"مدونة السلوك الوظيفي"

استعباد ب"حافزات" أيديولوجية دينية
خيوط
November 11, 2022

"مدونة السلوك الوظيفي"

استعباد ب"حافزات" أيديولوجية دينية
خيوط
November 11, 2022

بعد فترة قصيرة من إحداثهم لتغييرات جوهرية في المناهج التعليمية في مراحل التكوين الأساسي، وصلت إلى حدّ التجريف، خدمةً لأغراض الجماعة السياسية والأيديولوجية، ها همُ الحوثيّون يصدرون وثيقة استعباد جديد، أسموها "مدونة السلوك الوظيفي وأخلاقيات العمل في وحدات الخدمة العامة"، وتخصّ شريحة الموظفين اليمنيين الذين يعملون في المرافق والمؤسسات والجهات الحكومية التي تخضع لسيطرتهم ومنقطعة مرتباتهم منذ سنوات طويلة؛ ويعمل معظم المنتمين إلى هذه الشريحة بالسخرة تقريبًا، إلا فيما يتفضّل الحوثيون بصرفه في أوقات متباعدة وبطرائق أشبه بالصدقات. 

يحمل خطاب هذه المدونة صبغات دينية مثل أي خطبة من الخطب الرائجة التي تتعامل مع متلقّفيها وكأنّهم حديثو التديُّن، وبحاجة إلى مخلِّصين جدد؛ وحدّدت هذه المدونة مرتكزاتها على المنحى الأيديولوجي للجماعة بمنزعها العصبوي المغلق، والتي ترى في نفسها سلطة زمنية وروحية لا يأتيها الباطل من أي جهة أو موضع كان؛ وأنّ محاضرات وخطابات زعيم الجماعة واحدة من مرتكزات المدونة، ودروس ومحاضرات دينية إلى جانب الهوية الإيمانية التي فصَّلتها الجماعة لتقسيم المجتمع بين موالين وخصوم بناء على رؤيتها هذه، ولم تكتفِ بذلك بل استدعت من التراث الإشكالي مرتكزًا يأخذ منحى طائفيًّا على نحو عهد الإمام علي لمالك الأشتر.  

على ضوء محتويات هذه المدونة، ستتم المساءلة وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب فيما يتعلق بـ"الالتزام من عدمه" بما ورد فيها، وأنّ جميع الموظفين ملزمون بتوقيع تعهُّدٍ خطّيٍّ يتمثّل كل ما ورد فيها، ويُحفظ هذا التعهد في ملف الموظف، وسيُعَد هذا الملف ناقصًا إذا لم يحتوِ على هذا التعهد الاستعبادي، الذي يلزم كل الموقعين عليه من مستهدفي الوظيفة العامة بحمل الروح الثورية والمشاركة في إحياء المناسبات الدينية والوطنية، التي تحدّدها الجماعة على أساس طائفي وسياسي، يخدم مشروعها على المدى الذي تتوقعه بعيدًا، أمّا الالتزام بالفرائض الدينية حسب المدونة، واحدة من المسؤوليات الأساسية للموظفين العاملين في وحدات الخدمة العامة. 

تبنّي مواقف الجماعة السياسي ضدّ خصومها، والإيمان بالولاية التي تخولهم الإمساك بالسلطة والحكم كحق إلهي كما يزعمون، إلى جانب الالتزام بحضور الدورات الثقافية التي تنظّمها الجماعة للمسؤولين والموظفين الحكوميين وغير الحكوميين، وبكل درجاتهم لتعريفهم بالهوية الإيمانية- هي الأخرى شروط أساسية في مدونة السلوك التي ينبغي على الموظفين القبول بها، ولكل من يرغب بالتوظيف أو الاستمرار بالوظيفة العامة، التي صارت تتعامل معها كملك خاص، مثلها مثل كل الأشياء التي تملكتها غصبًا. 

الجماعة الحوثية لا تريد الإصغاء للمجتمع، وتظن أنّ صبغَه بلونها الواحد، وإرغامه على التفكير بذات طرائق صندوق فقهائها ومتنفّذيها، اعتمادًا على قوة سلاحها وقبضتها الأمنية، هو الذي سيمدّ نسغ هذا التكوين بالحياة، في مجتمع نوافذه مفتوحة وعيونه تبصر وآذانه تصغي للعالم الصغير الذي ينقل تفاعلاته اليومية الفضاء المفتوح.

على الجماعة أن تتعظ من تجارب الشعوب، وأنّها عابرة في الزمن، فإمّا أن تخلَّد باعتبارها جزءًا من مجتمع متعدّد يقوم على الشراكة والقَبول، أو أن تُلعَن باعتبارها جماعة احتكارية مستبدّة ترى البلاد بناسها ومقدراتها المادية والرمزية ملكًا لها، وكل المؤشرات تقول إنّها اختارت المسلك الثاني، وبحافزات عنصرية شديدة القتامة.

•••
خيوط

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English