السياسي والإعلامي والدبلوماسي محمد عبدالقوي

رجل الدولة في محنة المثقف العضوي
نجيب مقبل
May 27, 2022

السياسي والإعلامي والدبلوماسي محمد عبدالقوي

رجل الدولة في محنة المثقف العضوي
نجيب مقبل
May 27, 2022

 الأستاذ محمد عبدالقوي واحد من رجالات الدولة التي عاصرت الشأن الثقافي والأدبي والسياسي والدبلوماسي في عهدي دولة الجنوب (جمهورية اليمن الجنوبية - الديمقراطية الشعبية)، ودولة الوحدة (الجمهورية اليمنية).

وهو شخصية سياسية جمعت بين دفتيها الثقافي والإعلامي، وخاض معترك التوفيق بين السياسي والثقافي، وكرس جل نشاطه الدبلوماسي، سواء كسفير في بيروت في العام (1976) أو كسفير لليمن في المنظمة العربية للتربية الثقافة والعلوم -الألسكو في تونس- (2001- 2008) في تطوير العلاقات الثقافية والإعلامية مع الخارج العربي والعالمي.

كما كانت له بصمات في تطوير العمل الصحفي في صحيفة (14 أكتوبر) على وجه الخصوص، حيث عمل على المساهمة في جلب مطابع الجوس، واستجلاب خبراء عرب من المخرجين والطباعين ليعمل على تأهيل الكادر الوطني.

كما ساهم في التواصل والاتفاق مع دُور النشر العربية في بيروت، وكانت سببًا في نهضة طباعة الكتاب الوطني منذ السبعينيات.

وهنالك الكثير من المنجزات والتطورات في عالم الصحافة الوطنية والثقافة والأدب التي استغل فيه منصبه الدبلوماسي لصالح العمل الثقافي والإعلامي في عدن.

ويمكن لنا أن نقيّم موقع الأستاذ محمد عبدالقوي تنظيميًّا وفكريًّا في مراحله الأولى أنه كان يتناءى شيئًا فشيئًا عن الجمود والديموغوجيا القومية التي كان ينتهجها التنظيم السياسي- الجبهة القومية كحركة نابعة من حركة القوميين العرب، ويقترب أكثر فأكثر في السلوك والممارسة كواحد من شباب النخبة المثقفة التي كان يمثل تيارها فصيلا العمل الوطني آنذاك، (اتحاد الشعب الديمقراطي) ورائده السياسي والمفكر عبدالله باذيب وأخوه علي باذيب، وحزب الطليعة الشعبي، باعتبار أنهما يضمان نخبة من المثقفين كان لهم شأن في إدارة العمل الثقافي والإعلامي في اليمن الديمقراطية.

تمسك الأستاذ عبدالقوي بذاتيته المنفردة كرجل دولة من طراز السياسيين والإعلاميين التنويريين الذين يستشرفون المستقبل بطموحاته وآماله، ولا يعيقهم عن هذا الاستشراق ماضٍ ملطخ بالدم أو صراعات لا متناهية في حروب بينية لا تنتج إلا خرابًا وتعطيلًا للمشاريع الوطنية الكبرى

ولذلك فإن الأستاذ محمد عبدالقوي على الرغم من عضويته القيادية في التنظيم السياسي- الجبهة القومية واللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني، وهما موقعان حزبيان إلا أنه ومن خلال ممارسته في قيادة الثقافة والإعلام وفي العمل الدبلوماسي كان ينحو إلى أن يكون رجل دولة متجاوزًا كونه شخصية حزبية، فقد كانت توجهاته العملية تنحو في منهجها وآلياتها إلى الأسلوب التكنوقراطي المنفتح على مختلف الاتجاهات الوطنية من دون أي التزام حزبي، كما كان سائدًا يومها. 

ومن يعرف الأستاذ محمد عبدالقوي بوجهه البشوش والهادئ، متفقدًا موظفيه في صحيفة (14 أكتوبر) أو في وزارة الإعلام يرى فيه ذلك المسؤول الإداري المتواضع والإنساني في المعاملة، لا يتكئ فيه إلى أي تعزيز تنظيمي أو حزبي كحامل لشخصيته. 

ولذا غلبت على حياته العملية تسنم قيادة وظائف عليا في الدولة أكثر من تسنم وظائف تنظيمية في الحزب. ومن هنا كان اشتغاله الدائم كرجل دولة سياسيًّا وإداريًّا ووظيفيًّا في الإعلام والصحافة وفي المجال الدبلوماسي.

وهذا هو ما دفع توجهه السياسي والإداري لاحقًا إلى تبني أفكار وتجارب تعبر عن رؤية انفتاحية غير مغلقة أو دوغمائية لطالما كانت سائدة في كثير من السياسيين في الحزب والدولة.

بين محنتين.. والخيار واحد

مر الأستاذ محمد عبدالقوي بمنعطفات تاريخية حاسمة واستثنائية في دولة الجنوب، جعلت من هذا الرجل المسالم صاحب الرؤية العقلانية المتسمة بروح الانفتاح ومجابهة الممارسات التي كانت توصف بالمراهقة السياسية لدى عدد من قادة التنظيم ثم الحزب، في إحدى مراحله العاصفة، ونقصد بها مجزرة 13 يناير 1986م المشؤومة، شخصية سياسية معرضة لحكم الإعدام أثناء المحاكمة السياسية لما عرف بمحاكمة (الزمرة)، وانتهت به إلى السجن لأكثر من ثلاث سنوات، في تهم سياسية باطلة وملفقة وجهت إليه زورًا باعتباره وزيرًا للإعلام ووصمته بالمشاركة في بث البيان رقم (1) لصالح أنصار الرئيس علي ناصر محمد.

ولم يكن الوزير عبدالقوي سوى وزير تكنوقراطي في الدولة، غير بعيد عن مركز القرار الإعلامي الرئاسي الذي كان يدار من مكتب الرئيس علي ناصر محمد، وهو من قاد المعركة الإعلامية في أيام الحرب وكتب وبث هذا البيان.

ولم تشفع للأستاذ عبدالقوي توجهاته المعتدلة ورسم سياسة إعلامية حيادية إلا إن تجعله الأحداث المتسارعة في أحد الاصطفافات التي كانت تتصاعد وتيرتها، بينما هو بريء من الانتماء لأي منهما.

لم يكن عبدالقوي حينها كوزير للإعلام في عدن في فترة الثمانينيات مندمجًا مع أي من الطرفين المتنازعين (زمرة أو طغمة)، بل كان منغمسًا في خياراته الاعتدالية والذاهبة إلى المستقبل، فكان من رجال الدولة الشديدي الحماس للانفتاح السياسي مع دول الجوار التي شهدتها عدن في الثمانينيات، وكان من المطالبين بمغادرة مرحلة الشعارات الرنانة الدوغمائية إلى مرحلة الواقعية السياسية، وفتح أبواب التعددية الثقافية والصحافية، وتقليص دور قبضة السياسي (الحزب) على مفاصل الحياة في الدولة والمجتمع وعلى أشكال الإعلام والصحافة والثقافة والأدب والفن.

كان عبدالقوي واحدًا من راسمي سياسة الثمانينيات في مجالها الإعلامي، تحديدًا بحكم خبرته في الاتصال بأدباء وكتاب وصحفيين وسياسيين عرب في بيروت وأجانب في العالم، وشغله مناصب في منظمات دولية.

ولذلك فإن دوره الانفتاحي جعلت منه شبهة لكي يصنف مع أحد طرفي النزاع -عنوة ودون تمييز- بسبب من تقييم قاصر لدوره كوزير للإعلام في الدولة ولا ناقة له في الصراع السياسي القبلي الذي تحول إلى اصطناع دموي.

عبدالقوي لم يكن من همه ما جرى من تجييش قبل حرب 1986 لصالح هذا الطرف أو ذاك، بل كان همه أن يلتقي مع ما يشكل انتقالًا من مرحلة التشدد السياسي المؤدلج إلى مرحلة الانفتاح السياسي والاقتصادي والثقافي والإعلامي وفي كل مناحي الحياة، تماشيًا مع نظرته الاستشرافية إلى المتغيرات الإقليمية والدولية وانعكاساتها على الداخل، ومحاولة إيجاد مخرج من المأزق السياسي الذي كانت تعاني منه السلطة السياسية ممثلة بالحزب الاشتراكي اليمني آنذاك.

ولم يكن -مطلقًا- ليضع قبيلته التي ينتمي إليها ومسقط رأسه -كيافعي مثلًا- أي معيار في ميزان خياراته السياسية، بل كان ابن التحضر والمدنية وسيادة القانون. وهذا ما لم يفهمه المتقدمون والمتأخرون من قادة طرفي النزاع.

بدا هذا تعبير عن محنة المثقف والسياسي العضوي العربي في مجتمعاته النامية، المليئة بالنتوءات القبلية والعشائرية والدورة الخلدونية المغلقة في تشكيل نظام الحكم من خلال دورات عنف لا تنتهي، ولا تعترف بالسلطة كوظيفة اجتماعية يحكمها عقد اجتماعي منظم لكيفية استلام السلطة أو التخلي عنها، ويقود ذلك التحول مؤسسات مدنية ترضخ لسيادة القانون لا غير.

لقد ترك هذا الحدث المؤلم ومعاناة السجن والخروج من مشنقة الموت الذي كاد يودي بحياته في هذا المنعطف الخطير- وسمًا مؤثرًا أثر في حياته، لكنها لم تؤثر في توجهاته وخياراته الاعتدالية والانفتاحية، وفي ممارساته وسلوكياته في إدارة الشأن العام، وخاصة أثناء تحمله بعد الوحدة منصب رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون بصنعاء.

لكنه من جديد يتعرض لامتحان وتحدٍّ يواجهان خياراته الاعتدالية والانفتاحية وروحه التسامحية التي أمن بها ومارسها في حياته الخاصة والعامة، وفي مقدمة هذه الخيارات رفضه للعنف والحرب بكافة أشكالها وخاصة بين أخوة الدم.

لكن القدر جاء هذه المرة ليجعله من جديد في فوهة المدفع في حرب 1994م، حين طلبت منه القيادة السياسية العليا في صنعاء أن يكون ضمن بوقة التهليل والمباركة العمياء لهذه الحرب، وأن يعلن عن موقفه السياسي المؤيد والواضح التأييد لهذه الحرب سواء في برقيات تأييد أو تصريحات صحفية تعطي مشروعية لهذه الحرب، ومشاركة سياسية ذات مغزى لجنوبي اكتوى من آثار 13 يناير وإعطاء صك ضمان لمقاتلة إخوته في الجنوب الذين كان واحدًا من قياداته السياسية والإعلامية والثقافية والدبلوماسية، لا لشيء إلا لأنه جنوبي من طرف الزمرة، كما كان يصنف، وفيهم من قاتل إلى جانب القوى الشمالية رغبة في الانتقام لما حدث لهم من تشريد في 13 يناير، مطالبين إياه -عبدالقوي- أن ينتقم ممكن حاكموه في عدن! لكنه رفض هذا الأمر من أساسه!

ومرة أخرى يختار الأستاذ محمد عبدالقوي أن يكون عونًا على إخوته في الجنوب، ورفض أن يدلي بأية تصريحات مؤيدة للحرب وقادتها، وفي ظني أن هنالك أسبابًا لهذا الاختيار الصعب الذي سلكه الأستاذ عبدالقوي، أوجزها بالتالي:

- التزامه الأخلاقي المطلق بمناهضة الحرب -أي حرب كانت- كأسلوب في ممارسة السياسة عمومًا.

- إنه كرجل دولة مسالم وتنويري في العمل السياسي والإعلامي يعتبر أن الحرب ليست من أدواته في الممارسة الحياتية والعملية، باعتبارها أداة تدمير وليست أداة للإعمار والتآخي الوطني.

- عدم إيمانه المطلق بمبدأ الانتقام، ورد الخطأ بخطأ أكبر، وانحيازه التام للتسامح والتصالح مع إخوته الذين أساؤوا إليه بالأمس، وإنه لن ينجرّ إلى مستنقع الثأرية السياسية قصيرة النظر وحشية المآل.

- التزامه الأخوي بأن هذه الحرب (1994) تجري ضد إخوة ورفاق له كانوا معه في مرحلة ما من دولة الجنوب، وفي أرض عاش وانتمى إليها، فليس هناك منتصر أو مغلوب في هذه الحرب.

هذه أسباب أظن هي ما جعلته يرفض القيام بأي فعل أو قول يؤيد خوض هذه الحرب، وأظن أيضًا أن قادة الحرب السياسيين والعسكريين شماليين أو جنوبيين اعتبروا صمته وعدم خوضه شخصيًّا معركة إعلامية في أتون هذه الحرب، كما فعل سياسيون جنوبيون من (الزمرة) كالسياسي الفصيح عبدالقادر باجمال الذي صال وجال في تصريحات مؤيدة للحرب ضد الجنوب وحزبه (الحزب الاشتراكي)، رافعًا في غمرة اجتياح الجنوب قائد هذه الحرب إلى مرتبة الزعامة المتألهة!

وهنا مرة أخرى يدفع الأستاذ محمد عبدالقوي ثمن خياراته الاعتدالية وصمته عن التفوه بكلمة لصالح أي طرف في الحرب، ليكون الثمن الغالي في هذه المحنة هو إقصاؤه من منصبه في رئاسة المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون، ويصبح ضمنيًّا ومن دون تصريح معلن من كوادر (خليك في البيت) في صنعاء قلب عاصمة الزعيم المنتصر، وليس مع كوادر عدن والجنوب المغلوب على أمرهم وقد سرحوا من أعمالهم ومن مراتبهم العسكرية وصاروا معه من أصحاب (خليك في البيت).

ولولا تدخل قيادات جنوبية ومبادرة من أصدقاء شماليين شرفاء، وبعد لَأْيٍ ومما طلة استمرت سبع سنوات، تنجح المحاولة في تعيينه سفيرًا لبلادنا في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم العربية (الألسكو) في تونس حتى نهاية خدمته فيها عام 2008.

وبين هاتين المحنتين (1986 - 1994)، تمسك الأستاذ عبدالقوي بذاتيته المنفردة كرجل دولة من طراز السياسيين والإعلاميين التنويريين الذين يستشرفون المستقبل بطموحاته وآماله، ولا يعيقهم عن هذا الاستشراق ماضٍ ملطخ بالدم أو صراعات لا متناهية في حروب بينية لا تنتج إلا خرابًا وتعطيلًا للمشاريع الوطنية الكبرى.

سطور من حياة حافلة

الأستاذ محمد عبدالقوي كما أوضحنا سلفًا، أحد رجالات الدولة في جمهورية اليمن -الجنوبية- الديمقراطية الشعبية سابقًا، وهو السياسي والدبلوماسي الذي شغل عددًا من الوظائف العليا في دولة (اليمن الديمقراطية)، وعلى رأسها وزيرًا للإعلام وسفيرًا في لبنان، ورئيسـًا للجنة الدولة للإعلام ورئيسـًا لمجلس إدارة مؤسسة 14 أكتوبر، ورئيسـًا لمجلس إدارة المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون بصنعاء، وممثلًا لليمن في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألسكو).

وهو حاصل على وسام الاستقلال الوطني 30 نوفمبر. والأستاذ محمد عبدالقوي، واسمه الكامل محمد علي عبدالقوي بن سند الجرادي، من مواليد عام 1946، في إحدى قرى يافع وتدعى (سلفة) محافظة لحج، متزوج وأب لولدين.

درس المرحلتين الابتدائية والمتوسطة بمدينة جعار بأبين ودرس بكلية الاتحاد في عدن لمدة أربع سنوات، ثم درس العلوم السياسية بالصين، وأكملها بعد الاستقلال الوطني بمعهد العلوم الاجتماعية في عدن.

وقد التحق بحركة القوميين العرب عام 1963، والتي شكّلت هذه الحركة مع عدد من التنظيمات والتشكيلات السياسية والوطنية الأخرى الجبهة القومية فيما بعد.

ولعب دورًا قياديًّا في الاتحاد الوطني لطلبة اليمن قبل الاستقلال الوطني، وشارك في العمل الإعلامي والثقافي في صفوف الجبهة القومية قبل الاستقلال، وبعد الاستقلال كان عضوًا في هيئة تحرير صحيفة (الثوري).

وتعين عضوًا في القيادة العامة للجبهة القومية؛ إلا أنَّه في المؤتمر الخامس للجبهة القومية عام 1972م، لم يتم انتخابه عضوًا في اللجنة المركزية للجبهة القومية التي حلت بديلًا عن القيادة العامة، نتيجة موقف الجناح المتشدد في الجبهة القومية منه، كونه من العناصر التي سعت إلى تحسين الصلة والعَلاقات مع اتحاد الشعب وحزب الطليعة الشعبية، لا سيما عندما كللت مساعيه بنتائج إيجابية لدى ترؤسه للجنة قيام منظمة موحدة لشباب اليمن الديمقراطية والمكونة منه عن الجبهة القومية، وعبدالرحمن خبارة عن اتحاد الشعب، وناجي بريك عن حزب الطليعة الشعبية، حيث أوصت هذه اللجنة بقيام اتحاد شباب اليمني الديمقراطية (أشيد)، ووضعت أسباب وأهداف ونشاطات تلك المنظمة، والتي رأت النور قبل قيام التنظيم السياسي الموحد الجبهة القومية بأكثر من سنتين.

وفي عام 1970م، تعين مديرًا للثقافة والإرشاد، وبعد استحداث وزارة الثقافة والسياحة تعين في ديسمبر 1971م، وكيلًا لوزارة الثقافة والسياحة، وساهم في معاونة الأستاذ عبدالله عبدالرزاق باذيب الذي تولى منصب وزير الثقافة والسياحة حينها، في النهوض بالحركة الثقافية والسياحية، حيث تمَّ افتتاح العديد من المراكز الثقافية في عواصم ومدن المحافظات المختلفة، وتكوَّنت العديد من فرق الفنون الشعبية، ومنها الفرقة الوطنية للفنون الشعبية وفرق للمسرح والموسيقى والإنشاد والأكروبات وإنشاء أول معهد للفنون الجميلة ومبنى المسرح الوطني وقاعة دائمة لمعارض الكتب والفنون التشكيلية والصور الفوتوغرافية وقاعة المرسم الحر، والمكتبة الوطنية في كريتر ومتحف العادات والتقاليد بصهاريج عدن وإنشاء المركز اليمني للبحوث الثقافية والآثار والمتاحف، وعقد تحت إشراف المركز أول مؤتمر دولي بعدن عن الحضارة اليمنية والذي شاركت به شخصيات عالمية من المستشرقين وعلماء الآثار والنقوش اليمنية من عدة دول.

وأصدر المؤتمر من بين ما أصدر مدونة موحدة للنقوش والآثار اليمنية. وتأسست في عهده عام 1972م، المؤسسة العامة للسينما، والتي كانت تستورد الأفلام وتشرف على دور السينما، وأنتجت مجموعة من الأفلام القصيرة والأفلام الوثائقية، وفي العام نفسه تأسست المؤسسة العامة للسياحة، والتي تولت مهام الترويج السياحي والدعاية السياحية وأصدرت أول كتاب مصور ملون عن السياحة في اليمن الديمقراطية وطبع في فرنسا بأكثر من لغة، وتم أول مسح سياحي لمواقع الجذب والنشاط السياحي في البلاد.

السياسي والإعلامي والدبلوماسي محمد عبدالقوي

وخلال تلك الفترة، تم إرسال العديد من الكوادر للدراسة والدورات التدريبية في مجالات الثقافة والفنون، وشاركت العديد من الشخصيات الثقافية والفنية والأدبية وفرق الفنون الشعبية في المهرجانات والزيارات للعديد من البلدان في الخارج، وكذلك استقبال العديد من الخبرات العربية والأجنبية في مجالات الآثار والثقافة والفنون والسياحة والمخطوطات والتي أسهمت في تقديم معارفها وخبراتها وتبادل المعلومات والمعارف معها، بالإضافة إلى ما نظمته الوزارة من احتفالات لأيام وأسابيع ثقافية وفنية أجنبية. وتمَّ إعادة إصدار مجلة (الثقافة الجديدة) وطباعة الكتب لكثيرٍ من الأدباء والكتاب في الخارج والداخل.

وكان الأستاذ عبدالقوي عضوًا في الهيئة الرئاسية للمجلس اليمني للسلم والتضامن والصداقة مع الشعوب، وحاصلًا على وسام مجلس الدولة من جمهورية بلغاريا نظير نشاطه في المجلس.

وفي ديسمبر 1976، عُيِّن سفيرًا في وزارة الخارجية وسفيرًا في لبنان وسفيرًا غير مقيم في سورية، ولعب من خلال منصبه الجديد في تمتين وتطوير أواصر العلاقات بين هذين البلدين واليمن الديمقراطية على مختلف الأصعدة وساهم في إقامة العلاقات مع سائر فصائل الحركة الوطنية الفلسطينية والأحزاب الوطنية اللبنانية وتطوير العلاقة مع منظمة التحرير الفلسطينية ورئيسها المناضل الشهيد ياسر عرفات.

وقد أرسل العديد من الصحفيين العرب وبعثات تلفزيونية وسينمائية إلى عدن، واستقبلت السفارة كوادر وطنية للتدريب في مجالي الصحافة والسينما.

وأصدرت السفارة كتابـًا عن الذكرى العاشرة للاستقلال الوطني، وأشرفت على طباعة الكتب، ومنها مؤلفات المفكر والسياسي والثقافي البارز عبدالله عبدالرزاق باذيب.

وكان لليمن الديمقراطية أثناء فترة توليه سفيرًا لها في بيروت في هذه الفترة الحساسة في لبنان، مساهمة بيّنة وملموسة في الحفاظ على الأمن والسلام والاستقرار في لبنان بعد الحرب الأهلية، حيث شاركت بكتيبة من اليمن الديمقراطية لمدة ثلاث سنوات، ضمن بقية قوات الردع العربية – حينذاك.

وكان السفير محمد عبدالقوي يقوم بزيارات ولقاءات مع قادة وأفراد تلك الكتيبة التي حظيت بسمعة جيدة في أوساط الشعب اللبناني. وبعد انتهاء مهمته كسفير لدى لبنان في عام 1979م، منحه رئيس جمهورية لبنان الأسبق إلياس سركيس، وسامَ (الأرز الأكبر).

وفي نهاية عام 1979، عُيـِّن نائبـًا لوزير الثقافة والسياحة مواصلًا مشواره السابق بالوزارة، ولم يدم عمله طويلًا بالوزارة، حيث عُين في عام 1980م رئيسًـا لمجلس إدارة مؤسسة 14 أكتوبر للطباعة والنشر والتوزيع ورئيسًا لتحرير صحيفة (14 أكتوبر) اليومية.

وعمل في الإشراف على تطوير الأداء الصحفي والمطبعي للصحيفة؛ إذ تم إدخال آلة الطباعة (الجوس) الحديثة التي أوجدت نقلة في الطباعة بالألوان، وتمكنت الصحيفة من زيادة عدد صفحاتها اليومية، وتحولها من صفحات التابلويد إلى الصفحات الكبيرة وطباعة الملاحق الثقافية والرياضية والاقتصادية الأسبوعية، وتوسعت رقعة توزيعها وارتباطها بالقراء، وفي المؤتمر العام لمنظمة الصحفيين انتُخب أمينًا عامًّا للمنظمة.

وعلى إثر إلغاء وزارة الإعلام وتشكيل لجنة الدولة للإعلام عُين رئيسًا للجنة الدولة للإعلام، عضوًا بمجلس الوزراء، وخلال عهده جرت النقلة النوعية للبث التلفزيوني من الأبيض والأسود إلى البث الملون، وركبت أجهزة تشغيل حديثة في الاستديوهات ومركز البث والميكروويف ومحطة الإرسال في الجبال المحيطة بعدن وجبل ثرة بمكيراس وجبل جحاف بالضالع لتوسيع رقعة ودائرة الإرسال التلفزيوني، وخلال تلك الفترة تم أول نقل تلفزيوني حي بمهرجانات واحتفالات ومباريات رياضية بواسطة عربتي نقل جديدتين، وتحسنت نشرة الأخبار والبرامج التلفزيونية والإنتاج والإخراج التلفزيوني.

وفي المجال الإذاعي، تم توسيع مدى البث الإذاعي وإدخال أجهزة إذاعية جديدة في الاستديوهات وفي الإرسال وتطور الأداء الإذاعي لنشرات الأخبار والمتابعات الإخبارية والبرامج والتمثيليات الإذاعية والدراما الإذاعية.

وتأسس أول معهد للإعلام لتدريب وتأهيل الكوادر الإعلامية الصحفية، وخاصة الإذاعية والتلفزيونية.

وكان لوكالة أنباء عدن نصيبها من التطور في جمع ونشر الأخبار وإصدار نشرات وتقارير إخبارية متتابعة وسريعة، حيث امتد نشاط التغطيات الخبرية إلى جميع المحافظات والمديريات من خلال مراسليها.

كما تأسس في هذه الفترة دار (الهمداني) للطباعة والنشر تحت إدارة الشهيد أحمد سالم الحنكي المدير العام للدار، حيث أسهم في رفد المكتبات ومعارض الكتب بمختلف الإصدارات والمطبوعات والملصقات والصور والمجلات والصحف والكتب. في فبراير من عام 1985م، عُيـِّن محمد عبدالقوي وزيرًا للإعلام، وواصل مهامه السابقة في مجال الإعلام.

وفي المؤتمر العام للحزب الاشتراكي الذي انعقد في أكتوبر 1985، انتُخب عضوًا في اللجنة المركزية للحزب، ولكن أحداث 13 يناير 1986، المشؤومة وما تبعها من سياسة التطرف والاستهداف زج به في المعتقل لثلاث سنوات ونصف السنة بعد المحاكمة الشهيرة لعناصر موالية للرئيس علي ناصر محمد الذي أُطيح به في تلك الأحداث، دون ذكر سبب أو مشاركة شخصية له في تلك الأحداث المؤسفة، سوى الانتقام وقمع الرأي الآخر والرأي المستقل كما يصنفها، وطالت هجمة الاستهداف بشدة وقسوة على إثر تلك الأحداث لتزهق أرواح كوكبة من أصحاب الخبرات والكفاءات الإعلامية المجربة والقيادات الإعلامية البارزة والمقتدرة وشردت البعض من تلك الكوادر وزجت بالبعض في السجون والمعتقلات.

يشير الأستاذ محمد عبدالقوي، من واقع قيادته للإعلام والثقافة في مختلف المراحل، إلى حقيقة تأملها بالقول: "إنّ الحقلين متلازمان ومتقاربان وبينهما قواسم مشتركة ويكمل بعضهما الآخر، لا سيما أن تلك الوسائل والأجهزة للأنشطة الإعلامية والثقافية كانت تحت سلطة وسيطرة الدولة".

وفي عام 1990م، عُيـِّن رئيسًا لمجلس إدارة المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون بصنعاء، وعمل مع أعضاء مجلس الإدارة ومديري الإذاعات والقناتين التلفزيونيتين في صنعاء وعدن، على تطوير العمل الإذاعي والتلفزيوني أداءً وإنتاجـًا وإرسالًا، وسعت المؤسسة إلى استخراج الموافقة من الدولة على السماح للمواطنين بتركيب أطباق استقبال بث القنوات الفضائية العربية والأجنبية، وكذلك بث قناتي صنعاء وعدن وإذاعتي صنعاء وعدن على الأقمار الصناعية واستئجار قناة غزيرة الإشعاع متعددة الباقات.

ولكن معارضته لسياسة حرب صيف عام 1994م، الإعلامية أدّت إلى إقصائه من منصبه من قبل سلطات صنعاء، ولم يباشر أي عمل أو تسند إليه أية مهام طيلة ست سنوات كاملة من التهميش.

وفي عام 2001م، عُين مندوبـًا دائمـًا لليمن لدى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) بتونس، وأسهم في متابعة برامج وأنشطة ثقافية وعلمية وتربوية أقامتها المنظمة في اليمن، ومشاركة يمنية في أنشطة وبرامج للمنظمة في الخارج بدول عربية وأجنبية، ومنها المشاركة في المعرض الدولي للكتاب بفرانكفورت بألمانيا، والذي صادف انعقاده خلال فعاليات صنعاء عاصمة للثقافة العربية لعام 2004م، والتي رعتها منظمة الألكسو، وأتاح ذلك مشاركة أدباء وفنانين وكتاب وفرقة للفنون الشعبية بفعاليات المعرض، بالإضافة إلى مشاركة اليمن بجناح للكتب واللوحات الفنية والعادات والتقاليد والصناعات اليدوية الفنية الحرفية في معرض فرانكفورت الدولي ولمدة أسبوع واحد.

وبعد انتهاء مهمته بالمنظمة العربية والثقافة والعلوم (الألسكو) بتونس في نهاية عام 2008م، لم يتم تعيينه في أي موقع أو منصب آخر، وظل مستقلًا برأيه معتمدًا بما قدمه لوطنه وشعبه.

قطوف من آرائه حول الإعلام والثقافة 

يشير الأستاذ محمد عبدالقوي من واقع قيادته للإعلام الثقافة في مختلف المراحل إلى حقيقة تأملها بالقول: "إن الحقلين متلازمان ومتقاربان وبينهما قواسم مشتركة ويكمل بعضهما الآخر، لا سيما أن تلك الوسائل والأجهزة للأنشطة الإعلامية والثقافية كانت تحت سلطة وسيطرة الدولة، فإذا نظرنا إلى مجال الإبداع الأدبي كالشعر والقصة والرواية والنثر أو مجال الإبداع الفني كرسم اللوحات الفنية أو الموسيقى أو المسرح أو السينما إلخ، فهذه الأنشطة حقلها الإنتاجي الثقافة، ولكن نشرها ونقلها وعرضها واستقبالها إلى جانب صالات ومسارح الثقافة تقوم به كذلك وسائل الإعلام من إذاعة وتلفزيون وصحافة، وهذه قيمة مشتركة مع الوسائل الإعلامية التي تصنع وتنتج الإبداعات الثقافية والأدبية والفنية، وذلك من خلال مؤلفين وكتاب ومعدين ومقدمين ومخرجين ونقاد أو صحفيين، على صعيد ما تقدمها البرامج الإذاعية والتلفزيونية وما تنشر الصحف والمجلات، وهذا ما عاصرته خلال عملي ومسؤولياتي في الحقلين؛ ولذلك لم أجد نفسي غريبًا أو بعيدًا عن أجواء وطبيعة العمل في أي حقل من الحقلين والاضطلاع بمهامي اليومية، وهذا الترابط والتشابك بين الوسيلتين لا يلغي التمايز والاختلاف بين أيٍّ منهما في الأداء والطريقة والأسلوب والشكل، ولكن في الأخير للحقلين منفعة متبادلة ورسالة مشتركة تصل إلى المتلقي القريب والبعيد، تستهدف خدمته إخباريًّا ومعرفيًّا وثقافيًّا".

وحول رؤيته للإعلام الجديد، يقول من واقع تجربته في قيادة المؤسسات الإعلامية وقيادة وزارة الإعلام :

"من وجهة نظري، ومن خلال تجربتي، أرى من الصواب أن تبنى مؤسسات ثقافية وإعلامية مستقلة، ليست ذات طابع رسمي أو حكومي أو حزبي، وإنما مؤسسات يتبناها الأفراد الأكفاء بصفتهم الشخصية والاعتبارية ويشترك فيها أفراد المجتمع وهيئاته المدنية بعيدًا عن سيطرة وسطوة الدولة أو هيئاتها ومؤسساتها العامة أو الأحزاب والكيانات السياسية، أكانت في السلطة أو خارجها بالمعارضة. هذا إذا أردنا أن تكون لدينا مؤسسات ثقافية وإعلامية ناضجة ومجدية وهادفة".

ويضيف: "قد يقول قائل: وكيف يمكن للدولة والحكومة والسلطات المحلية والأحزاب والكيانات السياسية أن تنقل إلى الجمهور والرأي العام صوتها ورأيها ومواقفها السياسية؟

ونقول: إن مجال تدفق المعلومات وممارسته العلنية والثقافية والمكاشفة والمصارحة الإعلامية، من قبل هذه الجهات يمكن تحقيقه من خلال هذه السياسة، ومن خلال عقد المؤتمرات الصحفية اليومية الأسبوعية الدائمة والمنتظمة واللقاءات والتصريحات إلى هذه الوسائل دون حجب أو انتقاء أو استثناء."

اغتراب قسري في بلاد العم سام

يعيش الآن الأستاذ محمد عبدالقوي في الولايات المتحدة الأمريكية، بعيدًا عن وطنه الذي مزقه الحرب، وحول هذه التجربة، يقول :

"أنا لم أذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية للاستقرار، هروبًا من الأوضاع في الداخل، ومع أنها لا تسر، وإنما وجدت نفسي بدون عمل منذ انتهاء فترة عملي في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بتونس نهاية عام 2008، ولم يسند لي أي عمل معين طيلة عامين من الانتظار، ففضلت العيش إلى جانب ولدي اللذين يعيشان في أمريكا بصورة مؤقتة؛ ويبدو أن الإقامة طالت بسبب تدهور الأوضاع الأمنية والحياتية في الداخل".

خاتمة ذات دلالة

يقول الأستاذ محمد عبدالقوي: "بدأت حياتي العملية في الثقافة (تأسيس وزارة الثقافة بعد الاستقلال)، وانتهت حياتي العملية حتى الآن دبلوماسيًّا (سفيرًا لبلادنا في الألسكو بتونس) لصالح الثقافة!".

ولعل هذا الاشتغال الثقافي العام هو ما جعل مسيرة الأستاذ محمد عبدالقوي في الإعلام وفي السياسة والدبلوماسية تتسم بالنضج الثقافي والرؤى المنفتحة التي قد لا تجد من يتقبلها في واقعنا المزري، ولكن -حتمًا- سيأتي من يحمل شعلتها غدًا!

•••
نجيب مقبل

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English