سلطان الصريمي

الشاعر المتفرد بأحلام الناس
خيوط
December 19, 2021

سلطان الصريمي

الشاعر المتفرد بأحلام الناس
خيوط
December 19, 2021

يعتبر الشاعر سلطان الصريمي قامة ثقافية وطنية كبيرة، ومن القلائل الذين أثرت كلماتهم في الواقع المعاش وأطربت المسامع في قصائده المغناة من قبل كبار قامات الفن والغناء في اليمن.

من منّا لم تطربه أغنية "تليم الحب" للفنان الكبير أيوب طارش عبسي، وأغنية نشوان للفنان الكبير محمد مرشد ناجي، و"بارق الزهر" و"أنا لك" للموسيقار أحمد فتحي، والأغنية ذائعة الصيت والمترددة على كل الألسنة جيلًا بعد جيل "مسعود هجر"، و"أذكرك والسحايب" وغيرها للفنان الكبير عبدالباسط عبسي، وأغنية "أعشقك" و"لقاء" للفنان الكبير نجيب سعيد ثابت، فقد عبر الصريمي في كلمات هذه الأغاني الخالدة بتفرد، عن هموم الناس وأحلامهم وقضاياهم وكل ما يتعلق بتفاصيل حياتهم اليومية.

الشاعر الدكتور سلطان سعيد حيدر شمسان الصريمي، واشتُهر باسم سلطان الصريمي، من مواليد الحجرية محافظة تعز في عام 1368هـ، الموافق 1948م.

بدأ دراسته في مِعْلَامة القرية، ثم هاجر مع والده إلى جيبوتي وعمره سبع سنوات، وهناك أكمل دراسته الابتدائية ونتيجة لظروف قاهرة لم يتمكن من الاستمرار في الدراسة.

عاد إلى اليمن وعمل في البناء ثم في أحد المتاجر في عدن، وعند قيام ثورة 26 سبتمبر 1962، ترك عمله والتحق بالحرس الوطني، ثم ترك العمل العسكري والتحق بالعمل المدني، وانكبّ على المطالعة الذاتية ليرفع من مستواه الثقافي، إضافة إلى دراسته الليلية، إلى أن انتهت بتحصيل جيد حيث حصل على الماجستير عام 1985م، وفي عام 1990م حصل على شهادة الدكتوراه في فلسفة العلوم الاجتماعية من موسكو.

كما عمل الصريمي موظفًا في عدة شركات للقطاع العام والخاص؛ منها: مدير فرع الشركة اليمنية للتجارة الخارجية في تعز في النصف الثاني من الستينيات، ومدير فرع شركة التبغ والكبريت في محافظة إب في أواخر السبعينيات، ومدير عام تسويق الألبان في الحديدة.

سيرة حافلة ومتنوعة

كما عمل الشاعر الوطني الأديب سلطان الصريمي رئيسًا لمركز الكناري للاستشارات والخدمات الثقافية، ورئيس تحرير مجلة (دروب)، وعضوًا في الأمانة العامة لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، وعضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، ومستشارًا لوزير الإعلام.

كان كذلك عضوًا في الأمانة العامة والمكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني، وعضو مجلس النواب من عام 1993 إلى 1997، وعمل الصريمي أمينًا عامًّا لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين من 1990 إلى 1992، ورأس تحرير مجلة الحكمة الناطقة باسم اتحاد الأدباء، وأيضًا صحيفة الثوري لسان حال الحزب الاشتراكي اليمني.

عُيّن الصريمي مستشارًا إعلاميًّا سابقًا في سفارة الجمهورية اليمنية في القاهرة، وهو الآن متقاعد ويقضي إجازته التقاعدية في منزله في صنعاء.

أعماله الأدبية

صدر للصريمي سبعة دواوين شعرية:

  • أبجدية البحر والثورة.
  • هموم إيقاعية.
  • نشوان وأحزان الشمس.
  • قال الصريمي.
  • زهرة المرجان.
  • هواجس الصريمي.
  • أبجدية الربيع. 

وكتب الشاعر والأديب سلطان الصريمي في الأدب وعلم الاجتماع، وله كتابات وبحوث أدبية واجتماعية وسياسية، ونشر له في معظم الصحف والمجلات العربية واليمنية الشهرية واليومية والدورية.

قصائده الغنائية

غنى كلمات أشعاره، عدد من الفنانين اليمنيين وفي مقدمتهم: الفنان محمد مرشد ناجي، أيوب طارش عبسي، عبدالباسط عبسي، أحمد فتحي، محمد صالح شوقي، نجيب سعيد ثابت، عبدالجليل العسبي، جابر علي أحمد، عبداللطيف يعقوب، رشدي العريقي.

ومن العرب فرقة الطريق العراقية، حميد البصري، فرقة محمد حسين منذر السورية، شوقية العطار، قيس العراقي.

أما قصائده المغناة، فهي كالتالي:

  • تليم الحب: لحن وغناء أيوب طارش عبسي.
  • من ألحان وغناء عبدالباسط عبسي مجموعة كبيرة من الأغاني:

أذكرك، يا صباح الباكر، يا من سلب عقلي، عش السرور، يا شعب، لا تخافي، مباسم الضوء، يا هاجسي، الحفر على صخرة الانتظار، عروق الورد، باكر ذري، الجفاف، عهد، يا منيتي، واعمتي، قنع روحي، ديك الصباح "اللحن تراث يمني"، الزفة، ورد خضبان، ورود نيسان، همس الشروق، متى وا راعية، يا واهب الحسن، ارحمني شوي.

  • من ألحان وغناء نجيب سعيد ثابت:

أعشقك، لسبتمبر، مزمار للوطن، ولقاء.

كما غنى له:

عبدالجليل العبسي يا مطمعات. بارق الزهر "لحن تراث يمني"، وأنا لك لحن وغناء أحمد فتحي.

أنا لك لو نسيت: لحن وغناء محمد صالح شوقي، لحّنها وغنّاها أيضًا رشدي العريقي. وطن: لحن وغناء قيس العراقي. نشوان: لحن وغناء محمد مرشد ناجي؛ غنى بعض مقاطعها جابر علي أحمد. خطوة بعد: لحن حميد البصري وغناء شوقية العطار. أمي والطاعون: لحن وغناء عبداللطيف يعقوب.

أبجدية البحر والثورة: لحن حميد البصري قائد فرقة الطريق العراقية، في سوريا أداء فرقة محمد حسين منذر، وفي اليمن شارك في تمثيلها نجيب سعيد ثابت شوقية العطار، وعدد من الفنانين. 

قصيدة وقصة

في الثاني من فبراير/ شباط 2016، نقل ذو يزن مخشف (حفيد الفنان الراحل محمد مرشد ناجي) من مصادره، قصة أغنية "نشوان" التي كتب كلماتها الشاعر سلطان الصريمي، ينقل مخشف:

يقول الفنان الكبير محمد مرشد ناجي حول الأغنية الأشهر في اليمن "نشوان لا تفجعك خساسة الحنشان"، إنه وفي العام 79م، بدأت مفارقات على حدود شطري الوطن، واستمرت في التصاعد إلى درجة خطيرة.

ودعيت في ليلة رمضانية إلى منزل الأخ علي ناصر محمد رئيس الوزراء وبحضور مجموعة من القيادات السياسية والشاعر الملحن حسين المحضار والفنان عبدالرحمن الحداد، قال الحاضرون: سمعنا أن لديك أغنية بعنوان "نشوان" نود سماعها، وقلت: هذه أغنية رُفضت كلماتها عام 77م من قبل القيادة، قالوا: نسمعها الليلة، وفهمت وأسمعتهم، فقال العميد علي أحمد ناصر عنتر: يا بن مرشد هذه الأغنية بمئة خطبة، وغدًا تسجلها للإذاعة، ولم يكن هناك أي ملاحظة على القصيدة؛ لأن الحاضرين ما كانوا على علم بأسباب رفض القصيدة في العهد السابق، سوى الرئيس سالمين وصاحبه عبدالفتاح إسماعيل.

وأقول إن هذه القصيدة التي كتبها الشاعر سلطان الصريمي ووجدتها منشورة في أحد أعداد مجلة الحكمة، كانت قصيدة جريئة في تناولها لقضايا الأرض وهموم الإنسان اليمني في المناطق الشمالية، وتمجد ما يجري من تحولات اقتصادية ووطنية في المناطق الجنوبية، وقد قرأت هذه القصيدة على الشاعر القرشي عبدالرحيم سلام بعد أن اخترتها لتقديمها كأغنية تعالج قضية الإنسان اليمني بشكل عام بأسلوب "المرمزة" الشفافة، فقال خيرًا ما اخترت، ثم أطلعته على نيتي في إضافة بيت هاجم السلطة في الجنوب، وأقصد بذلك الرئيس سالمين وجماعته وليس القيادة السياسية التي ما كان لها حول ولا قوة في الحكم، فقال القرشي: افعل ما بدا لك. وحانت حفلات أكتوبر 77م، وكان أول من عرضت عليه قصيدة نشوان الصديق طه غانم، فقال: أبو علي هذا غير معقول! وأثناء حديثنا أقبل رئيس لجنة الاحتفالات الأخ سالم باجميل، وكان صديقًا للرئيس سالمين، وسألني بعد أن قرأ مطالع القصيدة: أتريد أن تقدم هذه القصيدة؟ قلت: نعم، وماذا فيها؟ قال: وماذا تعني بالعصابة؟ قلت: لست ما أعني أنا وإنما الشاعر، قال: سأريها "الشيبة" ويعني الرئيس سالمين والأمين العام عبدالفتاح إسماعيل لمعرفته باللهجة، ورُفضت القصيدة، وألغيت مشاركتي في الحفل.

المهم أنه بعد إجازة هذه الأغنية تم تسجيلها على العود عصر اليوم التالي، ولم أندهش من ذكاء القيادة السياسية عندما ظلت الإذاعة تذيع إعلانات بين وقت وآخر من صبيحة اليوم الثاني تلفت انتباه المستمعين إلى إذاعة أغنية جديدة بعنوان "نشوان" في الخامسة بعد الظهر، الأمر الذي جعل المواطنين في الساحة اليمنية والجزيرة والاستريوهات، في قمة الشوق لسماعها وأذيعت الأغنية في موعدها. ما أستطيع قوله إنها تعرضت إلى تحريم سماعها في المناطق الشمالية والجزيرة ولو سجلت إذاعة صنعاء الأغنية وقت إذاعتها من عدن لفسدت الأغنية وجعلت المستمع يفكر في كلمات الأغنية على أنها لا تهاجم صنعاء وحسب، ولكن.. كما سرت إشاعة بعد ذلك بأن الشاعر سلطان الصريمي الذي كان وقتها يقيم في الحديدة قد رحل إلى صنعاء للاعتقال وهو ما يؤكد خطورة الأغنية الناجحة والتأثير الوارد فعاليته في الجماهير، وقصيدة الشاعر سلطان الصريمي "نشوان" عندما نشرت في مجلة الحكمة اليمانية في عهد الرئيس الحمدي لم تنزعج منها الدوائر الحكومية المختصة لسبب بسيط، هو أنها كانت خارج دائرة التأثير والفعل الجماهيري، ولكن عندما طارت على أجنحة نغم دخلت ضمن مكونات الذوق والإحساس الشعبي، وهنا أحست الجهات المختصة بالخطورة وأعماها الغضب فلم تتفحص مضمون القصيدة ولا زمن كتابتها، فداهمت الشاعر في مأمنه وهو لا يعلم من الأمر شيئًا.

وأختتم الحديث بالقول: إن الصدق الفني في أغنية نشوان في عناصرها الثلاثة أعطاها الانتشار الواسع ليس في اليمن فحسب، وإنما الجزيرة وعموم الخليج العربي والمنظمات الوطنية العربية على الرغم من لهجتها الكلامية لمنطقة معافر اليمنية وما تحمله في طياتها من مفردات "مرمزة"، قد يصعب فهمها حتى على البعض من أهل المنطقة نفسها، وأقول هذا الكلام لمن أتعبوا الشعر والغناء في البحث عن التمجيد الأجوف للإنجازات العادية التي هي من صميم واجبات الدولة أو الفردية القيادية، وأتعبوهما على الوجه الآخر في كتابة الملاحم الصغيرة والأوبريتات غير الدقيقة فنيًّا تحت دعاوى الأعمال الثورية والوطنية وصرفوا في سبيل ذلك مبالغ طائلة والناتج أن المواطن اليمني المقصود بكل هذه الأعمال -دعك من غيره- لم يحس بها إطلاقًا، لتجردها من الصدق في حياته السياسية والاجتماعية، وبالتالي يأتي الخلق الفني باهتًا ولا يمتزج مع الوجدان الجماهيري. كما أن الفنان المرشدي كانت له صلته بالقيادات السياسية، فقد كان على صلة بعبدالفتاح إسماعيل الذي غنى له قصيدة "تاج النهار".

قصيدة نشوان:

نشوان لا تفجعك خساسة الحنشان

ولا تبهّر إذا ماتت غصون البان

الموت يا ابن التعاسة يخلق الشجعان

وقد خلق في عبر شوك السنف ريحان

ولصّي شمع اليتامى فوق جبل ردفان

وثبّت الحق كل الحق في عيبان

فكّر بباكر ولا تبكي على ما كان

*****

قطر العروق شايسقي الورد يا نشوان

حسّك تصدق عجائب طاهش الحوبان 

ولا تصدق حكاية بنت شيخ الجان

أصحابها ضيعوها كسروا الميزان

باعوا الأصابع وخلوا الجسم للديدان

وقطعوها على ما يشتهي الوزّان

*****

لكن دم الضحايا صانع الألحان

لحن لصنعاء نشيد الأرض والريحان

خلاها تفرد جناح الحب يا نشوان

ولاح برق المعنى فوق جبل شمسان

ينقش على الصخر والأحجار والعيدان

لا بد ما يلتحم جرحي إلى جيزان

لكن زرع الحنش وحارس البستان

يشتي يركّب براس الجنبية جعنان 

*****

نشوان في سوقنا ما أرخص الإنسان

سوق المذلّة وسوق الزور والبهتان

كل الحلا والدلا مطلي على اللسان

وفي الدواخل يسيل الغدر كالوديان

الخبز غالي غلاء الصوم في شعبان

وساعدي يشتروه بأرخص الأثمان

والأمر أمر الذي من الغبار مصطان

يقطع ويمنع ويلعب لعبة الفئران

أما صديق الغبار دائم أبوه تعبان

*****

نشوان سامح من جنن وحشّر 

ومن ردع عرض الجدار وفكّر

ولا تسامح من رقد وفسّر 

أو الذي من عومته تكسّر

أما الذي عند المصيبة يفتر 

وفي النفس يهدر هدير عنتر

يحتاج ملء هذا الصميل وأكثر

لأنه ماهوش بس جبان يفشّر 

وإنما من الحناشة أخطر

*****

نشوان أنا فريسة المصالح

ضحيّة الطبال والقوارح

من يوم خلق سيف الحسن وصالح

وأنا غريب في قريتي أشارح 

أبني المكاسر وأزرع البراصح

والفائدة لمن مسبّه فاتح

والويل لمن في سوقنا يصارح

*****

نشوان كم في جعبتي نصائح

وكم ورم قلبي من الفضائح

وكم شاسامح لو أنا شاسامح 

أوصيك لا تهرب ولا تمازح

ولا تفتجع من كثرة المرازح

شق الطريق وظهر الملامح

حتى تعانق صبحنا تصافح

وينتهي الإرهاب والمذابح

        * * *


إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English