الموساد يستهدف المدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية

الحرب التي شنتها إسرائيل على المحكمة كشفت عن عمليات تجسس، وملاحقة، وتهديد
خيوط
June 10, 2024

الموساد يستهدف المدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية

الحرب التي شنتها إسرائيل على المحكمة كشفت عن عمليات تجسس، وملاحقة، وتهديد
خيوط
June 10, 2024
الصورة من تصميم الغاردين - Guardian Design

تقرير من الجارديان*

ترجمه عبد الإله المنحمي

كشفت صحيفة الجارديان أن المدير السابق لوكالة الاستخبارات الإسرائيلية الخارجية، الموساد، هدد المدعية العامة في محكمة الجنايات الدولية في سلسلة اجتماعات سرية حاول خلالها أن يضغط عليها لكي تتوقف عن متابعة التحقيق في جرائم حرب يُعتقد أن إسرائيل ارتكبتها.

اللقاءات السرية بين يوسي كوهين والمدعية العامة آنذاك، فاتو بينسودا، جرت في السنوات التي سبقت قرار بينسودا بفتح تحقيق رسمي حول جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من المحتمل أن إسرائيل مارستها في فلسطين المحتلة. 

هذا التحقيق الذي شرعت فيه بينسودا في 2021 تُوج الأسبوع الماضي بتطور مهم، وهو أن خليفة بينسودا، كريم خان، أعلن أنه قرر أن يسعى لإصدار مذكرات اعتقال ضد نتنياهو بسبب ما تقوم به بلاده في حربها على غزة. وهو-هذا القرار- ما كانت تخشاه المؤسسة السياسية والعسكرية في إسرائيل على طول السنوات الماضية. مذكرات الاعتقال سوف تكون على وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف جالانت، إلى جانب نتنياهو، وكذلك على ثلاثة من قادة حركة حماس.

كوهين الذي كان في ذلك الوقت أقرب حلفاء نتنياهو إليه، والذي يمثل الآن بحد ذاته قوة سياسية في إسرائيل، قاد بنفسه حملة الموساد التي حاولت ضعضعة محكمة الجنايات الدولية على مدى عشر سنوات تقريبا

تهديد لرجالات الجيش الإسرائيلي

وإنما تورط كوهين بصفة شخصية في عمليته ضد محكمة الجنايات الدولية عندما كان مديرا للموساد. وفعل ما فعل بتفويض مباشر من السلطات العليا في الدولة، وتحت مبرر أن المحكمة، بما تثيره من اتهامات، تمثل تهديدا لرجال الجيش الإسرائيلي. كذلك قال مسؤول إسرائيلي كبير. وأضاف مسؤول إسرائيلي آخر مطلع على العملية أن هدف الموساد كان التوصل إلى تسوية مع بينسودا أو تجنيدها لصالح إسرائيل، لتخدم المطالب الإسرائيلية من المحكمة. وقال مصدر ثالث على علم بتفاصيل العملية ضد بينسودا أن كوهين كان يعمل بصفته "مبعوثا غير رسمي لنتنياهو."

كوهين الذي كان في ذلك الوقت أقرب حلفاء نتنياهو إليه، والذي يمثل الآن بحد ذاته قوة سياسية في إسرائيل، قاد بنفسه حملة الموساد التي حاولت ضعضعة محكمة الجنايات الدولية على مدى عشر سنوات تقريبا. 

أكدت لنا أربعة مصادر أن بينسودا أطلعت مجموعة صغيرة من كبار مسؤولي المحكمة على محاولات كوهين لاجتذابها، وأنه كانت لديها مخاوف من إيحاءات التهديد والإلحاح التي انطوى عليها تعامله تجاهها. ثلاثة من هذه المصادر هم على علم تام بما أسرته بينسودا لمسؤولي المحكمة بشأن الموضوع، وقد قالوا كلهم إن بينسودا كشفت أن كوهين مارس ضغطا عليها في عدة مناسبات لكيلا تواصل عملية التحقيق في جرائم الحرب المرتكبة في فلسطين المحتلة.

المعلومات التي ظهرت حول عملية كوهين تشكل جزءا من تحقيق نشرته الجارديان بالاشتراك مع مجلة +972 ومنصة لوكال كول الناطقة بالعبرية، وهو يكشف كيف أن عدة وكالات استخباراتية إسرائيلية شنت حربا سرية على محكمة الجنايات الدولية لما يقارب عقدا كاملا

تكتيكات خبيثة للإرهاب

مسؤولو محكمة الجنايات يتداولون رواية تقول إن كوهين قال لبينسودا: "يستحسن أن تساعدينا وأن تتركي لنا مجالا للاعتناء بك. إنك في غنى عن التورط في أمور ستعرض أمنك وأمن عائلتك للخطر." وقال آخر ممن لديهم معرفة بنشاطات كوهين إنه استعمل مع بينسودا "تكتيكات خسيسة" لإرهابها والتأثير عليها، غير أن كل محاولاته باءت بالفشل في النهاية، وشبَّه تعامله معها بـ "المطاردة المختَلسة." وبحسب اثنين من مصادرنا، فإن الموساد ركز اهتمامه أيضا على أعضاء عائلة بينسودا، فحصل على وثائق لتسجيلات سرية خاصة بزوجها. ثم راح مسؤولون إسرائيليون يستخدمون هذه المواد لتشويه سمعة المدعية العامة. 

المعلومات التي ظهرت حول عملية كوهين تشكل جزءا من تحقيق نشرته الجارديان بالاشتراك مع مجلة +972 ومنصة لوكال كول الناطقة بالعبرية، وهو يكشف كيف أن عدة وكالات استخباراتية إسرائيلية شنت حربا سرية على محكمة الجنايات الدولية لما يقارب عقدا كاملا.

قال المتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، ردا على استفسار من قبل الجارديان: "الأسئلة التي وصلتنا مليئة باتهامات كاذبة ومتهافتة تهدف إلى إلحاق الضرر بإسرائيل." أما كوهين فلم يرد حينما طُلِب إليه أن يعلق على الأمر. وكذلك فعلت بينسودا. 

حصلت إسرائيل، في الجهود التي بذلتها مخابراتها للتأثير على بينسودا، على مساندة من حليف لم يكن متوقعا، ألا وهو جوزيف كابيلا، الرئيس السابق لجمهورية الكونغو الديمقراطية الذي لعب دورا مهما في المؤامرة. والأخبار المتسربة عن هذه الجهود تأتي في وقتٍ حذر فيه المدعي العام الحالي للمحكمة الجنائية، كريم خان، من أنه لن يتردد في تقديم دعوى بخصوص أن المحكمة تتعرض "للتخويف والعرقلة والتأثير غير المقبول" من قبل إسرائيل.

يقول خبراء قانونيون إن ما فعله الموساد من ضغط وتهديد لبينسودا يرقى إلى جريمة ضد العدالة ومساعي تطبيقها، بحسب المادة 70 من اتفاقية روما، الاتفاقية الدولية التي وضعت حجر الأساس لمحكمة الجنايات الدولية.

لم يقل المتحدث باسم المحكمة ما إذا كان كريم خان اطلع على أسرار ما جرى بين كوهين وبينسودا، سلفه في قيادة المحكمة. لكن الأمر الذي لا شك فيه أن خان لم يلتق بمدير الموساد من قبل، ولم يتحدث إليه قط. وبينما رفض المتحدث باسم المحكمة الحديث حول اتهامات معينة، فقد أكد أن مكتب خان تعرض "لأشكال متعددة من التهديدات الإسرائيلية، ووصلته اتصالات من الممكن قراءتها على أنها محاولات لتوجيه نشاطاته بصورة غير مقبولة."

من بعد هذا القرار تصاعد سخط إسرائيل على المحكمة، فسارع وزراء في الحكومة إلى مهاجمتها بشدة، بل وتعهدوا بتفكيكها؛ وتلقت بينسودا والمحامون التابعون لها تحذيرات من أن المخابرات الإسرائيلية صارت تراقب أنشطتهم من كثب.

بينسودا تثير غضب إسرائيل

قرار كريم خان باستصدار مذكرات اعتقال على نتنياهو ووزير دفاعه يشكل أول إجراء فعلي تتخذه محكمة الجنايات الدولية ضد دولة متحالفة مع الولايات المتحدة وأوروبا. والجرائم التي نسبتها المحكمة للرجلين -اشتملت على مهاجمة المدنيين مهاجمة مباشرة، واستخدام التجويع وسيلة من وسائل الحرب- كلها وقعت خلال الحرب الحالية على غزة، والمستمرة منذ ثمانية أشهر.

مع ذلك فإن هذه القضية تعود بدايتها إلى 2015، حين قررت بينسودا أن تفتح تحقيقا تمهيديا حول الوضع داخل فلسطين. لم يكن تحقيقا كاملا بطبيعة الحال. فقد وجهت بإجراء تقييم أولي لاحتمال أن يكون أفراد ارتكبوا فعلا ما اتُهِموا بارتكابه من جرائم في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.

قرار بينسودا هذا أثار حفيظة إسرائيل التي خافت من أن يتعرض مواطنون إسرائيليون للملاحقة القانونية على خلفية تورطهم في عمليات داخل المقاطعات الفلسطينية. وطالما كانت إسرائيل صريحة في معارضتها لمحكمة الجنايات الدولية، فهي لم تعترف بسلطتها. لكن من بعد هذا القرار تصاعد سخطها على المحكمة، فسارع وزراء في الحكومة الإسرائيلية إلى مهاجمتها بشدة، بل وتعهدوا بتفكيكها؛ وتلقت بينسودا والمحامون التابعون لها تحذيرات من أن المخابرات الإسرائيلية صارت تراقب أنشطتهم من كثب.

طبقا لما قاله اثنان من مصادرنا فإن مسؤولين كبارا في المحكمة يرتابون من أن إسرائيل وجدت من يناصرها في قسم الادعاء المعروف بمكتب المدعي العام. وقال آخر إنه على الرغم من أن الموساد "لم يترك أثره الخاص به" على بعض الأنشطة التي يعي مسؤولون في المحكمة وجودها، فإن هناك افتراضا بأن الموساد يقف خلفها. مع ذلك فإن مجموعة صغيرة فقط من مسؤولي المحكمة هي التي علمت بما دار بين مدير المخابرات الإسرائيلية والمدعية العامة.

كوهين، الجاسوس المحترف، كان مشهورا في دوائر المخابرات الإسرائيلية بأنه المسؤول الكفؤ في تجنيد العملاء الخارجيين لصالح إسرائيل. كان حليفا صادقا ومخلصا لرئيس الوزراء نتنياهو. فعينه الأخير في 2016 مديرا للموساد بعد أن خدم إلى جانبه عدة سنوات بوصفه مستشاره الخاص به لشؤون الأمن القومي.

بين العامين 2013 و2016، حين كان كوهين رئيس مجلس الأمن القومي، أشرف [هو] على هذا الكيان الذي باشر مهمة الجهود المنسقة ضد محكمة الجنايات الدولية حالما وجهت بينسودا بفتح التحقيق التمهيدي في 2015. 

أول اتصال لكوهين بالمدعية العامة وقع، كما يبدو، أثناء مؤتمر ميونخ الأمني في 2017، عندما قدم نفسه لها في محادثة قصيرة. بعد هذا اللقاء، طبقا لعدة مصادرة مطلعة، وقعت حادثة غريبة. فقد "داهم" كوهين مرة جناح فندق منهاتن لمقابلة بينسودا فجأة ودون تنسيق مسبق. وتفصيل ذلك أن المدعية العامة، في 2018، كانت في نيويورك في زيارة رسمية. وهناك قابلت كابيلا، رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، في مقر إقامته في الفندق. كانت بينسودا قابلت كابيلا عدة مرات قبل ذلك، على خلفية التحقيق الذي كانت تجريه المحكمة بشأن جرائم مزعومة ارتكبت في بلاده.

لكن ذلك الاجتماع تبين أنه كان فخا. ذلك أنه، في لحظة ما من الاجتماع، طُلِب من فريق بينسودا مغادرة الغرفة، ثم سرعان ما دخل كوهين. هذا ما قاله لنا ثلاثة من مصادرنا مطلعون على تفاصيل الاجتماع. ظهور كوهين المفاجئ أربك بينسودا ومسؤولي المحكمة الذين سافروا معها.

سبب تعاون كابيلا مع كوهين غير معروف. لكن صحيفة ذا ماركر الإسرائيلية كشفت في 2022 أن هناك علاقة بين الرجلين، وأوردت في تقريرها أن رئيس الموساد قام بسلسلة من الرحلات السرية إلى جمهورية الكونغو في العام 2019. ووفقا للصحيفة، فإن رحلات كوهين التي سعى من خلالها إلى الحصول على نصيحة كابيلا "حول قضية متعلقة بمصالح إسرائيل،" والتي تمت بموافقة نتنياهو على الأرجح، كانت أمرا غريبا ومثيرا لدهشة مسوؤلين كبار داخل جهاز المخابرات الإسرائيلية. وأفادت القناة الإسرائيلية 11 أن زيارات كوهين إلى الكونغو متصلة اتصالا وثيقا بـ "مخطط إشكالي للغاية،" واستشهدت في تقريرها بمصادر إسرائيلية رسمية وصفت هذه الزيارات بأنها "واحد من أسرار إسرائيل الأكثر حساسية." ومهما يكن من شيء، فقد أكدت مصادر عديدة للجارديان أن رحلات كوهين إلى الكونغو كانت جزئيا ذات صلة بعملية الموساد ضد محكمة الجنايات الدولية، وأن كابيلا الذي غادر السلطة في يناير 2011 لعب دورا مهما في هذه المؤامرة. حين طلبت الجارديان من هذا الأخير التعليق على الموضوع رفض.

حاول القائد الاستخباراتي "أن يبني علاقة" مع المدعية العامة، وأن يلعب دور الرجل الطيب ليسحرها. فيبدو أن هدفه المبدئي كان تجنيدها للتعاون مع إسرائيل. لكن مع مرور الوقت بدأت نغمته تتغير، وبدأ يستخدم عددا من التكتيكات، منها التهديد والتلاعب

تكتيكات التهديد والتلاعب

يقول ثلاثة من مصادرنا إنه بعد اجتماع كابيلا وبينسودا في نيوورك اتصل كوهين ببينسودا عدة مرات وطلب الاجتماع بها. وطبقا لاثنين من هذه المصادر فإن بينسودا، في لحظة ما، سألت كوهين من أين حصل على رقم هاتفها، فأجابها: "هل نسيت كيف أكسب رزقي؟"

في البداية، كما تقول المصادر مرة أخرى، حاول القائد الاستخباراتي "أن يبني علاقة" مع المدعية العامة، وأن يلعب دور الرجل الطيب ليسحرها. فيبدو أن هدفه المبدئي كان تجنيدها للتعاون مع إسرائيل. لكن مع مرور الوقت بدأت نغمته تتغير، وبدأ يستخدم عددا من التكتيكات، منها التهديد والتلاعب. كذلك قال مصدر مطلع. وهذا ما دفع بينسودا إلى إطلاع مجموعة صغيرة من مسؤولي المحكمة على الأمر.

وفي ديسمبر 2019 أعلنت المدعية العامة أن لديها من الأسباب ما يكفي لفتح تحقيق شامل حول جرائم حرب من المحتمل أنها ارتكبت في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، ولكنها أرجأت تنفيذه حتى تحصل على قرار من الغرفة التمهيدية في المحكمة يقضي بأن فلسطين تقع تحت طائلة السلطة القضائية للمحكمة.

تقول المصادر إنه في هذه المرحلة بالذات، بينما كان القضاة يفكرون بالقضية، إنما صعَّد كوهين محاولاته للضغط على بينسودا كي تتوقف عن متابعة التحقيق الشامل في حال حصولها على الخط الأخضر من القضاة. وتضيف مصادرنا أنه بين 2019 و2021 جرت ثلاثة لقاءات على الأقل بين بينسودا وكوهين، وكلها جاءت بمبادرة من رئيس المخابرات، وأن تعامله، في نظر مسؤولي المحكمة، أصبح مثيرا للقلق على نحو متزايد. ويقول مصدر مطلع على رواية بينسودا لآخر لقاءين لها مع كوهين إنه أثار خلال هذين اللقاءين أسئلة متعلقة بأمنها وأمن عائلتها، وإنه فعل ذلك بطريقة قادتها إلى الاعتقاد أنه إنما يقوم بتهديدها. وفي مناسبة ما (خلال اللقاءات الثلاثة سابقة الذكر) عرض كوهين لبينسودا صورا لزوجها التُقطت سرا عندما كان الزوجان في زيارة للندن. وفي مناسبة أخرى، كذلك تقول المصادر، ألمح كوهين إلى أن المضي قدما بالتحقيق الشامل سوف يكون مدمرا لمسيرتها المهنية.

بحسب أربعة مصادر مطلعة على القصة، فإن هذا هو الوقت الذي اكتشفت فيه بينسودا وغيرها من مسؤولي المحكمة وجود شائعات تدول حول زوجها في الأوساط الدوبلماسية. زوجها يعمل مستشارا في الشؤون الدولية. 

بين العامين 2019 و2020، سعى الموساد لتجميع معلومات خاصة عن المدعية العامة، وركز اهتمامه على عائلتها. فحصل على عدد من المواد السرية، بما في ذلك نصوص تسجيلات عن زوجها. هذه الأخيرة حصل عليها بعملية انغماسية معقدة. 

ليس من الواضح من الذي نفذ العملية، وليس من المعلوم ما قاله زوجها بالضبط في هذه التسجيلات. إحدى الإمكانيات أن المخابرات الإسرائيلية استهدفته وحصلت عن هذه النصوص المتعلقة به. وهناك إمكانية أخرى هي أن هذا العمل من فعل دولة أخرى لها مصلحة في لي ذراع محكمة الجنايات الدولية. ومن الجائز أن هذه المعلومات كلها مفبركة.

الخاتمة التي طالما خشيت منها المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية. "حقيقة أنهم اختاروا رئيس الموساد نفسه ليكون مبعوث نتنياهو غير الرسمي إلى بينسودا كان بالطبع بهدف التخويف"، كذلك قال مصدر مطلع على العملية. "غير أنهم فشلوا."

الخاتمة التي خشيت منها إسرائيل

على أية حال ما إن وصلت هذه المواد إلى أيدي الإسرائيليين حتى بدأ الدبلوماسيون الإسرائيليون يستخدمونها لزعزعة مركز المدعية العامة. غير أن محاولتهم باءت بالفشل. فبحسب مصادر عديدة فشلت إسرائيل في إقناع حلفائها بأهمية هذه المواد.

ثلاثة مصادر مطلعة على المعلومات التي تداولها الدبلوماسيون الإسرائيليون وصفت تلك الجهود باعتبارها جزءا من "حملة تشويه" فاشلة شنتها الدبلوماسية الإسرائيلية على بينسودا. "لاحقوا فاتو كثيرا،" كذلك قال أحد المصادر، "لكنهم لم يستطيعوا التأثير" على عمل المدعية العامة.

الجهود الدبلوماسية الإسرائيلية تلك كانت جزءا من جهود منسقة شنتها حكومتا دونالد ترامب ونتنياهو لممارسة ضغوطا عامة وخاصة على المدعية العامة. فبين العامين 2019 و2020 فرضت إدارة ترامب، في قرار غير مسبوق، عقوبات على المدعية العامة، ووضعت قيودا على دخولها الولايات المتحدة. جاء هذا القرار ردا على قرار المدعية العامة بمتابعة التحقيق حول جرائم حرب اتُهم رجال الجيش الأمريكي وحلفاؤهم الأفغان وكذلك مقاتلو حركة طالبان بارتكابها في أفغانستان.

لكن وزير الخارجية الأميركية حينها، مايك بومبيو، ربط بين العقوبات وبين القضية المتعلقة بفلسطين. "من الواضح أن محكمة الجنايات الدولية وضعت إسرائيل في مرمى قناصتها لأسباب سياسية خالصة،" كذلك قال. وبعد ذلك بشهر اتهم بينسودا، من دون أن يقدم دليلا على ذلك، بـ"التورط في أعمال فساد من أجل مصالحها الشخصية."

حين وصل بايدن إلى البيت الأبيض خلفا لترامب ألغى العقوبات الأميركية على بينسودا.

وفي فبراير 2021 أصدرت الدائرة التمهيدية في محكمة الجنايات قرارا قضائيا أكد أن للمحكمة سلطة قضائية على فلسطين المحتلة. فبادرت بينسودا إلى الإعلان عن فتح تحقيق شامل بشأن جرائم الحرب المزعوم ارتكابها فيها. "في النهاية يجب أن يكون قلقنا الأكبر على الضحايا، الفلسطينيين والإسرائيليين على السواء. ومصدر قلقنا هو دائرة العنف وعدم الأمان المستمرة منذ وقت طويل، والتي سببت معاناة ويأسا لدى الطرفين،" كذلك قالت بينسودا يومئذ.

بعد أشهر من ذلك أكملت بينسودا فترتها البالغة تسع سنوات في قيادة المحكمة، وتركت لخليفتها كريم خان أن يتابع التحقيق. ولكن لم تصبح للتحقيق ضرورة ملحة إلا بعد هجوم السابع من أكتوبر وما استتبع من اندلاع الحرب في غزة. وها هو التحقيق تُوج في الأسبوع الماضي بطلب من كريم خان بإصدار مذكرات اعتقال على نتنياهو ووزير دفاعه وثلاثة من قادة حماس.

وهذه هي الخاتمة التي طالما خشيت منها المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية. "حقيقة أنهم اختاروا رئيس الموساد نفسه ليكون مبعوث نتنياهو غير الرسمي إلى بينسودا كان بالطبع بهدف التخويف"، كذلك قال مصدر مطلع على العملية. "غير أنهم فشلوا."

________ 

(*) المادة الأصلية موجودة على هذا الرابط

https://www.theguardian.com/world/article/2024/may/28/israeli-spy-chief-icc-prosecutor-war-crimes-inquiry#:~:text=The%20former%20head%20of%20the,investigation%2C%20the%20Guardian%20can%20reveal 

•••
خيوط

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English