النساء حاكمات

عن حضور المرأة في الحياة الخاصة والعامة
عبدالرحمن بجاش
October 11, 2020

النساء حاكمات

عن حضور المرأة في الحياة الخاصة والعامة
عبدالرحمن بجاش
October 11, 2020

 كلما حضرت فعالية تُشرِف على الإعداد لها المرأة، أخرجُ معجبًا ومرتاحًا لِلَمْسَتِها الجميلة، ترتيب وإعداد، وإخراج نهائي، وكلما تابعت نشاط رضية المتوكل أزداد قناعة بما تحول إلى إيمان.

    في العيادة كانت طبيبة الأسنان تقوم بعملها بطريقة جعلتني أحسدها، عُدت ذات مرة إلى البيت، قلت أحدث نفسي: "قم بترتيب زاويتك كما تقوم الطبيبة أو أم الأولاد بعملها"، ثم صادف أن جاءت تاج الصغيرة، وهي ابنة مريم التي تربت في بيتنا وهي من المحويت، أعادت تنظيف البيت وترتيب كل ما فيه، كنت يومها أعد لاستقبال المذيعة المُعِدّة للبرنامج الزميلة شذى حطام للتصوير في البيت والمكتبة، لقطات ترافق مقابلة أجرتها معي.

    البنت تاج رتّبت كل شيء بطريقة مدهشة، عملت كل شيء بهدوء، إذ لم أسمع لها كلمة تبرم واحدة. نتيجة ترتيبي لزاويتي كشفت لي أن أشياء كثيرة مهمة رميت إلى الحوش. ذلك هو الرجل المتسلط.

    كانت زميلتي في المدرسة والمهنة د. رؤوفة حسن، تزيد إيماني بأن المرأة إذا تولت عملًا أتقنته، ليكبر اعتقاد في رأسي تبلور في شكل سؤال، فقد جربَت هذه البلاد الرجل في الحكم، الذي أثبت فشله، وزرعها حروبًا ودماء وفسادًا منقطع النظير: لماذا لا نجرب المرأة، بأن يتنحى الرجل جانبًا، لتحكم؟ لماذا؟ أعرف معرفة يقينية أنه حتى أولادي الذكور الثلاثة سيرفعون راية العصيان والمطالبة بإخراجي من البيت، لتجاوز كل خطوط الرجولة، ويرفعون لوحة عليها: لا للمَكْلَف!

    "المكلَف" التي تم حشرها في زاوية الانتقاص من قدرتها، والتشكيك حتى بعقلها: "ناقصة عقل ودين"، أنانية الرجل جعلته ينسى أن رسول الله أولًا لا يمكن أن يتزوج ناقصات عقل ودين!

    في التاريخ اليمني ثبت أن المرأة حكمت وأدارت بكفاءة واقتدار، بلقيس وأروى أفضل نموذج للمرأة الحاكمة العاقلة، وبالنسبة لبلقيس فقد هوى الرجل ضعيفًا متردّدًا أمامها "والأمر إليك"، وأروى ملأت الأرض عدلًا، والعدل يأتي بالخير، جيش وعيش!

   أروى عبده عثمان لا ينساها أحد، مثقفة وقيادية نادرة تدري كيف تقود وتدير، ود. أروى عون هي الأخرى نموذجٌ للمرأة التي تدري طريق النجاح وكيف تسير فيه إلى النهاية، ويوم أن نجحت في مستشفى الدم اعتبر حزب أعداء النجاح، نجاحها إدانة للرجل الأناني، فعمل من عمل من أعضاء ذلك الحزب على إبعادها من عملها، واتهمها بالتقصير، فلم تستسلم، وأنصفتها المحكمة الإدارية بأن أعادت لها اعتبارها، فعرض عليها أن تعود، فاعتذرت؛ لأنهم هناك قتلوا طموحها، لكنها الآن تنجح في موقع حياتي آخر.

تنازل عن أنانيتك وأفسح المجال لها، فهي الزوجة، الأخت، الزميلة، الصديقة، ابنة العم والخال. ويكفيها الأمومة، فهذه بحد ذاتها حياة كاملة

    الرجل تربّى على الأنانية، وعلى أنه المفضل، والمهيمن، ومن يجب ألّا تعصي له الحياة أمرًا، والأمر كذلك فقد تحول إلى ذكر، وأنساه الحكم بمؤامرته ودسائسه وخياناته رجولته فأصبح ذكرًا ككل الذكور.

    نماذج في حياتنا للمرأة العاملة يجعلني أقتنع أكثر بخيار أن نجرب المرأة، ولنا على مستوى العالم أنديرا غاندي، ورئيسة أثيوبيا الحالية، وسناء عبد المطلب العراقية التي أدارتنا حين كنت مديرًا للتحرير، إذ كانت تمثل دروسًا مهمة جدًّا في حياتنا المهنية؛ فهل سمعتم أو رأيتم إنسانًا يقول لك: "لماذا ضميتني على كشف المكافأة وأنا لا أستحق؟!"، تلك المرأة العراقية.

    د. وهيبة فارع، جميلة علي رجاء، رضية المتوكل، نور باعباد، أمة الرزاق علي حمد، د. بلقيس الحضراني، صباح الإرياني، وأسماء أخرى كثيرة، نماذج للقيادة والفعل الناجح. وعلى المستوى الإنساني، فالمرأة في أعماقها إنسان، بينما الرجل في أعماقه شاوش حبس!

    دعونا على الأقل نناقش فكرة "المرأة حاكمة" للرجل أقول: تنازل عن أنانيتك وأفسح المجال لها، فهي الزوجة، الأخت، الزميلة، الصديقة، ابنة العم والخال. ويكفيها الأمومة، فهذه بحد ذاتها حياة كاملة.

    وإن أردتم نموذجًا في اللحظة الراهنة للإدارة الحاكمة، فهناك رئيسة وزراء نيوزيلندا، التي لاءمت قانونًا بين أمومتها وإدارة البلاد، فتنازلت لنائبها أن يتولى الحكم طيلة مدة ولادتها، فالقانون ينظم الحياة، ولا يترك للمدّعين بالقول: وظروفها المانعة لها من التولي. الرجل من أنانيته لا يعترف بمعوقات الإنجاز، فينسى أنه وقت القات يهدر الساعات في الهدرة بينما المرأة في منظمة مواطنة وفي بيت الموسيقى مثلاً، يواصلن العمل إلى وقت متأخر نهارًا بدون قات، والقات يأكل حياتنا بتشجيع من الرجل حاكمًا، فالقات يلهي، لذلك دعهم يخزنون. أما لو أضفنا العامل الجديد- انتشار الحشيش- الذي يدخله الرجل إلى رؤوس الشباب ويقتلهم به فلا حول ولا قوة إلا بالله.

    المرأة لا تخزن وإن خزنت فتكون قد أنجزت عملها، وبعد التخزين لا (توسّح) كالرجل، فتدري أن أمامها خدمة الرجل وإنجاز حاجات أبنائها وبيتها! ولا تحشّش، فهذه مهمة بعض الرجال ليظهروا أحصنة على الفراش، وهو ما يشغله ليل نهار!

    ها هي أمامكم رئيسة وزراء نيوزيلاندا التي انتصرت على الموجة الجديدة لكوفيد-19، ليس بفهلوة ترامب، وخطب الحاكم العربي، بل بحسن الإدارة، والبعد الإنساني الذي جعلها تتحجب وتذهب إلى بيوت المسلمين تحضنهم مواساة لهم غداة تلك الجريمة البشعة التي تمثلت بقتل أكثر من 60 مسلمًا وقت الصلاة في المسجدين.

بالله عليكم جربوا وسوف ترون.


•••
عبدالرحمن بجاش

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English