معلم في وجه المهلكات الثلاث

رسالة "السروري" التي تتجاوز جدران الفصول
منصور أبو الفضل منصور
November 21, 2023

معلم في وجه المهلكات الثلاث

رسالة "السروري" التي تتجاوز جدران الفصول
منصور أبو الفضل منصور
November 21, 2023
.

لم تدخل الحرب بلدًا إلا وخلفت ما هو أشد من القتل والدمار، فقذائف الحرب لا تقتل الناس فقط، بل تقتل معهم الكثير من القيم، إلى جانب أنها تحدث شرخًا مجتمعيًّا حتى على مستوى سلوكيات الناس اليومية. 

إلا في هذا المجتمع الريفي الأصيل، الذي أنهكته الحرب وتبعاتها أيضًا، وقتلت منهم الكثير، لكنها عجزت عن أن تقتل فيهم روح المبادرة، وقيم التعاون والإخاء.

هنا على رأس هذا الجبل النموذجي، يقف المعلم والمربي حمود أحمد السروري شامخًا في وجه الثلاث المُهلكات؛ البرد، والحرب، وانقطاع الراتب، يفتت صخور المستحيل، وهو يشق للناس طريقًا إلى الحياة، كما يشق لأبنائهم كل صباح طريقهم إلى النور. 

قيم التنمية والتعاون

أجزم أن هذا المعلم هو الوحيد الذي يقضي كل يومه مربيًّا؛ فهو في الصباح يعمل مربيًّا لطلاب وطالبات الصفوف الأولى في مدرسة القادسية في عزلة المغارم، مديرية كسمة بمحافظة ريمة، وفي المساء يحيل، بروح المبادرة، طباشير سبورته إلى زبرٍ من حديد، ليُربي المجتمع والجيل -الذي ينظر إليه كقدوة- على قيم التعاون، ويقوم بإصلاح ما خربته مياه الأمطار أو السيول في الطرقات، وتوسيع المناطق الضيقة التي تحتاج إلى توسعة أو تعديل، ويؤدي مساهمته، عملًا، في كل مشروع تنموي يُنفذ بتمويل مجتمعي.

أجبرته الظروف على أن يرسل ابنه البكر عبدالسلام (21 عامًا) إلى منطقة الرقو، بمديرية منبّه، محافظة صعدة، على الحدود مع المملكة العربية السعودية، حيث لا سبيل أمامه إلا الحصول على قطعة خبز أو شظية هاون.

"كاد المعلم أن يكون رسولًا" هكذا رددتُ في نفسي متسائلًا: يكاد المعلم أن يكون رسولًا وهو يؤدي رسالة العِلم، فكيف به وهو يؤدي رسالتَي العلم والعمل معًا؟! 

هذا المعلم الذي يُشعرك أنه وريث الأنبياء، يرى أنّ رسالته السامية تتجاوز جدران الفصول وسور المدرسة، وأن لا قيمة للمؤهل دون قيم، كما أنّ لا قيمة للعلم الذي لا نترجمه إلى عمل.

يرى السروري في نفسه مزارعًا في أرضٍ مقدسة، فيشعر أنّ إشباع العقول أولى من إشباع البطون، ويؤمن أن حصاد ما يزرعه يستحق العناء؛ ولذلك لم يسلك طريقًا آخر للبحث عن مصدرٍ للرزق، بعد أن قُطعت السُّبل بينه وبين راتبه.

الحال وندبة الحزن

فضّل المعلم حمود السروري البقاءَ في مزرعته المقدسة، يلقي بذور المعرفة فيها كل صباح، ويرى زرعه يكبر في كل يوم. وبعد أن ضاق به الحال، أجبرته الظروف على أن يرسل ابنه البكر عبدالسلام (21 عامًا) إلى منطقة الرقو، بمديرية مُنبّه، محافظة صعدة، على الحدود مع المملكة العربية السعودية، حيث لا سبيل أمامه إلا الحصول على قطعة خبز أو شظية هاون.

وفي طريقه للحصول على الأولى، منحته الثانية قواتُ حرس الحدود السعودية، وعلى إثرها فارق عبدالسلام الحياة في 3 سبتمبر/ أيلول 2021، مخلّفًا في قلب والده الصلب ندبة حُزنٍ كبيرة.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English