مأساة ختام العشاري

معاناة ثلاثة أيام اختتمت فيها حياتها
هاني أحمد أبو أصبع
December 3, 2021

مأساة ختام العشاري

معاناة ثلاثة أيام اختتمت فيها حياتها
هاني أحمد أبو أصبع
December 3, 2021

منذ اندلاع الحرب في مارس/ آذار من العام 2015، وانتهاكات حقوق الإنسان في اليمن في تزايد مطّرد، حتى إنه لا يمر يوم دون أن نقرأ أو نسمع عن انتهاك طال مدني هنا أو هناك.

هذه الانتهاكات، لا يمكن حصرها على طرف دون آخر، فجميع أطراف الحرب في اليمن متورطون بارتكاب العديد من الانتهاكات التي لا تجرمها القوانين والمواثيق الدولية فقط، بل ويجرمها كذلك القانون اليمني.

مأساة المواطنة ختام العشاري واحدة من مئات المآسي التي تسلط الضوء على ما يتعرض له المدنيون الأبرياء من انتهاكات واعتداءات وحشية من قبل سلطة الأمر الواقع التي أنتجتها ظروف الحرب التي تمر بها البلاد، فارضة على الملايين من الأبرياء العيش تحت رحمتها.

ختام علي عبدالكريم العشاري؛ زوجةٌ وأمّ لأربعة أطفال، تبلغ من العمر (25 سنة)، وتسكن حارة العُرض في مديرية العدين التابعة لمحافظة إب.

في يوم الخميس 24 ديسمبر/ كانون الأول 2020 تداولت المواقع الإخبارية نبأً عن وفاة ختام جراء تداعيات صحية لحقت بها بعد تعرضها للاعتداء والضرب أمام أطفالها أثناء اقتحام منزلها ليلًا.

وتحدثت تلك الأنباء عن قيام جنود تابعين لإدارة أمن مديرية العدين التي تسيطر عليها جماعة أنصارالله (الحوثيين) بالاعتداء عليها وأطفالها بطريقة لا إنسانية أصابتهم برعب شديد عانت على إثره ختام من انتكاسة صحية أدّت إلى وفاتها في أحد مستشفيات المديرية بعد ساعات من هذا الاقتحام.

تواصلت "خيوط"، مع بعض المصادر في مديرية العدين للتأكد من صحة تلك المعلومات، فأكد جميع من اتصلت بهم صحتها. على إثر ذلك تمّ البحث عن عناوين أقارب الضحية، ومع انتصاف ليل الجمعة تمكنت "خيوط" من الوصول إلى أحد أقارب الضحية وكانت الواقعة آنذاك قد انتشرت وجرى تداولها على نطاق واسع حيث تناولتها المواقع الإخبارية على الإنترنت، كما تم إذاعتها في بعض الفضائيات العربية.

في مساء الجمعة 25 ديسمبر/ كانون الأول 2020 تم الوصول إلى أحد أقارب الضحية (ختام العشاري) من الدرجة الثانية، لمعرفة تفاصيل أكثر عن الحادثة، لكنه لم يضف شيئًا لما كان متداولًا، من أن الرعب والخوف الناجمين عن قيام أفراد إدارة أمن العدين باقتحام المنزل في جنح الليل قد تسببا بإصابة ختام بفشل كلوي حاد، أدّى إلى وفاتها بعد ثلاثة أيام من الواقعة.

بالرغم من التأكيدات التي حصلت عليها "خيوط" من أكثر من مصدر، ومن ضمنهم قريب للضحية ختام، إلا أن الصورة كانت ما تزال ملتبسة وغير بينة الملامح سواء،ً من حيث التسلسل الزمني للواقعة أو الأسباب الحقيقية التي أدت لوفاة الضحية.

اقتحام المنزل

على تلة صغيرة ملاصقة لجبل بني هات يقع (العرض) وهو حي منازله قديمة ومتجاورة، بل وتكاد تكون متلاصقة بحيث يصعب التنقل خلالها إلا مشيًا على الأقدام.

كان منزل ختام العشاري مكونًا من طابق واحد مبني من حجارة غير مهندمة، مع صعوبة تحديد هل كان الطين هو ما يضمها إلى بعضها ويحفظها منذ أزمنة من الانهيار أم أن يدًا خفية هي من تكفلت بحفظه وحفظ بقية المنازل هناك.

يجرّم القانون اليمني على رجال الأمن اقتحام منازل المواطنين دون إذن من النيابة أو وجود أوامر قضائية، لكن لجوء سلطة أنصار الله (الحوثيين) إلى تعيين رجال من خارج المؤسسة الأمنية ومنحهم رتبًا ومناصب في جهاز الأمن، تسبب في حدوث انتهاكات عديدة من هذا النوع.

وبعد وقت قصير، كان شاب نحيل يتقدم نحو المنزل حاملًا بين ذراعيه طفلًا رضيعًا، عُرف فيما بعد أنه محمد مقبل العشاري زوج الضحية ووالد أبنائها الأربعة.

يقول محمد لـ"خيوط"، إن طقمًا عسكريًّا بقيادة جميل القادري، ضابط البحث الجنائي في مديرية العدين، وصل إلى أطراف الحي الذي يقطنه وعلى متنه 12 مسلحًا، بعضهم يرتدون زي الشرطة، فيما البعض الآخر بلباس مدني.

طوَّق الجنود المنزل من كل جانب، وبعد اقتحامه صعدوا إلى سطح المنزل المجاور المملوك لمواطن يدعى حمود علي حميد، بدؤوا بركل الباب الرئيسي والباب الذي ينفتح على سطح المنزل.

يتابع محمد بالقول: "كانت زوجتي وأطفالنا معتز (13 سنة)، وبدر (9 سنوات)، وهاجر (سنتان) ونبيل (شهران)، بالإضافة إلى أختي وأطفالها، نائمين عندما استيقظوا فزعين من المحاولات العنيفة لكسر باب المنزل".

يضيف: "تقدم ولدي معتز من الباب وسألهم عن هُويتهم وعما يريدون، فسألوه عن مكان تواجدي. أخبرهم بأني غير موجود، لكنهم لم يغادروا واستمروا بركل الباب طالبين منه فتحه، وبعد أن فتح معتز الباب الرئيسي انتشر الجنود داخل المنزل وقاموا بتلقيم أسلحتهم وتوجيهها نحو ختام وأطفالها.

دخل الجنود إلى المنزل وانتشروا في أرجائه بسرعة، شاهرين أسلحتهم في وجه ختام العشاري التي كانت، رغم الخوف، واقفة وتضم إلى صدرها طفلها الرضيع، بينما كان بقية أطفالها يقفون خلفها ويبحثون وراء جسد الأم المرتجف، من شدة الرعب، عن الأمان الذي كان يفترض بأولئك الرجال ذوي البزات العسكرية والذين كانوا في تلك اللحظة يشهرون السلاح في وجوههم، أن يوفروه لهم.

قلب الجنود المنزل رأسًا على عقب. لم يتركوا مكانًا إلا وفتشوه؛ دواليب الملابس، النوافذ، تحت الفرش والبطانيات، وحتى الصعد (تنور مصنوع من الفخار) قاموا بتفتيشه ومحاولة كسره عندما عجزوا عن فتحه.

غادر الجنود المنزل بعد أن عاثوا بكل محتوياته، وقذفوا الرعب في قلب هذه العائلة الفقيرة. هذا الرعب الذي سيتحول بعد أيام إلى فجيعة مدوية هزت المجتمع المدني وشغلته في محاولة فهمها واستيعابها.

يواصل الزوج الحديث بالقول: "عادت زوجتي إلى غرفتها ما أن غادر الجنود، وطلبت من أختي أن تقوم بتغطيتها؛ لأنها كانت ترتجف بشدة".

لم تكن زوجته -كما يؤكد- قبل حادثة اقتحام المنزل، تعاني من أي مرض، بل على العكس من ذلك فقد كانت تتمتع بصحة جيدة، وكانت قد وضعت قبل شهرين ونصف مولودًا تم تسميته نبيل.

اتصلت به زوجته وفق حديثه، تخبره عدم العودة إلى البيت، حيث كان حينها في منزل قريب من إدارة أمن المديرية، يجالس أمه المريضة. شرحت له ما حصل وأنهم يريدون إلقاء القبض عليه.

مضاعفات الرعب والمرض

يجرم القانون اليمني على رجال الأمن اقتحام منازل المواطنين دون إذن من النيابة أو وجود أوامر قضائية، لكن لجوء سلطة أنصار الله (الحوثيين) إلى تعيين رجال من خارج المؤسسة الأمنية ومنحهم رتبًا ومناصب في جهاز الأمن، تسبب في حدوث انتهاكات عديدة من هذا النوع.

أصيبت زوجة محمد مقبل بتشنجات عصبية مصحوبة باصفرار وانتفاخ في البطن. وفي ظهيرة الثلاثاء 22 ديسمبر/ كانون الأول تم القيام بإسعافها إلى مستشفى العدين الحكومي.

لم يقم الأطباء هناك بعمل فحوصات لها، واكتفوا بإعطائها حقنة للأعصاب بحسب حديث الزوج، ثم تدهورت صحتها ما أن عادت إلى المنزل، حيث أصيبت بغثيان شديد ومتواصل وبدأت تشتكي من آلام في ظهرها وخصرها؛ الأمر الذي اضطرهم في اليوم التالي لإسعافها إلى مستشفى أنور محمد الهناهي، وهناك وبعد عمل التحاليل لها شخصها الطبيب بأنها تعاني من التهابات حادة وأعطاها مجموعة أدوية مضادة وطلب مننا إعادتها بعد يومين.

لم يمهل المرض ختام يومًا آخر، كان الموت ينخر جسدها من الداخل وكانت يده الطولى تفوق أيدي الأطباء. ففي فجر يوم الخميس 24 ديسمبر/ كانون الأول أحست ختام بحموضة قوية في صدرها، وأعراض أخرى فقدت على إثرها وعيها.

يقول محمد العشاري: "تم إسعاف ختام إلى المستشفى الحكومي وكانت ما تزال حية، لكنها توفيت عقب وصولها إلى هناك، وعند وفاتها خرج من أنفها وأذنيها دم مخلوط بسائل شفاف مثل الماء، قيل بأنهما بسبب إصابتها بفشل كلوي جراء خوفها من اقتحام المسلحين".

يواصل حديثه: "ماتت زوجتي بسبب اقتحام منزلي من قبل أمن العدين الذين تلقوا أوامرهم من إحدى القيادات في جماعة أنصار الله (الحوثيين)، والذي يشغل منصب مدير أمن مديرية العدين".

يكمل زوج الضحية: "لقد داهموا منزلي دون أمر من النيابة وتوفيت زوجتي بسبب الخوف والرعب اللذين أصاباها. هم من تسببوا بموتها. لو كنتُ قاتلًا ما كانوا ليقتحموا منزلي بتلك الطريقة وفي جنح الظلام".

في البدء برروا اقتحامهم للمنزل بتلك الطريقة بذريعة أن زوج هذه الضحية مطلوب بسبب تهمة سرقة، يؤكد محمد العشاري عدم قدرتهم على إثباتها، وبرأته منها النيابة لكن وبعد وفاة زوجته، وجهوا له تهمة أخرى تحولت من السرقة إلى "الداعشية" (التهمة التي تستخدمها جماعة أنصار الله (الحوثيين) ضد خصومها)!

يقول محمد، "حاولت الاستنصاف بالمشرف العام للمديرية، إلا أني فوجئت عندما سألته إن كان يجوز اقتحام بيتي وترويع النساء والأطفال بتهمة سرقة لم تثبت؟ فأجابني بأن الاقتحام لم يكن بسبب تهمة السرقة؛ بل لأن عاقل الحارة قدّم بلاغًا للأمن يفيد بأني "داعشي" وأني عدت من معسكرات التدريب في مأرب مستدلًا بشعري المحلوق!".

وتحدث العشاري عن أن رجال الشرطة سبق لهم وأن اقتحموا منزله، قبل ستة أشهر، بتهمة السرقة، وأصيب جراء ذلك طفله بدر (9 سنوات) بفشل كبدي، ثم تم اعتقاله وإيداعهُ سجن إدارة أمن المديرية.

واتهم العشاري سجانيه بالاعتداء عليه، أثناء فترة اعتقاله بضرب رأسه بأعقاب بنادقهم، وما تزال آثار ذلك الاعتداء ظاهرة على رأسه. ويضيف أنه تم إحالة ملفه إلى النيابة التي برأته وأطلقت سراحه.

يؤكد محمد العشاري تلقيه اتصالات عدة من أرقام مجهولة تعرض عليه إسقاط كل التهم والقضايا المقيدة ضده، مقابل أن يقوم بإنهاء قضية وفاة زوجته ودفنهما معًا؛ دفن القضية وجثمان زوجته ختام العشاري، المودع في ثلاجة أحد المستشفيات الحكومية.


•••
هاني أحمد أبو أصبع

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English