المقالح ويوم الشعر العالمي

عبدالباري طاهر
March 21, 2020

المقالح ويوم الشعر العالمي

عبدالباري طاهر
March 21, 2020

أعلنت اليونسكو اليومالحادي والعشرين من مارس 1999 يومًا عالميًّا للشعر. تحتفي البشرية بيوم الشعر العالميفي يوم النيروز، بداية الربيع، في مناطق معينة من العالم. لليمن، وتحديداً صنعاء، بدايةربيع متقدم في الـ 13 من يناير. ولليمن اختلاف في مواسم الربيع، خصوصاً تهامة وحضرموت،وللارتباط بمواسم المطر والزراعة.

في اليمن عامة، وفيالمنطقة العربية يكون الاحتفاء بالشعر ويومه أكثر دلالة وأهمية؛ فالنبي العربي معجزتهالكلمة. أليس الشعر بيت العربي؟! لا تنافس اليمن شقيقاتها العربية في شيء كمنافستهافي الشعر. في الأعصر الحديثة كان حضور الإحيائيين والمجددين كبيرًا: باكثير، وابن شهاب،والزبيري، والبردوني. وفي تجديد القصيدة الحديثة: محمد أنعم غالب، وعبده عثمان، والحامد،والبار، وصادق، والمقالح.

لعبد العزيز المقالحدور كبير في ميادين عديدة، ولكن "الشاعر" هو الاسم الرديف. المعري في (معجزأحمد) يطلق اسم الشاعر على المتنبي. في اليمن- ولله الحمد- شعراء كثيرون، لكن إطلاقالاسم ينصرف إلى المقالح كصفة لصيقة ولعقود.

بدأ المقالح تعاطيهمع القصيدة في خمسينيات القرن الماضي في سن الصبا، وانغمس في أمور كثيرة من النشاطالوطني العام، إلى المعارضة السياسية المناوئة للإمامة المتوكلية، كما انغرس في النضالالسري منتمياً لحزب قومي (البعث) الذي سرعان ما غادره. يعتبر العزيز عبد العزيز المقالحأقرب المدنيين إلى تنظيم الضباط الأحرار، بل أحد أهم موجهيهم، ورغم الانغماس في الهمالوطني العام إلا أن القصيدة ظلت همه الأكبر، والاسم الأكثر التصاقاً به.

في يوم الـ 26 من سبتمبر62 كان الصوت المدوي، والأكثر جرأة وصدقاً في تحدي ليل الطغيان والحرمان والكبت، لكنسلاح الكلمة الشاعرة ظلت السلاح الممشوق. انصرف للدراسة الجامعية والأكاديمية، ولكنهم القصيدة ظل الهاجس القائم يتغلغل في مسلكه، في حياته العامة، في القول والفعل، وتتحولالقصيدة -الفعل الشعري- إلى أداة فاعلة وحية للتغيير، بل إن الكلمة والفعل يندغمانليكونا خلقاً غير مسبوق، وبعثاً جديداً. أوليس الإبداع هو الخلق على غير مثال؟!

إن يكنْ لحمي سواد

فأنا بعضُ الرماد

صوت مقبور قديم

نفض القبر وعاد

من قصيدة "بطاقة1972" – (الأعمال الكاملة)

أتقن القصيدة المتحولةإلى سجية ورئة تنفس. كتب عمود الشعر الذي يبحر فيه إلى البعيد، ثم يعود إليه لحضن دافئ.مازج بين العمودي والحر في (هوامش يمانية على تغريبة ابن زريق البغدادي). تشاكلت يتيمةابن زريق الذي فارق حبيبته في بغداد مع تغريبة المقالح الذي ترك حبيبته صنعاء. اقتبسبعض مقاطع من قصيدة ابن زريق، والقصيدة إبداع في المضارعة والممازجة في لونين من الشعرخصوماتهما أجلى من امتزاجهما في قصيدة واحدة، وهو إبداع لا يستطيعه إلا شاعر كالمقالح.

قصيدة المقالح شوق متعطشللحداثة والحرية والتغيير وحبٌّ للوطن وأهله. فهو يتماهى مع أستاذه شاعر اليمن الكبيرالزبيري في الارتقاء بالكلمة الشاعرة إلى الفعل، وهو ما يشاركه فيه الشارع عبده عثمان.تحول الكلمة إلى فعل أو اندغامهما معاً ليس بدعاً من القول، واعتذار الشاعر في مقدمة"الأعمال الكاملة" لا يقلل من القيمة العظيمة؛ لاقتران التغيير بالإبداع؛ففي البدء كانت الكلمة. صوت الوطن في محنة قصيدته "اليمن" ظل ويبقى الصادح.أغنيته عن عبور أبطال مصر في حرب 73، وغيرها أصبحت تدرس للطالب العربي:

 عبورهم أذهل الدنيا وموقفهم          تسمرت عنده الأقلام والسير

وددت لو كنت يوما فيمواكبهم     أو ليتني كنت جسراً حينما عبروا

من (هوامش يمانية علىتغريبة ابن زريق الأعمال الكاملة ص 29)

لكنه يدرك عميقاً مايعلق بالكلمات من تراب، وما فيها من الضوء:

يا خالق الكلمات النقية

هب لي حروفا من الضوء

تقرع أفئدة

وعقولا طواها الظلام

"صنعاءالأخرى .. تأملات"، (الأعمال الكاملة 673)

الكلمة والكلمة النقيةوحدها من يقرع أفئدة الموتى في الحياة. قصائد المقالح حب لليمن، حب لإنسانها، حب يبحثعنه في الكلمات.

أبحث في الكلمات

وفي الكتب الخضرا

عن صنعاء أخرى

عن ألفٍ كان

وعن سرب حمام طار

وأحلام كبرى

 عن بستان للروح

 وأغنية هائمة

في كبد الصحرا

"تأملات"، (الأعمال الكاملة ص677)

وفي مرثية باكرة لصنعاءتعود إلى العام 2000، تتجلى الكلمة عند الشاعر كفعل خلق على غير مثال؛ إبداع فعل محبةوحياة وأمل واعد:

سنظل نحفر في الجدار

إما فتحنا ثغرة للنورأو متنا

على وجه الجدار

الشاعر الذي وهبه الشعراسمه ووهب الشعر حياته، صادق بالشعر ومحارب بالكلمة المبدعة، إذ لطالما كانت الكلمةجسره المديد إلى اليمن والوطن العربي والعالم. نسج علاقات مائزة وعميقة مع الشعراءوالأدباء في الوطن العربي الكبير، وامتد بها إلى العالم. لاسمه –كشاعر- حضور في عالمالشعر والشعراء. عرفته في مصر منتصف السبعينات من القرن الماضي. أهم وأورع الشعراءوالأدباء والمثقفين المصريين أصدقاء حميمون للمقالح، ولليمن. كان منزل المقالح منتدىللأدباء والشعراء والمفكرين المصريين، وكان الطلاب والشعراء والأدباء العرب أيضاً قبلتهممنزل المقالح في حي المهندسين.

عاد إلى الوطن بعد زيارةالسادات للقدس، وبداية العبور المعاكس الذي تعاني منه أمتنا العربية حتى اليوم. عادلوطنه؛ لتكون القصيدة سلاح المقاومة الوحيد؛ لمقارعة اليأس، وتحدي الظلم والظلام.

الوظائف التي شغلهاكانت أيضاً التربة الصالحة والخصبة لغرس شجرة "الكلمة الطيبة" التي أصلهاثابت، وفرعها في السماء. بالشعر سيج، وحمى، وربى، وعلم عشرات ومئات الشعراء والمبدعينالشباب والشابات، وامتد بالقصيدة ونورها إلى مختلف البلاد العربية. في مطلع السبعيناتأصدر ديوانه الأول مع صديقه الشاعر عبده عثمان "مأرب يتكلم"، ولم يكن كلاممأرب إلا الدفاع عن الثورة والجمهورية، والموقف القومي الإنساني. تواصل إبداع الشاعر،ليصل إلى سبعة عشر ديواناً، الأخير منها هو "بالقرب من حدائق طاغور". فيزيارة له مع العزيزين: الدكتور أحمد قائد الصايدي، والأستاذ محمد عبد السلام منصورأخبرنا بأن ديواناً له جديداً يطبع حالياً.

الدكتور عبد العزيزالمقالح أديب، شاعر، وناقد وأكاديمي رأس جامعة صنعاء، ومركز الدراسات والبحوث. تتلمذوتخرج على يديه المئات، ومنهم كاتب هذه السطور. قدم العشرات من الأعمال الإبداعية للمبدعينوالمبدعات اليمنيات. أثره عميق وغزير غزارةَ وعمقَ إبداعه الشعري، وهو في يوم الشعرالعالمي رمز لمعنى ومغزى هذا اليوم العالمي.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English