هذا بلدٌ عظيم، لكنّه ليس وطنًا

نحن لا نعرف من الحياة إلا عذابها
ضياف البَرَّاق
March 3, 2024

هذا بلدٌ عظيم، لكنّه ليس وطنًا

نحن لا نعرف من الحياة إلا عذابها
ضياف البَرَّاق
March 3, 2024
الصورة لـ: شهدي الصوفي

يقال: "مع الإرادة، لا شيءَ مستحيل"، ونحن أبناء اليمن نعيش في الجحيم، جحيم الصراع على الثروة والنفوذ والسلطة، صراع الأهواء والمصالح القذرة؛ ولذلك ليس لنا وطن كريم كأوطان بقية شعوب العالم، إنما نستطيع أن نجعل بلدنا وطنًا عظيمًا، إذا شئنا. 

نعم، فبالإرادة الجمعية القاهرة نستطيع أن نبني الوطن الذي نحلم به منذ زمن طويل.

الوطن ليس فقط الأرض الشاسعة التي نعيش فيها، ولا هو ضجيج الشعارات الحزبية، ولا هو القبيلة والدِّين، وإنما هو الحقوق والحريات وفرص العمل، التي بدونها لا تكون للإنسان كرامة.

الوطن أيضًا هو الحياة الكريمة، وليس هذا الجحيم الذي نموت فيه أفرادًا وجماعات، وآفة الآفات أنّ الصراع السياسي في اليمن ليس من أجل الوطن بل ضدّه، وليس من أجل الإنسان أولًا وأخيرًا، بل من أجل استغلال الإنسان، وإهانة كرامته، وسرقة حقوقه، وتدمير حياته. 

ها نحن في قلب العذاب، نمرض، ونجوع، ونعطش، نتفرق ونتمزق ونضيع وتذهب حياتنا سُدى. واليمنيون مع أنهم أصحاب تاريخ حضاريّ عظيم، فإنهم لم يستطيعوا إلى اليوم أن يبنوا وطنًا يلمّ شملهم، ويجمع أهدافهم وتطلعاتهم، ويمنحهم حياة آمنة خالية من الرعب والعنف والعذابات والجراحات.

فبَعدَ انفجار سد مأرب، وانهيار الحياة اليمنية مِن حوله، أصبح اليمنيون مضرب المثل في المنطقة العربية كلها، في الفُرقة والتمزق والتشرد، وأصبح يقال: "تفرّقت أيدي سبأ".

المؤسف أنّ ذاك المثل نفسه يستطيع المرء إطلاقه على واقعنا الحاضر، فها نحن نعيش حالة التفرقة والشتات والاحتراب الداخلي وغيرها من الهموم والمشكلات اليومية، مما يعني أنّنا فشلنا منذ ذلك الحين في أن نبني لنا وطنًا يستوعب الجميع، ويضمن لهم حقوقهم، ويعاملهم على قدم المساواة.

ففي الماضي كان آباؤنا وأسلافنا بحاجة ماسة إلى الوطن، لكنهم لم ينجحوا في تحقيق حلمهم هذا، وفي الحاضر نحن في أشدّ الحاجة للوطن، لكننا عاجزون عن بنائه؛ بسبب خلافاتنا البينية البغيضة. 

أما المستقبل، فلن يكون لنا مستقبل إذا لم نبنِ الوطن اليمني الرائع، الذي نحلم به، وننشده منذ زمن غير قصير. 

نحن بسبب غياب الوطن؛ أي الدولة العادلة الحديثة، لا نعيش الزمن، ولكننا نستهلكه في العبث، أي إنّنا نخنق حياتنا بدلًا من أن نجعلها تُزهر وتنمو، والواقع أننا لا نعرف في حياتنا الاستقرار ولا التنظيم ولا الأمن والأمان، وبدون الاستقرار لن نتقدم خطوة إلى الأمام؛ لأنّ الفوضى لا تؤدي إلا إلى مزيد من الفوضى. 

فأهداف وأحلام وتطلعات ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، لم يتحقّق منها سوى الشيء البسيط، وأما ما أردناه من ثورة الحادي عشر من فبراير، فلم يتحقق منه أي شيء، بل ذهب الأمر للأسوأ، وذهب اليمنيون إلى حرب أهلية أكلت الأخضر واليابس، وأتت على الحاصل والناصل، وهكذا أصبح وجودنا جحيمًا مفتوحًا. إنما قد ينتهي هذا العبث، إن شئنا الخلاص منه. 

الوطنية مستمرة، وضجيجها يتزايد، واليمنيون يتخبطون بين ماضٍ دامس وحاضرٍ أعوج، ولا ندري أيّ طريق نسلك وأية معجزة ستنقذ الشعب من هذا العذاب الهائل.

صحيحٌ، هذا بلد عظيم، لكنه ليس وطنًا، وهذا شعب عظيم، لكنه ليس متحدًا ولا مستيقظًا ولا يعرف من الحياة إلا عذابها. 

المأساة اليمنية تكبر كل يوم، وهموم الناس تتفاقم، الحقوق تُسلَب، والحريات تُقمَع، وأبواب الحلول تُغلق، وليس أمسنا بأحسنَ من يومنا، وما نخشاه أن يكون غدنا أكثر بشاعة من هذا الوضع المُزري.

نحن بحاجة إلى وطن، إلى وطن، إلى وطن، وحين نُوجِد الوطن الحقيقي سنجد الحياة الحقيقية ونكون شعبًا حقيقيًّا، وحينها سنصبح مع الحق والحقيقة، لا ضدًّا عليهما كما هو حالنا الآن.

لدينا شعارات وطنية لامعة، ولكن ليس لنا وطن، ولنا أهداف وطنية كبيرة، لكننا لا نبني الوطن الذي نريد، وما أكثرَ الوطنيين الزائفين في هذا البلد الذي نجني عليه فيجني علينا! 

الوطنية مستمرة، وضجيجها يتزايد، واليمنيون يتخبطون بين ماضٍ دامس وحاضرٍ أعوج، ولا ندري أي طريق نسلك وأية معجزة ستنقذ أبناء شعبنا من هذا العذاب الهائل. ما أكثر الأسئلة في جعبة الإنسان اليمني المسحوق، وما أقل الحيلة في يده، حتى في أحلامه لا يستطيع أن يحلم بحرية، أما الكلام، فقد أصبح المواطن اليمني مجرد كلام، إنه بلد خانق، أشبه بالسجن، ولقد صدق شاعرنا اليمني الكبير عبدالكريم الرازحي، عندما قال في واحدة من قصائده الرائعات: "كلما ضاق الوطنُ، اتّسعَ الحَبْس".

أما حقيقة الحقائق وخلاصة الخلاصات، التي لم يستوعبها اليمنيون؛ لأن معظمهم لا يقرؤون؛ فهي التي قالها الأستاذ الراحل، الصحفي المناضل عبدالغفور البرَّاق، في مقالة كتبها ونشرها في صحيفة المستقبل بعد قيام الوحدة اليمنية بعامين، قال البراق حينها: "الوطن كل شيء"، وكان هذا عنوان مقالته تلك. والمؤسف أنّ ذاك الصوت الوطني النبيل لم يُسمَع قطّ، بدليل أنّ اليمنيين لم يستوعبوا بعدُ أنّ الوطن هو كل شيء، وأنهم من غير الوطن سيظلون منسيين خارج العصر وعلى هامش الحياة.

إنّ الشعب الذي لا يعرف أنّ الوطن هو كل شيء، كيف سيبني وطنًا؟ وكيف لمن ليس له وطن، أن يكون له وجود إنساني حقيقي؟

أيها اليمنيون في الجحيم وخارجه، ألا اسمعوا وعوا: الوطن كل شيء، فأين وطنكم؟ 

فأنتم لا شيء؛ لأنكم بلا وطن.

فمتى سُيقال: تجمّعتْ أيدي سبأ؟

•••
ضياف البَرَّاق

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English