المرأة اليمنية بين الحرب والجائحة

أنين صامت في حضرة العنف
فاروق مقبل الكمالي
December 5, 2020

المرأة اليمنية بين الحرب والجائحة

أنين صامت في حضرة العنف
فاروق مقبل الكمالي
December 5, 2020

  لم تكن مروى البيتي (22 سنة)، آخر ضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي، في وطن تتفكك فيه الروابط الاجتماعية تباعًا منذ حلت سنوات الحرب، ولا أحد في مساحة الجغرافيا اليمنية سيجد مبررًا لما أقدم عليه زوج مروى، وهو يبلل جسدها بالبنزين ثم يشعل النار، بينما طفلان بريئان يتابعان بفزع جريمة لن تبارح مخيلتهما ما داما على قيد الحياة.

    ليس ثمة أقسى على طفل من أن تتحول صورة والده، النموذج الخالي من كل الشوائب، إلى مجرد وحش مفترس لا يمتلك ذرة من الرحمة والشفقة.

    سيف، مواطن هالته الجريمة، يقول بفزع ظاهر إن ابنه ذو السنوات الست يصرخ في وجهه كلما سمع منه نبرة حادة في كلامه مع زوجته، ويطلب منه احترامها وعدم الصياح عليها في مواقف لم يألفها سيف وزوجته من أبنائهما الخمسة الذين يسبقونه. يروي سيف قصصًا من مواقف طفله تجاه بعض الكلمات التي يقولها، محاولًا أن يحدث مقاربة في جدران الوعي لموقف طفلي "مروى"، وهما يشاهدان والدهما يشعل النار في جسد أمهما، بينما والدهما يشاهدها تشتعل وتستغيث دونما مغيث حتى الموت، لكن النيران التي أكلت جسد أمهما، أكلت أيضًا صورة والدهما للأبد.

العنف في أرقام

    ينتشر العنف القائم على النوع الاجتماعي أو العنف الموجه ضد المرأة في المجتمع اليمني في منحى متصاعد، لكنه مخفي خلف ستارة من الجهل بأهمية الإفصاح وطلب المساعدة، أو في فارق اعتبار هذا الفعل أو ذاك يندرج ضمن تصنيف العنف، أو بكون هذا الفعل عملًا رجوليًّا مؤدِّبًا لتصرفات غير مرغوب بها تظهر من الطرف الآخر الأكثر ضعفًا في الواقع.

    في 3 أشهر فقط من العام الجاري 2020، سجلت عشر محافظات -معظمها خاضعة لسلطة أنصار الله (الحوثيين)؛ هي: ذمار، البيضاء، عمران، صنعاء، تعز، إب، ريمة، صعدة، حجة، والحديدة- 593 حالة عنف توزعت بين جسدي (جنسي) ونفسي، تم الإبلاغ بها عن طريق الخط الساخن، حيث حال اتباع الإجراءات الوقائية لمواجهة فيروس كورونا دون التمكن من النزول الميداني إلى الحالات المعنفة وإجراء البحوث ميدانيًّا، وفقًا لمديرة الإدارة العامة لشؤون المرأة والطفل في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في حكومة صنعاء سبأ أحمد علي، في حديثها لـ"خيوط".

مسؤولة شؤون المرأة والطفل في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل تؤكد أن المرأة اليمنية كان وضعها مستقرًّا، ولم تكن تسجل الكثير من حالات العنف القائمة على النوع الاجتماعي، حتى حلت الحرب بآثارها المدمرة اجتماعيًّا واقتصاديًّا، ليضيف إليها فيروس كورونا بعدًا آخر مدمرًا، بالنظر لما رافقه من إجراءات احترازية وقائية

    وتوضح أن أكثر معدل لحالات العنف جاء من الشريك (الزوج)، يليه الأسرة، ثم المجتمع؛ إذ يكشف ارتفاع مؤشرات العنف الجسدي من قبل الأزواج ضد زوجاتهم -وفق حديثها- عن الأثر النفسي الكبير المترتب عن الحرب وضغوطاتها الاقتصادية، وأيضًا ما ترتب عن انتشار فيروس كوفيد-19، وما رافقه من إجراءات وقائية احترازية وحجر منزلي.

    بخصوص اليمن، يرى صندوق الأمم المتحدة للسكان، أنها تشهد أكبر أزمة إنسانية في العالم، مع استنفاد آليات التكيف للنساء والفتيات إلى أقصى حد، في حين أن انهيار أنظمة الحماية جعلهن أكثر عرضة للعنف وسوء المعاملة، إذ يؤكد الصندوق أنه عمل مع شركائه في مارس/ آذار الماضي، على توفير خدمات الحماية إلى أكثر من 71 ألف امرأة.

    تؤكد سبأ، التي كانت واحدة من خبراء فريق الحماية في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل قبل أن تصير مديرة عامة لشؤون المرأة والطفل، أن المرأة اليمنية كان وضعها مستقرًّا ولم تكن تسجل الكثير من حالات العنف القائمة على النوع الاجتماعي، حتى حلت الحرب بآثارها المدمرة اجتماعيًّا واقتصاديًّا، ليضيف إليها الحجر الصحي كإجراء احترازي لمواجهة تداعيات فيروس كورونا بعدًا مدمرًا آخر. 

    الخبير الاجتماعي طلعت حسين أستاذ الخدمة الاجتماعية بجامعة صنعاء، يؤكد لـ"خيوط"، أن الحرب والحصار الاقتصادي ومن ثم كوفيد-19، تسببت بزيادة الاحتياجات الإنسانية وارتفاع أسعار السلع الأساسية وتوقف العمل وبقاء الكثير من أرباب الأسر في البيوت دون عمل، فترتب عن هذا كله زيادة في العنف القائم على النوع الاجتماعي، حيث إن تلك المتغيرات الاقتصادية والصحية التي يواجهها الرجل يوميًّا تنعكس على شكل ممارسات عنيفة ضد المرأة في المنزل وفي المجتمع.

    ويوضح طلعت في حديثه لـ"خيوط"، أن وجود نحو 3 ملايين نازح يمني يعيشون في مخيمات النزوح في وضع معيشي هو الأسوأ في العالم، يترتب عليه تعرض النساء والفتيات للعنف بصورة مستمرة، وقد يمتد هذا العنف إلى منع الفتيات من التعليم، حتى وإن كُنا على مشارف الدراسة الجامعية، أو حتى على مستوى الأطفال الصغار في سن الصفوف الدراسية الأولى، خلافًا لما كان في السابق.

    يضرب الخبير الاجتماعي طلعت حسين، مثالًا لما يجري من تسرب من التعليم الجامعي بما حصل مؤخرًا في كلية الآداب - جامعة صنعاء، التي كانت أكثر احتواء للطالبات، حد قوله. وبسبب الحالة الاقتصادية والحرب وكوفيد-19، فإن 7 من أقسام الكلية لم تسجل فيها سوى 10 إلى 15 طالبة، وهذا مؤشر، يعتبره تأكيدًا على أن الأسر أحجمت عن تدريس بناتها في الجامعات.

جوانب مخفية

    يشير صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى إمكانية أن يرتفع، وبشكل كبير، عدد النساء غير القادرات على الوصول إلى أدوات تنظيم الأسرة، وبالتالي ارتفاع حالات الحمل غير المقصود، والعنف القائم على نوع الجنس، والممارسات الضارة الأخرى في الأشهر المقبلة.

    كما سيجبر النقص الحاد في التمويل الصندوق على وقف توفير خدمات الصحة الإنجابية المنقذة للحياة في 140 مرفقًا من المرافق الصحية في اليمن. وإذا أغلقت هذه المرافق، فستنقطع نحو 320 ألف امرأة حامل عن خدمات الصحة الإنجابية، ويمكن أن تموت أكثر من 48 ألف امرأة بسبب مضاعفات الولادة الطارئة.

   كما تأثرت الخدمات المقدمة للناجيات من العنف، وتم إغلاق 14 مساحة آمنة كانت تقدم خدمات للناجيات من العنف، وأربعة مرافق مختصة بالصحة العقلية للنساء.

    في الجانب المخفي من تبعات العنف القائم على النوع الاجتماعي، تبرز العديد من الآثار والتبعات التي تهدد الأسرة اليمنية، وبينما يتعامل المجتمع اليمني بشكل سطحي وعابر مع تلك الآثار فإنه لا يربطها بالعنف القائم على النوع الاجتماعي ويتعامل معها كظواهر اجتماعية منفصلة كلية عن واقعها الحقيقي، وتلك الآثار والتبعات هي تزويج الصغيرات، التي يتم تأطيرها علميًّا تحت مسمى "الممارسات الخاطئة"، كواحدة من مظاهر العنف القائم على النوع الاجتماعي غير أنه لا يوجد أي إحصائيات في هذا الجانب. 

   ويتفق كلٌّ من سبأ أحمد علي وطلعت حسين، في أن العنف حين يصل إلى مرحلة متقدمة يبرز الطلاق كنتيجة حتمية في هذا المشهد، يعقبه بروز ظاهرة تزويج الصغيرات كنتيجة أخرى.

    يشير طلعت إلى تزويج الصغيرات كظاهرة كانت موجودة في السابق قبل الحرب، لكن الأوضاع الراهنة تسببت بدفع الكثير من الأسر النازحة إلى تزويج بناتها الصغيرات؛ إما لعدم القدرة على الإعالة أو بسبب اعتقاد خاطئ لدى البعض أن ما يقوم به هو ستر لابنته، والأخطر من هذا كله أن بعض الأسر أرغمت على تزويج بناتها الصغيرات مقابل تفادي الديون ومطالبات سدادها.


•••
فاروق مقبل الكمالي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English