موت بطيء لشريان حياة

صنعاء – الحديدة.. طريق آيل للسقوط
جميل الجعـدبي
March 2, 2022

موت بطيء لشريان حياة

صنعاء – الحديدة.. طريق آيل للسقوط
جميل الجعـدبي
March 2, 2022
waleed Al-Hashimi © Khuyut

على ربوة مطلّة غرب العاصمة اليمنية صنعاء يرقد 60 خبيراً صينيا تحت ثرى اليمن، قضوا نحبهم بعيداً عن وطنهم في ظروف مناخية قاسية، أثناء تعبيد أول طريق أنشأته الصين في اليمن، مطلع ستينيات القرن العشرين.
الطريق الممتد بطول 231 كيلومتراً، أنجز خلال الفترة من شباط/ فبراير 1959 حتى كانون الثاني/ يناير 1962 مثّل شريان حياة لمعظم سكان المحافظات الشمالية وربطهم بميناء الحديدة. لكن هذا الطريق بقي عُرضة لعوامل التعرية والصيانة الإسعافية، والحرب وآثارها، وعوامل أخرى كالأوزان الزائدة لشاحنات نقل البضائع، والتي تكاد تجهز على البقيّة الباقية منه.
ساهمت مشكلة الأوزان الزائدة في تدمير أجزاء من الطريق لعدم التزام سائقي الشاحنات بالأوزان المحددة في قانون الأوزنة. حيث أكد تقرير مشروع إدارة أصول الطرق باليمن الصادر عن البنك الدولى عام 2012، أن ضعف السيطرة على حمولة المركبات يُسرّع في تدهور الطرقات، مستشهداً بطريق صنعاء- الحديدة، والذي "لم يكن ليصل إلى هذه المرحلة من التدهور لو أنه كان يصان دورياً مع ضبط الوزن المحوري".
وأشار تقرير البنك الدولي إلى أن سياسات الحكومة تسمح للشاحنات بنقل حمولات تزيد خمسة أطنان عن المسموح به، وأن شاحنات نقل الوقود لا تدفع أية غرامات على تجاوز الحمولة، ويسمح لمن يحجز من المخالفين بالعبور إذا دفعوا الغرامة.
ووفقا لمسؤولين في مؤسسة الطرق تقدر حجم الاوزان الزائدة ضعف الحمولة القانونية، مشيرين إلى أن ما تحمله شاحنتين إثنتين خارج اليمن تحمله شاحنة واحدة تعبر هذا الطريق. 

حفريات متكررة وحوادث مرورية متزايدة 

بعد شهور على ترميم 22 كيلومتراً من طريق صنعاء- الحديدة في العام 2019، كنموذج نجاح يحتذى به وفقاً لتصنيف مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع والبنك الدولي(المؤسسة الدولية للتنمية)عادت التشققات إلى سطح الطريق من المدخل الغربي لمدينة صنعاء.
وخلافاً لما خطط له، لم يزد هذا المشروع من فترة حياة الطريق المتهالك، ولا في إرتفاع نسب السلامة المرورية سوى لأشهر، قبل عودة الحفريات للطريق الذي يعاني من ضغط في حركة المرور تتجاوز 10 ألف مركبة يومياً بما فيها شاحنات نقل البضائع والمساعدات الإنسانية.
عبر نافذة تلقى الشكاوى والاستفسارات المخخصة في موقع مكتب مشاريع الأمم المتحدة، تلقينا رداً عبر الرقم الخاص برسائل الواتساب غير ممهوراً بتوقيع مسئولي المكتب، 

عند منطقة الخُسَمة - 7 كلم عن صنعاء-، تنتشر الحفريات على سطح الطريق بامتداد يصل لـ50 متراً. يقول سكان محليّون إنها تعود بعد فترة قصيرة من إصلاحها. وخلال فترة تنفيذ التحقيق في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 وقعت حادثتا سير أسفرتا عن إصابة طفل ورجل. 

أجاز القانون التصالح مع المخالف في حال دفع غرامة مخفضة، تساوي نصف الغرامة القانونية، وهو ما فتح ثغرة للالتفاف على القانون، فقيمة الغرامات المفروضة هنا لا تتناسب مع حجم الأضرار التي تتعرض لها الطرقات جراء الحمولات الزائدة.

يعلق عصام حول حادثة وقعت مؤخراً: "كان هناك طفل واقفاً على حافة الطريق في المنطقة الترابية منتظراً مرور السيارات للانتقال إلى الجانب الآخر من الطريق وبينما هو ينتظر كادت سيارة أن تخطف روحه عندما حاول السائق الهروب من الحفر المنتشرة في الطريق".
من جانبه، يقدر العقيد محمد المندي، مدير مرور مديرية بني مطر في محافظة صنعاء، عدد حوادث السير في المديرية من حادثين إلى 5 حوادث يومياً.
ويقول مسؤول شرطة المرور أن: "شاحنات البضائع تحمل ضعف الوزن المقرر لها، ما يؤدي أحيانا إلى إنقلاب الشاحنة وسط الطريق وتوقف حركة السير لمدة يوم".
إلى منطقة مناخة 80 كيلومتراً من صنعاء، يقول فواز العميسي مدير مركز صيانة الطريق هناك، أن: "الحمولات الزائدة تسببت ب 80% من دمار الطريق"، "نرمم جزء من الطريق وننتقل لجزء آخر فتكون الأضرار ظهرت في الجزء السابق"، معتبراً مهام فريقه لا يعدو كونها محاولات لإنعاش الطريق فقط .
ويقدّر نسبة مرور المركبات يومياً ما بين 60 إلى 100 شاحنة بأوزان زائدة، "شاحنات النفط تحمل 120 ألف لتراً، وهو ضعف الحمولة الإفتراضية 60 ألف لتراً".
وبحسب العميسي، تسببت الأوزان الزائدة في تهشم سطح الإسفلت وتموّج طبقته، واتساع رقعة الحفريات، "لقد أصبح الطريق شبه متهالك"، يضيف محذراً "إذا لم يوجد توجه سريع لإنقاذه فربّما ينهاركلياً". ويضيف: "كنا قبل 3 سنوات نرمم 5 أمتار من الاسفلت على طول الطريق، بينما اليوم توجد مناطق تصل 100 متراً تحتاج ترميم". 

قانون أوزان بلا موازين 

لا يسمح قانون الأوزان والأبعاد الكلية لمركبات النقل بزيادة الوزن الإجمالي لمركبات نقل البضائع عن 20 طناً لشاحنة ذات محورين، و28 طناً لذات الثلاثة محاور، و33 طناً للشاحنة ذات المحورين مع مقطورة ذات محور واحد، و 41 طناً لذات الأربعة محاور، و 45 طناً لذات الخمسة محاور أو أكثر.
القانون صدر في العام 1994، إلاّ أنه بقي حبيس الأدراج، حتى إعداد هذا التحقيق، وهو ما يؤكده تعهد حكومة صنعاء عند تشكيلها أواخر 2016م، فقد جاء في برنامجها من ضمن المهام التي تنوي تنفيذها تفعيل قانون الأوزان المحورية والأبعاد الكلية لمركبات النقل، ومواصلة تشغيل محطات الوزن المحوري القائمة. 

https://arij.net/beta_inv/Sana'a-road/graphics/img/section-cut03.png

وأوكل القانون مهمة إدارة محطات الوزن المحوري وضبط مخالفات الشاحنات إلى لجنة من مندوبي هيئة الطرق ووزارات الداخلية والنقل والمالية.
وأجاز القانون التصالح مع المخالف في حال دفع غرامة مخفضة، تساوي نصف الغرامة القانونية، وهو ما فتح ثغرة للالتفاف على القانون، فقيمة الغرامات المفروضة هنا لا تتناسب مع حجم الأضرار التي تتعرض لها الطرقات جراء الحمولات الزائدة.
وبعد عام على صدور القانون، صدر القانون رقم 22 لسنة 1995 في أيار/ مايو 1995 بإنشاء صندوق صيانة الطرق، وتم فرض نصف ريال يمني عن كل لتر بنزين لدعم الصندوق لإصلاح الطرقات.
القانون بقى هو الآخر أسير الروتين الحكومي لمدة عام منذ صدوره حتى موافقة البرلمان عليه في السابع من كانون الأول/ ديسمبر 1996، وأضاف مندوبين من أربع وزارات إلى الجهات المختصة بالطرق، وهي: الإنشاءات والإسكان، التخطيط والتنمية، الإدارة المحلية، الصناعة، النفط.
لكن بعد 38 يوماً من إصدار القانون أُجرى تعديل عليه في كانون الثاني/ يناير 1997 ليكون رئيس الوزراء هو المشرف على الصندوق بدلاً من وزير الإنشاءات.
وبعد 3 سنوات جاء قانون جديد بتعديلات قضت بإلغاء التعديلات السابقة وأعادت مهام الاشراف على صندوق صيانة الطرق إلى (الوزير) بدلاً عن (رئيس الوزراء).
رفع القانون الجديد رسوم إستخدام الطرق من نصف ريال لكل لتر بنزين/ ديزل إلى 5% من تكلفة كل ليتر، حسب بيانات صندوق صيانة الطرق، وجاء هذا القانون ليعالج شحة موارد الصندوق من الرسوم والغرامات المفروضة على المخالفات ، وليحقق قدراً من الموائمة بين أضرار الاوزان الزائدة وتكاليف الصيانة، إلاَّ أنه بقي مع وقف التنفيذ لمدة 12 عاما، حتى العام 2012.
التطبيق الجزئي لقانون إنشاء الصندوق رقم (27) لعام 2000 لم يدم طويلاً، فسرعان ما لاحت في الأفق بوادر نزاع حكومي - حكومي على أحقية صرف أموال الصندوق، تجلّت في إتهام مسؤولي الصندوق لوزارة المالية بـ"عدم الانتظام في التوريد والتصرف بمبالغ كبيرة من دون معرفة الصندوق، ولأغراض ليس لها علاقة بقانون إنشاء الصندوق".
بعد 10 سنوات على صدور القانون السابق، جاء القرار الجمهوري رقم (15) لسنة 2009م، الذي صدر في 18 شباط/ فبراير 2009، ليعيد رئيس الوزراء للإشراف عليه تحت منصب رئيس المجلس الأعلى للطرق، ككيان إداري مستحدث مختص بالطرقات، تم فيه إستبدل مندوبي الوزارات بالوزراء أنفسهم. 

نفخ في قربة مقطوعة 

عملياً يعتقد المهندس محمد الحكيمي، رئيس قسم الإسفلت بمؤسسة الطرق، أن المشكلة تكمن في عدم تعاون الجهات المختصة لتنفيذ قانون الأوزان على أرض الواقع، وفي تقييمه لحجم الأضرار عن الأوزان الزائدة في طريق صنعاء-الحديدة، لفت الحكيمي إلى وجود طريقين اثنين "خط صنعاء- الحديدة، وخط ذمار- الحسينية" قال إنّ مشاكل الأوزان الزائدة فيهما مستمرة "من الثمانينات حتى الآن
بلهجة شعبية يلخّص المشكلة:" كُلّما رمّمنا كُلما تخرّب، وكله باتجاه الحديدة، والحمولة الزائدة تدمّر لنا الخط"،وعن الأسباب إنتقد الحكيمي عدم وجود عمل إرشادي وتوعية "كلّ واحد يرمى على الثاني، هذه هي المشكلة".
بعد عملية الترميم يقول إن الحمولات الزائدة تقوم بالضغط على الطريق فيؤدي إلى إنهيار أو تشقق أو تصدع، وبالتالي تقصير عمره الإفتراضي " بدلا من 10 سنوات يتراجع إلى سنة أو سنتين في بعض الأحيان".
"ننفخ في قربة مقطوعة" قال الحكيمي الذي كان يغربل على طاولة مكتبه آنية ممتلئة بالحصى الأسود للفحص المخبري، مبدياً تذمره "نحن يد واحدة مكملة لأيادٍ أخرى مسئولة عن الموضوع".
قال إن خسائر الوزن المحوري تكلفهم مبالغ باهظة جداً، تكاليف الترميم تأتي على حساب مشاريع أخرى
في الأثناء يتوزّع 120 عاملاً مقسمين على فريقين اثنين يعملان باستمرار في صيانة الطريق"، الذي يعد الشريان الوحيد لإمداد سكان صنعاء والمحافظات المجاورة لها بالمواد الغذائية والأدوية والوقود منذ احتدام المواجهات والتدخل العسكري الخارجي في اليمن آذار/ مارس 2015م. 

https://arij.net/beta_inv/Sana'a-road/graphics/img/section-cut01.png

أضرار ظاهرة على سطح الطريق 

في سياق متصل، يوثق دليل صيانة الطرق بالأردن الصادر عام 2008 عشرة أضراراً تظهر في سطح الطريق بسبب الحمولات المحورية وكثافة المرور، وتظهر الصور الموثقة تشابهاً كلياً مع اضرار طريق صنعاء- الحديدة الذي اجتمعت في بعض مقاطعه كل هذه الأضرار، مثل مقطع منطقة المساجد 10 كلم تقريبا.
بالإضافة إلى ذلك، جاءت التشققات التمساحية (تشبه جلد التمساح) على رأس قائمة الأضرار المتشابهة، يليها التدميع، ثم التّخدد، فالتّدرج، والزّحف، ثم الانبعاج والتموّج، وتشققات جوانب الطريق.
وبالعودة إلى بيانات وزارة النقل، يلاحظ ارتفاع حركة النقل البري لشاحنات نقل البضائع في صنعاء من 23 ألف شاحنة في آب/أغسطس 2020 إلى 44 ألفا في آب/ أغسطس 2021، وفي الحديدة إرتفعت من 16 ألفاً إلى 18 ألف شاحنة.
انفوجراف حركة النقل والبضائع
تبيّن الإحصائيات السنوية المتوفّرة ارتفاع حركة النقل البرّي لشاحنات البضائع في صنعاء من 135 ألف شاحنة عام 2019 إلى 400 ألف شاحنة 2020، والحديدة من 146 إلى 224 ألف شاحنة. 

وعود حكومية على الورق بتفعيل القانون 

أعلنت حكومة صنعاء نيتها تفعيل قانون "محطات الوزن المحوري"، وتبعتها عدة تصريحات كان آخرها ما خرج به اجتماع لوزيري الصناعة، والطرق في الخامس والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر 2021، من تأكيد على التنسيق بين الوزارتين لتفعيل محطات الوزن المحوري وتطبيق القانون.
وفي 2 أيلول/ سبتمبر 2019 ناقش محمد قحيم، القائم بأعمال محافظ الحديدة مع مسؤولي المحافظة آليات تفعيل القانون, وفي آب/ أغسطس 2021، أعلن رئيس هيئة تنظيم شؤون النقل البري وليد الوادعي، أهمية تفعيل القانون 27 حزيران/ يونيو 2021 أكد وزير النقل على نفس الموضوع وهو تفعيل القانون،
وفي العام 2020 أكد نائب رئيس الوزراء وزير المالية، بضرورة التعاون المشترك لتفعيل القانون وإنشاء محطات الوزن المحوري بصورة عاجلة.
وفي تصريحات أخرى للحكومة بالتوعد بمعاقبة وضبط مخالفي الأوزان، لكنها تشبه وعود عرقوب، فلم تتخذ إجراءات عملية لتنفيذها للحد من استنزاف عجلات شاحنات الأوزان الثقيلة الزائدة لطبقات إسفلت طريق صنعاء- الحديدة.
بينما أعلن عبدالله القيري من صندوق صيانة الطرق اعتزام الصندوق إنشاء محطات وزن على الطرق الرئيسة في 22 موقعاً في شباط \ فبراير 2021، وهو ما لم يتم تنفيذه.
وفي ندوة متخصصة حول الموضوع، كشف مدير الأشغال بالحديدة حميد شرف، تضرر محطة الوزن المحوري على طريق كيلو ١٦ بقصف الطيران وتدميرها بالكامل.
ولكن حتى قبل تفاقم الأزمة واندلاع الحرب العام 2015، وتعطل المحطات لم يكن الوضع بأحسن حال، ففي حوار صحفي سابق في العام 2013 قال نائب مدير محطة الحديدة عادل العرشي إن: "المحطات بنيت منذ الثمانينيات وكانت في مواقعها السليمة، لكن التوسع السكاني تطلب توسع شبكة الطرق وبقيت المحطات وسط التجمعات السكانية المستجدة، وفقدت فعاليتها.
وتشير الإحصائيات المتوفرة رصد محطات الوزن عام 2012، ما يقارب ستة آلاف شاحنة تمت مخالفتها لزيادة الوزن من إجمالي ما يقارب المئة ألف مركبة دخلت 4 محطات في محافظتي تعز والحديدة.
ولا توجد غير محطة واحدة عاملة موجودة في منطقة باجل 120 كيلومتراً من صنعاء تابعة لهيئة الزكاة، وليس لها علاقة بقانون الأوزان. 



توجهنا بالسؤال الى صندوق صيانة الطرق، وزارات الأشغال، النقل، المالية، عن أسباب عدم تفعيل محطات الأوزان المحورية إلا أنه لم يصلنا رد في ظل تداخل الصلاحيات وتراشق التهم بين كل الأطراف بشكل غير رسمي. 

أنجز هذا التحقيق بدعم من أريج. 


•••
جميل الجعـدبي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English