الفضاء الافتراضي ساحة صراع للقوى في جنوب اليمن

في صورة "هاشتاغات" أو تقارير موجّهة في مواقع إلكترونية
January 27, 2023

الفضاء الافتراضي ساحة صراع للقوى في جنوب اليمن

في صورة "هاشتاغات" أو تقارير موجّهة في مواقع إلكترونية
January 27, 2023

درج - مجتمع التحقق العربي

قبل أشهر، انطلقت “سهام الشرق/ سهام الجنوب”، الحملة العسكرية للمجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات في جنوب اليمن، وكان الهدف المعلن منها “مكافحة الإرهاب في محافظة أبين”. وقد ترافقت الحملة مع حملات إلكترونية وإعلامية موازية من أطراف النزاع لحشد قواها على الأرض، والتنافس للسيطرة على الرواية الرائجة.

ظهرت وسوم محلية داعمة للمجلس الانتقالي باللغتين العربية والإنكليزية، مصحوبة بتغطية إعلامية محلية كثيفة، وأخرى إقليمية من القوى الداعمة للفصائل الراغبة في الانفصال في جنوب اليمن.

في الجانب الآخر، حاول أنصار “حزب التجمع اليمني للإصلاح” المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين الذي دعمته السعودية عند تأسيسه عام 1990، مجابهة حملة أنصار المجلس الانتقالي، الذين اتهموا الحزب بدعم الإرهاب وتنظيم “القاعدة”. وكان الرد بدفعة من الوسوم المضادة.

بين هذا وذاك، ظهرت وسوم تدعو إلى الانفصال في إقليم حضرموت- الغني بالنفط والأكبر من حيث المساحة- وإعلانه دولة مستقلة، ورفض دخول قوات المجلس الانتقالي إلى أراضيه.

على هامش ذلك، أطلق تنظيم “القاعدة” في اليمن، عملية “سهام الحق” ضد تقدّم الانتقالي، ونشر لقطات مصوّرة لبعض من عملياته على الإنترنت.

في Arabi Facts Hub، ألقينا نظرة على أبرز التفاعلات المرتبطة بالحملات الإلكترونية المتزامنة مع نشاط المجلس الانتقالي والحرب في الجنوب، والأطراف الفاعلة فيها، وآليات الحشد.  

ماذا حدث؟

في 22 آب/ أغسطس 2022، أطلق المجلس الانتقالي في جنوب اليمن عملية “سهام الشرق/ سهام الجنوب” بغرض “مكافحة الإرهاب”، بينما اتهم مسؤولون في الحكومة اليمنية المعترف بها من الأمم المتحدة، المجلس باستخدام حجة الإرهاب للتخلص من وحدات الجيش اليمني المتبقية وبسط نفوذه في هذه المحافظات الغنية بالنفط.

في المقابل، تحدى “حزب الإصلاح”، الذي يعد جزءاً من الحكومة، المجلس الانتقالي بأن يتمكن من إقصائه والسيطرة على مناطق نفوذه في المحافظات الجنوبية.

بدأ المجلس الانتقالي تحركاته لبسط سيطرته، لكن وتيرتها تسارعت في الأشهر الأخيرة، بعد ظهور المجلس الرئاسي بقيادة رشاد العليمي خلفاً للرئيس عبد ربه منصور، الموجود في الرياض، الذي أعلن تشكيله في نيسان/ أبريل 2022.

وتتزامن التحركات مع انتشار الحديث عن سعي المجلس الرئاسي إلى دمج قوات المجلس الانتقالي في الجيش اليمني الموالي للحكومة اليمنية الرسمية، ويتّهمه المجلس بأنه يخضع لتأثير “حزب الإصلاح”، ويقول إن عملياته تأتي لإكمال بنود اتفاق الرياض التي تشمل خروج قوات الجيش اليمني الشمالية “المحتلة” من الجنوب.

ساق المجلس الانتقالي الجنوبي “مكافحة الإرهاب” كشعار أساسي لحملته العسكرية للانتشار في الجنوب. كذلك، استخدم أنصاره الحجة نفسها لتدعم مساعيه في نشر وحدات “الحزام الأمني” و”النخبة الحضرمية”، وهي قوات مدربة ومسلحة جيداً حصلت على دعم كبير من الإمارات

الاتجاه إلى أبين جاء بعد تأكد الانتقالي من سيطرته على محافظة شبوة. في مساء 22 آب، رافقت الإعلان عن عملية أبين حملات آنية تبدو منظمة ومرتبة إلى حد كبير بهدف الحشد الإلكتروني لدعم العمليات العسكرية للمجلس الانتقالي الجنوبي.

قناة “الغد المشرق”، التي ظهرت في آب 2016 ودعمتها الإمارات، ويدير صفحاتها على الشبكات الاجتماعية أشخاص مستقرون بين مصر والإمارات، كانت واحدة من أبرز القنوات الإعلامية المهتمة بتغطية عمليات المجلس الانتقالي وترويج روايته.

لقطة شاشة لخاصية الشفافية توضح أن مديري صفحة قناة “الغد المشرق” على فيسبوك 3 منهم مستقرون في مصر و2 في الإمارات.

إلى جانب تغطيتها التلفزيونية الكثيفة، شاركت القناة في الحشد لهاشتاغ #سهام_الشرق، الذي أُطلق فور الإعلان الرسمي عن العمليات، والذي بلغ ذروته في اليوم الأول لظهوره بأكثر من 4 آلاف تغريدة. كانت القناة تهدف إلى تشجيع الآخرين على استخدامه.

استخدم الهاشتاغ 2020 حساباً، في حين بلغ إجمالي ما كُتب على الوسم- حتى تشرين الثاني/ نوفمبر، 7324 تغريدة و48866 إعادة تغريدة (ريتويت) وما يزيد عن 173999 حالة إعجاب.

كانت حسابات المؤسسات الإعلامية هي الأنشط عبر الوسم، فحساب قناة “عدن المستقلة”، الذي يتابعه في “تويتر” 161 ألف شخص، كان أكثر من استخدم وسم #سهام_الشرق. ونشر وحده 282 تغريدة على الأقل. تلاها حساب صحيفة “اليوم الثامن” المستقرة في عدن، بـ195 تغريدة، ثم قناة “الغد المشرق” بـ 189 تغريدة نشرها حسابها. كانت “عدن المستقلة” صاحبة الحصة الأكبر من التفاعلات، حيث أعيد نشر تغريداتها 9732 مرة، ونالت 25917 إعجاباً.

إلى جانب المؤسسات الإعلامية، حظي الأشخاص والحسابات الفردية بنسبة كبيرة من التفاعلات، من بين هؤلاء: وضاح بن عطية، الذي يعرّف نفسه في “تويتر”، بأنه عضو الجمعية الوطنية الجنوبية وأحد أعضاء وفد مشاورات الرياض.

أدى وضاح، الذي نالت تغريداته 1394 ريتويت و5714 إعجاباً، دوراً كبيراً في الدعوة والحشد للتدوين تأييداً للانتقالي الجنوبي. يتابعه أكثر من 230 ألف شخص على “تويتر”، وقرابة 40 ألفاً في فيسبوك.

كما ساهم في إطلاق وسم آخر ناطق بالإنكليزية (SouthYemenFightsTerrorism#)، بهدف “إيصال الصوت الجنوبي إلى كل العالم”. جمع الهاشتاغ 395 تغريدة وأكثر من 2500 ريتويت و7412 إعجاباً. لكنه لم يكن مؤثراً في شكل ملموس، فتغريداته مكتوبة بالعربية إلى جانب الوسم الإنكليزي.

اعتاد وضاح إطلاق الوسوم ودعوة الجنوبيين إلى التغريد عبر الوسوم التي يقترحها عليهم، بعضها كان يهاجم الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وتستقر حالياً في عدن (#الشرعيه_تعيق_اتفاق_الرياض) وكان جزءاً من حملة التغريد على وسم #مشاريع_الإمارات_التنموية_بالجنوب، في آذار/ مارس الماضي.

وفق تحليل أداة Hashtagify، تخطت نسبة المشاركات من السعودية عبر وسم #سهام_الشرق نسبة 47 في المئة، وهو ما يفسر سر ظهوره وهاشتاغ #سهام_الجنوب في قائمة الموضوعات الأكثر تداولاً في السعودية خلال فترات ذروته.

نسبة المشاركة في السعودية كانت أعلى من اليمن (30 في المئة)، في حين كانت نسبة 20 في المئة من الولايات المتحدة، وذلك بالنسبة الى الهاشتاغ الأول.

حضرموت

ساق المجلس الانتقالي الجنوبي “مكافحة الإرهاب” كشعار أساسي لحملته العسكرية للانتشار في الجنوب. كذلك، استخدم أنصاره الحجة نفسها لتدعم مساعيه في نشر وحدات “الحزام الأمني” و”النخبة الحضرمية”، وهي قوات مدربة ومسلحة جيداً حصلت على دعم كبير من الإمارات.

تركزت التغريدات على مهاجمة “حزب الإصلاح”، متهمةً إياه بأنه يساعد تنظيم “القاعدة” وجماعة الحوثي المسيطرة على صنعاء وشمال اليمن، ومطالبةً بخروج “الاحتلال” من الجنوب، في إشارة إلى وحدات الجيش اليمني في المحافظات الجنوبية. إضافة إلى تهيئة بقية سكان الجنوب لانتشار مماثل في المهرة وحضرموت، بعد إتمام السيطرة على محافظتي شبوة وأبين، سواء عبر فضاء “تويتر” أو بمسيرات على الأرض مؤيدة للانتقالي في هذه المحافظات.

في منتصف أيلول/ سبتمبر، ظهر وسم #حضرموت_جنوبية_ترفض_الإخوان، في إشارة إلى “حزب الإصلاح”. بلغ إجمالي التغريدات على الهاشتاغ 3475 تغريدة و12300 ريتويت و35 ألف إعجاب.

لاحظنا هذا المنشور في مجموعة تحمل اسم المجلس الانتقالي الجنوبي، وتضم أكثر من 100 ألف شخص. إذ نشر شخص اسمه عبدالكريم مقرم، والذي يتابعه 17 ألف شخص، تصميمات وبوسترات تتضمن عبارات مرتبطة كأنها رسائل منظمة موجهة إلى الخصوم وسكان المحافظات التي يعتزم “الانتقالي” دخولها.

وفق تحليل أداة Gephi، سيطر حساب قناة “عدن المستقلة” (باللون البنفسجي في الرسم التوضيحي بالأسفل) على نحو 20 في المئة من تفاعلات هاشتاغ #حضرموت_جنوبيه_ترفض_الإخوان.

تتبع القناة “الانتقالي الجنوبي”، حيث ظهرت عقب تأسيس المجلس في 2019، وتشرف عليها الهيئة الوطنية للإعلام في جنوب اليمن.

قبل يومين من إطلاق عملية “سهام الشرق”، قالت صحيفة “عدن الغد”، المؤيدة للمجلس الانتقالي ويدير صفحتها على “فيسبوك” أشخاص موجودون في اليمن والسعودية، أن طاقماً مصري الجنسية تولى إدارة القناة في مطلع آب الماضي، وذلك بإشراف الناشط في المجلس الانتقالي عبدالعزيز الشيخ، الذي تربطه علاقات بدولة الإمارات كما قادة المجلس.

“حزب الإصلاح” يرد 

يظهر رصدنا أن رد فعل أنصار حزب الإصلاح “الافتراضي” يأتي في العادة متأخراً بخطوة، إذ جاء بعد أسبوعين على الأقل من انطلاق حملة #سهام_الشرق العسكرية والإلكترونية.

وبرز حساب قناة “سهيل” الفضائية، الذي يدعم خطابها حزب الإصلاح وتدار صفحاتها من سبعة أشخاص يعيشون في السعودية، ضمن أبرز الحسابات المشاركة في وسم #الإصلاح_اليمن_يجمعنا، الذي دُشن قبيل احتفال الحزب بذكرى تأسيسه، واٌستُخدم لدعم موقفه أمام المجلس الانتقالي. 

ولعل القاسم المشترك بين الوسوم الثلاثة، تصدّر حساب الكاتب الصحافي أنيس منصور الصبيحي رئيس مركز دراسات وصحيفة “هنا عدن” الإلكترونية – الداعمة لحزب الإصلاح – وكان مستشاراً إعلامياً سابقاً في وزارة الخارجية اليمنية. لدى الحساب أكثر من 397 ألف متابع.

يعيش منصور حالياً في اسطنبول، كما أظهرت بيانات حسابه الشخصي عبر “فيسبوك”، بينما يدير صفحته خمسة أشخاص في سلطنة عُمان.

يلعب منصور لعبة وضاح بن عطية، من حيث اعتياده إطلاق الهاشتاغات ودعوة متابعيه في “فيسبوك” إلى المشاركة في التغريد على الوسوم الموجودة في “تويتر”.

وعلى رغم قرب اليمن جغرافياً من منطقة الخليج والجزيرة العربية، إلا أن “فيسبوك” يحظى بشعبية أكثر لدى سكان البلد، بعكس “تويتر” الأكثر استخداماً في الدول المجاورة.

وبرزت مشاركات من حسابات لأشخاص متعاطفين مع إقليم حضرموت، ويذكّرون بماضيه إبان الحكم السلطاني وما حدث بعد انتهائه.

وشارك كثر منهم صوراً لعلم حضرموت الانفصالي أو دولة حضرموت المستقلة كما كان مأمولاً بعد الاستقلال.

شبه المشاركون حال حضرموت بما حدث في 1967، ورفضوا أن تكون أرضاً لتنافس القوى اليمنية، فهم لا يريدون “الزيود”، نسبة إلى الطائفة الزيدية الشيعية في شمال اليمن، و”اللحوج”، نسبة إلى إقليم لحج المؤثر في صناعة القرار بالجنوب، إلى جانب عدن.

هذا الرفض تُرجم في وسوم أخرى تدعو إلى الانفصال، منها #دولة_حضرموت و#حضرموت_ترفض_الزيود_واللحوج، ما يشير إلى موقف ثالث لا يميل إلى حزب الإصلاح أو المتمسكين بالوحدة اليمنية أو المجلس الانتقالي الذي يريد تحقيق حلم دولة جنوب اليمن.

في المحصلة، يمكن استخلاص بعض النقاط الأساسية بناء على هذا البحث:

– التنافس بين القوى في جنوب اليمن انتقل إلى الفضاء الافتراضي في صورة هاشتاغات أو تقارير موجّهة في مواقع إلكترونية.

– كانت هناك حملات إلكترونية شاملة ومرتبة إلى حد كبير، تنمو أهدافها وتتغير وفق التطورات على الأرض، فبعد سيطرة “الانتقالي الجنوبي” على أبين، كانت هناك تهيئة وتمهيد لسكان حضرموت بأنهم المحطة التالية لانتشار قوات الانتقالي.

– تعتمد الحملات على استخدام الهاشتاغات والمواقع الإلكترونية مع التغطية الإخبارية والتلفزيونية اللحظية والموجهة، مثل حالة قناة “عدن المستقلة” التابعة للمجلس الانتقالي. في المقابل، كانت هناك قناة “سهيل” الداعمة لموقف “حزب الإصلاح”.

– حظيت المواد المستخدمة في ترويج الخطابات السياسية، باهتمام كبير، فكانت هناك قنوات طلتها جذابة على غير المعتاد، ومثلها “بوسترات” ورسوم غرافيك منمقة وجذابة للعين.

– استفادت الوسوم من سيطرة النزعات والأفكار المتطرفة لأطراف النزاع، على نحو ساعد على زيادة حجم النشاط عليها من أنصارها.

– الأداء الإلكتروني لأنصار الانتقالي الجنوبي كان يبدو منظماً، وكشف إجادتهم استخدام الشبكات الاجتماعية.

– تركزت هذه الحملات في “تويتر”، على رغم شعبية “فيسبوك” في اليمن، نتيجة إدراك الفاعلين في الحملات بأن الطريق إلى التأثير يكون من خلال “تويتر”. 

– هذا لا ينفي تسجيل محاولات لحشد المشاركين في البداية عبر مجموعات “فيسبوك” أو من خلال المؤثرين الاجتماعيين الذين يتابعهم كثر، ودعوتهم إلى الانتقال من “فيسبوك” إلى “تويتر” والمساهمة في التغريد عبر الهاشتاغات.

•••

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English