضًا أو قَبولًا لم تعُد تنبني على أساس الجيل العمريّ بل الجيل الشعريّ، كما أتبنى اصطلاحيًا في كتاباتي منذ فترة، وبخاصة في مقالتي (أجيال الشعر لا الشعراء)، محتكمًا إلى الرؤى التي تحدّد العيّنة الجيلية وإلى المواقف والنصوص. وتكون (الحداثة) عادةً أبرز عناصر -أو مظاهر- تلك الانتماءات، فأن يكون الكاتب ذا رؤية حداثية يجد جيله الشعري في من يشاركه القناعة العامة بالحداثة، رغم الاختلاف حول تفاصيلها. ومن ثَمّ تتنوع المناهج والأساليب؛ وحين برزت قصيدة النثر في الكتابة الشعرية نشأ الاختلاف، لا بين شبّان وروّاد، بل بين من يرى الشعرية محصورة في التفعيلة والموسيقى الخارجية، ومن يجدها خارج تلك الحدود، وفي هيئات إيقاعية ولغوية مغايرة.

ومن الطبيعي أن يكون الكتّاب الطليعيون بأيّ عمر، هم الذين يُضيفون ويعدّلون الرؤى والأساليب.

ولا أجد الثورة الرقمية المذكورة في السؤال، ذات أثرٍ مهمّ في التمييز والتصنيف الكتابي، فهي ذات أعراف ومزايا لا تستطيع وحدها أن تكون بديلًا عن الكتابة المألوفة. بل على العكس، تم استغلالها لنشر المحتوى المتخلف، وأدّت إلى انتعاش التقليدي والشعبوي، لا سيّما في النقد، وإلى حدٍّ ما في الكتابة الشعرية.

الأدب الشاب أو أدب الشباب، لم تعُد له الحمولة المعرفية التي اعتدناها في عقود سابقة كنظير أو ندٍّ لكتابات الروّاد. كثير من شباب الأدب اليوم، يقفون مع التقليدي في الكتابة، وكثيرٌ منهم لا يصنّف نفسه على أساس عمره أو جيله. 

الشكوى تأتي غالبًا من الاهتمام النقديّ بالروّاد وتابعيهم، دون الاهتمام بالتجارب الجديدة والمنتمية للحداثة في طورها الأخير. وهي شكوى لها مبرراتها، ولكن ذلك لا يخص الشباب أو يقصدهم خاصة. إنّها تأكيد على وجود النص المغاير والكتابة الجديدة التي تتطلّب تلقّيًا يرقى إلى مستجداتها الجمالية. من هنا، أجد القطيعة بين رؤيتين، لا بين جيلين أو روّاد وشباب.

الحرية التي جاءت بها الكتابة الجديدة، تتجلّى شعريًّا في قصيدة النثر خاصة، وفي السرد بالروايات والقصص التي تتخذ الذات موضوعًا والحداثة أسلوبًا ورؤية. أمّا في النقد فالانفتاح المنهجي أغرى النقّاد بتبنّي منهجيات مختلفة ورؤى معاصرة، تنهض لموازاة التحديث في الكتابة ذاتها.

وهذا وحده سيصنع الحساسية المطلوبة في الأدب، وفي مستقبله، وأيضًا في تجاوز المحلية إلى الدائرة الإنسانية التي بدأ الكتّاب العرب يُدخلونها ببطء، وبعوامل كثيرة لا مجال هنا لشرحها.

•••
د. حاتم الصكر

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English