قوانين ضد المرأة في اليمن

نصوص مجحِفة للحقوق والكرامة ومخالفة للمنطق
رانيا عون
November 27, 2021

قوانين ضد المرأة في اليمن

نصوص مجحِفة للحقوق والكرامة ومخالفة للمنطق
رانيا عون
November 27, 2021
Photo ©: Swaitoslaw wojktowiak -Shathan Ali Page

نولد كأوراق بيضاء وفي يد الجميع أقلامٌ ليخطّوا حروفهم علينا، تختلف حروفهم باختلاف بشرى الطبيب لهم. إن كنت ذكرًا فأوراقك ستملأ بمصطلحات القوة والتعالي قد تصل حد الجبروت، وإن كنت فتاة فسيكون لك الحظ الوافر من كلمات الضعف والهوان.

في عامك الرابع لن تشعري بذلك أثناء سيرك في طريقك للمدرسة برفقة أخيك الذكر، ولكن في عمر العاشرة وما بعدها سيوضع أمامك حجاب أسود لتضعينه على رأسك فقط لأنك فتاة. ستسألين لماذا؟ ما العيب في كوني فتاة، سيرد والدك لأنك فتاة الله فرض عليك هذا، الدين والأعراف. ولكنني صغيرة! نعم ولكن عائشة زوجة النبي تزوجت وهي أصغر من سنك. ستصلين لسن البلوغ القانوني ولإصدار ما يثبت هويتك سيتطلب حضور ولي أمرك لأنك فتاة. من قال ذلك؟ القانون يا عزيزتي، ومن سَنّ هذا القانون ومن أين جاء؟ من الشريعة الإسلامية فنص المادة 3 من الدستور اليمني تنص على أن الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات.

وما المذهب الذي تحتكمون إليه في ظل الاختلافات الدينية؟ نحتكم لما يتوافق مع عقولنا الذكورية وطبيعتنا القبلية وسلطتنا السادية.

هذا معنى أن تكوني فتاة يمنية وامرأة يمنية ومسنة يمنية. وليس مجرد نقد يقال بل هو امتهان تحمله نصوص مواد القانون اليمني وممارسات سلطوية وأحكام قضائية.

التمهيد للظلم

يبدأ ذلك من الطفولة، فأول نص يتم فيه التمييز ضد الفتاة هو نص المادة المحددة لسن التخيير بين الأبوين بعد الطلاق، ففي حين يمتلك الولد حق الاختيار في سن التاسعة إلا أن الفتاة لا تمتلكه إلا عند بلوغها سن الثانية عشرة. ولا سبب واضح يستند عليه هذا التمييز، سوى أنها فتاة، وهذا ما نصت عليه مادة (139) من قانون الأحوال الشخصية: مدة الحضانة تسع سنوات للذكر واثنا عشر للأنثى ما لم يقدر القاضي خلافه لمصلحة المحضون. ما الفرق بين صبي في التاسعة وفتاة في العمر نفسه، ما الذي يجعلهم يرونها غير قابلة للتخيير؟

حرمت المرأة من حق التعويض من الطلاق التعسفي ولا مبرر واضح لمعرفة سبب هذا النوع من التعديلات الذي بدلًا من أن يزيد في الإنصاف ويسن نصوصًا تزيد من حماية المرأة اليمنية من التعسف الذي قد يطالها، إلا أنه يمعن في زيادة الظلم الواقع عليها

تكبر الفتاة بعدها لتبلغ سن الخامسة عشر، فينص القانون في المادة (15) من قانون الأحوال الشخصية اليمني: "لا يصح تزويج الصغير، ذكرًا كان أو أنثى، دون بلوغه خمس عشرة سنة". ويمر الزمن ليتم التعديل على نص هذا القانون، وفي حين أنه من المفترض أن يأتي التعديل ليجرم النص القديم ويجعل سن الزواج على الأقل من سن الثامنة عشر لمنع زواج القاصرات، جاء القانون الجديد ليرى أن زواج الصغيرة صحيح بعد أن تكون صالحة للوطء في نص المادة بعد تعديلها: "عقد ولي الصغيرة بها صحيح، ولا يمكن المعقود له من الدخول بها ولا تزف إليه بعد أن تكون صالحة للوطء، ولو تجاوز عمرها خمس عشرة سنة، ولا يصح العقد للصغير إلا لثبوت مصلحة". لماذا تم إلغاء تحديد الزواج ومن يحدد صلاحية الفتاة للوطء من عدمه؟

ويمتد الظلم في نصوص القانون اليمني حتى في تعريفه للزواج حيث عرفه في نص مادة (6) من قانون الأحوال الشخصية أن الزواج هو ارتباط بين زوجين بميثاق شرعي تحل به المرأة للرجل شرعًا، وغايته إنشاء أسرة قوامها حسن العشرة. لماذا استخدم "تحل به المرأة للرجل"؟ هل الزواج فقط لتحليلها له ومن أجله فقط؟

وحتى عند الزواج تفرض مادة (7) على أنه: "يتم الزواج في مجلس واحد بإيجاب من مكلف ذكر غير مُحْرِم بلفظ يفيد التزويج حسب العرف وقبول مثله من مثله قبل الإعراض، ويجب أن يكون الإيجاب والقبول منجزين غير دالين على التوقيت، ويلغى كل شرط لا يتعلق به غرض لأحد الزوجين. أي أن الذكر وحده يحق له تزوجيها ولا يحق لها تزويج نفسها، وهذا أمر مختلف عليه حتى في مذاهب الشريعة الإسلامية التي تعد مصدر القانون اليمني.

إلى أي مذهب ينتمي القانون اليمني؟ من حسم أمورٍ جدلية في المذاهب الإسلامية ليصنع منها موادًّا قانونية؟ وعند السؤال عن إرادتها ورضاها في إتمام هذا الزواج يأتي نص المادة (23) من قانون الأحوال الشخصية: "يشترط رضا المرأة، ورضا البكر سكوتها ورضاء الثيب نطقها". وفي حين وجود قاعدة متداولة بأنه "لا ينسب لساكت قول" إلا أن القانون اليمني اعتبر سكوت الفتاة البكر رضاءً! وعد ذلك دليلًا على الحياء! وضعها خلف باب مجلس الرجال يقررون عنها مصير حياتها! 

ستتزوج الفتاة بسكوتها هذا، وبعد زواجها يغرد الرجل بأن الشرع والقانون حلل له الزواج بأربع، حيث نصت المادة 12 على:

 1- يجوز للرجل تعدد الزوجات إلى أربع مع القدرة على العدل، وإلا فواحدة. 

2- يعقد على زوجة أخرى مع تحقق الشروط التالية:

‌أ- أن تكون هناك مصلحة مشروعة. 

‌ب- أن تكون للزوج كفاية مالية لإعالة أكثر من زوجة. 

‌ج- أن تُشعَر المرأة بأن مريد الزواج بها متزوجٌ بغيرها. 

‌د- أن تخبر الزوجة بأن زوجها يرغب في الزواج عليها.

ولكن هذه المادة لم تناسب واضعي القانون اليمني، فقرروا تعديلها بحذف الفقرة الأخيرة، وهي فقرة إعلام الزوجة، حيث إنهم يرون أنْ لا حاجة لإعلامها بالرغبة في الزواج من ثانية طالما قد منحها الكفاية المالية! ويمتد تعديل المواد القانونية ليحذف نص المادة 71 من قانون الأحوال الشخصية: "إذا طلق الرجل زوجته وتبين للقاضي أن الزوج متعسف في طلاقها دون سبب معقول، وأن الزوجة سيصيبها بذلك بؤس وفاقة، جاز للقاضي أن يحكم لها على مطلقها بحسب حالة ودرجة تعسفه بتعويض لا يتجاوز مبلغ نفقة سنة لأمثالها فوق نفقة العدة، وللقاضي أن يجعل دفع هذا التعويض جملة أو شهريًّا بحسب مقتضى الحال"!
حُرمت المرأة من حق التعويض من الطلاق التعسفي، ولا مبرر واضح لمعرفة سبب هذا النوع من التعديلات الذي بدلًا من أن يزيد في الإنصاف ويسن نصوصًا تزيد من حماية المرأة اليمنية من التعسف الذي قد يطالها إلا أنه يمعن في زيادة الظلم الواقع عليها.

أما بعد الطلاق فالقانون اليمني سكت عن إيراد أي حقوق للمرأة المطلقة، بل في حالة امتناع الزوج عن النفقة قبل الطلاق، فإن الزوجة لا تحصل إلا على نفقة سنة واحدة فقط سابقة على المطالبة القضائية، وهذا ما ورد في نص المادة (156) من قانون الأحوال الشخصية: "لا يحكم للزوجة بأكثر من نفقة سنة سابقة على المطالبة القضائية ما لم يتفق الزوجان على خلاف ذلك". ماذا لو أن زمن انقطاع نفقة الزوج على زوجته زاد عن العام الواحد وامتد لسنين؛ فما الذي ستحصل عليه؟

تموت المرأة ويظل الظلم في القانون يلاحقها بعد مماتها ليجعل من ديتها نصف دية الرجل! وهذا ما نصت عليه المادة (41) من قانون الجرائم والعقوبات: "دية المرأة نصف دية الرجل، وأرشها مثل أرش الرجل إلى قدر ثلث دية الرجل، وينصف ما زاد، ويعتمد في تحديد نوع الإصابة على تقرير من طبيب مختص أو أهل الخبرة، وإذا طالت الإصابة أو سرت إلى ما لم يقدر أرشه فيلزم حكمه بما تراه وتقدره المحكمة".
مخالفة المنطق

إن النصوص المجحِفة بحقوق وكرامة المرأة اليمنية لا تكتفي بمخالفة الشريعة والعدالة بل وتخالف المنطق. فأين المنطق في جعل دية المرأة نصف دية الرجل، وهنا نعود مجدّدًا للسؤال عن أنه طالما وأن الشريعة الإسلامية هي مصدر القانون اليمني فمن مصدر النصوص التي ما زالت محل جدال وخلاف حتى الآن بين مذاهب الشريعة؟ ومع العلم أن القانون اليمني لم يستند في قوانينه على مذهب معين بحد ذاته بل إن نصوصه المأخوذة من الشريعة الإسلامية قد تنوعت بين مذاهبها. 

ويزيد الظلم حد شرعنة الرجل لقتل زوجته أو أصوله وفروعه وفق نص المــادة (232) من قانون الجرائم والعقوبات: "إذا قتل الزوج زوجته هي ومن يزني بها حال تلبسهما بالزنا او اعتدى عليهما اعتداء أفضى إلى موت أو عاهة فلا قصاص في ذلك، وإنما يعزر الزوج بالحبس مدة لا تزيد عن سنة أو بالغرامة، ويسري ذات الحكم على من فاجأ إحدى أصوله أو فروعه أو أخواته متلبسة بجريمة الزنا".

إن الظلم الواقع على المرأة في المجتمع اليمني يستظل ويحتمي بنصوص قوانينه، وحتى النصوص القانونية التي قد تكون عادلة للمرأة اليمنية لا يتم غالبًا الحكم والالتزام بها من قبل القضاء اليمني، والذي يمنحه القانون اليمني بدوره سلطة تقديرية في الحكم على الوقائع المطروحة أمامه

إن كان القانون اليمني يتخذ من الشريعة الإسلامية مصدرًا لنصوصه؛ فلماذا لم يستند هنا إلى أحكام الشرعية؟ أين الملاعنة بين الزوجين المذكورة في الشريعة؟ أين تطبيق حد الزنا على المرأة المحصنة؟ لماذا يتخطى مصدره الأسمى ليتيح للرجل قتلها دون عقوبة؟ وأي تعزير هذا الذي لا يتجاوز السنة؟ لماذا يتم اعتبار المرأة كسلعة مملوكة لوليها ولزوجها من بعده يملكون سلطة الظلم حد القتل وتحت حماية القانون!
ميراث مقيد

فيما يخص ميراث المرأة، وبالرغم من أن نصيبها في الميراث مقيد بأن نصيب المرأة نصف نصيب الرجل من الميراث، إلا أن الواقع الاجتماعي يمنعها من الحصول حتى على هذا الحد من الميراث، وبالرغم من أن الشريعة الإسلامية أوردت اعتبارات للرد عن لماذا لا يتم المساواة بين الرجل والمرأة بالميراث، بأن المرأة تظل تحت رعاية الرجل، وملزم بالإنفاق عليها إن كان أخاها أو زوجها أي إنها معالة دائمًا والرجل هو المعيل لها. لكن ماذا لو لم ينفق الأخ على أخته؟ ألا تزول هذه المبررات الشرعية ويصبح من العدل المساواة بينهما بالميراث.

وحتى مع وجود نص قانوني في الوصية الواجبة، يعطي الثلث من الميراث لأولاد الولد المتوفَّى قبل مورثه وأولاد البنت كذلك، إلا أن القضاء اليمني لا يعطي هذا الحق لأولاد البنت ويعطيه فقط لأولاد الولد!

القانون والقاضي 

إن الظلم الواقع على المرأة في المجتمع اليمني يستظل ويحتمي بنصوص قوانينه، وحتى النصوص القانونية التي قد تكون عادلة للمرأة اليمنية لا يتم غالبًا الحكم والالتزام بها من قبل القضاء اليمني والذي يمنحه القانون اليمني بدوره سلطة تقديرية في الحكم على الوقائع المطروحة أمامه، فإن أنصفتها نصوص القانون فلن ينصفها القاضي الذي يرى بأن له الحق في تقدير الظلم الذي لحق بها. وفي المجمل فإن المرأة اليمنية تقف أمام ثلاثة احتمالات: إما أن ينتهك القانون حقوقها صراحة في ظل نصوص مجحفة، وإما أن يسكت القانون تمامًا عن بيان النص القانوني والعقوبة لكثير من الجرائم المرتكبة بحق المرأة، كالاغتصاب الزوجي واغتصاب المحارم والانتهاكات الصادرة من أفراد الأسرة الذكور تحت مبرر الشرف. والاحتمال الأخير أن تقف أمام قضاء بدون نص قانوني تستند عليه وأمام عقلية ذكورية يكيف الوقائع لصف الذكورة وإلقاء اللوم على المرأة، وهذا ما حدث في كثير من وقائع اغتصاب المحارم الذي تتعرض له نساء يمنيات فيتم تكييف الواقعة بزنا المحارم وتحويلها من ضحية لجانية، ولا اعتراف بوجود اغتصاب زوجي طالما أنها بعقد الزواج قد أحلت له! وفي الأحكام القضائية أمثلة واضحة لما تتعرض له المرأة اليمنية من تهميش وإجحاف لها ولحقوقها ولكرامتها، وهذا ما نلامسه ونسمعه كل يوم في ساحات المحاكم اليمنية وفي قضايا نساء يمنيات أصبحت قضايا رأي عام، وما زالت السلطات على مر الزمان، تصم آذانها عن كل ما يتعلق بالمرأة وبتحسين وضع المرأة وبزيادة الحماية لهن.

مَن عدوّ المرأة اليمنية ومن حاميها؟ من تحاكم أولًا؟ القانون أم القضاء؟ وأمام من تكون الشكوى وعلى من؟ متى ستحصل المرأة اليمنية على الحماية أولًا لتكون درعها الواقي للحصول على كافة حقوقها؟



•••
رانيا عون

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English