"موت راجع" في إب

ضحايا للرصاص العائد من السماء
هاني أحمد أبو أصبع
May 24, 2021

"موت راجع" في إب

ضحايا للرصاص العائد من السماء
هاني أحمد أبو أصبع
May 24, 2021

يعيش أهالي قرية "محادب" - عزلة أنامر، أسفل مديرية المشنة، محافظة إب (وسط اليمن)، كبقية أبناء الريف اليمني، على الزراعة كمصدر وحيد للدخل، ويعتبر الأطفال أحد الركائز الأساسية للعمل في الحقول.

يدرس هؤلاء الطلاب في الصباح، ويعملون ظهرًا وعصرًا بعد عودتهم من مدارسهم، لكن لأن أغلب مناطق الريف لا توجد فيها مدارس للمرحلة الثانوية، باستثناء مدرسة خاصة بالفتيات، يجد الأطفال الذكور أنفسهم وقد انتهوا من المرحلة الأساسية، يعملون في الحقول، أو يعدون أنفسهم للاغتراب.

ومؤخرًا، وفّر هذا الوضع فرصة لجماعة أنصار الله (الحوثيين) المسيطرة على المحافظة لإرسالهم إلى جبهات القتال، وقلة قليلة منهم فضلوا استكمال تعليمهم المدرسي، والتحقوا بمدارس بعيدة عن قراهم في مركز المحافظة، ومن أولئك الطفل إبراهيم.

إبراهيم عبده أحمد مرعي الرفاعي (15 سنة)، أحد أطفال قرية محادب، أنهى العام قبل الماضي 2018/2019 تعليمه الأساسي في مدرسة القرية، فاضطر والده إلى إلحاقه في مدرسة مصعب بن عمير بمديرية الظهار، مركز محافظة إب، حرصًا على ألا يقع طفله تحت براثن الاستقطاب، ويلتحق بصفوف أحد أطراف الصراع، وفي أحسن الأحوال أن يسعى للاغتراب.

استبد الخوف بوالد الطفل، وتملكه أكثر عندما طلب الأطباء منه دفع مبلغ 150 ألف ريال كتكاليف استخراج الرصاصة، إذ يعبر عن اندهاشه بعد اطلاعه على المبلغ المطلوب لإجراء هذا التدخل الجراحي، كما يصف حالته: "شعرت بحجم ضعفي وصغري أمام طفلي لعدم قدرتي على دفع هذا المبلغ"

يخرج الطفل إبراهيم من منزله في "محادب" عزلة أنامر أسفل مديرية المشنة، عند الساعة الـ6:30 صباحًا، ويصل إلى مدرسته الجديدة الساعة 7:40 صباحًا، والتي تبعد عن منزله مسافة أربعة كيلومترات، يقضيها الطفل إبراهيم سيرًا على الأقدام. يحمل صباح كل يوم حقيبته المدرسية، ويحمل معها تطلعاته بالغد المشرق وآماله في إتمام تعليمه الثانوي بعزيمة قوية وصبر لا يلين.

رصاص طائش

في يوم الثلاثاء 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، غادر إبراهيم منزله كالمعتاد، ولم يكن يعرف أن رصاصة عائدة من السماء ستصيبه بعد إطلاقها أثناء تشييع جماعة أنصار الله (الحوثيين) جنازة أحد قتلاها في منطقة عياد مديرية المشنة بإب.

ومنطقة عياد قرية في سفح جبل، تطل على جزء من مركز محافظة إب، منها المنطقة التي أصيب فيها إبراهيم وتبعد حوالي 5 كيلومترات عنها. فبعد انتهاء الحصص المدرسية في ذلك اليوم، أخذ إبراهيم حقيبته وخرج من المدرسة، ثم بدأ رحلة عودته إلى المنزل مشيًا على الأقدام، والتي تبدأ من شارع المحافظة إلى جامعة إب، ومن ثَمّ إلى منطقة السائلة الكائنة في مفرق "ميتم"، ثم يتجه صعودًا إلى شارع الدائري ليواصل طريقه إلى شارع الثلاثين، ويبدأ صعود أحد جبال المنطقة حتى يصل منزله.

أصيب الطفل، عند حوالي الساعة 11:30 صباحًا، برصاصة راجعة (عائدة من السماء بعد إطلاقها) أصابته في كتف يده اليمنى واستقرت في إبطه، أُسعِف على إثرها إلى مستشفى جبلة الجامعي، لاستخراج الرصاصة.

يقول والد الطفل إبراهيم لـ"خيوط"، إنه أصيب بالارتباك عندما اتصل به أحد الأشخاص، ليخبره أن طفله إبراهيم أصيب بخدوش أثناء تواجده على متن سيارتهم.

وفق حديثه، لم يكن يعرف ما الذي عليه فعله، خرج في حالة توهان مسرعًا من المكتب، كما يؤكد، إلى أن وصل أمام مكتب بريد الجامعة.

يضيف، "كنت مشوش الذهن إلى أن رنّ هاتفي، وإذا بنفس الشخص يخبرني أنهم وصلوا إلى مبنى نيابة شؤون الطلاب وطفلي معهم".

بعد أن رأى طفله وطمأنه أنه بخير، قام بمعاينته فوجد ثقبًا صغيرًا في أعلى كتفه الأيمن، ومن ثَمّ عمل على نقله إلى أقرب عيادة خارجية من المكان الذي يتواجد فيه، وهناك تم إجراء الفحوصات الأولية للطفل إبراهيم، وتطلب الأمر إجراء كشافة ضرورية في مستشفى تخصصي.

يقول الأب المفجوع: "أدخلت ابني إلى طوارئ المستشفى (مستشفى المنار التخصصي)، فقاموا بتركيب مغذيات (محاليل وريدية)، طلبت منهم وترجيتهم سرعة عمل كشافة لطفلي لمعرفة ما الذي أصابه، لكنهم اعتذروا عن ذلك؛ بسبب ازدحام قسم الكشافة بالمرضى، وأنه عليّ انتظار دوري".

مرت 45 دقيقة وإبراهيم في طوارئ المستشفى، منتظرًا دوره في قسم الكشافة، كانت الدقيقة تمر على الأب وكأنها عام. يضيف بالقول: "لم أستطع الانتظار أكثر من هذا، فقمت بشق طريقي بين الكتلة البشرية المتراصة أمام الكشافة، إلى أن تمكنت من إدخال طفلي وإجراء الكشافة والتي أظهرت وجود رصاصة في إبطه".

تكاليف باهظة

استبد الخوف بوالد الطفل، وتملكه أكثر عندما طلب الأطباء منه دفع مبلغ 150 ألف ريال كتكاليف استخراج الرصاصة، بدون تضمين ثمن الأدوية.

يعبر والد إبراهيم عن اندهاشه بعد اطلاعه على المبلغ المطلوب لإجراء هذا التدخل الجراحي، إذ شعر، كما يصف حالته: "بحجم ضعفي وصغري أمام طفلي لعدم قدرتي على دفع هذا المبلغ"، فهذا الإجراء الطبي بحسب حديثه، بسيط لكن تكاليفه مرتفعة عليه بالنظر إلى وضعه المعيشي كموظف حكومي فقد راتبه منذ نحو أربع سنوات ولا يملك هذا المبلغ، وبالكاد يستطيع توفير لقمة العيش لعائلته، ورغم ذلك طلب منهم القيام بما يلزم من الإجراءات الطبية لطفله، لكن إشكال في بطء الإجراءات الطبية جعله ينقل ابنه إلى مرفق طبي آخر في مدينة إب.

تم استخراج "رصاصة الموت" من الجسد النحيل للطفل، وكانت نوعيتها ذخيرة "كلاشنكوف"، تم أخذها للمعمل الخاص بالبحث الجنائي في المستشفى.

يوضح والد الضحية بأن لحظة إصابة طفله صادفت مراسيم تشييع أحد قتلى جماعة أنصار الله (الحوثيين) في منطقة عياد مديرية المشنة، لكنه لا يستطيع الجزم إن كانت تلك الرصاصة قادمة من هناك.


•••
هاني أحمد أبو أصبع

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English