سلّة غذائية معلقة في السماء

شقيقان في جبال الشمّايتين يتحديان الحرب بالزراعة
محيي الدين فضيل
January 4, 2022

سلّة غذائية معلقة في السماء

شقيقان في جبال الشمّايتين يتحديان الحرب بالزراعة
محيي الدين فضيل
January 4, 2022

في مديرية "الشَّمّايتين"- جنوب غرب مدينة تعز، نحت الشقيقان محيي الدين (55 سنة)، وعبده علي سعيد (52 سنة)، قصة نجاح فريدة وسط منحدرات صعبة وشاهقة في قرية "الشّوَّيْبَة" التابعة إداريًّا لعُزلة "راِسنْ" الجبلية. هي قصة تحدٍّ للواقع التعيس الذي فرضته الحرب، حيث بعث هذان الشقيقان آمال قرية معزولة عن جوارها، وبإصرار عجيب، حوّلوا تلك المنحدرات إلى سلة غذائية لجميع القرى المجاورة لها. مختلف أنواع الفواكه والخضروات، زرعاها في مدرّجات حرثاها بيديهما لتصبح مصدر أمان معيشي لأسرتيهما، وغذاء لجوارها من القرى.

يقول محيي الدين لـ"خيوط"، إن تعقيدات وظروف الحياة التي ازدادت تأزمًا خلال السنوات الأخيرة من الحرب، كانت دافعًا له ولشقيقه لتنويع مصادر العيش من خلال تنويع أصناف المزروعات في حقولهم الجبلية. كما وضعَا كذلك خطة لتسويق محاصيلهما الزراعية خارج القرية فوق ظهور الحمير، كون المنطقة الجبلية التي يسكنانها ليست على طريق للسيارات.

شجرة الموز هي الأكثر انتشارًا في قرية "الشَّوّيبة"، حيث توجد منها المئات، ويعتني بها الشقيقان على مدار العام. هناك أيضًا الجوافة و"العَنب الظبّي" والباباي، وأنواع من الخضروات والبقوليات، وهما يزرعان شجرة القات أيضًا، لكن للاستهلاك الشخصي.

جهود الشقيقين سعيد في زراعة الحقول الصغيرة والمدرجات الزراعية، أسهمت في توفير فرص عمل لعدد من شباب القرية، خاصة مع عدم قدرتهم على الذهاب بحثًا عن أعمال في مناطق أخرى بسبب الحرب المستمرة إلى اليوم.

مع كل صباح يتجه محيي الدين سعيد، نحو مركز عزلة "راسِن" على ظهر حماره لبيع منتجات مزارعه في سوق ريفي صغير يرتاده الأهالي. يعود من رحلته اليومية هذه عصرًا، حيث يأخذ استراحة قصيرة، ثم يعود إلى مزرعته لقطف الخضار والفواكه لتجهيزها لليوم التالي. ملامح الرضا بادية عليه، كونه تمكن من تحقيق اكتفاء ذاتي في غذائه ومعيشته، ومن تطوير مهنته كمزارع يعيش في ظروف حرب، وفي رأس جبل. المياه والحراثة والعناية بالشجرة، هي كل ما تحتاجه مزرعة لتمنح خيرها لمن يطلبه، وهو ما يفعله الشقيقان سعيد.

وصلنا للمنطقة في اللحظة التي كان فيها الشقيق الأصغر، عبده سعيد، يعمل في المزرعة. وهو يرى أن الينابيع الموجودة في الجبل، شجعته وشقيقه على بناء هذه المدرجات الزراعية والعناية بها، سواء من خلال زراعة الأعلاف أو الفواكه والخضروات. لكن هذا لا يعني أنّ الشقيقين المثابرَين لا يواجهان أية صعوبات؛ فقد شكا عبده سعيد من وعورة الطريق الذي لا يصلح سوى للسير بالأقدام أو على ظهور الحمير، والأخيرة هي الوسيلة المتاحة لجميع سكان القرية من أجل نقل أغراضهم من وإلى الجبل. مسافة تستغرق نصف ساعة نزولًا إلى أقرب طريق تمرّ منه السيارات، أما صعودًا، فهو أكثر من ذلك بالتأكيد.

جهود الشقيقين سعيد في زراعة الحقول الصغيرة والمدرجات الزراعية، أسهمت في توفير فرص عمل لعدد من شباب القرية، خاصة مع عدم قدرتهم على الذهاب بحثًا عن أعمال في مناطق أخرى بسبب الحرب المستمرة إلى اليوم. أولادهما يعملون أيضًا في هذه الحقول، التي تكتسب منتجاتها الزراعية ميزة خلوّها من السموم الضارة، التي غالبًا ما يخشى منها المستهلك.

إلى ما قبل سنوات قليلة، كانت "الشّوّيبة" قرية جبلية قاحلة، غير أن الشقيقين سعيد نجحا في تحويلها إلى مساحة خضراء تؤمِّن جانبًا مهمًّا من الغذاء، وتسحر زوّارها بجمالها، وبتلك الينابيع التي حوّلاها إلى جداول أحيت تلك الأرض المجدبة، لتصبح سلة غذائية معلقة في السماء.


* تحرير "خيوط"


•••
محيي الدين فضيل

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English