"رنا" التي انتهك "الطّحَال" كرامتها!

استغلال صور الأطفال دون رادع
سحر محمد
August 7, 2022

"رنا" التي انتهك "الطّحَال" كرامتها!

استغلال صور الأطفال دون رادع
سحر محمد
August 7, 2022

لم تجد رنا -اسم مستعار- (19 سنة)، سوى الدموع لتعبر عن قهرها بعد أن عرفت خبر انتشار صورة لها مع شقيقها الأصغر عمار -اسم مستعار- (15 سنة)، في أكثر من صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" برفقة منشورات استجدائية لطلب المساعدة الإنسانية.

وقفت الأم عاجزة عن تبرير الحاجة والعوز التي أجبرتها على السماح بتسجيل فيديو والتقاط صور لأطفالها قبل أكثر من أربع سنوات تطلب فيه المساعدة لإجراء عملية إزالة الطحال. تكاليف العملية فاقت طاقة الأسرة المادية، حينها عرضت عليهم إحدى الناشطات على الفيسبوك بنشر حالة الطفلين المرضية على صفحتها للبحث عن متبرعين.

يقع الطحال أسفل القفص الصدري، بالقرب من المعدة، وعلى الجانب الأيسر من البطن. ويختلف حجمه باختلاف طول الشخص ووزنه وجنسه. يتضخم الطحال بسبب حالات عديدة؛ مثل: العدوى، ومرض الكبد، وبعض أنواع السرطان. 

نجحت دموع الأطفال -حينها- من كسب تعاطف أحد المغتربين خارج اليمن، ولكن اليوم رنا أصبحت شابة، وقد تخلصت من وجع الطحال، لكنها لا تدري كيف تتخلص من وجع الكرامة.

تفاقمت الأزمة الإنسانية منذ اندلاع الحرب قبل سبعة أعوام، ساهمت في زيادة عدد النشطاء على منصات التواصل الاجتماعي ممن يقومون بعرض الحالات الإنسانية بدافع الوصول إلى متبرعين لتقديم المساعدات المادية للحالات، ورغم صدق نوايا البعض إلا أنّ غالبًا ما يصرّ بعض النشطاء بتوثيق الحالة وكشف الهُوية من أجل المصداقية وكسب ثقة وتعاطف المتابعين. لا ينتهي الأمر عند هذا الحد، بل يصل بكثير من النشطاء إلى طلب تسجيل فيديوهات للحالة، في سبيل إظهار أقصى حالات العوز، والكثير من الدموع والبكاء، متجاهلين الأذى النفسي الذي يخلفه هذا التصرف على نفسية الأشخاص المتضررين؛ ممّا يجعل البعض يستنكف عن طلب المساعدة بهذه الطريقة، مهمّا ضاقت عليه الظروف.

الآثار النفسية والاجتماعية

يتحمل البالغون بمجرد موافقتهم لعرض حالتهم الإنسانية على مواقع التواصل الاجتماعي، التبعاتِ النفسية والاجتماعية لهذا القرار، ولعل النقاب يساعد النساء في حجب هويتهن، ولكن الأطفال هم الحلقة الأضعف دائمًا.

هناك من يرى أنّ عرض صور الأطفال بغرض جمع التبرعات -وإن صدقت النوايا- تنعكس سلبًا على نفسيَّة الأطفال وذويهم، فالإحساس بالعجز وطلب المعونة من الغرباء يعني أنّ حياة الإنسان أصبحت مشاعًا يتداوله الآخرون ويتفاعلون معه، ولهذا الأمر أثره السلبي على نفسية الطفل، كما تقول الأخصائية النفسية الدكتورة أنجيلا المعمري، لـ"خيوط": "يَصبّ همُّ الوالدين في الحصول على المساعدة من غير إدراك للعواقب النفسية على الطفل مستقبلًا، قد يكون الطفل في هذه الحالة عرضة للاضطرابات النفسية إذا ما شاهد نفسه في لحظة ضعف".

الفضاء الواسع الذي خلقته منصات التواصل الاجتماعي جعل من السهل على الشخص امتلاك هُوية رقمية غير حقيقية ولا مجال للتحقق منها؛ الأمر الذي جعلها بيئة خصبة لانتحال شخصيات وهمية وممارسة النصب والابتزاز بكل سهولة ويسر

وتنصح المعمري القائمين على العمل الإنساني والوالدين بمراعاة الجانب النفسي للطفل، والنأي به بعيدًا عن الاستغلال الإلكتروني، مشيرًة إلى أنّ هناك طرقًا عدة تحقق هدف الحصول على المساعدة والحفاظ على كرامة الطفل وذويه في الوقت ذاته، مثل تشويش وحجب هُوية الطفل، ولضمان المصداقية قد يكون ربط أهل الطفل المحتاج بالمتبرعين مباشرة، هو الأفضل. 

وعن الآثار الاجتماعية توضح الدكتورة المتخصصة في أدب الطفل، نهى ناصر، لـ"خيوط"، أنّ الطفل الذي تنشر صورته على وسائل التواصل الاجتماعي تنطبع صورته الذهنية عند الآخر بالصورة التي تناقلت عنه، سواء أكان مريضًا أو يتيمًا أو فقيرًا يحتاج للمساعدة، ويخلِّف هذا وصمًا اجتماعيًّا للطفل، من شأنه أن يحدِّد علاقته مع غيره من الأطفال، والذين غالبًا وعند أي اختلاف معه سيستدعون هذه الصورة الذهنية التي حُفظت في ذاكرتهم عنه، ومن جهة أخرى يبقى الأثر السلبي لهذه الصور المتناقلة على وسائل التواصل مزعزِعًا لثقة الطفل في نفسه، فإحساس الطفل بأنه أقل من الآخرين سيلازمه، وقد يحوله إلى طفل انطوائي".

أطفال الحالات الإنسانية -وإن ضاقت ظروف المسؤولين عنهم- فإنهم عادة يساقون من غير اختيار ولا إدراك للعواقب، فكلُّ همّ الوالدين حينها هو الحصول على المساعدة العاجلة من أي متبرع تقع عينه على حالة الطفل، ولكن ما أن يبلغ الطفل فربما يتغير مسار حياته، وتظل صورته البائسة، وذلك الفيديو الذي قد يظهر فيه متسخًا أو يعاني من مرض أو إعاقة ويستجدي القائمون عليه مشاعر الناس ويثيرون عواطفهم- وصمًا اجتماعيًّا يلاحقه عندما يكبر.

يقول أحمد القرشي، رئيس منظمة سياج للطفولة، لـ"خيوط"، إنّ هناك إشكالًا حقيقيًّا في ثقافتنا اليمنية، والعربية أيضًا، باستمالة واستجداء عطف الداعمين باستخدام صور بالغة القسوة للأطفال ولا يقتصر هذا على نشطاء التواصل الاجتماعي، ولكن يدخل في هذا السياق المنظمات والجمعيات التي تقيم احتفالات للأيتام مثلًا أو تنشر صور أطفال المخيمات أو من ذوي الإعاقة والأطفال الذين يعانون من أمراض كسوء التغذية والنحافة الشديدة، فكل هذه الممارسات لا تمتّ للأعراف الإنسانية والأخلاقية بصلة.

استغلال صور أطفال الحالات الإنسانية

الفضاء الواسع الذي خلقته منصات التواصل الاجتماعي جعل من السهل على الشخص امتلاك هوية رقمية غير حقيقية ولا مجال للتحقق منها، الأمر الذي جعلها بيئة خصبة لانتحال شخصيات وهمية وممارسة النصب والابتزاز بكل سهولة ويسر.

تطور الأمر إلى أن أصبح هناك من يمتهن النصب والتسوّل والابتزاز الإلكتروني، ويستخدم صورًا وفيديوهات حقيقية، كتلك التي استخدمت صورة رنا بعد سنوات عدة من نشرها، فبعض النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي لا يدركون حقيقة أنه بمجرد أن تنشر أي شيء على شبكة الإنترنت فلا مجال لحذفه نهائيًّا، فجميع المواد تظل محفوظة في سيرفرات الشركات المزوّدة للخدمة، بحسب خبراء الأمن الرقمي، فحذف المنشورات لا يكفي، إذ إنّ الصور والفيديوهات تظل محفوظة في الألبومات، وهو ما يجعلها عرضة للاستغلال وإعادة النشر والتداول.

ماذا يقول القانون؟

تنص المادة 16 والمادة 36 من اتفاقية حقوق الطفل، على أنّ من حق الطفل الحصول على الخصوصية، فلا تُمتهن كرامته ولا يتعرض لأي نوع من أنواع الاستغلال وتحت أي مسمى كان. وتعد اليمن إحدى الدول الموقعة على الاتفاقية، إلا أنه بحسب رئيس منظمة سياج للطفولة؛ لا توجد أي تشريعات ملزمة وصريحة في القانون اليمني تمنع انتهاك خصوصية الأطفال، ولا يوجد قانون يجرّم جهات رسمية كالجمعيات والمنظمات والنشطاء ممن يقوم بنشر صور الأطفال بشكل مهين، سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو الإعلانات.

وعن الملاحقة القانونية لمن يمارسون التسول الإلكتروني مستغلين الصور والفيديوهات، تفيد الناشطة الحقوقية هبة عيدروس، لـ"خيوط"، عدم وجود نصوصٍ صريحة بشأن مكافحة الجرائم الرقمية، فالدولة في حالة حرب ومسألة تعديل القوانين ليست أولوية، لكن هناك قانون رقم (45) لعام 2002، بشأن حقوق الطفل اليمني، والذي أكّد على حماية الطفل من جميع أنواع الاستغلال، وحدّدها بالاستغلال الجنسي والاقتصادي، في المادتين (147 و148)، إلا أنه في حقيقة الأمر لا يحقق الحماية الكافية للطفل في ظل الجرائم السيبرانية التي تقع في العالم الرقمي.

تتابع عيدروس: "لا توجد وحدات متخصصة لمكافحة الجرائم الرقمية، ولا تزال إجراءات إثبات هذه الوقائع تتم بشكل تقليدي مقارنة بالدول المجاورة"، في ظل غياب تشريع يحدد وسائل وطرق إثبات الجرائم الرقمية، وشروط قبول الأدلة الرقمية أمام القاضي الجنائي؛ الأمر الذي يجعل المتهم أو الجاني يفلت من العقاب.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English