" نورس" عبد الودود سيف

ترفعتَ عن الجَلَبةِ فأسميتُكَ الماءَ
عبدالودود سيف
September 13, 2022

" نورس" عبد الودود سيف

ترفعتَ عن الجَلَبةِ فأسميتُكَ الماءَ
عبدالودود سيف
September 13, 2022
الصورة ©: مجلة الفيصل

خص الشاعر اليمني الكبير والناقد المعروف عبد الودود سيف، منصةَ "خيوط"، بنصوص مجموعته الشعرية (النورس)، والتي تحتوي على مجموعة من القصائد التي تحمل بصمة الشاعر الرائد، الذي شكّلت تجربته الشعرية والنقدية منعطفًا مهمًّا في مدونة شعر الحداثة في اليمن منذ مطلع السبعينيات، وبنى على مدماكها الصلب الكثيرَ من النقاد درسهم لفهم الصوت السبعيني وتأثيراته اللاحقة، في جيلَي الثمانينيات والتسعينيات ومتناسلاتهما في الألفية الجديدة.

قصائد (النورس) التي كتبها في أزمنة وأماكن مختلفة من العالم، خلال أربعة عقود، ولم تنشر في كتاب شعري مستقل، تصير اليوم نورسًا محلقًا ندِيًّا ومتجددًا في فضاءات الزمان والمكان، اللذَين شهدا الكثير من التغيرات الثقافية والسياسية والطوبوغرافية، غير أنّ القصائد بقيت صامدة وطرية كأنها كُتبت من أجل اليوم وقارئ اليوم أيضًا.

فقط اللازمة الصحافية هي التي استدعت كتابة مثل هذا المفتتح التقديمي، فتجربة الشاعر عبد الودود سيف (أستاذ الحداثة) هي التي تقدّم نفسها وبدون وسائط، وتستطيع النفاذ إلى وعي ووجدان المتلقي كنسمة طرية في نهار قائظ.

وتتشرف منصة "خيوط" بنشر الديوان على أجزاء، على أمل أن تتبناه في المستقبل كإصدار ضمن سلسلة كُتُبها التي تسعى لنشرها إلكترونيًّا وورقيًّا ضمن خطط قادمة.

محمد عبد الوهاب الشيباني

رئيس التحرير 

النورس

عبد الودود سيف

 إلى زوجتي جميلة 

الجزء الأول: قصيدة البيرق

البيرق

إلى منصور الحاج: ذاكرة الغربة

1- قشعريرة النار

ترفعتَ عن الجَلَبةِ فأسميتُكَ الماءَ

وخفتُ أن أشربَك دفعةً 

فادّعيتُ أنك البهاءُ

وأنت عذْبٌ وبهِيٌّ

ورغيفٌ محمّى بسافودِ رغباتي..

سيدي ولبابُ مفاصلي، ورفيقي: الحزنُ

أيُّها الشامخ والمترامي كأنفي في هذه اللحظة

وفي لحظة ما بعد ولادتي مباشرةً

أنت الأرقُ الجميل

والذهولُ المتواصلُ ساعةَ اليقظةِ والنوم

وأنت المواعيدُ التي لاتكلُّ، وتتحقق على الدوام

أنت أنا، وقد أثخنتني المواعيدُ

وحمىّ الزيفِ القائظِ، فانتعِلْ ما يروقُ لك

من أوراقي ومحابر أشواقي.

واكتنزْ ما تشاءُ من صهيلِ خيولِ عرباتنا المدويّ

في طرقات سفرنا الواحد

في مخابئ أرض النفي.


لا أحلم بياقوتةٍ تُمَرِّدُ زجاجَ الماء بالقوارير

ولا أحلم بتاجٍ، يكبّل أعضائيَ بالشهوةِ.

فقط أحلم أن أضربَ بك جدرانَ النفي

وأمشي مغمض العينين

من دون أن أفتحَ أنفي على الروائح الرثة.. بحُجّة

تذكيرك لي بخيوط التفاصيل.

موسكو، حزيران 1983

2- أيها الرأس! أيها الوطن!

اغفرا لي حُبَّكما معًا!

رأسي كجرةِ خمرٍ مُلِئَتْ دمعًا!

ثقيلٌ ثقيلٌ كأهدابِ عيوني حالةَ اليقظةِ بَعدَ سُكْرٍ طويل.

رأسي "شوالةُ" قشٍّ

ممطوطًا بدون عناية.

وفي تلافيفه أدغالٌ من حكايا عبّاد الشمسِ

في رأسي تمتزج صورةُ الوطن بالنميمة

والحذاء بالكرباج

والعلِّيقة بالدرك!

أرفع رأسي فتحاذيه مشنقة

وأُحنيه فيلتئم قبرٌ

وأنا مُعجِزٌ كوطني 

وأليفٌ كزوجينِ غادراه في شهر عسلٍ إلى غير رجعة. 


لي أحلامٌ بعددِ عصافيرِ السماء

وبي ترهاتٌ تُنقذني من أعتَى الكوارث

ولكن أجمل أحلامي

أن أكتبَ قصيدةً فيقرَؤُها وطني..


وطني كياسمينة 

مغلقٌ ساعةَ الصحو 

ويسامرني لحظةَ انشغالي عنه بالسُّكر.


لي أن أختارَ بين هذَينِ النَّصْلَين: كرةِ الوطنِ وعقدةِ المقصلة.

وأُسَمِّي انتصارَ أيٍّ منهما بي: قديسًا!

دمشق، نوفمبر 1982

3- البيرق


مثلما يحمل الفارسُ خِنجرَه

أجمل هواك التعب.

لكنّ الفارسَ يحمل خِنجره في صدره.

وأنا أحملُك في أحشائي الخَرِبَة.


إن كان لنا أن نقولَ الصِّدْقَ

نحن جرحان في محارة ٍواحدة.

أنت تقشر أصدافكَ بدون اكتراث

وأنا أقشر لحمة أحشائي متريثًا.


آه، لو كنّا معًا!

فأحملك في خطوي، كما تحمل القشرةُ البذرَة.

سمرقند، أيلول 1983

4- أضغاث رؤيا

كمحارةٍ طليقةٍ في سماواتِ قوس قزح

ماثلةً بي..

جميلةً تكتظين بزُرقةِ البحرِ

الأرضُ ترشقُكِ بِحجل عبادِ الشمس

والبحرُ يرشفُكِ بي كقصيدة

وأنا، بينهما، أُعلِي بيرقي في فضاء ابتهاجي.

ربما كان حُلُمًا!

كانت السماواتُ تتقوس فوق جفنيكِ بلا انحناء

وكنتِ مترعةً – بملء السماواتِ – أدعيةً.. وبهاء.

كنتِ أنا مزهوًّا بأطياف روعي وشكِّي.

فجأة صحوتُ.

ترجّل البُعد وتناءَتِ المسافات

وبَدَوتِ، كما كنتِ؛ أسرابَ نوارس في شواطئ المنفى.

حدّقتُ بيدي. ثَمّةَ رسالةٌ أتمعنُها.. من صديق شاركني غربة النفي. يا لروع القصيدة!

أعلمني كيف تقحّمَ أسوارَ الخوف، ووصل – مؤخرًا – إلى برّ الأمان: العودة إليك!

دمشق، أوائل 1983

5- إلى الشاعر المتفائل: ناظم حكمت


نحن - القادمين من أدغال الظلمات،

الواغلين إلى أحداق أحلامهم بدفتيريا البهق،

والممتلئين بنمش سعال الكلمات الصفراء 

المَحمِيّين – طبيًّا – من التطلع في أحلام الآخرين -

نعلن أننا فرغنا – للتوّ – من تأدية وظائفنا الموكولة

لنا في هذا المتحف – الإنساني – الجميل الذي تسمونه حياة.

أمّا الكرامة البيضاء التي نهتف بمجدها الأبدي 

فهي أن نموت في أوطاننا.

وأن يهَبَنا المتفضّلون – بتطبيق هذه الوصية –

قبورًا على قدر قاماتنا.. بعد استكمال مراسيم الوفاة!

موسكو، يوليو 1983

•••
عبدالودود سيف

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English