الاستخدام العشوائي للمبيدات

حياة اليمنيين وتربتهم الزراعية على المحك
الحسين اليزيدي
February 17, 2024

الاستخدام العشوائي للمبيدات

حياة اليمنيين وتربتهم الزراعية على المحك
الحسين اليزيدي
February 17, 2024
.

تستورد اليمن، بحسب إحصائيات رسمية، أكثر من 14 ألف طن من المبيدات الزراعية سنويًّا، كلها تستخدم بشكل عشوائي وبطرق غير مقننة في ظل جهل المزارعين الذين لا يتقيدون -عادة- بشروط الأمن والسلامة، في مقابل غياب الدور الرقابي من قبل الجهات المعنية، ما تسبّب بأضرار بالغة على التربة وعلى صحة الإنسان، تمثلت بالانتشار المرعب لأمراض السرطان خلال العقود الأخيرة. 

المزارِع عاصم المنتصر، من منطقة بني حشيش في محافظة صنعاء، يتحدث لـ"خيوط"، قائلًا: "أرشّ المحاصيل بالطرق التقليدية المعروفة والمتداولة بين جميع المزارعين، دون التقيد بالإرشادات الموضحة على أغلفة المبيدات".

ويضيف: "بعد نضوج المحاصيل واقتراب مرحلة الجني، نقوم برشها بالمبيدات المخلوطة مع الماء، ونتركها مدة 10 أيام إلى 15 يومًا، ثم نبدأ بالحصاد".

قنينات المبيدات الفارغة بعد الاستخدام

سلاح ذو حدين

يؤكد عبدالرحمن ثابت، أستاذ سُمِّية المبيدات وتلوث البيئة في كلية الزراعة بصنعاء، أنّ استخدام المبيدات الزراعية سلاح ذو حدين، ومن ثمّ لا بدّ من توخي الحذر أثناء استخدامها وبالكميات التي لا تسبب أذى للتربة أو للمحصول، وبما يحقّق العائد الاقتصادي المرجو.

لكن أمية المزارع التي لا تدرك خطورة وعواقب الاستخدام العشوائي للمبيدات، وأخذ الاحتياطات والاحترازات المفترض التقيد بها أثناء الرش، إلى جانب عدم المعرفة الدقيقة بمواعيد الرش والأنواع المفترض استخدامها طبقًا لأنواع الآفات المختلفة، وعدم التقيد بفترات التحريم المطلوبة التي عادة ما تكون موجودة على هيئة نشرة ملصقة على عبوة كل نوع من المبيدات- كل هذه التجاوزات تسببت بأضرار بالغة على التربة والمحاصيل، والأخطر هو آثارها على الصحة العامة، في ظل عجز شبه كامل يعاني منه القطاع الصحي في البلاد.

هناك دول لا تخضع عمليات استيراد المبيدات منها للرقابة، مثل الصين وألمانيا وإسبانيا وتركيا ومصر والأردن؛ لذا يتم جلبها من هذه البلدان دون شروط، بل يتم تهريب العديد من الأنواع، من هذه الدول؛ نظرًا لإقبال المزارعين على الأنواع الرخيصة وسريعة المفعول.

ضعف الرقابة

في سياق متصل، يتحدث لـ"خيوط" بسام القحوم، أحد مستوردي المبيدات الزراعية، قائلًا: "هناك دول لا تخضع عمليات استيراد المبيدات منها للرقابة، مثل: الصين وألمانيا وإسبانيا وتركيا ومصر والأردن؛ لذا يتم استيراد المبيدات من هذه البلدان دون شروط، بل يتم تهريب العديد من الأنواع من هذه الدول؛ نظرًا لإقبال المزارعين على الأنواع الرخيصة وسريعة المفعول".

ويضيف القحوم: "في السابق، كنت أستورد من الصين، ملتزمًا بعدم استيراد المبيدات الممنوعة، لكن الحال تغير منذ 2019، حيث فرضت علينا وزارة الزراعة الاستيرادَ من الشركات المصنعة نفسها، ولذلك بت أستورد من الأردن وتركيا ومصر". 

تجدر الإشارة إلى أنّ عدد أنواع المبيدات الزراعية المصرح بها بلغ 2778 اسمًا تجاريًّا، بحسب إدارة وقاية النبات التابعة لوزارة الزراعة، وهو رقم كبير مقارنة بعدد الآفات الزراعية المنتشرة في البلاد، وموسمية الأمطار بتقدير خبراء كثر.

أحد أنواع المبيدات على شكل حبيات في كيس

فيما يعزي خبراء وأكاديميون في البيئة أسبابَ الانتشار الكبير للمبيدات المهربة، إلى تجاهل الجهات المعنية تطبيقَ القانون وتعليمات اللائحة الخاصة بتداول المبيدات، إضافة إلى منح تصاريح التداول والاستيراد دون ضوابط ودون التحقق من بيانات ومكونات العينات المستوردة، حيث تشابهت الأسماء وتعددت تركيزات المبيدات ومكرراتها في السنوات الأخيرة، محدثة مخاطر جسيمة للمستهلك، وتلوث عام للبيئة الزراعية اليمنية، ومتسببة بظهور أمراض وكوارث صحية وبيئية لم يسبق لها مثيل في البلاد من قبل.

وبحسب دراسة أجرتها كلية الزراعة بجامعة صنعاء، فإن 80% من المبيدات المستوردة والمهربة تذهب لرش شجرة القات؛ الشجرة التي يمضغ وريقاتها غالبية اليمنيين بشكل يوميّ.

ثابت أكّد أنّ هذا الإفراط والعشوائية في استخدام المبيدات -تحديدًا- على شجرة القات يؤدي إلى ما يسمى بـ(السمّية الحادة)، وتظهر أعراضها على شكل غثيان، مغص، قيء، وإسهال بعد 48 ساعة، والأخطر منها السُّمّية المزمنة، التي تنتج بسبب تراكم المبيدات في الجسم، والتي تظهر بعد سنة أو أكثر على شكل تشوهات في الأجنة.

ويؤكد الدكتور ثابت، وجودَ علاقة وطيدة بين تفشي أمراض السرطان ومضغ القات، مبينًا أن عدد المبيدات التي تستخدم على شجرة القات في الوقت الحالي بلغ 105 أسماء تجارية، تقع تحت 27 مادة فعّالة، صنّفت بأنها من المحتمل أن تسبب السرطان.

كيس مبيدات مفتوح بعد الاستخدام العشوائي

مبيدات ضارة

في السياق، تحدثت لـ"خيوط"، نسيم العبسي، نائب مدير وحدة لوكيميا مستشفى الكويت بصنعاء، قائلة: "تصل إلى وحدة سرطانات دم الأطفال في المستشفى، حالاتٌ حرجة تمثل كل أنواع سرطانات الدم الحادة والمزمنة، التي تصيب الأطفال من عمر (1 - 10) سنوات، من معظم المحافظات اليمنية".

مضيفًا أنّ "من أسباب انتشار الأمراض السرطانية في اليمن، الاستخدامُ المفرط للمبيدات الحشرية في الأنواع المختلفة للخضار والفواكه المستهلكة بشكل يوميّ، علاوة على تلك المستخدمة في رش القات، حيث يؤدّي الاستخدام العشوائي للمبيدات الحشرية بشكل عشوائي وبكميات كبيرة دون رقابة من الجهات المختصة، إلى انتشار السرطانات بصورة يصعب السيطرة عليها، وهذا ما يمكن لمسه من خلال انتشار السرطانات -تحديدًا- في المناطق الزراعية، مثل محافظة صعدة والحديدة وإب".

ويتابع: "لا بُدّ من إصدار تشريع يمنع استخدام المبيدات الكيميائية على أشجار القات، وربط منح تراخيص الاستيراد بضوابط علمية تستطيع أن تتعامل مع المبيدات الحشرية من منطلق وقائي للنباتات، وليس لاعتبارات تعجيل النمو وتسريع النضج، وهذا بدوره يتطلب خبراء مرتبطين بجهات الاستيراد هذه". 

إلى جانب ضرورة الالتزام بالخطوط الإرشادية لوكالة حماية البيئة الأمريكية (USEPA)، وقوائم الوكالة الدولية لبحوث السرطان (IARC)، وقوائم الجهات المعنية بتقدير مخاطر المبيدات السرطانية كقاعدة لتسجيل مبيدات الآفات للتداول في الجمهورية اليمنية من عدمه، وتصميم وتنفيذ برامج إرشادية تتعلق بكيفية التعامل الآمن مع المبيدات الكيميائية، سواء أثناء التطبيق أو التخزين أو التخلص من نفاياتها.

إضافة إلى الاهتمام بالإرشاد الزراعي وزيادة فعاليته، وتعزيز الثقة والاتصال بين القائمين بالعمل الإرشادي والمزارعين، ومن ثم تعزيز الصلة بين مراكز البحوث الزراعية وأجهزة العمل الإرشادي، بحيث يتم تحديد نوع المبيد المناسب للمكافحة، لتحقيق أفضل النتائج بأقل الأضرار.

إلى جانب تخصيص برامج دورية في وسائل الإعلام المختلفة، لتعريف المزارعين بأخطار هذه المواد وسلامة التعامل معها، وتوعية المزارعين بأهمية إجراء كشف صحي دوري على العاملين بالمزارع، وخاصة مستخدمي المبيدات فيها.

وعن مخاطر المبيدات الحشرية الكيميائية، يؤكد يوسف المخرفي، أستاذ البيئة والتنمية المستدامة في جامعة 21 سبتمبر، في حديث لـ"خيوط"، أنّ المبيدات الحشرية تندرج ضمن المواد الخطرة، منوهًا إلى أنّ عشوائية تسويق المبيدات والأسمدة والاتجار بها، وحرية المزارع غير المقيدة في الحصول عليها، ظاهرة خطيرة ذات آثار وخيمة في جميع مراحل التعامل مع المبيدات والسمّيات، وأنّ استمرار الوضع القائم سوف يشكّل تهديدًا على الحياة بكل مقوماتها البشرية والنباتية والحيوانية وعلى البيئة بكل عناصرها وموجوداتها من تلوثٍ للهواء والمياه والتربة.

•••
الحسين اليزيدي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English