لماذا مسرح رائد طه؟

شباب التغيير الثقافي
د. نهى الكازمي
May 9, 2022

لماذا مسرح رائد طه؟

شباب التغيير الثقافي
د. نهى الكازمي
May 9, 2022

في الأيام الماضية، شهد موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، جدلًا كبيرًا حول تغيير اسم مسرح الفنان الراحل (رائد طه)، باسم مسرح (مكتب الثقافة)، والذي ورد في إعلان مسرحية (بقعة سراب)، التي عُرضت في عيد الفطر المُبارك، علمًا أن اسم المسرح سابقًا كان مسرح (حافون)، وبعد وفاة الفنان (رائد طه) صدر قرار وزير الإعلام، والمؤرَّخ في مارس 2021، بتسمية مسرح (حافون) باسم الفنان الراحل رائد طه؛ تكريمًا لدوره في إحياء حركة المسرح في عدن.   

وبعيدًا عن التبريرات التي طُرحت حول تغيير اسم المسرح من مسرح (رائد طه)، إلى مسرح (الثقافة)، أو الإبقاء على اسمه الأول، والتي شاركتها مُديرة مكتب الثقافة في عدن على صفحتها الرسمية، على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، والتي دارت حول أحقيَّة جيل الرواد بالتكريم، وأن تكريم الفنان رائد طه بتسمية المسرح باسمه يستوجب بالضرورة تكريم جيل الرواد، وما إلى ذلك من التبريرات، وجدتها غير مقبولة لعدة أسباب؛ أبرزها صدور قرار وزاري بهذه التسمية، وبالتالي من المنطقي الالتزام بهذا القرار. 

كما أنّ مُساءلة هذا الجيل بوجوب تكريم جيل رواد المسرح في عدن والذين سبقوا (رائد طه)، غير منطقي، فالأحرى البحث عن الأسباب التي منعت أصحاب القرار من تكريم المبدعين في المجال الثقافي في عدن في فترة ازدهار الفنون في الألفية السابقة.

فعندما نعقد مُقارنة بين تاريخ (رائد طه) المسرحي، وجيل الرواد، فإننا نقدّم قراءة هشّة لا تُحيط بمُجمل المتغيرات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي واكبت المراحل الزمنية بين رواد المسرح في عدن، وبين فرقة (خليج عدن) المسرحية.

ولهذا كانت محاولة إقناع الشارع العدني بقبول تغيير اسم المسرح بعد مرور أكثر من عام، مرفوضة، فالأغلبية من الشباب بمختلف توجهاتهم، لا سيما جمهور وأصدقاء الفنان الراحل (رائد طه) رفضوا تغيير اسم المسرح، إلَّا أنّ اللافت في هذا الموضوع هو استمرار ضغط الشارع والتمسك ببقاء اسم (رائد طه) حتّى بعد عرض مسرحية (بقعة سراب)، إلى أن فصل في هذا السجال مُحافظ عدن (أحمد لملس)، وأصدر السبت 7 مايو 2022، توجيهًا باعتماد اسم الفنان الراحل (رائد طه) اسمًا لمسرح (حافون). 

انتصر توجيه المُحافظ لرأي الشباب الذين اتخذوا من وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة لدفاعهم عن الفنان (رائد طه).

ما زلنا إلى اليوم نُعرّج على الماضي للبحث عن صورة عدن الثقافيَّة، لا نعرف أن الوجهة الثقافية يجب ألَّا تقاس وفقًا للماضي فقط، فالبعد الزمكاني يجب أن يحتوي حاضر هذه المدينة أيضًا.

إن قضية مسرح رائد طه عكست بوضوح، أن جيل الشباب كوّنوا أيديولوجية خاصة بهم، نتفق أو نختلف معها، ولكنها موجودة ومؤثرة، وكل يوم تُعبّر عن نفسها وتنعكس على وسائل التواصل الاجتماعي عندما تتحول إلى ترند (رائج)؛ لأنها تُخالف الرأي المُسيطر بشكل عام.

فالمطّلع على المزاج العام الذي تُصدّره وسائل التواصل الاجتماعي في اليمن، يلحظ حدوث التغيير في الموجة الثقافية الراكدة منذ زمن، والإصرار على إعادة إنتاج المنظومة الثقافية في بعدها القار، حيث يتآكل البُعد الزمني ليأخذ حيز الآنيّة، بمعنى أنّ قراءة التأثير الثقافي في اليمن يجب ألَّا يقاس بمعيار الزمن الماضي فقط، ولكن يجب أن يأخذ حيثيات الحاضر ويستشرف المستقبل من وجهة نظر الشباب.

عندما نتحدث عن جيل رائد طه نتحدث عن الحاضر، وهذا الحاضر هو الواقع الحقيقي والفعلي الذي لا محالة لحضوره بكل الإيجابيات والسلبيات التي تصدر عنه، وعندما نُقرر عن الشباب لا يمكن أن نقف بموقف الحارس والآمر؛ لأن هذه الصفة فقدت تأثيرها الموجّه بفعل انفتاح هذا الجيل على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث غدا هذا الجيل يستقي معلوماته من مختلف المصادر التي تتفق مع توجهاته وآرائه، ويعبر عن اختلافه مع الأنا التي تمتلك سلطة القرار بمختلف الوسائل المتاحة، ودون الخوف من الآلة الإعلاميَّة المُسيطرة.

ورغم ذلك ما زال الكثير من أصحاب القرار في اليمن يرفض الإنصات والقَبول والاعتراف بمدى أهميَّة رأي الشباب على وسائل التواصل الاجتماعي في القضايا التي تُثار وتتحول إلى ترند، والتمسك بسلطة الصوت الواحد، وهي مشكلة كُرسي الإدارة الأزلي في اليمن.

من الخطورة اليوم، ونحن نقرأ آراء الشباب حول تغيير اسم مسرح (رائد طه)، أن نجد من يُحاول أن يُحرف هذا الرأي الداعم والمتضامن مع الفقيد وتكريمه، ويحملها وجهة سياسية، ومناطقية، ويحولها لقضية مساس بالوجهة الثقافية للمدينة.

ما زلنا إلى اليوم نُعرّج على الماضي للبحث عن صورة عدن الثقافيَّة، لا نعرف أن الوجهة الثقافية يجب ألَّا تقاس وفقًا للماضي فقط، فالبعد الزمكاني يجب أن يحتوي حاضر هذه المدينة أيضًا. 

هو مسرح (رائد طه)؛ لأن من خاطبهم الفنان (رائد طه)، هم أنفسهم الذين استماتوا في الدفاع عن تكريمه المعنوي، هذا التكريم لـ(رائد طه) هو تكريم لجيله أيضًا، فمن قال إن التكريم يجب أن يكون للرواد فقط.

وإذا ما أردناها هكذا فـ(رائد طه) هو ابن هذا الجيل وهو من عبَّر عنهم، وعكس توجهاتهم، هو أحد روّاد هذا الجيل الذي يُحاول أن ينهض ويحقق وجوده الخاص بمعزل عن سلطة الأمر الواقع، وفرض التوجيهات، والتحكم بسلطة القرار تحت تبريرات ومُعطيات لا يمكن أن تصمد ما دامت غير منطقية. 

•••
د. نهى الكازمي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English