نازحو مأرب يواجهون غضب الطبيعة

الفارون من جحيم الحرب تحت رحمة الكوارث
محمد علي محروس
August 16, 2022

نازحو مأرب يواجهون غضب الطبيعة

الفارون من جحيم الحرب تحت رحمة الكوارث
محمد علي محروس
August 16, 2022
الصورة ل: حمزة القديمي - © خيوط

لم تمنعها المواجهات العسكرية المستمرة على تخومها منذ عام 2018، من استمرارها في استقبال نازحين من الجوف ومحافظات أخرى، إضافة إلى مديرياتها الواقعة تحت سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين). هكذا، وجدت مأرب (شمال شرقي صنعاء) نفسها مأوى لأكثر من مليوني نازح، وهو التجمع الأكبر للنازحين من بين المحافظات اليمنية، وفق أرقامٍ نشرتها الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين. وهؤلاء الفارون من جحيم الحرب، بات يسري عليهم ما يسري على المدينة التي شهدت معارك طاحنة طوال سنوات الحرب مع اشتدادها منذ مطلع العام 2021، بين القوات التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا وجماعة أنصار الله (الحوثيين)، إضافة إلى ما يلحق بها من كوارث بفعل سيول الأمطار المتجددة كل عام، وما يترتب على ذلك من أعباء يدفع ثمنها النازحون من شحة إمكانياتٍ تتجلّى في ضعف الحصول على الخدمات الأساسية، والحد الأدنى من الاحتياجات الضرورية.

مشهدٌ للمعاناة!

يصارع علي، وهو اسم مستعار لرجل تجاوز عمره الثالثة والخمسين، فرّ مع أسرته المكونة من خمسة أفراد إلى مأرب قادمًا من الجوف، "ليس هناك خيار آخر، لا بديل عن مأرب، كانت الأقرب، والممكن بالنسبة لي ولأسرتي، الحرب من كل اتجاه، ونحن نفرّ بما استطعنا حمله، المهم أننا نجونا"، يقول علي.

بيتٌ يُغلق على ما فيه، لا يُعرف ما يدور داخله، تحوّل إلى خيمة، يستطيع العابر جوارها سماع كل شيء، واختراقها، والأسرة التي كانت تجتمع يوميًّا بكل حب وفرح، أصبحت عالقة تحت رحمة الصحراء، تكابد الشمس والرياح وربما السيول التي لا يُعرف مصدرها.

بمرارة يحكي علي عن حياته الجديدة لـ"خيوط": "كنا في حي سكني، وسط مدينة، نملك منزلًا، ولدينا مصدر دخل، ونتمتع بجوار حسن. اليوم تبدّل الحال، لسنا بخير، لكنّا على قيد الحياة، ولا ندري هل سنستمر في معاناتنا هذه؟ أم أننا سنعود؟ أم أنّ هناك أقدارًا أخرى في انتظارنا؟"، أسئلة ثلاثة لا يملك أحد إجابتها، حتى تلك التنهيدة التي أطلقها؛ ليخفي عن أطفاله الدموع التي اغرورقت بها عيناه، وأتبعها بابتسامة منهكة.

ليست المرة الأولى التي نرى فيها مشاهد قاسية لمخيمات النازحين في مأرب وقد غمرتها مياه السيول، مخلّفة أضرارًا كارثيةً، لكن نطاقها يتوسع في ظل انعدام الحلول الممكنة، وبطء التعامل مع هذه القضية كقضيةٍ محورية.

احترقت خيامٌ عدة هنا، بحوادث مختلفة، وعبثت الرياح والسيول بالكثير منها، خلال السنوات الماضية، المياه الصالحة للاستخدام ومياه الشرب غير منتظمة، عيادةٌ واحدة ولكن بتجهيزات قليلة، وتدخلات الحماية والغذاء تتراجع من سنةٍ لأخرى، هذه حالةٌ دائمة من المعاناة التي تعيشها مخيمات النزوح بمأرب، ولا يعرف من هم هنا، ماذا ينتظرهم غدًا: "عودةٌ طال انتظارها أم نزوحٌ آخر كما حدث من قبل؟!"، يتساءل علي.

مؤشر النزوح

منذ الأول من يناير/ كانون الثاني وحتى 31 يوليو/ تموز 2022، رصدت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين نزوح 6 آلاف و393 أسرة، مؤلفة من 35 ألفًا و327 فردًا من 21 محافظة وتوزعت على 11 محافظة، كانت مأرب كالعادة في الصدارة بأكثر من 1800 أسرة، لتمثل نسبة 60% من النزوح الإجمالي خلال السبعة الأشهر الماضية من العام الحالي.

المواجهات التي شهدتها مأرب خلال عام 2021، أدّت إلى نزوح أكثر من 14 ألف أسرة من مديريات حريب ورحبة والجوبة وجبل مراد والعبدية وصرواح إلى مديريتي مأرب والوادي، إذ استقبلت عاصمة المحافظة 6610 أسر، وكان نصيب مديرية الوادي 8168 أسرة، ويتوصل تقرير الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين بمحافظة مأرب، إلى إنّ 173 أسرة أخرى نزحت من محافظة شبوة خلال العام ذاته، واستقرت في مأرب.

62% من النازحين على مستوى البلاد اختاروا مأرب وجهة لهم، ولا يوجد مبرر منطقي لذلك سوى أنها محاطة بمحافظاتٍ مشتعلة، وآخرون اتخذوها مستقرًّا لهم بعد فرارهم من محافظات سيطرة جماعة الحوثي، لأسباب سياسية.

تحت رحمة الكوارث

ليست المرة الأولى التي نرى فيها مشاهد قاسية لمخيمات النازحين في مأرب وقد غمرتها مياه السيول، مخلّفة أضرارًا كارثيةً، لكن نطاقها يتوسع في ظل انعدام الحلول الممكنة، وبطء التعامل مع هذه القضية كقضيةٍ محورية، كما نادى ناشطون وإعلاميون مؤخرًا، معيدين ذلك إلى كون مأرب بوضعيتها الحالية تركّز جهودها في المعارك المتواصلة التي تخوضها القوات التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا مع قوات جماعة أنصار الله (الحوثيين).

الأمطار الغزيرة المصحوبة بالعواصف الشديدة والتي استمرت لساعات خلال فترات متقطعة منذ منتصف تموز/ يوليو الماضي، أدّت إلى تضرر 16855 أسرة، 5407 أسر تضررت بشكلٍ كلي، ووصلت عدد المخيمات المتضررة إلى 197 مخيمًا، وتصدر قطاعا جو النسيم والجفينة بقية القطاعات من حيث الأكثر تضررًا، وفق تقرير حصر أضرار السيول والأمطار والرياح الصادر عن الوحدة التنفيذية بالمحافظة.

مئات المساكن جُرفت وتلفت بما فيها من مستلزمات إيوائية وغذائية بسبب الحالة الجوية التي تشهدها المحافظة، يقيّمها سيف ناصر مثنى، مدير عام الوحدة التنفيذية بمحافظة مأرب لـ"خيوط"، بأنها صعبة؛ إذ تحوّلت أجزاء كبيرة من مخيمات وتجمعات الأسر إلى بحيرات ومستنقعات من المياه، ويضيف في حديثه لخيوط: "حتى الآن لدينا ثلاث وفيات، وخمس إصابات، وستة مفقودين، يضاف ذلك إلى المآوي المؤقتة، والخيام، وشبكيات الحديد، والعشش المبنية من أعواد النباتات، والبيوت الطينية، كل أنواع المآوي في القطاعات تضررت، ما حدث كارثة حقيقية بحاجة لوقفة جادة من الحكومة والشركاء الدوليين والفاعلين المحليين".

وتركزت الأضرار العامة في تلف مساكن النازحين من خيام وشبكات ومواد إيوائية وغذائية، وتضررت خزانات المياه الأسرية وشبكات الصرف الصحي، وفقدان المقتنيات الشخصية للأسر المتضررة، وتصدرت الخيام والحقائب الإيوائية وصيانة المأوى الاحتياجات الآنية للمتضررين، بالإضافة إلى المياه الصالحة للشرب، والغذاء، وصيانة شبكات الصرف الصحي، وتوفير حقائب نظافة وخزانات مياه، وعلى مستوى الصحة، فإنّ الحاجة لعيادات متنقلة تتوفر فيها أدوية ومستلزمات طبية وحقائب إسعافات أولية كحدٍّ أدنى صحيًّا.

ما زال هطول الأمطار مستمرًّا في مأرب، وما زالت معاناة النازحين جراء السيول المتدفقة مستمرة، قد لا تكون كسابقاتها، لكنّها بذات المخاطر والتبعات.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English