حركة 15 أكتوبر الناصرية

لماذا فشلت في تغيير نظام صالح في أشهره الثلاثة الأولى؟
خيوط
October 15, 2022

حركة 15 أكتوبر الناصرية

لماذا فشلت في تغيير نظام صالح في أشهره الثلاثة الأولى؟
خيوط
October 15, 2022

في 15 أكتوبر من العام 1978، أقدمت قيادة تنظيم الطلائع الوحدوية اليمنية (المسمى الحركي لناصريي اليمن) على قيادة محاولة لتغيير النظام (انقلاب) في العاصمة صنعاء تنفيذًا لقرار سبق أن اتخذته في نوفمبر 77، على إثر اغتيال الرئيس إبراهيم محمد الحمدي وأخيه عبدالله الحمدي، وإخفاء مجموعة من قيادة الحركة، منهم: عبدالله الشمسي، وعلي قناف زهرة- مخفيان قسرًا حتى اليوم. 

المبررات الرئيسية التي اتكأت عليها الحركة للإقدام على هذه الخطوة، حسب شهادات(*)، أنّ المنقلبين على الحمدي وقتلته أنهوا النظام السياسي الذي تأسّس على حركة (13 يونيو التصحيحية) التي قادها الحمدي –بعد انقلابه على سلفه القاضي عبدالرحمن الإرياني في 1974– ودائمًا ما تشير أدبيات الحركة إلى: 

أنّ تصفية الرئيس الحمدي جاء تكريسًا لمؤامرة، تقاطعت فيها مصالح متشابكة (دولية إمبريالية وإقليمية رجعية ومحلية) مُستخدمة، كانت ترى ضرورة تغيير النظام الذي أسسته حركة يونيو 74، الذي هدّد مصالحها وسعى للقضاء على هيمنتها ووصايتها على اليمن أرضًا وإنسانًا، وقصد به أيضًا الحيلولة دون تسريع خطوات توحيد شطري اليمن.      

وجاء لوأد التنمية بكل التجارب المكرسة -تعاونيات وتصحيح واستكمال بناء دولة يمنية حديثة واهتمام بإعادة بناء علاقة تفاعلية مع المجتمع ومع المغتربين منهم أيضًا- وما أحدثته تلك التجارب من آثار على صعيد تغيير ثقافة المجتمع وعلاقات الإنتاج فيه. ولمنع استقلال القرار الوطني، وإيقاف المبادرات التي سعت قيادة نظام يونيو من خلالها للقيام بواجباتها القومية والإنسانية، وللاهتمام بقضايا الأمن القومي، ولتفعيل أداء كتلة عدم الانحياز.          

وبناء على ذلك، رأت قيادة التنظيم بأنّ السلطة التي خلفت مرحلة الحمدي وتدير البلاد بالانقلاب، باتت تمثّل مخاطر جمّة تتهدّد الوطن والمجتمع، وأنّ الواجب يحتّم عليها التصدي والسعي للقضاء عليها، والعودة لاستكمال المهام التي تبنّتها حركة يونيو وصولًا إلى تحقيق أهدافها المرتجاة. فأقدمت القيادة التنفيذية للتنظيم، على البَدء باتخاذ القرارات والإجراءات اللازمة مستعينة بمجلس عسكري شكلته، لتتخذ في نهاية المطاف قرار الانقلاب الذي حدّدت وقته في 11 أكتوبر- الذكرى الأولى لاغتيال الحمدي وأخيه.

تغيرت ساعة الصفر أكثر من مرة، نتيجة عوامل وأسباب مختلفة، حتى تم اختيار يوم 15 أكتوبر 78، موعدًا نهائيًّا للتنفيذ. رغم تمكن قوى الحركة من السيطرة على المنشآت الحيوية في العاصمة، كالقيادة العامة ووزارة الداخلية والإذاعة والتلفزيون، وهروب الرئيس علي عبدالله صالح إلى الحُديدة، فإنّ الحركة لم يُكتب لها النجاح لأسباب، بعضها عرفت، وبعضها الآخر لم تعرف حتى الآن، ومن المعروفة منها: عدم إذاعة البيان الأول بالوقت المناسب رغم وجود من كلف بذلك في الإذاعة، ومنها أيضًا إصرار قيادة التنظيم على سلمية الحركة وتجنب العنف، لكن القراءات الأخرى ترى أنّ السبب الرئيس كان الانكشاف الكبير لتحركات التنظيم، ولا يستبعد أنه كان مخترقًا استخباراتيًّا.       

نتج عن فشل الحركة اعتقال أغلب أعضاء القيادة التنفيذية للتنظيم والمجلس العسكري، وتم تقديم القيادة المدنية لمحكمة أمن الدولة، فتم اتخاذ قرار إعدامهم، وفعلًا نُفذ فيهم الحكم، وأخفيت جثامينهم حتى اليوم، في الوقت الذي كان قد سبقت فيه محاكمتهم محاكمة العسكريين ميدانيًّا، وأُعدِموا وأُخفِيَت جثامينهم أيضًا. 

نتج عن الفشل قيام السلطة باعتقال المئات من قيادات وكوادر التنظيم، وزج بهم في سجون ومعتقلات النظام، ومورست ضدهم شتى صنوف التعذيب وأبشعها لانتزاع الاعترافات، كما تهيَّأت المحكمة لاستقبال دفعة ثالثة من المتهمين، لولا تدخلات عديدة محلية وإقليمية حالت دون مضي السلطة في طريق جديد للإعدامات. أعقب الفشل قيام السلطة بتصفية العديد من الرموز والناشطين السياسيين بدون محاكمات أو اعتقال وتحقيق، كما تشرّد مئات آخرون، إما باللجوء إلى (عدن) أو إلى بعض القبائل، وفي مقدمتها (نهم) التي استضافت وحمت العشرات منهم، وإما باتخاذ الجبال غير المأهولة ملاجئَ وملاذات، كما أقدمت السلطة على معاقبة الجميع ممّن عُرف بانتمائه للتنظيم، بحرمانهم من حقوقهم المدنية المختلفة، ومنهم من لا يزال منتهك الحقوق حتى اليوم.

يقول اللواء حاتم أبوحاتم، عضو المجلس العسكري للحركة في مذكراته التي تنشرها "خيوط"(**):

"بعد مقتل أحمد الغشمي، قررَت قيادة التنظيم استمرارَ عمل المجلس العسكري الذي تم تشكيله بهدف الانتقام من قتَلة الرئيس إبراهيم الحمدي، واستعادة مشروع الدولة المدنية. واصلنا اجتماعاتنا وتحركاتنا ومراقبتنا للأماكن التي كان يتواجد فيها علي عبدالله صالح، وكان القرار أن نبدأ بتنفيذ الحركة (الانقلاب) في 11 أكتوبر عام 1978م، في يوم الذكرى الأولى لاستشهاد الرئيس الحمدي، وكنا نرى أنّ إزاحة علي عبدالله صالح من السلطة أسهل من إزاحة أحمد الغشمي. لأنّ علي عبدالله صالح لم يكن له شعبية كبيرة عند الناس، سواء المدنيين أو حتى العسكريين.

ولكن تفاجأنا بانكشاف الأمر، ولهذا تم التأجيل من يوم 11 أكتوبر إلى 15 أكتوبر ساعة الصفر

في ليلة التنفيذ، كان الأخ محسن فلاح، قائد الشرطة العسكرية والاستطلاع الحربي- كان لا بد أنّ يقوم بإبلاغ ضباط الاستطلاع في النقاط (الموثوقين) بالسماح بدخول القوات إلى صنعاء، مثل قوات العمالقة التي كانت متواجدة في ذمار، وقوات الاحتياط العام التي كانت متواجدة في باجل، وقوات المظلات التي كانت متواجدة في محافظة مأرب، واللواء الأول المتمركز في منطقة عمران، وكان من المقرر لهذه القوات جميعها أن تدخل إلى العاصمة صنعاء، فأعتقد أنّ أحد الضباط في هذه القوات أفشى خبر طلوعهم إلى صنعاء، وقد يكون الخبر وصل إلى علي عبدالله صالح، ولذلك خرج الرئيس من صنعاء، وانتقل إلى محافظة الحديدة، ولهذا تم تأجيل تنفيذ العملية، وكان هذا التأجيل يمثل الضربة القاضية ضد الحركة. وأعتقد أنه لو تم تنفيذ الحركة يوم 11 أكتوبر، دون تأجيلها، كان سيكون حظنا أكثر.

في 15 أكتوبر تمكنّا من الاستيلاء على العاصمة صنعاء، باستثناء اللواء الأول مدرع [الموالي لعلي عبدالله صالح]، والإخوة في الشرطة العسكرية والأمن المركزي قاموا بواجبهم في تأمين العاصمة صنعاء، وسيطرنا على مقر القيادة وكذلك مقر الإذاعة، ولكن الشخص المكلف بقراءة البيان رقم واحد، وهو الأخ عبدالله سلام الحكيمي، اختفى فجأة، وتم تشغيل الإذاعة بمارشات عسكرية، وظلينا منتظرين للأخ عبدالله سلام من أجل يقرأ البيان، ثم ذهبت للبحث عنه في مختلف الأماكن والشقق الخاصة بغرفة عمليات القيادة التنفيذية باعتباري كنت همزة الوصل بين القيادة وبين المجلس العسكري، ولكني لم أعثر على الأخ عبدالله سلام، ثم تحركت المدرعات التابعة للواء الأول مدرع وسيطرت على صنعاء، حتى إنهم سيطروا على مطار صنعاء، وعلى مدرج المطار".

______________________ 

(*) اعتمدنا في تحرير النص على بعض الشهادات الشخصية عن الحدث، وقُدِّم بعضها مكتوبًا للمحرر.

(**)https://www.khuyut.com/blog/hatem-abu-hatim5 

•••
خيوط

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English